الصفحة 60 من 92

(1) قال -رحمه الله تعالى: (باب تحريضه صلى الله عليه وسلم على لزوم السنة والترغيب في ذلك وترك البدع والتفرق والاختلاف والتحذير من ذلك) هذا الأصل من أعظم أصول الدين ومن أعظم ما يؤمر به ويحض عليه وهو أن يحرض ويؤمر بلزوم السنة وترك البدع والتفرق، والسنة تشمل الاعتقاد بعامة وتشمل متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في العبادة، وفي الأمر والنهي ولهذا السنة يعبر بها تارة عن التوحيد فيقال التوحيد -السنة بمعنى واحد العقيدة وتارة يعبر بالسنة عن أوامر النبي - صلى الله عليه وسلم - ونواهيه التفصيلية والمراد بقوله: (باب تحريضه - صلى الله عليه وسلم - على لزوم السنة) يعني على لزوم ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من الهدي في الاعتقاد والتوحيد وكذلك في الأمور العملية فكل المسائل العلمية والعملية يجب فيها لزوم السنة؛ لأن الأصل أننا لم نعلم شيئًا عن ذلك لا الأمور العلمية ولا الأمور العملية إلا بواسطة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلهذا كل مخالفة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في العقيدة في التوحيد فهي مخالفة للسنة فكل أمر أمرَ به النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأمور العملية مخالفته مخالفة للسنة كل ارتكاب نهيً أيضًا مخالفة للسنة.

فإذاً قول الشيخ هنا: (باب تحريضه - صلى الله عليه وسلم - على لزوم السنة) يريد به المعنيين السنة بالمعنى العام الذي هو التوحيد والعقيدة، ويريد به أيضاً المعنى الخاص كما سيأتي في الأحاديث. يقابل السنة البدعة والبدع تارة تكون في الاعتقاد يعني في الأمور العلمية وتارة تكون في الأمور العملية فكما أن السنة منقسمة فضدها وهو البدعة منقسم، ولهذا عُرِّفت السنة بأنها ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أمر به في العلم أو العمل والبدع هو ما خالف طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - في العلم أو العمل، فالبدع أو البدعة عُرِّفت بتعريفات كثيرة معلومة لديكم وأصح التعاريف فيها هو ما يدخل المسائل العلمية والعملية جميعًا فنقول هذا قول أهل البدع مع أنها ليست من المسائل العملية إنما هي من المسائل الاعتقادية؛ لأن البدعة في الاعتقاد.

فتعريف الشاطبي المشهور بأن البدعة طريقة في الدين مخترعة .. إلى آخره هذا تشمل ما يُلْتَزم من الأمور الاعتقادية ومن الأمور العملية لأن الدين يشمل هذا وهذا. المقصود من ذلك أن الأمر بلزوم السنة هذا نهى عن البدعة والنهي عن البدع أمر بلزوم السنة في المسائل العلمية والعملية فكل هذا من أصول الدين بل هو معنى شهادة أن محمدًا رسول الله، ولهذا كل عالم أو طالب علم وكل من ورث علم محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنه يقوم مقامه هذا في الدعوة إلى لزوم السنة وترك البدع والتفرق والاختلاف.

التفرق والفرقة قد تكون فرقة في الدين وقد تكون أيضاً فرقة في الجماعة. يعني جماعة الأبدان ولهذا ذكر الله -جل وعلا- التفرق كما سيأتي معنا في الآيات ويراد به الفرقة في العقيدة التفرق في العلم قال -جل وعلا-: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} وقال -جل وعلا-: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ... } وقال -جل وعلا-:

{وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ} فالتفرق إذًا وهو ما يقابل الجماعة هذا من لوازم الابتداع سواء كانت البدعة كفرية أو بدعة فيما دون ذلك فكل بدعة فرقة وكل فرقة لابد أنها خلاف واختلاف فلهذا ترى أنه في الشريعة في النصوص ثم تلازم ما بين لزوم السنة ولزوم الجماعة فمن لزم السنة فقد لزم الجماعة والجماعة بالمعنيين جماعة الدين يعني اجتماع الدين وعدم التفرق فيه كما ساق الإمام هنا آية الشورى وهي قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ... } يعني دين الأنبياء واحد فالأنبياء أخوة لعلات الدين واحد والشرائع شتى فدينهم وهو العقيدة والتوحيد الذي هو مبني على أصول الإيمان الستة هذا مجتمع عليه بين الرسل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، الإيمان بهذه الأركان الستة وما دلت عليه هذا هو الدين الذي اجتمعت عليه الرسل جميعًا هو الدين الواحد أما الشرائع فمختلفة شرائع فيها صفة الصلاة وصفة الصيام وصفة الحج والوضوء والطهارة والنجاسة وأحكام النجاسة والبيع والشراء ... إلى آخره هذه الشرائع مختلفة كما قال الدين واحد والشرائع شتى. المقصود من هذا أن يتأصل أصل عند كل مسلم وهو أن السنة ملازمة للجماعة وأن البدعة ملازمة للفرقة، والجماعة رحمة والفرقة عذاب ولهذا لم تتفرق الأمة في أبدانها إلا لما تفرقت في العلم، لم يحصل التفرق في الأبدان أولاً ثم حصل التفرق في العلميات ثانيًا لا. لما حصل في أول الزمان لما ظهرت الخوارج كان الأصل تفرق في الدين يعني في المسائل العلمية فتبعه تفرق في المسائل العملية أو تفرق في الجماعة وعدم لزوم جماعة المسلمين وإمام المسلمين ولهذا كل دعوة إلى العلم النافع كل دعوة إلى معرفة الحق في المسائل العلمية كل دعوة إلى لزوم العلم والكتاب والسنة وتعلم العلم النافع هذه تؤول بصاحبها بل بالناس إلى لزوم السنة ونبذ الفرقة ولزوم الجماعة فلا يحدث تفرق في الأبدان وفتن وهرج ومرج في الناس إلا إذا تركوا المأمور به من لزوم السنة لهذا من ترك فإما أن يكون جاهلاً وإما أن يكون مقصرًا فالمقصر لا يعذر مقصر في العلم ومعرفة ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأمور العلمية يعني في العقيدة والاعتقاد وهو يمكنه ذلك وبين يديه فإنه قد لا يعذر من كان على هذا النحو فلهذا صار أهل البدع هم شر الناس شر أهل القبلة هم أهل البدع وجاء فيها قول النبي - صلى الله عليه وسلم: (( وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ) )فأعظم ما يدعى إليه ويحرض عليه دائماً وأبدًا هو لزوم السنة ونبذ البدع؛ لأن لزوم السنة معناه لزوم العلم النافع معناه أن يلزم طريقة الصحابة -رضوان الله عليهم- الأئمة، وهذا فيه الاجتماع والائتلاف وعدم الاختلاف. ترى مثلاً في هذا الوقت لما كثرت الأقوال والآراء وإعجاب كل ذي رأي برأيه حتى مع الأسف ونسأل الله العفو والغفران وأن يجنبنا ضلال الضالين حتى في المسائل العقدية أصبح هناك اجتهادات وأصبح هناك أقوال تأتي جديدة إما في المسائل العظام وإما في المسائل التي كان عليها الأئمة من قبل، وانتهى الأمر فظهرت فرقة لماذا جاءت الفرقة؛ لأنه ما لزمت السنة تمامًا وأقوال الأئمة في المسائل العلمية إذاً فالدعوة إلى العلم والسنة ومعرفة ما أنزل الله -جل وعلا- على رسوله - صلى الله عليه وسلم - هو دعوة إلى الاجتماع وعدم التفرق ولهذا من أعظم الذنوب الفرقة ومن أعظم الأصول التي دعا إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - الاجتماع في الدين، والاجتماع في الأبدان، وعدم الاختلاف في ذلك.

قال -جل وعلا-: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} الآية، والأسوة الحسنة يعني الاتساء الحسن والاقتداء الأفضل فالنبي - صلى الله عليه وسلم - هو من يقتدى به في العلم والعمل - صلى الله عليه وسلم -. وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} وجه الدلالة منه أن الله -جل وعلا- ذم التفرق بقوله {لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} يعني هؤلاء الذين فرقوا دينهم أنت لست منهم في أي شيء في أي خصلة لست منهم يعني أنهم ليسوا معك في أي خصلة؛ لأن أصل الدين هو الأمر بالاجتماع فيه. عدم التفريق في المسائل العلمية هذا نتبع فيه الدليل وهذا لا نتبع فيه يعني المسائل العلمية الكبار، وهي مسائل العقيدة والسنة، كذلك قوله تعالى: {أن أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فيه} فإذًا الفرقة فيما دلت عليه الآيات يراد بها تارة الفرقة في الدين يعني الفرقة في العلم في العقيدة التوحيد في مسائل الإيمان ويراد بها الفرقة في الأبدان

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام