فهرس الكتاب
الصفحة 132 من 838

الله جل وعلا يتكلم بحرف، ويتكلم بصوت مسموع، وكلامه كلام كوني وكلام شرعي كما سنبين، دليل كلام الله جل وعلا بحرف قول الله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم:1] ، {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:1 - 2] ، وقوله: {حم * عسق} [الشورى:1 - 2] ، وقال الله تعالى: {كهيعص} [مريم:1] ، وقال جل وعلا: {طه} [طه:1] الطاء والهاء (طه) من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم كما هو المشهور عند العامة.

ويتكلم الله بصوت يسمع، ودليل ذلك: قال الله تعالى: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الشعراء:10] ، والنداء بالهمز دون سماع الصوت، والنداء لابد أن يكون بصوت مسموع، قال تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ} [الصافات:104] ، وقال: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ} [مريم:52] نادى موسى عليه السلام، فالنداء لابد أن يكون بصوت.

إذاً: يتكلم الله بحرف مفهوم وبصوت مسموع، وكلام الله جل وعلا لا يحصى ولا يفنى، وهذه من أدلة أنها صفة من صفات الكمال كما سنبين، قال الله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف:109] ، وقال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان:27] ، فالله جل وعلا كلماته لا تفنى ولا تنفد؛ لأنها صفة من صفات الله، باقية ببقاء الله جل وعلا.

ومن صفات كلام الله جل وعلا أن كلمات الله تنقسم إلى قسمين: كلمات كونية، وكلمات شرعية.

الكلمات الكونية: التي منها الخلق والإعطاء والمنع والتعذيب والرحمة، والكلمات الشرعية: التي فيها الأوامر والنواهي، قال الله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:40] ، فقوله: (( أَنْ نَقُولَ لَهُ ) )، الكلمة كلمة كونية منها الخلق؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ، فالحفظ والكلأ كلمتان كونيتان، يعني: أعوذ بكلمات الله من كل شيطان رجيم، وأن يحفظني من كل سوء، ويحفظني من كل هم، فالحفظ صفة من صفات الربوبية فهو كلمة كونية.

أما الكلمات الشرعية كقول الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] ، وقول الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء:36] ، فكل ما تجد من أمر ونهي كلمات شرعية، وكل ما تجد من إعطاء، ومنع، وإحياء، وإماتة، وحفظ، وكلأ، كلمات كونية تتصل بربوبية الله جل وعلا.

ولو جاءنا بعض المبتدعة وقال: أنتم الآن شبهتم الله بخلقه وقلتم هو متكلم، فهو يشبه المخلوقين.

فإن الرد عليهم أن نقول: هذا لازم باطل، ولا يمكن أن نقبله، ولو قلنا: الله غير متكلم ووافقنا أهل البدع، وقلنا: الله لا يمكن أن يتصف بالكلام، فإنه لا يوجد خلق؛ لأن الله خلق بالكلمة فقال: (( كُنْ فَيَكُونُ ) )أي إذا قلتم: أن الله غير متكلم فلا خلق موجود، لكن الخلق موجود، ولو قلنا بهذه الشبهة فلا يوجد رسل؛ لأن الرسل ما أرسلوا إلا بوحي من الله، يعني: بكلام من الله جل وعلا، فيلزم المعتزلة والجهمية أن الله جل وعلا لم يخلق الخلق؛ لكنه خلق الخلق بكلمة (كن) ، ويلزم من قولهم أن الله جل وعلا لم يرسل الرسل؛ لكن الله أرسلهم بوحي وبكلام منه جل وعلا.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام