الصفحة 26 من 92

[صبر الله - - - على تكذيب ابن آدم]

36 -وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: (( قال الله - -: كذبني ابنُ آدم ولم يكنْ لَهً ذلك، وشَتَمنِي ولم يكن له ذلك؛ أمَّا تكذيبُهُ إيَّاي فقوله: لن يُعيدني كما بدَأني، وليس أوَّل الخلق بأهونَ عليَّ من إعادتِهِ، وأمَّا شتْمُهُ إيَّايَ فقوله: اتَّخذَ الله ولدًا وأنا الأحدُ الصمدُ الذي لم يلدْ ولمْ يُولدْ ولم يكن له كُفوًا أحد ) ) [1] .

37 -وفي رواية عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-: (( وأمَّا شَتمُهُ إيَّايَ فقولهُ: لي ولدٌ، وسُبْحاني أَنْ أتْخِذَ صاحبةً أو ولدًا ) )رواه البخاري [2] .

(1) رواه البخاري كتاب التفسير (8/ 739) رقم: (4974) .

الصمد من أسماء الله - - -، هو: السيد الذي انتهى إليه السؤدد، وقيل: هو الدائم الباقي، وقيل: هو الذي لا جوف له، وقيل: الذي يُصمد في الحوائج إليه، أي: يقصد ..."النهاية" (3/ 52) .

وقال البخاري في"صحيحه": والعرب تُسمى أشرافها الصمد.

(2) رواه البخاري في التفسير (8/ 168) رقم: (4482) : حدثنا أبواليمان، أخبرنا شعيب عن عبدالله بن أبي حسين، حدنا نافع عن جبير عن ابن عباس.

قوله - قال الله - -: (( كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك ) )إلى آخره، هذان الحديثان فيهما عظم صبر الله -جل وعلا- على خطايا عباده وعلى ما ينسبونه إليه -جل وعلا- ومن أسماء اللَّه -جل وعلا- الصبور وهو أنه عظيم الصبر على ما يكون من عل عباده ومن مجاهرتهم في حق الله -جل وعلا- بالشرك وبغيره، تكذيب الله -جل وعلا- فيما أخبر أو فيما جاء به رسله عليهم الصلاة والسلام.

لا شك أن هذا من أعظم عدم قدر الله -جل وعلا- حق قدره، وذكر مثال ذلك بقوله: (( أما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته ) )، وهذا مثال مما فيه تكذيب الرب -جل وعلا- وإلا فأنواع التكذيب كثيرة، (( وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولداً ) )وادعاء الصاحبة لله -جل وعلا- وادعاء الولد لله - - - هذا شتم؛ لأن حقيقة الشتم والسب أنه التنقص وعزو الصاحبة لله وإضافة الولد إلى الله -جل وعلا- هذا فيه إثبات النقص له سبحانه؛ لأن الله سبحانه غني عن العالمين وغني عن أن يتخذ صاحبة ولا ولدًا، كما قال سبحانه: - إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ أتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً - فمن أعظم السب أن يجعل لله -جل وعلا- الصاحبة أو يجعل له الولد أو أن يجعل معه شريك أن يجعل له شريك - - - في الربوبية أو في الألوهية؛ لأن اتخاذ الشريك مع الله -جل وعلا- سب لله سبحانه فكل من أشرك بالله -جل وعلا- إلهًا آخر عبد الأصنام أو عبد الأوثان أو عبد الأولياء أو عبد الصالحين، أو ادعى مع الله -جل وعلا- إلهًا آخر على أصناف الآلهة فهذا قد سب الله -جل وعلا- أعظم مسبة ولهذا يجد المؤمن في قلبه البغض للمشرك لأن المشرك سب الله - - - ولأن المشرك شتم الله -جل وعلا-، ولو شتم أحدٌ من الناس لو شتم فلانًا لأبغضه ولو سبه لأبغضه، فكيف بمن يسب الرب -جل وعلا- ولو أخذ فلان يسب أبا الرجل ويسب آباءه وأجداده أو يسب نفسه ونحو ذلك ويشتمها ويتنقصها بأنواع النقائص لصار مبغضًا إليه ولربما قامت أشياء عظيمة بين الساب والمسبوب، الشاتم والمشتوم، وذلك لما جرت عليه النفوس من الاعتداد بحقها فكيف بسب الله -جل وعلا-.

ولهذا المشرك يبغض ولو كانت حاله في الدنيا ما هي أو كانت حسناته الدنيوية في أي شأن يبغض لما اشتمل عليه صدره واشتملت عليه روحه من مسبة الله -جل وعلا- ومن بغضائه، والله - - - صبور يسمع أذى العباد ويرى شتمهم ويسمع شتمهم ويرى سبهم ويسمع سبهم، والله - - - صابر عليهم كما قال: - وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ - ولهذا البغض بغض المشرك قائم على بغض من سب الله -جل وعلا- وشتمه وبغض المبتدع قائم على بغض من ادعى أن محمدًا - لم يكمل لنا البلاغ كما قال الإمام مالك:"ما أحدت أحد بدعة إلا وقد زعم أن محمدا خان الرسالة"، وهذا ولا شك مبناه عظيم، التوحيد والسنة فإذًا المسألة مسألة بغض الشرك بغض أهل البدع، كراهة أولئك ليست مسألة أهواء، هي مسألة أنهم عادوا الله -جل وعلا- وعادوا رسوله - وإن ادعوا أنهم يحبونه، وفي الحقيقة من ابتدع ودعا إلى البدعة فهو عدو رسول الله -؛ لأن الله سبحانه قال لنبيه: - الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِيناً - ومن أتى بشيء جديد فقد ادعى أنه لم يتم لنا الدين وقوله"سبحاني"يعني أنزه نفسي، التسبيح سبحان يعني مصدر سَبَّح يسبح سبحانًا وتسبيحًا يعني تنزيهًا لي عن جمع النقائص؛ لأن السب التعرض للنقائص، فقولك سبحان الله يعني تنزيهًا لله -جل وعلا- عن جميع صفات النقص، قول الله -جل وعلا-:"سبحاني"يعني تنزيهًا لنفسي عن كل أنواع النقص كما قال: - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً -، والصبور من أسماء اللَّه - - -.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام