الصفحة 65 من 92

[نفي الإيمان حتى يكون هواه تبعاً

لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -]

93 -وعن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (( لا يؤمن أحدُكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئتُ له ) ). رواه البغوي في"شرح السنة"وصححه النووي [1] .

[صفة الملة الناجية من النار]

94 -وعنه أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (( ليأتينَّ على أُمَّتي كما أَتى على بني إسرائيل حذوَ النَّعل بالنَّعلِ حتَّى إنْ كان فيهم من أتى أمَّه علانيةً لكان في أمَّتي من يصنع ذلك، وإنَّ بني إسرائيلَ افترقت على ثِنتين وسبعين مِلَّة وستفترق أُمَّتي على ثلاث وسبعين ملَّة كلُّهم في النَّار إلاَّ واحدة ) ). قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: (( ما أنا عليه وأصحابي ) ). رواه الترمذي [2] .

[إثم من دعا إلى ضلالة]

95 -ولمسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: (( مَن دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثلُ أُجرِ من تبعه لا ينقص ذلك من أُجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامِهم شيئًا ) ) [3] .

(1) رواه البغوي في"شرح السنة" (1/ 212) رقم: (104) ، وابن أبي عاصم في"السنة" (15) ، والخطيب في"تاريخ بغدد" (4/ 369) من طريق هشان ابن حسان عن محمد بن سيرين عن عطية بن أوس عن عبدالله بن عمرو بن العاص.

(2) رواه الترمذي كتاب الإيمان (5/ 26) رقم: (2641) ، والآجري في"الشريعة" (ص/15 - 16) ، والمروزي في"السنة" (18) ، واللالكائي في"شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (1/ 99) رقم: (145، 146) من طريق عبدالرحمن بن زياد الأفريقي عن عبدالله بن يزيد عن عبدالله ابن عمرو بن العاص.

(3) رواه مسلم كتاب العلم (4/ 2060) رقم: (2674) .

هذا الحديث في هذا الباب الذي فيه اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدل على فضل محمد - صلى الله عليه وسلم - وأن أحدًا لم يبلغ منزلته لا من الأنبياء والمرسلين ولا من غيرهم من الأولياء كما يقوله طائفة من الضلال وتعليل ذلك من جهتين:

الجهة الأولى: أن هذا الحديث دل على أن من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - دعا إلى تفاصيل الهدى إلى الهدى من جهة العقيدة والشريعة وإلى تفاصيله وتبعه عليه الناس، أي: تبعته عليه أمته فهو -عليه الصلاة والسلام- له مثل أجور أمته لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا. فلا يبلغ أحد من هذه الأمة منزلته -عليه الصلاة والسلام- لأن الفضل بعظم الأجر: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ، والناس يتفاضلون بالحسنات فأعظمهم حسنات نبينا - صلى الله عليه وسلم - فهذا فيه إبطال قول غلاة الصوفية إن الولي قد يكون أفضل من النبي يعني من محمد - صلى الله عليه وسلم - والعياذ بالله وكذلك قول الرافضة أن أئمتهم أفضل من الأنبياء بما فيهم محمد - صلى الله عليه وسلم -.

والوجه الثاني: أن أمة النبي - صلى الله عليه وسلم - هي أكثر الأمم كما قال - صلى الله عليه وسلم: (( وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة ) )فأمته - صلى الله عليه وسلم - أكثر أمم الأنبياء والهدى الذي بثه في أمته هو أكمل هدي جاء به الأنبياء والمرسلين فحصل من هذا أن أجره - صلى الله عليه وسلم -، وما كتب له هو أعظم مما كتب لغيره. فهذا وجه في كون النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم أجرًا ممن سبقه من الأنبياء والمرسلين:

وهذا الحديث أيضًا دال على مسارعة العبد المؤمن في الدعوة إلى الله -جل وعلا- في تعليم العلم وفي بث الخير والتقليل من الشر، فالعلماء ورثة الأنبياء ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه فلا يحقرن أحد من المعروف شيئًا بكلمة أو برسالة أو بموعظة أو نحو ذلك ما دام على ذلك قادر فالدعوة إلى الله -جل وعلا- فضلها عظيم تدعوا إلى أي شيء مما تعلمه يقينًا في الشريعة فإن لك من الأجر مثل أجور من عمل بذلك الشيء.

كذلك في الحديث التخويف الشديد من أن يدعو المرء إلى ضلالة فإن المرء إذا دعا إلى ضلالة وسن سنة سيئة فتبعه عليها أناس فأيضاً عليه إثم من تبعه في ذلك وهذا فيه التخويف من أن يحدث المرء لنفسه أو لأهل بيته أو لمجتمعه أن يحدث بابًا من أبواب الضلال، فهذا تتراكم عليه الذنوب؛ لأنه هو الذي سن ذلك أو هو الذي دعا إليه، وهو الذي وجه إليه أنظار الناس وجعل بابه مفتوحًا كما جاء في الحديث الآخر (( ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ) )، وكما جاء في الحديث الصحيح (( لا يقتل أحد إلا كان على ابن آدم الأول مثله من الوزر ) )أو كما قال عليه الصلاة والسلام ثم علل بقوله: (( لأنه سن القتل ) )فهذا الأصل مما يجب أن يخاف منه وهو أن يفتح الإنسان على الناس باب شر إما بكلام أو بتصرفات أو يتساهل في أمرٍ ويدعو إلى شر أو إلى معصية أو إلى ضلالة فيتبعه من يتبعه على ذلك خاصة في الأمور المستأنفة التي غير معروفة، وأما في أمور الذنوب والمعاصي التي جرت عادة الناس عليها وبما جعل الله في بعض النفوس من الميل إلى ذلك، فهذا لا يدخل في ذلك لكن الشيء الجديد الذي يدعو إلى ضلالة في العقيدة يدعو إلى ضلالة في المنهج أو ضلالة في السلوك أيدعو إلى ضلالة في أمور جديدة تحدث في الناس تضلهم.

ش5 وجه ب 16/ 7، 23/ 7/1419 هـ

مثل الآن ما هو حاصل من هذه الأمور التي تدعو إلى الفساد من هذه القنوات والفضائيات، أو من بعض الأشرطة وأشباه ذلك فهذه أول من يأتي بها ثم يتساهل الناس فيها هو عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه في ذلك أو تأثر به في ذلك؛ لأنه هو الذي سنها (( ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ) )والعياذ بالله.

وهذا الحديث كما أن فيه الفضل العظيم والترغيب كذلك فيه التخويف والترهيب الشديد، فالمؤمن وخاصة طالب العلم يسعى دائمًا إلى حث الناس على الخير حتى يحظى بهذا الأجر وأيضًا يخوف من مثل ما جاء في هذا الحديث.

الإنسان يدعو إلى ضلالة، المدرس يدرس يقول كلام لا يعقل معناه أو يتساهل فيه ينقله عنه الطلاب يقول قد قال لنا المدرس في يوم كذا كذا. وينقلونه إلى من بعدهم وما حصلت التأويلات ولا حصلت البدع ولا انتشرت في الأمة إلا بالنقل وإلا لو أنه وقف عند الأول لما انتشرت لكن الأول سنها ثم تبعه من لا يفهم ثم تبعه من لا يفهم.

لهذا الداعي والخطيب والمدرس هؤلاء يخافون أشد الخوف من الكلام؛ لأن كيف تنقل الشريعة، كيف تُنقل الأمور إلا بالكلام فإذا قال كلمة لا يعرف معناها أو لا يعرف ثبوتها أو بمجرد رأيه أو عقله أو استحسانه سواء في مسائل الدين الأصلية من العقيدة والتوحيد أو معرفة ما عليه الشريعة أو القواعد أو في مسائل أيضًا العمل والسلوك أو الدعوة أو المواقف ونحو ذلك. فالإنسان لا يكن رأسًا في شيء ليس له عليه بينة في الشريعة احرص إذا أردت أن تكون مبلغًا أو قائدًا أو نحو ذلك في الخير أن تكون متثبتًا أن هذا الذي تقوله بيقين لا تلحقك فيه ضلالة أو إثم أو يلحقك فيه شك، كن على يقين. ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك أما إذا صار الأمر مشتبهًا عليك في المسائل فاتركه لست ملزمًا بأن تقول ولست ملزمًا أن تعمل والإنسان ألزم ما عليه براءة ذمته أمام الله -جل وعلا-. فهذا الحديث فيه الحث على اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - اتباع صحابته ولزوم السنة لزوم الجماعة والتحريض على لزوم السنة والدعوة إليها والحذر مما يخالف ذلك أعان الله الجميع على الحق والهدى.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام