[إثبات صفة الرحمة لله ـ - سبحانه وتعالى - ـ]
9 -ولهما عن عمر - رضي الله عنه - قال: قُدِمَ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْيِ هوازِنَ؛ فإذا امرأَةٌ من السَّبيِ تسعى إذْ وجدت صبيًا في السبي فأخذته فأَلزقته بِبِطنِها فأرضعته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: (( أترون هذه المرأَة طارِحةً ولدها في النَّار؟! ) )"قلنا: لا والله!"فقال: (( اللهُ أرحمُ بعبادِهِ من هذهِ لولدِها ) ) [1]
[سعة رحمة الله - عز وجل -]
10 -وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (( لمَّا خلق الله الخلْقَ كتبَ في كتابٍ فهو عندَهُ فوق العرش: إنَّ رحمتي غَلبَتْ غضبي ) ). رواه البُخاريُّ [2] .
(1) رواه البخاري كتاب الأدب (10/ 426) رقم: (5999) ، ومسلم كتاب التوبة (4/ 2109) رقم: (2754) .
وهذا الحديث فيه إثبات صفة الرحمة لله -جل وعلا- وفيه امتناع تأويل صفة الرحمة بإرادة الإنعام أو الإحسان؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - مثل والله - سبحانه وتعالى - له المثل الأعلى فلما مثل عظم رحمة الله -جل وعلا- برحمة هذه المرأة بولدها علمنا أن المراد هنا الرحمة المعروفة المعهودة عند الناس التي يجدها كل إنسان في نفسه يعرف معنى الرحمة، والكلمات إنما هي للتعبير عن الأشياء، والرحمة معلومة يعلمها المرء من نفسه لأنها فيه غريزة فلهذا قوله: (( الله أرحم بعبده من هذه بولدها ) )يدل على إثبات صفة الرحمة وعلى أنها صفة لله -جل وعلا- على ما يليق به - سبحانه وتعالى - وعلى أنه يمتنع تفسير هذه بإرادة الإنعام؛ لأن السياق والتمثيل يمنع ذلك.
(2) رواه البخاري كتاب بدء الخلق (6/ 287) رقم: (3194) وكتاب التوحيد (13/ 404) رقم: (7422) ، (13/ 440) رقم: (7453) ، ومسلم كتاب التوبة (4/ 2107) رقم: (2751) .
كذلك هذا فيه إثبات صفة الرحمة لله -جل وعلا- وهذا الحديث فيه بحث من جهة هذا الكتاب الذي هو فوق العرش (( لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش، إن رحمتي غلبت غضبي ) )وفي بعض الألفاظ فهو عنده في العرش وهذا فيه بحث من جهة هذا الكتاب الذي فيه هذه الكلمة (( إن رحمتي غلبت غضبي ) )هل هو كتاب من اللوح المحفوظ فيكون في اللوح المحفوظ ذكر صفات الرب -جل وعلا- أو هو كتاب مستقل جعله الله -جل وعلا- فوق عرشه ليبين عظم سبق رحمته لغضبه، وهذا يدل على أن الرحمة صفة ذاتية وعلى أن الغضب صفة اختياريه فالرحمة ملازمة للرحمن -جل وعلا- فهو - صلى الله عليه وسلم - لم يزل رحيمًا، وهو رحيم لا تنفك عنه الرحمة، أما الغضب فهو صفة اختيارية تقوم بالرحمن -جل وعلا- إذا شاء بمشيئته وقدرته فيغضب في حين، ولا يغضب في حين آخر أما الرحمة فهو دائمًا - سبحانه وتعالى - رحيم ولأجل رحمته قامت هذه المخلوقات، فقيان هذه المخلوقات وظهور النعم فيها كلها من آثار رحمة الرب -جل وعلا- وهذا يدل على أن آثار الرحمة دائمة وعلى أن آثار الغضب غير دائمة.
لقوله -جل وعلا- { ... } فجعله حالاً يعني ليس دائمًا، وإنما يحل في حين دون آخر كما جاء في حديث الشفاعة المعروف قال: (( إن الله غضب اليوم غضبًا لن يغضب بعده مثله ولم يغضب قبله مثله ) )فدل على قيام الغضب به -جل وعلا- بمشيئته واختياره وقدرته - سبحانه وتعالى -، إذن هناك فرق كبير بين صفة الرحمة وصفة الغضب لله - جل وعلا - الرحمة الذاتية والغضب اختياري، والرحمة آثارها دائمة، والغضب آثاره ليست بدائمة. الرحمة من آثارها ما يتقلب فيه الخلق من النعم الدينية والدنيوية مصالح أمور دنياهم وآخرتهم كلها من آثار الرحمة.
وأما الغضب فآثاره عقوبة لمن يستحق ذلك وهذا مغلوب بالرحمة (( إن رحمتي غلبت غضبي أو سبقت غضبي ) ).
ش1 وجه ب ـ 9/ 8، 13/ 10، 25/ 11/1417 هـ
الأسئلة:
سؤال: (فأسفله سقف، وعاليه) هل هو سقف لأسفل؟
الجواب: لا، المقصود سقف المخلوقات، يعني المخلوقات الكبيرة الجنة والنار الكرسي ... إلى آخره.
سؤال: ذكر الطبري في تفسير الرحمة قال: (هي الرقة) وهل يجوز تفسير الرحمة بالرقة؟
الجواب: هذا من التفسير بالتضمن، التفسير بالتضمن صحيح عند السلف يعني يذكر بعض أفراد المعنى هذا صحيح وليس تأويلاً؛ لأن الرحمة فيك منها الرقة، ومعلوم أن ما لم يُرى عينه فتفسيره صعب ولهذا تجد أن تفسير المعاني أصعب من تفسير الأعيان، فالأعيان قد تحدها، تقول هذا مسجد تحده بهذه الحدود، تصفه فالحد بمعنى الوصف تعرفه، هذا كتاب تعرفه تقول مثلاً جبل أبيض تعرفه فيقوم؛ لأنه عين أما المعاني فيصعب تعريفها بما يدل عليها كذلك ما لم يُرى من المخلوقات التي تحسها مثل الهواء، الهواء تحسه ترى حركته وآثاره ولكن صعب أنك تحده صعب أنك تعرفه تعريفًا جامعًا مانعًا له مع أنك تحسه وتتنفسه وترى آثاره، فالصفات النفسية في الإنسان صعب تعريفها فتقول الرحمة ما هي بالضبط؟ تقرب الرقة ما هي؟ تقرب الرأفة ما هي؟ تقرب فالرأفة من الرحمة والرقة من الرحمة، لكن الإنعام شيء آخر لأن الإنعام إعطاء، والرحمة صفة في الإنسان نفسية الرقة نفسية الرأفة نفسيه، وهكذا أما الإنعام لا الإنعام إعطاء وهذا شيء آخر، فلو جاء مفسر فسر الرحمة بالرقة ولو كان مؤولا نقول: صحيح، هذا تفسير بالتضمن لكن مثلاً في قول الله -جل وعلا-: { ... } تجد أن ابن كثير يقول: هذا تشديد في أمر نكث البيعة، بإلزامهم بكذا وكذا إلى آخره، وما ذكر إثبات صفة اليد، في قوله تعالى: { ... } قال: بيده يعني تحت قهره وتصرفه فهنا إذا كان في موضع إثبات اليد: { ... } { ... } ، وأشباه ذلك أول فنعلم هنا أنه مؤول لكن إذا أثبت هناك نقول هنا فسرها باللازم؛ لأنه يلزم من كون الملك بيده سبحانه أن يكون تحت قهره وتحت تصرفه، فهذا التفسير باللازم التفسير بالتضمن وباللازم قد يقبل وقد لا يقبل، وهذه مسألة كبيرة في التفسير في مسائل الصفات؛ لأن التفسير ثلاثة أنواع تفسير بالمطابق وهذا الذي ينحى إليه السلف وتفسير بالتضمن وقد ينحون إليه وتفسير باللازم وهو قليل أيضاً.