الصفحة 219 من 234

وهي سعادة رفيعة ، وفرح نفيس ، وأنس بالحياة والكون كأنس الحبيب بالحبيب . وهو كسب لا يعدله كسب . وفقدانه خسران لا يعدله خسران . .

ثم إن مقومات الإيمان هي بذاتها مقومات الإنسانية الرفيعة الكريمة . .

التعبد لإله واحد ، يرفع الإنسان عن العبودية لسواه ، ويقيم في نفسه المساواة مع جميع العباد ، فلا يذل لأحد ، ولا يحني رأسه لغير الواحد القهار . . ومن هنا الانطلاق التحرري الحقيقي للإنسان . والانطلاق الذي ينبثق من الضمير ومن تصور الحقيقة الواقعة في الوجود . إنه ليس هناك إلا قوة واحدة وإلا معبود واحد . فالانطلاق التحرري ينبثق من هذا التصور انبثاقاً ذاتياً ، لأنه هو الأمر المنطقي الوحيد .

والربانية التي تحدد الجهة التي يتلقى منها الإنسان تصوراته وقيمه وموازينه واعتباراته وشرائعه وقوانينه ، وكل ما يربطه بالله ، أو بالوجود ، أو بالناس . فينتفي من الحياة الهوى والمصلحة ، وتحل محلهما الشريعة والعدالة . وترفع من شعور المؤمن بقيمة منهجه ، وتمده بالاستعلاء على تصورات الجاهلية وقيمها واعتباراتها ، وعلى القيم المستمدة من الارتباطات الأرضية الواقعة .

.ولو كان فرداً واحداً ، لأنه إنما يواجهها بتصورات وقيم واعتبارات مستمدة من الله مباشرة فهي الأعلى والأقوى والأولى بالاتباع والاحترام .

ووضوح الصلة بين الخالق والمخلوق ، وتبين مقام الألوهية ومقام العبودية على حقيقتها الناصعة ، مما يصل هذه الخليقة الفانية بالحقيقة الباقية في غير تعقيد ، وبلا وساطة في الطريق . ويودع القلب نوراً ، والروح طمأنينة ، والنفس أنساً وثقة . وينفي التردد والخوف والقلق والاضطراب كما ينفي الاستكبار في الأرض بغير الحق ، والاستعلاء على العباد بالباطل والافتراء!

والاستقامة على المنهج الذي يريده الله . فلا يكون الخير فلته عارضة ، ولا نزوة طارئة ، ولا حادثة منقطعة . إنما ينبعث عن دوافع ، ويتجه إلى هدف ، ويتعاون عليه الأفراد المرتبطون في الله ، فتقوم الجماعة المسلمة ذات الهدف الواحد الواضح ، والراية الواحدة المتميزة . كما تتضامن الأَجيال المتعاقبة الموصولة بهذا الحبل المتين .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام