Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73


قام أمير أفريقيا عقبة بن نافع باجتياح المغرب كله من أدناه إلى أقصاه حتى بلغ ساحل المحيط الأطلسي.


كان ابن الزبير رضي الله عنه رافضا بيعة يزيد بن معاوية منذ أن حاول معاوية رضي الله عنه أخذ البيعة لابنه يزيد من ابن عمر والحسين وابن الزبير، وبعد وفاة معاوية رضي الله عنه انتقل ابن الزبير والحسين بن علي من المدينة إلى مكة, وبعد قتل الحسين بن علي رضي الله عنه خلع عبد الله بن الزبير عامل يزيد في مكة، وقدم بدلا عنه مصعب بن عبد الرحمن، ثم ثار الناس بالمدينة وطردوا والي يزيد وولوا عليهم عبد الله بن حنظلة، وحاصروا بني أمية في دار مروان بن الحكم، ثم طردوهم من المدينة، ولما وصل الخبر ليزيد أرسل إليهم جيشا وكانت وقعة الحرة، ثم تابع الجيش إلى مكة، وتوفي قائدهم مسلم بن عقبة في الطريق، وتولى بعده الحصين بن نمير الذي حاصر مكة، وتوفي يزيد أثناء ذلك، فلما علم بذلك الحصين طلب من ابن الزبير أن يسير معه للشام فيبايعه فيها؛ لكن ابن الزبير رفض فرجع جيش الحصين، ودعا ابن الزبير لنفسه بالخلافة، فبايعه أهل الحجاز وأهل مصر، وأما أهل البصرة فبايعوا ابن زياد، ثم بعد مدة اجتمعت البصرة والكوفة لابن الزبير واليمن وخراسان والشام إلا بعض المناطق.


لما بايع أهل المدينة لعبد الله بن الزبير وخلعوا بيعة يزيد وخلعوا واليه في المدينة وحاصروا بني أمية في دار مروان أرسل إليهم يزيد جيشا بقيادة مسلم بن عقبة المري، وكان كبيرا مريضا، فلما وصل المدينة حاصرها من طرف الحرة الشرقية من طريق الكوفة وقتها، وأمهلهم ثلاثة أيام ليخلعوا بيعة ابن الزبير ويعودوا لبيعة يزيد، فأبوا وخرجوا إلى الحرة مع أميرهم عبد الله بن حنظلة الغسيل، فجرى فيها قتال شديد عنيف في الحرة، وسميت وقعة الحرة لذلك، فقتل الكثير من أبناء الصحابة في المدينة والأنصار وغيرهم كثير، وكان من أمر جيش مسلم كذلك أن أباح المدينة للجيش مدة ثلاثة أيام سلبوا فيها ما شاءوا من المال والسلاح والطعام، وكانت وقعة شديدة عظيمة وفاجعة مسيئة، وأكره أهل المدينة ثانية على مبايعة يزيد.


هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي القرشي الدمشقي، ولد في 23 رمضان 26 هـ في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه في قرية الماطرون، وأمه ميسون بنت بحدل الكلبية، طلقها معاوية فيما بعد.

عاش فترة من حياته في البادية بين أخواله، تولى الخلافة بعد وفاة والده في سنة 60 للهجرة، ولم يبق من معارضي توليته الخلافة غير الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير.

حدث في عهده ثلاثة حوادث في سنة 61هـ، وقعة كربلاء التي قتل فيها الحسين بن علي رضي الله عنه بعد تحريض شيعة العراق له بالخروج إليهم ثم تخليهم عنه.

والثاني سنة 63 هـ معارضة عبد الله بن الزبير في الحجاز، وما ترتب عليها من استباحة الحرم واحتراق الكعبة.

والثالث معارضة أهل المدينة سنة 63 هـ على يزيد وخلع بيعته مما أدى إلى حصار المدينة ثم استباحتها في وقعة الحرة.

توفي يزيد بن معاوية أثناء حصار الجيش لمكة، وكان هو في الشام وقد كان عهد لابنه معاوية بن يزيد بالخلافة من بعده, وبعد وفاة يزيد بن معاوية تباينت الآراء حول شخصيته.

والناس فيه طرفان ووسط، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إنه كان ملكا من ملوك المسلمين، له حسنات وسيئات، ولم يولد إلا في خلافة عثمان، ولم يكن كافرا؛ ولكن جرى بسببه ما جرى من مصرع الحسين، وفعل ما فعل بأهل الحرة، ولم يكن صاحبا ولا من أولياء الله الصالحين، وهذا قول عامة أهل العقل والعلم والسنة والجماعة.

ثم افترقوا ثلاث فرق: فرقة لعنته، وفرقة أحبته، وفرقة لا تسبه ولا تحبه، وهذا هو المنصوص عن الإمام أحمد، وعليه المقتصدون من أصحابه وغيرهم من جميع المسلمين.


لما رفض ابن الزبير البيعة ليزيد بن معاوية وكان بمكة المكرمة سير إليه يزيد بن معاوية جيشا بقيادة مسلم؛ ولكن مسلما توفي في الطريق إلى مكة فاستلم بعده الحصين بن نمير فحاصر مكة المكرمة، وكان ابن الزبير اتخذ المسجد حصنا له ووضع فيه الخيام لتحميه وجنده من ضربات المنجنيق، واستمر الحصار إلى أن احترقت الكعبة قبل أن يأتي نعي يزيد بن معاوية بتسعة وعشرين يوما، واختلف في من كان سببا في احتراق الكعبة.

كان أصحاب ابن الزبير يوقدون حول الكعبة، فأقبلت شررة هبت بها الريح فاحترقت كسوة الكعبة، واحترق خشب البيت.

قال أحد أصحاب ابن الزبير يقال له عون: ما كان احتراق الكعبة إلا منا, وذلك أن رجلا منا كان هو وأصحابه يوقدون في خصاص لهم حول البيت, فأخذ نارا في رمحه فيه نفط, وكان يوم ريح, فطارت منها شرارة, فاحترقت الكعبة حتى صارت إلى الخشب, وقيل: إن رجلا من أهل الشام لما جن الليل وضع شمعة في طرف رمحه, ثم ضرب فرسه ثم طعن الفسطاط فالتهب نارا, والكعبة يومئذ مؤزرة بالطنافس, وعلى أعلاها الحبرة, فطارت الريح باللهب على الكعبة فاحترقت.

فلم يكن حرق الكعبة مقصودا من أحد الطرفين؛ بل إن احتراقها جاء نتيجة لحريق الخيام المحيطة بها مع اشتداد الريح, فهذا رجل من أهل الشام لما احترقت الكعبة نادى على ضفة زمزم بقوله: هلك الفريقان والذي نفس محمد بيده.


بعد أن توفي يزيد وكان قد عهد بالخلافة لابنه معاوية، وكان شابا مريضا، وكان ناسكا صالحا متعبدا لم تدم خلافته بالناس سوى اليسير، ولم يرد الخلافة وقد علم أنه ليس لها بأهل، واعتزل الناس وقال: إنه لم يجد للناس من يخلفه كما خلف أبو بكر للناس عمر بن الخطاب، ولا وجد في الناس ستة من أهل الشورى يكون الأمر بينهم كما وجد عمر بن الخطاب للناس أهل الشورى، فترك الأمر للناس يختارون من شاءوا، واعتزلهم حتى توفي.


لما مات يزيد بن معاوية أقلع جيشه عن مكة، وهم الذين كانوا يحاصرون ابن الزبير وهو عائذ بالبيت، فلما رجع حصين بن نمير السكوني بالجيش إلى الشام بعد أن عرض الحصين على ابن الزبير أن يبايعه بالخلافة شرط أن يأتي معهم للشام؛ لكن ابن الزبير رفض الذهاب إلى الشام, كان يزيد قد أوصى بالخلافة لابنه معاوية؛ لكنه لم يكن راغبا فيها فتركها وجعلها شورى للمسلمين.

استفحل أمر ابن الزبير بالحجاز وما والاها، وبايعه الناس في العراق وما يتبعه إلى أقصى مشارق ديار الإسلام، وفي مصر وما يتبعها إلى أقصى بلاد المغرب، وبايعت الشام أيضا إلا بعض جهات منها، ففي دمشق بايع الضحاك بن قيس الفهرى لابن الزبير، وفي حمص بايع النعمان بن بشير، وفي قنسرين زفر بن الحارث الكلابي، وفي فلسطين بايع ناتل بن قيس، وأخرج منها روح بن زنباع الجذامي، ولم يكن رافضا بيعة ابن الزبير في الشام إلا منطقة البلقاء وفيها حسان بن مالك بن بحدل الكلبي.

وقد كان التف على عبد الله بن الزبير جماعة من الخوارج يدافعون عنه، منهم نافع بن الأزرق، وعبد الله بن إباض، وجماعة من رؤوسهم, فلما استقر أمره في الخلافة قالوا فيما بينهم: إنكم قد أخطأتم لأنكم قاتلتم مع هذا الرجل ولم تعلموا رأيه في عثمان بن عفان -وكانوا ينتقصون عثمان- فاجتمعوا إليه فسألوه عن عثمان فأجابهم فيه بما يسوؤهم، فعند ذلك نفروا عنه وفارقوه وقصدوا بلاد العراق وخراسان، فتفرقوا فيها.

صرح العديد من العلماء والمؤرخين بأن بيعة ابن الزبير بيعة شرعية، وأنه أولى بها من مروان بن الحكم, فيروي ابن عبد البر، عن مالك أنه قال: إن ابن الزبير كان أفضل من مروان وكان أولى بالأمر منه، ومن ابنه عبد الملك.

ويقول ابن كثير عن ابن الزبير: ثم كان هو الإمام بعد موت معاوية بن يزيد لا محالة، وهو أرشد من مروان بن الحكم، حيث نازعه بعد أن اجتمعت الكلمة عليه، وقامت البيعة له في الآفاق، وانتظم له الأمر، والله أعلم.


لما احترقت الكعبة حين غزا أهل الشام عبد الله بن الزبير أيام يزيد تركها ابن الزبير يشنع بذلك على أهل الشام، فلما مات يزيد واستقر الأمر لابن الزبير شرع في بنائها، فأمر بهدمها حتى ألحقت بالأرض، وكانت قد مالت حيطانها من حجارة المنجنيق، وجعل الحجر الأسود عنده، وكان الناس يطوفون من وراء الأساس، وضرب عليها السور وأدخل فيها الحجر، واحتج بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: (لولا حدثان عهد قومك بالكفر لرددت الكعبة على أساس إبراهيم، وأزيد فيها الحجر).

فحفر ابن الزبير فوجد أساسا أمثال الجمال، فحركوا منها صخرة فبرقت بارقة، فقال: أقروها على أساسها وبنائها، وجعل لها بابين يدخل من أحدهما ويخرج من الآخر.


لما بويع لابن الزبير بالخلافة، وقدم الحصين بن نمير ومن معه إلى الشام أخبر مروان بما كان بينه وبين ابن الزبير، وقال له ولبني أمية: نراكم في اختلاط فأقيموا أميركم قبل أن يدخل عليكم شامكم، فتكون فتنة عمياء صماء.

وكان من رأي مروان أن يسير إلى ابن الزبير فيبايعه بالخلافة، فقدم ابن زياد من العراق وبلغه ما يريد مروان أن يفعل، فقال له: قد استحييت لك من ذلك، أنت كبير قريش وسيدها تمضي إلى أبي خبيب فتبايعه -يعني ابن الزبير- فقال: ما فات شيء بعد.

فقام معه بنو أمية ومواليهم وتجمع إليه أهل اليمن فسار إلى دمشق وهو يقول: ما فات شيء بعد، فقدم دمشق وجهز جيوشا ليثبتوا له البيعة فثبت حكمه بالشام, ثم أرسل جيشا آخر للعراق ليأخذ له البيعة.

ولكن لم تدم مدة حكمه طويلا، فقد توفي بعد تسعة أشهر.


لما بايع الناس مروان سار من الجابية إلى مرج راهط وبها الضحاك بن قيس ومعه ألف فارس، وكان قد استمد الضحاك النعمان بن بشير وهو على حمص فأمده حبيب بن ذي الكلاع، واستمد أيضا زفر بن الحارث وهو على قنسرين فأمده بأهل قنسرين، وأمده ناتل بأهل فلسطين، فاجتمعوا عنده، واجتمع على مروان كلب وغسان, والسكاسك والسكون، وتحارب مروان والضحاك بمرج راهط عشرين ليلة، واقتتلوا قتالا شديدا، فقتل الضحاك، قتله دحية بن عبد الله، وقتل معه ثمانون رجلا من أشراف أهل الشام، وقتل أهل الشام مقتلة عظيمة، وقتلت قيس مقتلة لم يقتل مثلها في موطن قط، وكان فيمن قتل هانىء بن قبيصة النميري سيد قومه، كان مع الضحاك، قتله وازع بن ذؤالة الكلبي، ولما انهزم الناس من المرج لحقوا بأجنادهم، فانتهى أهل حمص إليها وعليها النعمان بن بشير، فلما بلغه الخبر خرج هربا ليلا ومعه امرأته نائلة بنت عمارة الكلبية وثقله وأولاده، فتحير ليلته كلها، وأصبح أهل حمص فطلبوه، وكان الذي طلبه عمرو بن الجلي الكلاعي، فقتله ورد أهله والرأس معه، وجاءت كلب من أهل حمص فأخذوا نائلة وولدها معها، ولما بلغت الهزيمة زفر بن الحارث الكلابي بقنسرين هرب منها فلحق بقرقيسيا وعليها عياض الحرشي، وكان يزيد ولاه إياها، وهرب ناتل بن قيس الجذامي عن فلسطين فلحق بابن الزبير بمكة، واستعمل مروان بعده على فلسطين روم بن زنباع، واستوثق الشام لمروان واستعمل عماله عليها.


لما استقر الشام لمروان بن الحكم سار إلى مصر, فقدمها وعليها عبد الرحمن بن جحدم القرشي يدعو إلى ابن الزبير، فخرج إلى مروان فيمن معه، وبعث مروان عمرو بن سعيد من ورائه حتى دخل مصر، فقيل لابن جحدم ذلك، فرجع وبايع الناس مروان ورجع إلى دمشق.


هو نافع بن الأزرق من بني حنيفة زعيم الأزارقة، المشهور بمساءلة ابن عباس, ومما يذكر عن ابتداء ظهوره أنه اجتمع بالخوارج الذين يرون رأيه وطلب إليهم أن ينضموا إلى ابن الزبير لمقاتلة جيوش أهل الشام الذين حاصروا مكة، قائلا لهم من خطبة له: وقد جرد فيكم السيوف أهل الظلم، وأولوا العداء والغشم، وهذا من ثار بمكة، فاخرجوا بنا نأت البيت ونلق هذا الرجل، فإن يكن على رأينا جاهدنا معه العدو، وإن يكن على غير رأينا دافعنا عن البيت ما استطعنا، ونظرنا بعد ذلك في أمورنا.

فأطاعوه وخرجوا إلى مكة، وقاتلو مع ابن الزبير جيش الشام, ثم امتحنوا ابن الزبير، ولما تبين لهم خلافه لرأيهم خرجوا عنه سنة 64هـ، فخرجوا من مكة إلى جهتين: جهة إلى البصرة، أمروا عليهم نافع بن الأزرق, وجهة إلى اليمامة وولوا عليهم أبا طالوت، ثم خلعوه وولوا عليهم نجدة بن عامر.

أقام نافع بن الأزرق بالبصرة إلى أن خشي من أهلها، فخرج إلى الأهواز وتبعه أتباعه إلى هناك.

وقد استقر الأمر بنافع ومن معه في الأهواز، فغلبوا عليها و على كورها وما وراءها من بلدان فارس وكرمان في أيام عبد الله بن الزبير، وقتلوا عماله بهذه النواحي، إلى أن قتل نافع عندما اشتدت المعركة بينه وبين جيش أهل البصرة بقيادة مسلم بن عبيس بن كريز بن ربيعة في ناحية الأهواز الذي جهزه عامل البصرة من قبل عبد الله بن الزبير عبد الله بن الحارث الخزاعي.


لما غلب مروان بن الحكم على الشام وما حولها عهد بالخلافة لابنيه عبد الملك ثم من بعده عبد العزيز، فاستلم عبد الملك زمام الأمور التي كانت بيد والده ولكن لم تتم له الأمور كلها؛ لأن بعض المناطق ما زالت تدين بالخلافة لابن الزبير.


هو أحد المكثرين في الراوية عن النبي صلى الله عليه وسلم، أسلم قبل أبيه، وكان فاضلا عالما، قرأ القرآن والكتب المتقدمة، واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أن يكتب عنه، فأذن له، شهد صفين مع معاوية طاعة لوالده، إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (أطع أباك).

اختلف كثيرا في زمن وفاته ومكان وفاته، وذلك للاختلاف في عمره يوم وفاته.


هو المختار بن أبي عبيد الثقفي، وكان في الكوفة، وكان يدعو إلى إمامة المهدي محمد بن علي المعروف بابن الحنفية، فسارت وراءه جماعة منها جماعة كانت مع سليمان بن صرد رضي الله عنه، الذين لقبوا أنفسهم بالتوابين، ليكفروا عن خذلانهم للحسين بن علي رضي الله عنه في كربلاء, ولكن ابن الحنفية لم يكن يعلم بأمرهم فضلا عن أن يرضى بفعلهم.


بدأ عبد الملك بن مروان في بناء مسجد قبة الصخرة في بيت المقدس.

وقيل: إن عبد الملك بن مروان حين قرر بناء قبة عالية تغطي الصخرة رصد لبنائها خراج مصر لسبع سنين، وحين أنفقت هذه الأموال على البناء بقي منها مائة ألف دينار، فأمر عبد الملك بن مروان أن يصنع بها صفائح ذهبية تكسى بها القبة من الخارج.


بدأ المختار بن أبي عبيد الثقفي بالدعوة لابن الحنفية ظاهرا؛ ولكنه تبين أنه يدعو لنفسه، فقد كون حوله جيشا قاتل فيه عبيد الله بن زياد، وكان المختار يصانع ابن الزبير حينا ليتقوى به على جيوش عبد الملك بن مروان، وحصلت معركة بين جيشه وجيش الشام عند نهر الحازر، قتل فيها ابن زياد، والحصين بن نمير، وشرحبيل بن زياد، ثم حصل اقتتال بين المختار وبين مصعب بن الزبير، والتقى الطرفان وهزم المختار وتراجع إلى الكوفة، وقتل فيها وانتهت فتنته بذلك.


هو حبر الأمة، وهو أحد المكثرين من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، شهد مع علي الجمل وصفين، وكان واليا له على الكوفة، كف بصره في آخر عمره، وكان في مكة ثم انتقل إلى الطائف، وتوفي فيها وهو ابن واحد وسبعين سنة، ودفن فيها.


لما امتنع عمرو بن سعيد بن العاص على عبد الملك خرج أيضا قائد من قواد الضواحي في جبل اللكام وتبعه خلق كثير من الجراجمة، والأنباط، وآباق عبيد المسلمين، وغيرهم، ثم سار إلى لبنان، فلما فرغ عبد الملك من عمرو بن سعيد أرسل إلى هذا الخارج فبذل له كل جمعة ألف دينار، فركن إلى ذلك ولم يفسد في البلاد، ثم وضع عليه عبد الملك سحيم بن المهاجر، فتلطف حتى وصل إليه متنكرا فأظهر له ممالأته وذم عبد الملك وشتمه ووعده أن يدله على عوراته، وما هو خير له من الصلح.

فوثق به.

ثم إن سحيما عطف عليه وعلى أصحابه وهم غارون غافلون بجيش مع موالي عبد الملك وبني أمية وجند من ثقات جنده وشجعانهم كان أعدهم بمكان خفي قريب وأمر فنودي: من أتانا من العبيد -يعني الذين كانوا معه- فقتل الخارج ومن أعانه من الروم، وقتل نفر من الجراجمة والأنباط، ونادى المنادي بالأمان فيمن لقي منهم، فتفرقوا في قراهم، وسد الخلل، وعاد سحيم بن المهاجر إلى عبد الملك، ووفى للعبيد.


عين عبد الملك بن مروان زهير بن قيس أميرا على أفريقيا، وأمده بالمال والرجال ليتوجه بجيش إلى القيروان لاستردادها، حيث كانت مع الروم فاستولوا عليها مع كسيلة البربري، والتقى الطرفان في موقع ممش قرب القيروان، وحصل القتال وانتصر زهير وقتل كسيلة ثم عاد إلى برقة، فكانت الروم قد أغارت عليه بحملة بحرية فقاتلهم وكان فيها مصرعه رحمه الله.


أقام عبد الملك بن مروان بدمشق بعد رجوعه من قنسرين ما شاء الله أن يقيم، ثم سار يريد قرقيسيا وبها زفر بن الحارث الكلابي، وكان عمرو بن سعيد مع عبد الملك، فلما بلغ بطنان حبيب رجع عمرو ليلا ومعه حميد بن حريث الكلبي، وزهير بن الأبرد الكلبي، فأتى دمشق وعليها عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي قد استخلفه عبد الملك، فلما بلغه رجوع عمرو بن سعيد هرب عنها، ودخلها عمرو فغلب عليها وعلى خزائنه، وهدم دار ابن أم الحكم، واجتمع الناس إليه فخطبهم ونهاهم ووعدهم، فأصبح عبد الملك وقد فقد عمرا، فسأل عنه فأخبر خبره، فرجع إلى دمشق فقاتله أياما، وكان عمرو إذا أخرج حميد بن حريث على الخيل أخرج إليه عبد الملك سفيان بن الأبرد الكلبي، وإذا أخرج عمرو زهير بن الأبرد أخرج إليه عبد الملك حسان بن مالك بن بحدل.

ثم إن عبد الملك وعمرا اصطلحا وكتبا بينهما كتابا وآمنه عبد الملك، فخرج عمرو في الخيل إلى عبد الملك فأقبل حتى أوطأ فرسه أطناب عبد الملك فانقطعت وسقط السرادق، ثم دخل على عبد الملك فاجتمعا، ودخل عبد الملك دمشق يوم الخميس، فلما كان بعد دخول عبد الملك بأربعة أيام أرسل إلى عمرو: أن ائتني.

فلما كان العشاء لبس عمرو درعا ولبس عليها القباء وتقلد سيفه، ودخل عمرو فرحب به عبد الملك فأجلسه معه على السرير وجعل يحادثه طويلا، ثم أوثقه وأمر بقتله، ثم تولى قتله بنفسه فذبحه.


لما تمكن عبد الملك من الشام أراد أن يضم لها العراق، وقد قيل: إن أهلها كاتبوا عبد الملك ليسير إليهم، وكانت العراق مع ابن الزبير وواليها مصعب أخوه، فسار إليه بنفسه فلما علم مصعب بذلك سار إليه ومعه إبراهيم بن الأشتر، وكان على الموصل والجزيرة، فلما حضر عنده جعله على مقدمته وسار حتى نزل باجميرى، وهي قريب من أوانا، وهي من مسكن، فعسكر هناك، وسار عبد الملك وعلى مقدمته أخوه محمد بن مروان، وخالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد، فلما تدانى العسكران أرسل عبد الملك إلى مصعب رجلا من كلب وقال له: أقرئ ابن أختك السلام -وكانت أم مصعب كلبية- وقل له يدع دعاءه إلى أخيه، وأدع دعائي إلى نفسي، ويجعل الأمر شورى.

فقال له مصعب: قل له السيف بيننا.

فقدم عبد الملك أخاه محمدا، وقدم مصعب إبراهيم بن الأشتر، فالتقيا فتناوش الفريقان فقتل صاحب لواء محمد، وجعل مصعب يمد إبراهيم، فأزال محمدا عن موقفه، فوجه عبد الملك عبد الله بن يزيد إلى أخيه محمد، فاشتد القتال، فقتل مسلم بن عمرو الباهلي والد قتيبة، وهو من أصحاب مصعب، وتقدم أهل الشام فقاتلهم مصعب ثم عرض عبد الملك الأمان على مصعب فأبى وبقي يقاتلهم، ثم إن كثيرا خذلوا مصعبا، وقيل: لم يبق معه سوى أربعة، وكثرت الجراحات بمصعب فضربه رجل -يقال له: عبيد الله بن زياد بن ظبيان التميمي- فقتله وحمل رأسه إلى عبد الملك.


كان المهلب يحارب الأزارقة، فجعله عبد الملك بن مروان على خراج الأهواز ومعونتها، وسير أخاه عبد العزيز بن عبد الله إلى قتل الخوارج، وسير معه مقاتل بن مسمع، فخرجا يطلبان الأزارقة، فأتت الخوارج من ناحية كرمان إلى دار أبجرد، فأرسل قطري بن الفجاءة المازني مع صالح بن مخارق تسعمائة فارس، فأقبل يسير بهم حتى استقبل عبد العزيز وهو يسير مهلا على غير تعبية، فانهزم بالناس، ونزل مقاتل بن مسمع فقاتل حتى قتل، وانهزم عبد العزيز إلى رامهرمز، فأمر عبد الملك أن يسير إليهم المهلب، وكتب إلى بشر بن مروان أن ينفذ له خمسة آلاف رجل، وجاءت الأزارقة إلى الأهواز، وسار خالد والمهلب وغيرهم إليهم، وبقوا عشرين ليلة ثم زحف خالد إليهم بالناس، فرأوا أمرا هالهم من كثرة الناس، فكثرت عليهم الخيل وزحفت إليهم، فانصرفوا كأنهم على حامية وهم مولون لا يرون طاقة بقتل جماعة الناس.

فأرسل خالد داود بن قحذم في آثارهم، وانصرف خالد إلى البصرة، وسار عبد الرحمن إلى الري، وأقام المهلب بالأهواز، وكتب خالد إلى عبد الملك بذلك، وبعث بشر عتاب بن ورقاء في أربعة آلاف فارس من أهل الكوفة، فساروا حتى لحقوا داود فاجتمعوا، ثم اتبعوا الخوارج حتى هلكت خيول عامتهم وأصابهم الجوع والجهد، ورجع عامة الجيشين مشاة إلى الأهواز.


تم ذلك لعبد الملك بن مروان بعد أن قتل مصعب بن الزبير ومن معه، فانتهى بذلك حكم عبد الله بن الزبير على العراق، وانضمت لعبد الملك وولاها خالد بن عبد الله القسري.


سير عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي إلى عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وبعث معه له أمانا إن هو أطاع، فبقي الحجاج مدة في الطائف يبعث البعوث تقاتل ابن الزبير وتظفر عليه.

فكتب الحجاج إلى عبد الملك يخبره: بأن ابن الزبير قد كل وتفرق عنه أصحابه, ويستأذنه بمحاصرة الحرم ثم دخول مكة، فأمده عبد الملك بطارق الذي كان يحاصر المدينة، ولما حصر الحجاج ابن الزبير نصب المنجنيق على أبي قبيس ورمى به الكعبة، وكان عبد الملك ينكر ذلك أيام يزيد بن معاوية، ثم أمر به، وحج ابن عمر رضي الله عنهما تلك السنة فأرسل إلى الحجاج: أن اتق الله، واكفف هذه الحجارة عن الناس؛ فإنك في شهر حرام وبلد حرام، وقد قدمت وفود الله من أقطار الأرض ليؤدوا فريضة الله ويزدادوا خيرا، وإن المنجنيق قد منعهم عن الطواف، فاكفف عن الرمي حتى يقضوا ما يجب عليهم بمكة.

فبطل الرمي حتى عاد الناس من عرفات وطافوا وسعوا، ولم يمنع ابن الزبير الحاج من الطواف والسعي، فلما فرغوا من طواف الزيارة نادى منادي الحجاج: انصرفوا إلى بلادكم، فإنا نعود بالحجارة على ابن الزبير الملحد.

فأصاب الناس بعد ذلك مجاعة شديدة بسبب الحصار، فلما كان قبيل مقتله تفرق الناس عنه، وخرجوا إلى الحجاج بالأمان، خرج من عنده نحو عشرة آلاف، وكان ممن فارقه ابناه حمزة وخبيب، وأخذا لأنفسهما أمانا، فقال عبد الله لابنه الزبير: خذ لنفسك أمانا كما فعل أخواك، فوالله إني لأحب بقاءكم.

فقال: ما كنت لأرغب بنفسي عنك.

فصبر معه فقتل وقاتلهم قتالا شديدا، فتعاوروا عليه فقتلوه يوم الثلاثاء من جمادى الآخرة وله ثلاث وسبعون سنة، وتولى قتله رجل من مراد، وحمل رأسه إلى الحجاج، وبعث الحجاج برأسه، ورأس عبد الله بن صفوان، ورأس عمارة بن عمرو بن حزم إلى المدينة، ثم ذهب بها إلى عبد الملك بن مروان، وأخذ جثته فصلبها على الثنية اليمنى بالحجون، ثم بعد أن أنزله الحجاج عن الخشبة بعث به إلى أمه، فغسلته، فلما أصابه الماء تقطع، فغسلته عضوا عضوا فاستمسك، وصلى عليه أخوه عروة، فدفنته.


في هذه السنة انتهي من بناء مسجد قبة الصخرة في بيت المقدس والذي كان عبد الملك قد أمر به في سنة 66 هـ.


هي ذات النطاقين، وهي زوجة الزبير، ووالدة عبد الله بن الزبير، وكانت قد شهدت اليرموك مع زوجها وابنها، بقيت في مكة بعد أن طلقها الزبير في عهد عثمان بن عفان، وكانت قد عميت رضي الله عنها وبلغت المائة سنة من عمرها، وخبرها مع الحجاج مشهور بشأن ابنها عبد الله، وقد توفيت بعد مقتل ابنها بشهرين، وكانت من آخر المهاجرات موتا، فرضي الله عنها وعن أبيها وابنها.


في عهد عبد الملك بن مروان ثار الخوارج في البحرين بزعامة عبد الله بن قيس المعروف بأبي فديك, وأخرجهم منها المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة بعد معركة قتل فيها أبو فديك.


هو أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة: أبو بكر، وأبو خبيب القرشي الأسدي المكي، ثم المدني, أحد الأعلام، كان عبد الله أول مولود للمهاجرين بالمدينة, ولد سنة اثنتين، وقيل: السنة الأولى من الهجرة, ولما بلغ سبع سنين جاء ليبايع النبي صلى الله عليه وسلم، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه مقبلا، ثم بايعه.

له رواية أحاديث، وهو من صغار الصحابة، وإن كان كبيرا في العلم والشرف والجهاد والعبادة، وقد روى عن أبيه وجده لأمه الصديق، وأمه أسماء، وخالته عائشة، وعن عمر وعثمان، وغيرهم، وحدث عنه: أخوه عروة الفقيه، وابناه: عامر وعباد، وابن أخيه: محمد بن عروة، وكان فارس قريش في زمانه، وله مواقف مشهودة.

أدرك ابن الزبير من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية أعوام وأربعة أشهر, وكان ملازما لبيت رسول الله؛ لكونه من آله، فكان يتردد إلى بيت خالته عائشة, وفي يوم اليرموك أركب الزبير ولده عبد الله فرسا وهو ابن عشر سنين، ووكل به رجلا، شهد يوم الجمل مع خالته، كما شهد فتح المغرب، وغزو القسطنطينية.

كان معاوية رضي الله عنه في عهده إذا لقي ابن الزبير يقول: مرحبا بابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن حواري رسول الله، لما توفي يزيد بويع ابن الزبير بالخلافة سنة 64هـ، فحكم الحجاز واليمن ومصر والعراق وخراسان، وبعض الشام، ولم يستوسق له الأمر، ومن ثم لم يعده بعض العلماء في أمراء المؤمنين، وعد دولته زمن فرقة، فإن مروان غلب على الشام ثم مصر، وقام بعد مصرعه ابنه عبد الملك بن مروان، وحارب ابن الزبير، فلم يزل يحاربه حتى ظفر به, فأخذ العراق، ثم أرسل الحجاج إلى مكة وأخذها من ابن الزبير بعد أن خذله من كان معه خذلانا شديدا، وجعلوا يتسللون إلى الحجاج، وجعل الحجاج يصيح: أيها الناس, علام تقتلون أنفسكم? من خرج إلينا فهو آمن, لكم عهد الله وميثاقه، ورب هذه البنية لا أغدر بكم، ولا حاجة في دمائكم.

قتله الحجاج ثم صلبه، وكان آدم نحيفا, ليس بالطويل, بين عينيه أثر السجود, فغسلته والدته أسماء بنت أبي بكر بعد ما تقطعت أوصاله، فحنطته وكفنته، وصلت عليه، وجعلت فيه شيئا حين رأته يتفسخ إذا مسته, ثم حملته فدفنته بالمدينة في دار صفية أم المؤمنين.

قال عروة بن الزبير: لم يكن أحد أحب إلى عائشة بعد رسول الله من أبي بكر، وبعده ابن الزبير، وإذا ذكر ابن الزبير عند ابن عباس، قال: (قارئ لكتاب الله, عفيف في الإسلام, أبوه الزبير، وأمه أسماء، وجده أبو بكر، وعمته خديجة، وخالته عائشة، وجدته صفية)، وكان عمرو بن دينار يقول: (ما رأيت مصليا قط أحسن صلاة من عبد الله بن الزبير، وكان يسمى حمامة المسجد).


كان عبد الله بن الزبير أعاد بناء الكعبة بعد أن تخربت في الحصار الأول الذي قاده الحصين بن نمير من قبل يزيد بن معاوية على قواعدها القديمة، وجعل لها بابين كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عادت وتضررت الكعبة في الحصار الثاني الذي قاده الحجاج بن يوسف الذي استعمل كذلك المنجنيق، مما أدى إلى هدم أجزاء من الكعبة، وبعد أن قتل الحجاج ابن الزبير وسيطر على مكة كتب إلى الخليفة عبد الملك بن مروان: أن ابن الزبير قد زاد في البيت ما ليس فيه، وقد أحدث فيه بابا آخر، فأمر عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف أن يعيد بناء الكعبة إلى ما كانت عليه في عهد قريش، وذلك لعدم علم عبد الملك بحديث عائشة رضي الله عنها في رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في إعادة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم, فهدم الحجاج منها ستة أذرع وبناها على أساس قريش، وسد الباب الغربي وسد ما تحت عتبة الباب الشرقي لارتفاع أربعة أذرع، ووضع مصراعان يغلقان الباب.