الصفحة 4 من 229

وفي ضجيج الخصومة السافرة يعسر البحث عن الحقيقة! ولو أمكن الوصول إليها، فإنه يصعب الاقتناع بها!. ومن الغفلة أن نحسب تكوين العقيدة يتم في مجلس مناظَرة، تُتَصَيد فيها النصوص، ويُنْشَدُ فيها الغَلَب ، ويُلْعَبُ فيها بالألفاظ، ويُستَغل منطق"أرسطو"في المخاتلة وإيقاع الخصم أمام العامة!. وعفا الله عن أجدادنا؛ فقد أُولعوا بذلك، وأعانَهم عليه أن الدولة الإسلامية كانت سيدةَ العالَم. فلا بأس على رجالها أن يشتغلوا بالترف العقلي، وأن يحوِّلوا فراغَهم من الجهاد في سبيل الله إلى الجهاد في هذا الميدان الخطر، فانشغلوا بأنفسهم عن أعدائهم، ثم ذهب الرجال وبقي الجدال.. بقي إلى اليوم يهدِّدُ وحدة الأمة ويهزُّ كيانها!. ومع أن الدولة الإسلامية جَثَتْ على قدميها أمام الصليبية الغازية، واقترب الخطر على الإسلام من صميم عقائده وصميم دياره ، فإن الريح النتنة لهذا الجدل ما تزال تهب من بعض الجماعات التي تحترف ـ للأسف الشديد ـ خدمة الإسلام. ولا أحسب أمة تحتاج إلى وحدة الأفكار والمشاعر مثل هذه الأمة الإسلامية. فإذا نشب خلاف على شيء ما، فإن تحويل هذا الخلاف من الأدمغة المفكرة إلى عموم الأمة، يعد جريمة في حق الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجماعة المسلمين... يقول الأستاذ الجليل"أحمد عزت باشا"- معلقًا على الخلافات الناشئة في عِلم الكلام:"كانت هذه الخلافات في الأصل مما لا ينبغي أن يتجاوز حدود المناظرات المنطقية والعلمية والفنية، ولكنا أقحَمْنا اسم الله في مناقشاتنا التي لا معنى لها. فحاول كل فريق منا إسناد الكفر والإلحاد إلى الفريق الآخر، فقَلَبْنا الخلاف البدائي خصومة دينية لا تهدأ. فاختلاف الجهمية والمعتزلة نشأ ـ في أصله ـ عن التعبير بأن العبد خالق ص _010"

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام