الصفحة 25 من 31

فالعيد هو شعار كل قوم أو شعب، فإذا أمكن لنا أن نستورد من أمة ما أشياء نحن بأمس الحاجة إليها، كبعض السلع والصناعات مثلاً فلا يمكن أن نستورد أيضاً أعيادها وطقوسها في الاحتفال.

إن العيد ليس فقط عبارة عن تزاور وأكل وفرح، بل هو دليل على الانتماء الحضاري أو الديني، وهو يشعرك بأنك جزء من الجماعة التي تحتفل به، تفرح إذا فرحت وتحزن إذا أصيبت، ولذلك (حين زجر أبو بكر الجاريتين اللتين كانتا تغنيان في بيت عائشة صرفه عن ذلك النبي الكريم، وقال له: يا أبا بكر! إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا) [15] .

لقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم للمجتمع الوليد الذي أسسه أعياده الخاصة به، وأسقط أيامه الجاهلية، وكان ذلك جزءاً من بناء الأمة الجديدة.

يروي الحفاظ أنه حين قدم النبي المدينة وجد لأهلها يومين يلعبون فيهما، فسألهم: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر) [16] .

إن الناس يحتاجون إلى العيد والاحتفال؛ فتلك طبيعة بشرية قديمة، ولهذا كان الشارع حكيماً حين وضع للمسلمين أياماً خاصة يعيِّدون فيها، فيأكلون ويفرحون ويتزاورون .. وذلك إشباعاً لغريزة إنسانية هي الاحتفال بأيام استثنائية ليست كسائر أيام السنة. ولذا يجب أن نعتني أكثر بأعيادنا، ونعظمها ونستعد لها، ولا بأس أن نبدع فيها طرائق متعددة للاحتفال، كمختلف لعب الأطفال مثلاً، مما يتغير بتغير العصر والزمان.

الاحتفال بالميلاد من الزور:

لقد اعتبر العلماء أن مشاركة أهل الملل الأخرى في أعيادهم نوع من الزور والباطل، واستنبطوا ذلك من وصف الله تعالى لعباده: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72] .

قال القرطبي: (أي لا يحضرون الكذب والباطل ولا يشاهدونه. والزور كل باطل زُوِّر وزُخرف، وأعظمه الشرك وتعظيم الأنداد. وفي رواية عن ابن عباس أنه أعياد المشركين. وقال عكرمة: لعب كان في الجاهلية يسمى بالزور) [17] .

وذكر ابن العربي أن في قوله تعالى: {لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} ستة أقوال: الشرك، والكذب، وأعياد أهل الذمة، والغناء، ولعب كان في الجاهلية، والمجلس الذي يسب فيه النبي الأكرم. ثم قال القاضي معلقاً: (أما القول بأنه الكذب فهو الصحيح؛ لأن كل ذلك إلى الكذب يرجع. وأما من قال: إنه أعياد أهل الذمة؛ فإنَّ فِصْحَ النصارى وسبت اليهود يذكر فيه الكفر؛ فمشاهدته مشاهدة كفر، إلا لما يقتضي ذلك من المعاني الدينية، أو على جهل من المشاهد له) [18] .

ولذلك يقول ابن تيمية: (وأما أعياد المشركين فجمعت الشبهة والشهوة والباطل، ولا منفعة فيها في الدين، وما فيها من اللذة العاجلة فعاقبتها إلى ألم، فصارت زوراً، وحضورها؛ شهودها) [19] .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام