الصفحة 23 من 31

وذكر العلامة ابن عاشور أن (موقع هذه الجملة - يعني {إنما وليكم الله ورسوله .. } - موقع التعليل للنهي؛ لأن ولايتهم لله ورسوله مقررة عندهم؛ فمن كان الله وليَّه لا تكون أعداء الله أولياءه. وتفيد هذه الجملة تأكيداً للنهي عن ولاية اليهود والنصارى) [3] .

فهؤلاء الذين يسخرون من ديننا لا يستحقون مودتنا؛ لأن (الذي يتخذ دين امرئ هزؤاً فقد اتخذ ذلك المتدين هزؤاً، ورمقه بعين الاحتقار ... والذي يرمق بهذا الاعتبار ليس جديراً بالموالاة؛ لأن شرط الموالاة التماثل في التفكير، ولأن الاستهزاء والاستخفاف احتقار، والمودة تستدعي تعظيم المودود) [4] .

ولا يحسبنَّ المرء أن الموالاة شكل واحد هو التحالف معهم والسير في ركابهم وخدمتهم، بل الموالاة صور متعددة، كما أشار إلى ذلك الشيخ شلتوت: (ولموالاة الأعداء صور وألوان: المعونة الفكرية بالرأي والتدبير موالاة للأعداء، والمعونة المادية بالبذل والإنفاق موالاة للأعداء ... والاغترار بزخرف ثقافاتهم، وأن فيها ماء الحياة، وتوجيه النشء إليها، وغرس عظمتها في نفسه، موالاة للأعداء ... ) [5] .

وهذا لا ينفي أن الموالاة درجات، وأن من مراتبها ما لا يصل إلى مستوى الكفر بحال.

قال ابن عاشور: (قد اتفق علماء السنة على أن ما دون الرضا بالكفر وممالأتهم عليه - من الولاية - لا يوجب الخروج من الربقة الإسلامية، ولكنه ضلال عظيم. وهو مراتب في القوة بحسب قوة الموالاة، وباختلاف أحوال المسلمين) [6] .

والخلاصة - كما قال ابن تيمية - أن (من كان من هذه الأمة موالياً للكفار من المشركين أو أهل الكتاب ببعض أنواع الموالاة ونحوها، مثل: إتيانه أهل الباطل، واتباعهم في شيء من مقالهم وفعالهم الباطل كان له من الذم والعقاب والنفاق بحسب ذلك، ومثل متابعتهم في آرائهم وأعمالهم المخالفة للكتاب والسنة ... ) [7] .

فتوى قديمة في الاحتفال بالميلاد:

ومن جملة هذه الأعمال التي لا يحل متابعتهم عليها وتقليدهم فيها: الاحتفال بسنة الميلاد. بهذا أفتى الفقهاء منذ قرون.

فقد أورد الونشريسي في (موسوعته) في النوازل أنه قد (سئل أبو الأصبغ عيسى بن محمد التميلي عن ليلة يناير التي يسميها الناس الميلاد، ويجتهدون لها في الاستعداد، ويجعلونها كأحد الأعياد، ويتهادون بينهم صنوف الأطعمة، وأنواع التحف والطرف المثوبة لوجه الصلة، ويترك الرجال والنساء أعمالهم صبيحتها تعظيماً لليوم، ويعدونه رأس السنة، أترى ذلك - أكرمك الله - بدعة محرمة لا يحل لمسلم أن يفعل ذلك، ولا أن يجيب أحداً من أقاربه وأصهاره إلى شيء من ذلك الطعام الذي أعده لها، أم هو مكروه ليس بالحرام الصراح؟

فأجاب: قرأت كتابك هذا، ووقفت على ما عنه سألت، وكل ما ذكرته في كتابك فمحرم فعله عند أهل العلم، وقد رويت الأحاديث التي ذكرتها من التشديد في ذلك، ورويت أيضاً أن يحيى بن يحيى الليثي قال: لا تجوز الهدايا في الميلاد من نصراني، ولا من مسلم، ولا إجابة الدعوة فيه، ولا استعداد له، وينبغي أن يجعل كسائر الأيام. ورفع فيه حديثاً إلى النبي

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام