عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، فَلَمَّا سَمِعَ النَّجَاشِيُّ قَوْلَ جَعْفَرٍ أَخَذَ بِيَدِهِ عُودًا ثُمَّ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ: صَدَقَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ وَصَدَقَ نَبِيُّهُمْ ، وَاللَّهِ مَا يَزِيدُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَى مَا يَقُولُ هَذَا الرَّجُلُ وَلَا وَزْنَ هَذَا الْعُودِ ، فَقَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: امْكُثُوا فَإِنَّكُمْ سُيُومٌ ، وَالسُّيُومُ آمِنُونَ ، قَدْ مَنَعَكُمُ اللَّهُ ، وَأَمَرَ لَهُمْ بِمَا يُصْلِحُهُمْ ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: أَيُّكُمْ أَدْرَسُ لِلْكِتَابِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّكُمْ ؟ قَالُوا: جَعْفَرٌ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ جَعْفَرٌ سُورَةَ مَرْيَمَ فَلَمَّا سَمِعَهَا عَرَفَ أَنَّهُ الْحَقُّ وَقَالَ النَّجَاشِيُّ: زِدْنَا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ الطَّيِّبِ ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ سُورَةً أُخْرَى فَلَمَّا سَمِعَهَا عَرَفَ الْحَقَّ وَقَالَ: صَدَقْتُمْ وَصَدَقَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنْتُمْ وَاللَّهِ صِدِّيقُونَ ، امْكُثُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ وَبَرَكَتِهِ آمِنَيْنَ مَمْنُوعِينَ ، وَأُلْقِيَ عَلَيْهِمُ الْمَحَبَّةُ مِنَ النَّجَاشِيِّ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمَا وَأَلْقَى اللَّهُ بَيْنَ عَمْرٍو وَعُمَارَةَ الْعَدَاوَةَ فِي مَسِيرِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ لِيُدْرِكَا حَاجَتَهُمَا الَّتِي خَرَجَا لَهَا مِنْ طَلَبِ الْمُسْلِمِينَ ، فَلَمَّا أَخْطَأَهُمَا ذَلِكَ رَجَعَا بِشَرِّ مَا كَانَا عَلَيْهِ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَسُوءِ ذَاتِ الْبَيْنِ ، فَمَكَرَ عَمْرٌو بِعُمَارَةَ فَقَالَ: يَا عُمَارَةُ ، إِنَّكَ رَجُلٌ جَمِيلٌ وَسِيمٌ ، فَأْتِ امْرَأَةَ النَّجَاشِيِّ فَتَحَدَّثْ عِنْدَهَا إِذَا خَرَجَ زَوْجُهَا تُصِيبُهَا فَتُعِينُنَا عَلَى النَّجَاشِيِّ ، فَإِنَّكَ تَرَى مَا وَقَعْنَا فِيهِ مِنْ أَمْرِنَا لَعَلَّنَا نُهْلِكُ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُمَارَةُ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى امْرَأَةَ النَّجَاشِيِّ فَجَلَسَ إِلَيْهَا يُحَدِّثُهَا وَخَالَفَ عُمَرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى النَّجَاشِيِّ فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَكُنْ أَخُونُكَ فِي شَيْءٍ عَلِمْتُهُ إِذَا اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ صَاحِبِي الَّذِي رَأَيْتَ لَا يَتَمَالَكُ عَنِ الزِّنَا إِذَا هُوَ قَدَرَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّهُ قَدْ خَالَفَ إِلَى امْرَأَتِكَ ، فَأَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ إِلَى امْرَأَتِهِ فَإِذَا هُوَ عِنْدَهَا ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَمَرَ بِهِ فَنَفَخَ فِي إِحْلِيلِهِ سِحْرَهُ ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي جَزِيرَةِ الْبَحْرِ فَعَادَ وَحْشِيًّا مَعَ الْوَحْشِ ، يَرِدُ وَيَصْدُرُ مَعَهَا زَمَانًا حَتَّى ذُكِرَ لِعَشِيرَتِهِ ، فَرَكِبَ أَخُوهُ فَانْطَلَقَ مَعَهُ بِنَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَرَصَدُوهُ حَتَّى إِذَا وَرَدَ أَوْثَقُوهُ فَوَضَعُوهُ فِي سَفِينَةٍ لِيَخْرُجُوا بِهِ ، فَلَمَّا فَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ مَاتَ ، وَأَقْبَلَ عَمْرٌو إِلَى مَكَّةَ قَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ صَاحِبَهُ وَمَنَعَ حَاجَتَهُ" [1] "
(1) - دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ (188 ) حسن لغيره