إن كثيراً ما يقول مرجئة العصر أن من يشتغل ويتكلم في أمور الكفر والمكفرات وتكفير الكفار كالحكام الجاثمين على رقاب المسلمين اليوم لا يحفظ من القرآن إلا جزء كذا وكذا، ولا من السنة إلا كذا وكذا، ولا يعرف كذا وكذا، ولا يحسن كذا وكذا، ولا يستطيع أن يعدد شروط أو أركان أو واجبات أو مندوبات كذا وكذا!!! ويُعيرونهم بذلك .. [1]
وجواب هذا الكلام من أوجه:
الوجه الأول: إن هذا من الكذب والظلم [2] , وأهل السنة والجماعة يقولون الذي لهم والذي عليهم، وأما هذه الأساليب من تجهيل الخصوم فهذا ديدن من لا يريد أن يجابه الحجة بالحجة والدليل بالدليل، وهذه الأساليب لهي أكبر ستار للفرار من البحث العلمي. وكثيرٌ منهم تحمر أُنوفهم غيظاً لما يرون من سعت حفظ الشباب المبارك للمتون العلمية بل وبأرقام الصفحات، وفطنتهم في كثيرٍ من الفنون والمجالات [3] ، لكن كما قيل: الإنصاف حُلت الأشراف، والأشراف أقل الأصناف. قال الإمام مالك رحمه الله في الإنصاف: لم أجد في الناس أقل منه، فأردت المداومة عليه. أهـ [الديباج المذهب 1/ 96] هذا في زمانه رحمه الله فكيف بزماننا؟!!
نحن ولله الحمد والمنة نمتثل أمر الله تعالى حين قال: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين للهِ شُهداء بالقسط ولا يجرِمنكم شنئانُ قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هوَ أقربُ للتقوى) [المائدة: 8] متأسين بسلفنا الأوائل؛ قال أبو عمر ابن عبد البر: من بركة العلم وآدابه الإنصاف فيه، ومن لم ينصف لم يفهم ولم يتفهم. أهـ [جامع بيان العلم وفضله ص 208] وقال الزيلعي: ما تحلى طالب العلم بأحسن من الإنصاف. أهـ [نصب الراية 1/ 355]
(1) وفي الحقيقة فإن هذه الحقنة قد استخدمها فرعون مصر من قبل، كما أخبرنا تعالى بقوله حين قال: (أم أنا خيرٌ من هذا الذي هوَ مَهِينٌ ولا يَكادُ يُبينُ) [الزخرف: 52] قال ابن الجوزي رحمه الله: قال بعض العلماء: ولا يكاد يُبين الحُجَّة ولا يأتي ببيان يُفهم. أهـ [زاد المسير في علم التفسير 7/ 140] ففرعون مصر قد خدر الناس عن الاستماع لموسى عليه السلام بهذه الحقنة، فتأمل!
(2) قلت: ليس هذا موطن استعراض العضلات، ولا ساحة للمبارزات؛ وإلا لأبرزنا علمائنا الربانيين، وسمينا مشايخنا الراسخين، ولكن:
كل مقام عنده مقال ... به ثبوته والانتقال
(3) يغتاظون من علمية شبابنا، فكيف بهم لو اطلعوا على موسوعية شيوخنا؟!