Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73


هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي المكي ثم المدني، صحابي جليل، وابن ثاني خلفاء المسلمين عمر بن الخطاب، وعالم من علماء الصحابة، لقب بشيخ الصحابة رضي الله عنه، أسلم قديما مع أبيه ولم يبلغ الحلم، وهاجرا وعمره عشر سنين، وقد استصغر يوم أحد، فلما كان يوم الخندق أجازه وهو ابن خمس عشرة سنة فشهدها وما بعدها، وهو شقيق حفصة بنت عمر أم المؤمنين، أمهما زينب بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون، وكان عبد الله بن عمر ربعة من الرجال، آدم له جمة تضرب إلى منكبيه، جسيما, وهو أحد المكثرين في الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم، عرضت عليه الخلافة بعد موت يزيد بن معاوية فأبى ذلك حتى لا يقتل بسببه أحد توجه للمدينة بعد الحرة وبقي فيها إلى مقدم الحجاج.

كان عبد الله بن عمر حريصا كل الحرص على أن يفعل ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعله، فيصلي في ذات المكان، ويدعو قائما كالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكان صاحب عبادة منذ صغره، وكان ينام في المسجد.

قال عنه صلى الله عليه وسلم: (نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل).

فصار لا ينام من الليل إلا قليلا إلى أن مات، وكان إذا صلى من الليل، قال لمولاه نافع: أسحرنا؟ -يعني: هل دخلنا في وقت السحر- فيقول: لا.

ثم يصلي، فيقول: أسحرنا؟ حتى يقول: نعم.

فيوتر، هكذا يصلي سائر الليل، وكان يغفي إغفاءة الطائر، ينام نومة يسيرة.

توفي بمكة وهو ابن أربع وثمانين سنة، وكان ابن عمر يسابق الحجاج في الحج إلى الأماكن التي يعلم أن رسول الله يسلكها، فعز ذلك على الحجاج، وكان ابن عمر قد أوصى أن يدفن في الليل، فلم يقدر على ذلك من أجل الحجاج, ودفن بذي طوى في مقبرة المهاجرين، وصلى عليه الحجاج نفسه، فرضي الله عن ابن عمر وأرضاه وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا.


هو جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري، أحد المكثرين في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، شهد العقبة الثانية مع أبيه، فكان آخر من توفي في المدينة من أصحاب العقبة، عمي في آخر عمره، لم يستطع أن يشهد بدرا ولا أحدا، فلما استشهد أبوه في أحد لم يتخلف بعدها عن مشهد بعد ذلك، توفي في المدينة سنة أربع وسبعين، وقيل: سبع وسبعين.

وقيل غير ذلك، وصلى عليه أبان بن عثمان، وكان أمير المدينة، وكان عمره أربعا وتسعين سنة.


لما قتل ابن الزبير واجتمع المسلمون على عبد الملك بن مروان جهز جيشا كبيرا واستعمل عليهم وعلى أفريقيا حسان بن النعمان الغساني وسيرهم إليها، فلم يدخل أفريقيا قط جيش مثله، فلما ورد القيروان تجهز منها وسار إلى قرطاجنة، وكان صاحبها أعظم ملوك أفريقيا، ولم يكن المسلمون قط حاربوها، فلما وصل إليها رأى بها من الروم والبربر مالا يحصى كثرة، فقتلهم وحصرهم، وقتل منهم كثيرا، فلما رأوا ذلك اجتمع رأيهم على الهرب، فركبوا في مراكبهم وسار بعضهم إلى صقلية، وبعضهم إلى الأندلس، ودخلها حسان بالسيف فسبى ونهب وقتلهم قتلا ذريعا، وأرسل الجيوش فيما حولها، فأسرعوا إليه خوفا، فأمرهم فهدموا من قرطاجنة ما قدروا عليه، ثم بلغه أن الروم والبربر قد أجمعوا له في شطفورة وبنزرت، وهما مدينتان، فسار إليهم وقاتلهم ولقي منهم شدة وقوة، فصبر لهم المسلمون، فانهزمت الروم، وكثر القتل فيهم، واستولوا على بلادهم، ولم يترك حسان موضعا من بلادهم إلا وطئه، وخافه أهل أفريقيا خوفا شديدا، ولجأ المنهزمون من الروم إلى مدينة باجة فتحصنوا بها، وتحصن البربر بمدينة بونة، فعاد حسان إلى القيروان لأن الجراح قد كثرت في أصحابه، فأقام بها حتى صحوا.

وبعد ضرب الروم التفت حسان إلى زعامة البربر، فقال: دلوني على أعظم من بقي من ملوك أفريقيا؟ فدلوه على امرأة تملك البربر وتعرف بالكاهنة، والتقى حسان بن النعمان بالكاهنة عند نهر يدعى نيني أو مسكيانة على مرحلة من باغاي ومجانة، فانتصرت الكاهنة وقتل من المسلمين خلق كثير، وانسحب حسان إلى قابس.

وقامت الكاهنة بالهيمنة على المغرب كله بعد حسان، وقالت: إن العرب إنما يطلبون من أفريقيا المدائن والذهب والفضة، ونحن إنما نريد منها المزارع والمراعي، فلا نرى لكم إلا خراب بلاد أفريقيا كلها.

حتى ييأس منها العرب فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر, واستجاب لها قومها من جراوة الذين كان يغلب عليهم الطابع البدوي، فذهبوا إلى كل ناحية يقطعون الشجر، ويهدمون الحصون, فكانت أفريقيا من طرابلس إلى طنجة ظلا وقرى متصلة فأخرجت جميع ذلك، وقد أضر هذا التخريب بالبرانس والأفارقة حتى ألجأهم إلى الفرار وطلب المساعدة، وخرج يومئذ من النصارى والأفارقة خلق كثير مستغيثين مما نزل بهم من الكاهنة، فيتفرقوا على الأندلس وسائر الجزر البحرية, وملكت الكاهنة أفريقيا، وأساءت السيرة في أهلها وظلمتهم.


حكم الحجاج بن يوسف بعد أن قضى على ابن الزبير، حكم الحجاز كلها ثم ولاه عبد الملك أمر العراق بدلا من خالد بن عبد الله القسري، فصارت العراق للحجاج، وخطبته فيها مشهورة، فأمسك زمام الأمور فيها بشدة فدانت له وخضعت.


بعث الحجاج كتابا إلى المهلب وعبد الرحمن بن مخنف يأمرهما بمناهضة الخوارج، فزحفوا إليهم وقاتلوهم شيئا من قتال، فانهزمت الخوارج كأنهم على حامية، ولم يكن منهم قتال، وساروا حتى نزلوا كازرون، وسار المهلب وابن مخنف حتى نزلوا بهم، وخندق المهلب على نفسه، وقال لابن مخنف: إن رأيت أن تخندق عليك فافعل.

فقال أصحابه: نحن خندقنا سيوفنا, فأتى الخوارج المهلب ليبيتوه فوجدوه قد تحرز، فمالوا نحو ابن مخنف فوجدوه لم يخندق فقاتلوه فانهزم عنه أصحابه، فنزل فقاتل في أناس من أصحابه, فقتل وقتلوا حوله كلهم.


وكان سبب ضربها أن عبد الملك بن مروان كتب في صدور الكتب إلى الروم: "قل هو الله أحد" وذكر النبي صلى الله عليه وسلم، مع التاريخ، فكتب إليه ملك الروم: إنكم قد أحدثتم كذا وكذا، فاتركوه وإلا أتاكم في دنانيرنا من ذكرنا نبيكم ما تكرهون.

فعظم ذلك عليه.

فأحضر خالد بن يزيد بن معاوية فاستشاره فيه، فقال: حرم دنانيرهم واضرب للناس سكة فيها ذكر الله تعالى.

فضرب الدنانير والدراهم.

ثم إن الحجاج ضرب الدراهم ونقش فيها: "قل هو الله أحد" فكره الناس ذلك لمكان القرآن؛ لأن الجنب والحائض يمسها، ونهى أن يضرب أحد غيره.


كانت هناك في جبال أوراس كاهنة مطاعة من قبل البربر فانطلق إليها حسان بن النعمان لقتالها، وحصل قتال شديد هزم فيه المسلمون، ووصل الخبر لعبد الملك فأمر بالانتظار حتى يأتيهم الأمر؛ ولكن الروم لما علموا بالأمر ساروا بأسطولهم إلى قرطاجنة بإمرة البطريق يوحنا فتمكن من دخولها وقسا على المسلمين مما اضطرهم للهروب للقرى المجاورة.


ثار الخوارج في طبرستان بزعامة قطري بن الفجاءة فأرسل الحجاج جيشا بقيادة سفيان بن الأبرد فقاتله, فانفض عنه أصحابه وسقط في شعب من الشعاب فاغتاله علج من أهل طبرستان وأرسل رأسه إلى الحجاج.


كثرت فتن الخوارج والحروب معهم وازداد أمرهم قوة، فقد بايعوا لشبيب بن يزيد بعد صالح بن مسرح، وكان شبيب قد هزم جيش الحجاج ثم هرب شبيب إلى المدائن وقوي أمره حتى سار إليه الحجاج بنفسه كما سير عبد الملك جيشا من الشام إليه والتقى الطرفان في مقتلة عظيمة قتل فيها الكثير من أصحاب شبيب، مما اضطره للهروب إلى ناحية جسر على نهر دجيل بالأهواز، فكبا جواد شبيب فسقط في النهر وغرق من كثرة الحديد عليه، فكانت هذه بمثابة إخماد فتنتهم في العراق.


كانت هذه الغزوة من أعظم الغنائم للمسلمين ببلاد الروم حيث افتتحوا إرقيلية، وكان الجيش أثناء رجوعهم أصابهم مطر عظيم وثلج وبرد، فأصيب بسببه ناس كثير.


كان لسقوط قرطاجنة بيد المسلمين أثر بالغ على البيزنطيين، ووجدوا في خروج حسان من أفريقيا بعد هزيمته على يد الكاهنة ملكة البربر والفوضى التي عمت البلاد بسبب سياسة الكاهنة التخريبية مجالا لإعادة نفوذهم في الشمال الإفريقي، فجهز الإمبراطور ليونتوس الذي خلف جستنيان الثاني حملة كبيرة بقيادة البطريق يوحنا إلى أفريقيا وأعد أسطولا كبيرا لنقل الجند إليها، فتمكنت القوة البيزنطية من استعادة قرطاجنة، دون مقاومة، واضطر أبو صالح نائب حسان عليها أن ينسحب منها مع من كان معه من المسلمين، ودخلها البطريق يوحنا, وأقام حسان في منطقة طرابلس قرب سرت في المكان المسمى قصور حسان خمس سنين.


أرسل الحجاج إلى رتبيل ملك الترك جيشا بقيادة والي سجستان عبيد الله بن أبي بكرة، وأمره أن يتوغل في بلاد رتبيل وأن يدك حصونهم وقلاعهم، تأديبا لترتبيل لتمرده بعدم دفع الجزية أحيانا، أو استغلال اضطرابات المسلمين، فتمكن عبيد الله من هزيمة رتبيل واجتياح بلاده وغنم غنائم كثيرة؛ ولكن رتبيل أخذ في التقهقر فأطمع المسلمين في اللحاق به حتى وصلوا قريبا من مدينته العظمى، عند ذاك بدأ الترك يغلقون على المسلمين الطرق والشعاب وحصروهم وقتل عامة جيش المسلمين، وقتل عبيد الله بن أبي بكرة.


بعد أن هزم المسلمون أمام البربر وتسلط البيزنطيون على قرطاجنة بقي حسان بن النعمان في قصور حسان حتى أتاه المدد من عبد الملك وأمره بالتحرك، فتحرك حسان إلى الكاهنة ومن معها فتقابلوا في قابس وتغلب عليها حسان وتم سيره إلى باقي أنحاء أفريقيا.


قام الأمير حسان بن النعمان ببناء مدينة تونس وبنى بها الجامع المعروف بجامع الزيتونة، كما أنشأ دارا لصناعة الأساطيل، فكانت أول قاعدة حربية في المغرب، كما قام بتدوين الدواوين، وضرب الدنانير والدراهم العربية.


هو محمد بن علي بن أبي طالب، أمه خولة بنت جعفر من بني حنيفة من سبي اليمامة، نسب إليها تمييزا له عن أخويه الحسن والحسين ولدي فاطمة رضي الله عنهم أجمعين، كانت الشيعة في زمانه تتغالى فيه، وتدعي إمامته، وأول من دعا إلى ذلك المختار الثقفي، ولقبوه بالمهدي، ويزعمون أنه لم يمت، كان أحد الأبطال الشجعان، وكان كثير العلم والورع، توفي في المدينة ودفن في البقيع كما قال ولده عبد الله، وله خمس وستون سنة.


لما بعث عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث على الجيش إلى بلاد رتبيل فدخلها وأخذ منها الغنائم والحصون كتب إلى الحجاج يعرفه ذلك، وأن رأيه أن يتركوا التوغل في بلاد رتبيل حتى يعرفوا طريقها ويجبوا خراجها، فكتب إليه الحجاج أن يتوغل ويستمر في الحرب؛ ولكن ذلك لم يرق لعبد الرحمن، فحرض الناس وبين لهم خطورة التوغل، وأن الحجاج إنما يريد أن يقاتل بهما مهما كانت النتائج، فرضوا بقول ابن الأشعث وثاروا معه ضد الحجاج، فصالح رتبيل على أنه إن استطاع أن يزيل الحجاج فليس على رتبيل شيء من الخراج، وإن هزم فعليه منعه، فسار ابن الأشعث بالجنود الذين معه مقبلا من سجستان إلى الحجاج ليقاتله ويأخذ منه العراق.


لما سمع الحجاج بتمرد ابن الأشعث جهز جيوشا وطلب من عبد الملك إمداده فكان ذلك، ثم التقى الطرفان في تستر واقتتلوا قتالا شديدا فهزمهم ابن الأشعث ودخل البصرة فبايعه أهلها، وكان ذلك في ذي الحجة، ثم في أواخر محرم حصل قتال شديد آخر انهزم فيه أيضا أصحاب الحجاج، فحمل سفيان بن الأبرد الكلبي على الميمنة التي لعبد الرحمن فهزمها، وانهزم أهل العراق وأقبلوا نحو الكوفة مع عبد الرحمن، وقتل منهم خلق كثير، ولما بلغ عبد الرحمن الكوفة تبعه أهل القوة وأصحاب الخيل من أهل البصرة، واجتمع من بقي في البصرة مع عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب فبايعوه، فقاتل بهم الحجاج خمس ليال أشد قتال رآه الناس، ثم انصرف فلحق بابن الأشعث ومعه طائفة من أهل البصرة، وهذه الوقعة تسمى: يوم الزاوية، استبسل فيها القراء -وهم العلماء- وكان عليهم جبلة بن زحر فنادى فيهم: أيها الناس، ليس الفرار من أحد بأقبح منه منكم، فقاتلوا عن دينكم ودنياكم.

وقال سعيد بن جبير نحو ذلك، وقال الشعبي: قاتلوهم على جورهم، واستذلالهم الضعفاء، وإماتتهم الصلاة.

ثم حملت القراء على جيش الحجاج حملة صادقة، فبدعوا فيهم، وكان ابن الأشعث يحرض الناس على القتال، فلما رأى ما الناس فيه أخذ من اتبعه وذهب إلى الكوفة، فبايعه أهلها.

ثم إن عبد الملك عرض على أهل العراق أن يخلع الحجاج ويعودوا كما كانوا حقنا للدماء فأبوا لما رأوا بأنفسهم قوة وكثرة وخلعوا عبد الملك أيضا فخلى بين الحجاج وبينهم.


هو المهلب بن أبي صفرة ظالم، أبو سعيد الأزدي، الأمير البطل، قائد الكتائب أحد أشراف أهل البصرة، ووجهائهم ودهاتهم وأجوادهم وكرمائهم، ولد عام الفتح، نزل المهلب البصرة وغزا في أيام معاوية أرض الهند سنة أربع وأربعين، وولي الجزيرة لابن الزبير سنة ثمان وستين، ثم ولي حرب الخوارج أول دولة الحجاج، وقتل منهم في وقعة واحدة أربعة آلاف وثمانمائة، فعظمت منزلته عند الحجاج, وكان فاضلا شجاعا كريما، وله كلام حسن، منه: نعم الخصلة السخاء، تستر عورة الشريف، وتلحق خسيسة الوضيع، وتحبب المزهود فيه.

وقال: يعجبني في الرجل خصلتان: أن أرى عقله زائدا على لسانه، ولا أرى لسانه زائدا على عقله.

توفي المهلب غازيا بمرو الروذ، وعمره ستة وسبعون سنة رحمه الله، وكان من الشجعان، وله مواقف حميدة، وغزوات مشهورة في الترك والأزارقة وغيرهم من أنواع الخوارج، وجعل الأمر من بعده لولده يزيد بن المهلب على إمرة خراسان، فأمضى له ذلك الحجاج وعبد الملك بن مروان.


استهل هذا العام والناس متواقفون لقتال الحجاج وأصحابه بدير قرة، وابن الأشعث وأصحابه بدير الجماجم، والمبارزة في كل يوم بينهم واقعة، وفي غالب الأيام تكون النصرة لأهل العراق على أهل الشام، إذا حصل له ظفر في يوم من الأيام يتقدم بجيشه إلى نحر عدوه، وكان له خبرة بالحرب، وما زال ذلك دأبه ودأبهم حتى أمر بالحملة على كتيبة القراء; لأن الناس كانوا تبعا لهم، وهم الذين يحرضونهم على القتال، والناس يقتدون بهم، فصبر القراء لحملة جيشه، ثم جمع الحجاج الرماة من جيشه وحمل بهم على كتيبة القراء، وما انفك حتى قتل منهم خلقا كثيرا، ثم حمل على جيش ابن الأشعث فانهزم أصحاب ابن الأشعث وذهبوا في كل وجه، وهرب ابن الأشعث ومن معه إلى بلاد رتبيل ملك الترك فأكرمهم, كان الحجاج يوم ظهر على ابن الأشعث بدير الجماجم نادى مناديه في الناس: من رجع فهو آمن، ومن لحق بقتيبة بن مسلم بالري فهو آمن.

فلحق به خلق كثير ممن كان مع ابن الأشعث، فأمنهم الحجاج، ومن لم يلحق به شرع الحجاج في تتبعهم، فقتل منهم خلقا كثيرا.


قام الحجاج بن يوسف الثقفي بعد أن استتب له العراق ببناء مدينة واسط، وسميت بذلك لتوسطها بين البصرة والكوفة، وجعلها معقله وقاعدة حكمه، وأسكنها الجند الشامي العربي وأتراك ما بين النهرين الذين قدموا أسرى حرب أو منفيين أو من تلقاء أنفسهم فأضحت قاعدة للعراق.


جزر أرخبيل دهلك: مدن حبشية ساحلية في البحر الأحمر، وبها أكثر من مائتي جزيرة، وهي عبارة عن جزر صحراوية بتربتها الصلبة وقلة مياهها العذبة, لعبت هذه الجزر دورا هاما كنقطة تجمع وانطلاق للهجرات العربية القديمة المتجهة صوب ساحل أفريقيا, وعن طريقها كان يتم نقل التجارة واستقبالها, ثم أصبحت جزر دهلك مركزا للقراصنة الذين كانوا يهددون الملاحة, وبدأوا بغارات على سواحل المسلمين، وهددوا بتدمير مكة، فجرد أمراء الأمويين حملات تمكنوا من الاستيلاء عليها وتطهيرها من القراصنة، وبعد الفتح الإسلامي ازدهرت جزر دهلك حتى كان لها شأن كبير شجع المسلمين على استيطانها وتعميرها، كما أصبحت موطنا للتجارة وطلب الرزق، أو لاتخاذ موطن جديد هربا من الحروب والمجاعات، فنقل هؤلاء إليها الحضارة والعلم حتى أصبحت مركز إشعاع لتعليم فقه الدين واللغة، ووفد إليها طلاب العلم من مختلف أنحاء منطقة شمال أفريقيا، كما اتخذها بعض الخلفاء المسلمين منفى للمغضوب عليهم كنوع من العقاب، وبالذات الشعراء الذين عرفوا في شعرهم بالمجون والتشبيب بالنساء؛ وذلك لبعدها عن الجزيرة العربية ولشدة حرها، وقد عني سلاطين دهلك بعمارة المساكن، والقصور، ومنابر المساجد، ومداخل القصور، والنقوش الكتابية بالخط الكوفي.


فتح يزيد بن المهلب قلعة نيزك، وكان يزيد قد وضع على نيزك العيون، فلما بلغه خروج نيزك عنها سار إليها فحاصرها فملكها وما فيها من الأموال والذخائر، وكانت من أحصن القلاع في زمانها، وكان نيزك إذا رآها سجد لها تعظيما لها، كتب يزيد بن المهلب إلى الحجاج بالفتح: أنا لقينا العدو فمنحنا الله أكتافهم، فقتلنا طائفة، وأسرنا طائفة، ولحقت طائفة برؤوس الجبال وعراعر الأودية، وأهضام الغيطان وأثناء الأنهار.


غزا عبد الله بن عبد الملك الروم ففتح المصيصة وبنى حصنها، ووضع بها ثلاثمائة مقاتل من ذوي البأس، ولم يكن المسلمون سكنوها قبل ذلك، وبنى مسجدها.


قام محمد بن مروان وهو أمير الجزيرة بغزو أرمينية وحرق كنائسهم، وتسمى هذه السنة بسنة الحرق.


هو عمران بن حطان بن ظبيان، السدوسي البصري، نشأ في البصرة، حدث عن عائشة، وأبي موسى الأشعري، وابن عباس، وروى عنه ابن سيرين، وقتادة، ويحيى بن أبي كثير.

كان من أهل السنة والجماعة، فتزوج امرأة من الخوارج حسنة جميلة جدا فأحبها، وكان هو دميم الشكل، فأراد أن يردها إلى السنة فأبت، فارتد معها إلى مذهبها.

وقد كان من الشعراء المطبقين، وهو القائل في قتل علي وقاتله: يا ضربة من تقي ما أراد بها.
.
.

إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا  إني لأذكره يوما فأحسبه.
.
.

أوفى البرية عند الله ميزانا أكرم بقوم بطون الطير قبرهم.
.
.

لم يخلطوا دينهم بغيا وعدوانا وقد رد عليه بعض العلماء في أبياته المتقدمة في قتل علي رضي الله عنه بأبيات على قافيتها ووزنها: بل ضربة من شقي ما أراد بها.
.
.

إلا ليبلغ من ذي العرش خسرانا إني لأذكره يوما فأحسبه.
.
.

أشقى البرية عند الله ميزانا


بعد فتح تونس اقتضت الحاجة لبناء مسجد للصلاة ونشر الدين الإسلامي بين أهالي تونس، بني أول مسجد فيها الشيخ الأمين حسان بن النعمان الغساني فاتح تونس وقرطاجنة، وسمي بـ (جامع الزيتونة) لأن موقعه كانت به شجرة زيتون عند صومعة كان يتعبد فيها راهب نصراني، وقيل: إن السبب في تسميته بهذا الاسم هو لكثرة شجر الزيتون بالقرب من مكان الجامع عند بنائه، ثم في سنة 116هـ قام والي أفريقيا الأمير عبيد الله بن الحبحاب بتوسعة وإعمار الجامع، وأحكم وضعه على أساس فخم، وزاد في ضخامته.

وفي سنة 250هـ بنى أبو إبراهيم أحمد الأغلبي في عهد الخليفة المستعين بالله قبة الجامع.

وفي سنة 381هـ قام أبو الفتح المنصور بن أبي الفتوح يوسف بن زيري ثاني ملوك الصنهاجيين بترميم قبة بهو الجامع.

وفي سنة 747هـ في أيام محمد المستنصر بن أبي زكريا زود الجامع بالماء عن طريق بناء قناطر، وقام أمراء الشيعة المهدية وبنو حفص سلاطين تونس بالاهتمام بهذا الجامع، وكان الانتهاء من العمل به في عهد الحاكم الأغلبي زيادة الله الثاني.

وفي سنة 1312هـ /1894م بنيت مئذنة الجامع مكان المئذنة القديمة من قبل المهندس سليمان النيقرو.

وفي سنة 1357هـ /1939م حصل آخر ترميم للجامع.


هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، أمير سجستان كان قائدا أمويا من أهل الكوفة وأشرافها، بدأ عبد الرحمن كأي قائد لبني أمية، وضم عددا كبيرا من البلدان لصالح الدولة الأموية، ولم تكن أسباب خروجه دينية على الإطلاق.

ولد عبد الرحمن في الكوفة في بيت من أشرافها، فأبوه محمد بن الأشعث، أحد وجوه كندة.

كانت علاقة الحجاج بن يوسف به سيئة للغاية، وكان الحجاج كلما رأى عبد الرحمن قال: يالخيلائه! أنظر إلى مشيته، والله لهممت أن أضرب عنقه.

فلما انهزم ابن الأشعث وفر إلى رتبيل ملك الترك كتب الحجاج إلى رتبيل يقول له: والله الذي لا إله إلا هو، لئن لم تبعث إلي بابن الأشعث لأبعثن إلى بلادك ألف ألف مقاتل، ولأخربنها.

فلما تحقق الوعيد من الحجاج استشار في ذلك بعض الأمراء فأشار عليه بتسليم ابن الأشعث إليه قبل أن يخرب الحجاج دياره، ويأخذ عامة أمصاره، فأرسل إلى الحجاج يشترط عليه أن لا يقاتل عشر سنين، وأن لا يؤدي في كل سنة منها إلا مائة ألف من الخراج، فأجابه الحجاج إلى ذلك، وقيل: إن الحجاج وعده أن يطلق له خراج أرضه سبع سنين، فعند ذلك غدر رتبيل بابن الأشعث، فقبض عليه وعلى ثلاثين من أقربائه فقيدهم في الأصفاد، وبعث بهم مع رسل الحجاج إليه، فلما كانوا ببعض الطريق بمكان يقال له: الرخج، صعد ابن الأشعث وهو مقيد بالحديد إلى سطح قصر، ومعه رجل موكل به; لئلا يفر، وألقى نفسه من ذلك القصر، وسقط معه الموكل به فماتا جميعا، فعمد الرسول إلى رأس ابن الأشعث فاحتزه، وقتل من معه من أصحاب ابن الأشعث، وبعث برؤوسهم إلى الحجاج، فأمر فطيف برأسه في العراق، ثم بعثه إلى أمير المؤمنين عبد الملك فطيف برأسه في الشام، ثم بعث به إلى أخيه عبد العزيز بمصر فطيف برأسه هنالك، ثم دفنوا رأسه بمصر وجثته بالرخج, وقيل إنه مات عام 85 هـ.

قال عنه ابن كثير: "والعجب كل العجب من هؤلاء الذين بايعوه بالإمارة وليس من قريش، وإنما هو كندي من اليمن، وقد اجتمع الصحابة يوم السقيفة على أن الإمارة لا تكون إلا في قريش، واحتج عليهم الصديق بالحديث في ذلك، حتى إن الأنصار سألوا أن يكون منهم أمير مع أمير المهاجرين فأبى الصديق عليهم ذلك.

فكيف يعمدون إلى خليفة قد بويع له بالإمارة على المسلمين من سنين فيعزلونه وهو من صلبية قريش ويبايعون لرجل كندي بيعة لم يتفق عليها أهل الحل والعقد؟! ولهذا لما كانت هذه زلة وفلتة نشأ بسببها شر كبير هلك فيه خلق كثير، فإنا لله وإنا إليه راجعون".


ثم لما ولي المفضل بن المهلب خراسان غزا باذغيس ففتحها وأصاب مغنما فقسمه، فأصاب كل رجل ثماني مائة.

ثم غزا آخرون وشومان فغنم وقسم ما أصاب، ولم يكن للمفضل بيت مال، كان يعطي الناس كلما جاء شيء، وإن غنم شيئا قسمه بينهم.


أراد عبد الملك بن مروان أن يخلع أخاه عبد العزيز من ولاية العهد ويبايع لابنه الوليد بن عبد الملك، فنهاه عن ذلك قبيصة بن ذؤيب وقال: لا تفعل؛ فإنك تبعث على نفسك صوت عار، ولعل الموت يأتيه فتستريح منه.

فكف عنه ونفسه تنازعه إلى خلعه.

فدخل عليه روح بن زنباع، وكان أجل الناس عند عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين، لو خلعته ما انتطح فيه عنزان، وأنا أول من يجيبك إلى ذلك.

قال: نصبح إن شاء الله.

ونام روح عند عبد الملك، فدخل عليهما قبيصة بن ذؤيب وهما نائمان، وكان عبد الملك قد تقدم إلى حجابه أن لا يحجبوا قبيصة عنه، وكان إليه الخاتم والسكة، تأتيه الأخبار والكتب قبل عبد الملك، فلما دخل سلم عليه، قال: آجرك الله في أخيك عبد العزيز.

قال: وهل توفي؟ قال: نعم.

فاسترجع عبد الملك، ثم أقبل على روح، فقال: كفانا الله ما كنا نريد، وكان ذلك مخالفا لك يا قبيصة.

فقال قبيصة: يا أمير المؤمنين، إن الرأي كله في الأناة، فقال عبد الملك: وربما كان في العجلة خير كثير، رأيت أمر عمرو بن سعيد، ألم تكن العجلة فيه خيرا من الأناة؟ وكانت وفاة عبد العزيز في جمادى الأولى في مصر، فضم عبد الملك عمله إلى ابنه عبد الله بن عبد الملك وولاه مصر.

فلما مات عبد العزيز قال أهل الشام: رد على أمير المؤمنين أمره.

فلما أتى خبر موته إلى عبد الملك أمر الناس بالبيعة لابنيه الوليد وسليمان، فبايعوا، وكتب بالبيعة لهما إلى البلدان.


قدم قتيبة خراسان أميرا عليها للحجاج، فقدمها والمفضل يعرض الجند للغزاة، فخطب قتيبة الناس وحثهم على الجهاد، ثم عرضهم وسار، وجعل بمرو على حربها إياس بن عبد الله بن عمرو، وعلى الخراج عثمان السعيدي.

فلما كان بالطالقان أتاه دهاقين بلخ وساروا معه، فقطع النهر، فتلقاه ملك الصغانيان بهدايا ومفاتيح من ذهب، ودعاه إلى بلاده فمضى معه، فسلمها إليه لأن ملك آخرون وشومان كان يسيء جواره.

ثم سار قتيبة منها إلى آخرون وشومان، وهما من طخارستان، فصالحه ملكهما على فدية أداها إليه فقبلها قتيبة ثم انصرف إلى مرو واستخلف على الجند أخاه صالح بن مسلم، ففتح صالح بعد رجوع قتيبة كاشان وأورشت، وهي من فرغانة، وفتح أخشيكت، وهي مدينة فرغانة القديمة، وكان معه نصر بن سيار فأبلى يومئذ بلاء حسنا.