الصفحة 7 من 92

[إثبات صفة الفرح لله]

7 -وعن أنسِ بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (( لله أشد فرحًا بتوبة عبدِهِ حين يتوبُ إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاةِ فانفلتَتْ منه وعليها طعامُهُ وشرابُهُ فأَيِسَ منها، فأتَى شجرة فاضطجع في ظلِّها وقد أَيِسَ من راحلته، فبينما هو كذلك إذْ هو بها قائمةٌ عنده فأخذ بِخِطامِها فقال من شدِّةِ الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربُّكَ، أخطأَ من شدَّة الفرح ) ). أخرجاه [1] .

[إثبات صفة اليد لله سبحانه وتعالى]

8 -وعن أبي موسى - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( إنَّ الله يَبْسُطُ يده بالليلِ ليتوبَ مُسيءُ النَّهار ويَبْسُطُ يده بالنَّهارِ ليتوبَ مُسيءُ الليلِ حتى تَطْلُعَ الشَّمسُ من مَغرِبِها ) ). رواه مسلم [2] .

(1) رواه البخاري كتاب الدعوات (11/ 102) رقم: (6309) ، ومسلم (4/ 2105) رقم: (2747) .

هذا الحديث فيه فوائد كثيرة نذكر منها فائدتين:

الأولى: إثبات صفة الفرح لله -جل وعلا- والله - سبحانه وتعالى - يفرح ويرضى

ويسخط، ويغضب ويأبى لا كأحد من الورى - سبحانه وتعالى - ففرحه بحق كما يليق بجلالته وعظمته - سبحانه وتعالى -.

والفائدة الثانية: أن في آخر الحديث قال: (( اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ) ). دل على أن الألفاظ المكفرة إذا أتت على اللسان من غير قصد إلى هذا اللفظ من غير قصد إلى إنشائه، وإنما تقدم لفظ عند المتكلم أو تأخر فصار اللفظ كفرياً أن هذا من الخطأ المعفو عنه؛ لأن الله سبحانه لا يؤاخذ إلا بما تعمد المرء إليه قلبه فقال سبحانه: { ... } وقال في الآية الأخرى: { ... } ، فالخطأ فيما لم يقصد إليه ليس الجهل الخطأ فيما لم يقصد إليه هذا معفو عنه.

(2) رواه مسلم كتاب التوبة (4/ 2113) رقم: (2759) .

هذا كتاب الإيمان للإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله تعالى- ومن المعلوم أن أول أركان الإيمان، الإيمان بالله إيمان بربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، وهذا الحديث من النوع الثالث وهو الإيمان بالأسماء والصفات، وذلك أن فيه إثبات عدد من الصفات وأظهرها في الحديث

صفة اليد لله -جل وعلا-، حديث أبي موسى هذا قال، قال - صلى الله عليه وسلم: (( إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ) )دال على إثبات صفة اليد للرحمن -جل وعلا- ووجه الدلالة: أنه أضاف اليد إلى ذاته العُليَا حيث قال: (( يبسط يده ) )ومن المتقرر عند أهل العلم أن الإضافة إلى الله -جل وعلا- نوعان إضافة مخلوق إلى خالقه وإضافة صفة إلى المتصف بها، فإضافة المخلوق إلى خالقه كإضافة الروح إلى الله - جل وعلا - في قوله: { ... } وكقوله - جل وعلا: { ... } ، ونحو ذلك كقوله: { ... } فإضافة الروح والناقة، والعبد إلى الله -جل وعلا- إضافة مخلوق إلى خالقه، وهذه الإضافة تقتضي التشريف؛ لأن تخصيص بعض المخلوقات بالإضافة إلى الرب -جل وعلا- معناه أن هذه المخلوقات لها شأن خاص، وذلك تشريف لها والنوع الثاني إضافة الصفة إلى متصف بها إضافة الصفة إلى الله -جل وعلا- وهذا ينضبط بكل ما لا يقوم بنفسه من الأشياء سواء كانت من الأعيان أو من المعاني، فمن الأعيان اليد فإنها لا تقوم بنفسها، والوجه فإنه لا يقوم بنفسه يعني لا يوجد وجه بلا ذات، ولا توجد يد بلا ذات إلى آخر أنواع ذلك ومن المعاني مثل الغضب والرضى وأشباه ذلك، والرحمة إلى غير ذلك فإذن في هذا الحديث جارٍ مع القاعدة قوله - صلى الله عليه وسلم: (( أن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ) )قوله: (( يبسط يده ) )هذه إضافة صفة إلى متصف بها، فهذا يمنع أن تكون اليد مؤولة بمعنى النعم إلى المنعم عليه بواسطة اليد فربما دخل إطلاق الشيء وإرادة لازمة، ومعلوم في العربية لا يمتنع إطلاق المفرد على المثنى، ولا يمتنع إطلاق الجمع على المفرد ولا يمتنع إطلاق المثنى على الجمع فهذا غير ممتنع كلها متواترة، فإذا أطلق المفرد فقد يراد به المفرد المعين وقد يراد به الجنس، لكن لما سمعنا قول الله -جل وعلاـ: { ... } علمنا أن قوله: (( يبسط يده بالليل ) )، يعني يديه - سبحانه وتعالى -.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام