الصفحة 9 من 92

[جعلَ اللهُ الرحمةَ في مئةِ جزءٍ]

11 -ولهما عنه أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( جعل اللهُ الرَّحمة مئةَ جزءٍ، فأمسك عندهُ تسعةً وتسعينَ جزءًا وأَنزل في الأرض جزءاً واحداً فمن ذلك الجزء تتراحَمُ الخلائِقُ حتى تَرفَعُ الدَّابَّةُ حافِرها عن ولدها خَشْيةً أن تُصبَهُ ) ).

12 -ولمسلمٍ معناه من حديث، وفيه: (( كُلُّ رحمةٍ طِباقُ ما بين السَّماءِ والأرض ) )وفيه (( فإذا كان يومُ القيامةِ كمَّلها بهذِهِ الرَّحمَةِ ) )... [1] .

[تعجيل حسنات الكافر في الدنيا]

13 -وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (( إنَّ الكافرَ إذا عمِلَ حسنةً أُطعِمَ بها طُعمَةً في الدُّنيا، وأمَّا المؤْمِنُ فإنَّ اللهَ يَدَّخِرُ له حسناتِهِ في الآخرة ويُعقِبُهُ زرقًا في الدنيا على طاعتِهِ ) ). رواه مسلم [2] .

(1) رواه البخاري كتاب الأدب (10/ 431) رقم: (6000) ، ومسلم كتاب التوبة (4/ 2108) رقم: (2752) .

هذا الحديث كسابقيه في إثبات صفة الرحمة ولكن فيه مزيد فائدة وهي بيان أن الصفة لله -جل وعلا- لها آثارها في الخلق فرحمته - سبحانه وتعالى - جعل جزءاً منها له أثر في الأرض فبها يتراحم العباد، فجزء من أجزاء رحمة الرحمن -جل وعلا- جعلها في عباده فكل ما ترى من التراحم هذا من آثار وصف الرحمن بالرحمة من آثار اتصاف الرحمن -جل وعلا- بالرحمة، ويدل هذا أيضًا على أن الرحمة كما ذكرنا هي الرحمة المعهودة؛ لأنه جعل رحمة الرحمن منها جزء يتراحم به الخلق فدل على أن رحمة الرحمن من جنس رحمة المخلوق يعني أنها الرحمة المعهودة وإن اختلفت في قدرها وصفتها؛ لأن الصفات تبع للذات فالمخلوق يناسبه من هذا الوصف ما يلائم ذاته، والرحمن -جل وعلا- له من هذه الصفة ومن غيرها كمال ذلك وشموله وإطلاقه.

(2) رواه مسلم كتاب صفات المنافقين (4/ 2162) رقم: (2808) من طريق سليمان التيمي عن قتادة عن أنس به.

هذه الأحاديث من كتاب أصول الإيمان للإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله تعالى ـ كما ذكرنا لك فيما ذكر صفات الله ـ جل وعلا ـ وذكر الجنة والنار فسبق أن ذكرت بعض الصفات في الأحاديث كالرحمة واليد وغير ذلك، وهذه الأحاديث التي ذكرها فيها القدر، وذكر صفة المغفرة وذكر الجنة، والنار في الحديث الأول حديث أنس ـ - رضي الله عنه - ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (( أن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة في الدنيا ) )هذا فيها إثبات كمال عدل الله ـ - سبحانه وتعالى - ـ وأنه لا يضيع إحسان محسن وعمل عامل حتى الكافر، ولكن ثوابه يكون عليه في الدنيا، وذلك لكمال صفاته سبحانه، وكمال عدله أن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة في الدنيا، فأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة ويعقبه رزقا في الدنيا على طاعته يعني أن الله ـ - سبحانه وتعالى - ـ يثيبه على حسناته في الآخرة ويمن عليه ويبتدئه برزق في الدنيا وإحسان إلى المؤمن فالمؤمن والكافر وجميع الخلق قائمون مع رحمة الله ـ - سبحانه وتعالى - ـ إذ رحمته سبحانه وسعت كل شيء، ولهذا ذكر هذا الحديث بعد أحاديث الرحمة؛ لأن العدل مع الكافر في أنه يثاب على حسناته في الدنيا هذا من الرحمة به، وكذلك هنا يثاب المؤمن على حسناته في الآخرة ويعطي على أنواع الطاعات في الدنيا رزقا وسعة، وصحة إلى آخره ابتداء من الله ـ جل وعلا ـ ومنه هذا أيضا من آثار سعة رحمة الله ـ جل وعلا ـ.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام