فهرس الكتاب
الصفحة 212 من 543

عِنْدَ الْبَشَرِ كَمَا أَنَّهُ شَافِعٌ لِلطَّالِبِ شَفَّعَهُ فِي الطَّلَبِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ صَارَ شَفْعًا فِيهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ وِتْرًا، فَهُوَ أَيْضًا قَدْ شَفَعَ الْمَشْفُوعَ إِلَيْهِ، وَبِشَفَاعَتِهِ صَارَ فَاعِلًا لِلْمَطْلُوبِ، فَقَدْ شَفَّعَ الطَّالِبَ وَالْمَطْلُوبَ مِنْهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى وِتْرٌ، لَا يَشَفَعُهُ أَحَدٌ، فَلَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَالْأَمْرُ كُلُّهُ إِلَيْهِ، فَلَا شَرِيكَ لَهُ بِوَجْهٍ. فَسَيِّدُ الشُّفَعَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا سَجَدَ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى فَقَالَ لَهُ اللَّهُ: «ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاسْأَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَيَحُدُّ لَهُ حَدًّا فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ» ، فَالْأَمْرُ كُلُّهُ لِلَّهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [1] . وَقَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [2] . وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [3] ، فَإِذَا كَانَ لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ لِمَنْ يَشَاءُ، وَلَكِنْ يُكْرِمُ الشَّفِيعَ بِقَبُولِ شَفَاعَتِهِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا يَشَاءُ» . وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا صَفِيَّةُ يَا عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَمْلِكُ لَكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ، لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا» . وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ شَاةٌ لَهَا يُعَارٌ، أَوْ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فَيَقُولُ: أَغِثْنِي أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ» . [4] فَإِذَا كَانَ سَيِّدُ الْخَلْقِ وَأَفْضَلُ الشُّفَعَاءِ يَقُولُ لِأَخَصِّ النَّاسِ بِهِ: لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فَمَا الظَّنُّ بِغَيْرِهِ؟ وَإِذَا

(1) سورة آلِ عِمْرَانَ آية 154.

(2) سورة آلِ عِمْرَانَ آية 128.

(3) سورة الْأَعْرَافِ آية 54.

(4) هو مختصر معنى حديث صحيح، رواه أحمد في المسند: 9499، ورواه مسلم في صحيحه 2: 83. ورواه أيضًا البخاري وغيره، وقوله «ثغاء"، وهو صياح الغنم. وبدله في المطبوعة «يعار» . وهو بمعناه، ولكن أثبتنا ما في المسند وصحيح مسلم. وقوله (أو رقاع تخفق) بدله في المطبوعة (أو قاع يخفق) ، وهو خطأ لا معنى له."

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام