الصفحة 25 من 92

فقال رسول الله: (( وَيْحَك أَتدري ما تقول؟ ) )، وسبح رسول الله فما زالَ يُسبِّح حتى عُرفِ ذلك في وجوهِ أصحابه، ثم قال: (( ويحك إنه لا يُسْتَشْفعُ بالله على أحدٍ من خلقِهِ شانُ الله أَعظمُ من ذلك، ويحك أَتدري ما اللهُ؟ إِن عرشَهُ على سماواتِهِ لهكذا وقال بأصابِعِهِ مثل القُبَّةِ عليه وإنَّه ليئِطُّ به أَطِيطَ الرَّحلِ بالراكبِ ) ). رواه أحمد وأبوداود [1] .

(1) رواه أبوداود (4726) وابن خزيمة في"التوحيد" (ص: 69) والآجُرّي في"الشريعة" (293) ، وابن أبي عام في"السنة" (575) بسند ضعيف، فيه عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلس.

هذا الحديث إسناده فيه ضعف قد تكلم عليه عدد من أهل العلم لكن ما زال علماء السنة يتتابعون على إيراده فما خلا مصنف في السنة من إيراد هذا الحديث وذلك لدلالته على أمرين معروفين في كلام أهل السنة الأول علو الله -جل وعلا- وهذا أمر متواتر وأدلته كثيرة في الكتاب والسنة.

والثاني: أن العرش فوق السماوات وهذا أيضًا ثابت عندهم وأن العرش ليس في داخل السماوات وهذا فيه رد على من زعم من الفلاسفة أو المعتزلة أو غيرهم أن العرش له صفة أخرى، وفيه أيضًا تنبيه على أن العرش له أركان؛ لأنه قال هو على سماواته هكذا وأشار بيده مثل القبة وفيه رد على بعض الطوائف الضالة في هذا الباب.

المقصود من الحديث: أن أهل السنة متفقون بلا خلاف بينهم على إيراده في الأدلة وضعف إسناده لا يعنى عدم إيراده في ذلك؛ لأنه اشتمل على أمرين وهما علو الله -جل وعلا- وعلى أن العرش فوق السماوات، والأمر الثالث الذي اشتمل عليه الحديث هو أن العرش يئط وهذا لم يأت إلا في هذا الحديث وقد أيد من حيث المعنى بقوله جل وعلا- - تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ - ويدل عليه أيضًا قوله -جل وعلا- في سورة المزمل: - السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً - ولهذا يورد أهل السنة باتفاق هذا الحديث ولا ينظرون إلى ما في إسناده من الضعف أو الجهالة.

(( فائدة هامة ) )

هذا كلام لبعض المتأخرين يرون أن الحديث الضعيف لا يُعمل به في باب العقائد ولا يعمل به في الفقه، هذا كلام المتأخرين أما السلف والأئمة فمنهجهم أن الحديث الضعيف لا يستدل به في أصل من الأصول بل إما في تأييده أو في فرع من الفروع، هذه عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بنصها قال:"أهل الحديث لا يستدلون بحديث ضعيف في أصل من الأصول بل إما في تأييده أو فرع من الفروع يعني أن أهل الحديث يستدلون بالحديث الضعيف في الفقهيات وهذا منهج معروف، فالأئمة مالك والشافعي وأحمد ومن صنف في السنن يحتجون بأحاديث ضعيفة على السنة؛ لأن الحديث الضعيف عندهم خير من الرأي، وأما في العقيدة فإذا كان الحديث الضعيف أصلاً لم تَرد العقيدة إلا في هذا الحديث فإنه لا يعتمد عليه؛ لأنه لا يستدل بحديث في أصل من الأصول وتبنى عليه عقيدة بل لابد أن يكون الحديث صحيحًا وفي الحسن خلاف والصواب أن الحسن مثل الحديث الصحيح في الاحتجاج به."

والقسم الثاني: أن يورد الحديث الضعيف في تأييد ما دلت عليه النصوص وفي الشواهد فهذا كل عمل أئمة السنة على ذلك، لو نظرت مثلاً إلى كتاب العرش لابن أبي شيبة لوجدت أن ثلثه أسانيده صحيحة، والباقي وهو أكثر من ستين موضع ستين إسناد ضعيفة لكن لأنها في أصل ثابت أستدل به، وهذا عندهم له أيضاً أصل وهو أن الحديث إذا كان ضعيفًا واشتمل على أشياء منها ما يؤيد الأصل ومنها ما هو جديد فإنهم يستدلون به في التأييد لما ثبت في الأصل، وأما ما انفرد به الحديث الضعيف من الاعتقاد أو من الأمر الغيبي فإنهم لا يثبتونه مثل هذا الحديث فإنه اشتمل على أشياء ثابتة اشتمل على أشياء مؤيدة للنصوص فلا بأس بإيراده وما دل عليه واشتمل على ذكر الأطيط وهو لم يرد إلا في هذا.

لذلك نقول لا نثبت الأطيط لأجل أنه ما ورد إلا في هذا الحديث، ونجعل الأطيط في معنى قوله الله -جل وعلا- - السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ - ومعنى قول الله -جل وعلا- - تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأَرْضِ - الآية في أول الشورى.

المتأخرون وخاصة لما نشأة مدرسة أهل الحديث في الهند في القرن الثالث عشر بالغوا في نفي الاستدلال بالحديث الضعيف ثم ورد هذا إلى البلاد الإسلامية الأخرى وكثر حتى ظُن أن هذا هو المنهج الصحيح، وهذا ليس بالمنهج مخالف لطريقة أهل العلم المتقدمة وطريقة أهل العلم المتقدمة هي ما ذكرت لك من التفصيل فينتبه لهذا، ويعتبر منهج حتى ما يضلل المتأخرون أئمتهم وسابقيهم هذا بلاء لأجل هذا الأصل الذي هو ليس بأصل وهو أنهم قالوا لا يحتج بالأحاديث الضعيفة ظن الظان أن معناه أن الحديث الضعيف كالموضوع لا قيمة له البتة والاستشهاد به أو الاستدلال به دليل ضعف المتكلم علميًا وإلى آخره، وهذا ليس بجيٍد.

نعم ينبغي على من استشهد بحديث ضعيف أن يبين ضعفه إذا كان ضعفه غير محتمل يعني بمعنى لا يقرب من التحسين وأشباه ذلك فيبين ضعفه ثم يذكر ما فيه من الفوائد بحسب القواعد التي ذكرت لك. أنت لو رأيت كتب أهل العلم لوجدت أنهم يستشهدون بأحاديث كما ذكرنا لك، اعتبر هذا أو استقرأ هذا بما في كتب أهل الحديث المتقدمة والمتوسطة يعني إلى قرابة أواخر هذه الأزمان لوجدت أن هذا هو المنهج الذي عندهم، كتب التفسير كتب الحديث، كتب الفقه، كتب الرقائق كلها على هذا المنوال.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام