Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73


غزا مسلمة بن عبد الملك الروم فقتل منهم عددا كبيرا بسوسنة من ناحية المصيصة وفتح حصونا.

وقيل: إن الذي غزا في هذه السنة هشام بن عبد الملك ففتح حصن بولق، وحصن الأخرم، وحصن بولس وقمقم، وقتل من المتعربة نحوا من ألف مقاتل وسبى ذريتهم ونساءهم.


هو عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، أبو الوليد الأموي أمير المؤمنين، ولد سنة ست وعشرين بالمدينة, شهد الدار –يعني يوم مقتل عثمان-مع أبيه، وله عشر سنين، وهو أول من سار بالناس في بلاد الروم سنة ثنتين وأربعين، وكان أميرا على أهل المدينة وله ست عشرة سنة، ولاه إياها معاوية، وكان يجالس الفقهاء والعلماء والعباد والصلحاء, بويع بالخلافة في سنة خمس وستين في حياة أبيه، في خلافة ابن الزبير، وبقي على الشام ومصر مدة سبع سنين، وابن الزبير على باقي البلاد ثم استقل بالخلافة على سائر البلاد والأقاليم بعد مقتل ابن الزبير، وقد كان عبد الملك قبل الخلافة من العباد الزهاد الفقهاء الملازمين للمسجد، التالين للقرآن، وكان ربعة من الرجال أقرب إلى القصر.

قال عنه نافع: رأيت المدينة وما فيها شاب أشد تشميرا، ولا أفقه ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان.

قال عبد الملك: كنت أجالس بريرة قبل أن ألي هذا الأمر، فكانت تقول: يا عبد الملك، إن فيك خصالا، وإنك لجدير أن تلي أمر هذه الأمة، فاحذر الدماء ; فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الرجل ليدفع عن باب الجنة أن ينظر إليها على محجمة من دم يريقه من مسلم بغير حق.

كان فقهاء المدينة أربعة: سعيد بن المسيب، وعروة، وقبيصة بن ذؤيب، وعبد الملك بن مروان قبل أن يدخل في الإمارة.

لم يزل عبد الملك مقيما بالمدينة حتى كانت وقعة الحرة، واستولى ابن الزبير على بلاد الحجاز، وأجلى بني أمية منها، فقدم مع أبيه الشام، ثم لما صارت الإمارة مع أبيه وبايعه أهل الشام أقام في الإمارة تسعة أشهر، ثم عهد إليه بالإمارة من بعده.

بويع عبد الملك بالخلافة في مستهل رمضان سنة خمس وستين، واجتمع الناس عليه بعد مقتل ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين.

كان عبد الملك له إقدام على سفك الدماء، وكان عماله على مذهبه; منهم الحجاج، والمهلب، وغيرهم، وكان حازما فهما فطنا، سائسا لأمور الدنيا، لا يكل أمر دنياه إلى غيره، وكان عبد الملك يقول: أخاف الموت في شهر رمضان، فيه ولدت وفيه فطمت وفيه جمعت القرآن، وفيه بايع لي الناس، فمات في النصف من شوال حين أمن الموت في نفسه.

وكان عمره ستين سنة، وقيل: ثلاثا وستين سنة.

وكانت خلافته من لدن قتل ابن الزبير ثلاث عشرة سنة وأربعة أشهر إلا سبع ليال، وقيل: وثلاثة أشهر وخمسة عشر يوما.

ودفن خارج باب الجابية.

صلى عليه ابنه الوليد وولي عهده من بعده.


لما دفن عبد الملك بن مروان انصرف الوليد عن قبره فدخل المسجد وصعد المنبر واجتمع إليه الناس فخطبهم وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله المستعان على مصيبتنا لموت أمير المؤمنين، والحمد لله على ما أنعم علينا من الخلافة، قوموا فبايعوا، فكان أول من عزى نفسه وهنأها؛ وكان أول من قام لبيعته عبد الله بن همام السلولي.


شرع الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان في بناء جامع دمشق الأموي؛ وكان نصفه كنيسة النصارى، وعلى ذلك صالحهم أبو عبيدة بن الجراح؛ فقال لهم الوليد: إنا قد أخذنا كنيسة مريم عنوة فأنا أهدمها، فرضوا بهدم هذه الكنيسة وإبقاء كنيسة مريم؛ والمحراب الكبير هو مكان باب الكنيسة.


عين الوليد بن عبد الملك عمر بن عبد العزيز على إمارة المدينة بعد أن عزل هشام بن إسماعيل عن ولايتها، ثم ضم إليه ولاية الطائف سنة 91هـ، وبذلك صار واليا على الحجاز كلها, وكانت إمارته عليها أربع سنين غير شهر أو نحوه، فقدمها واليا وثقله على ثلاثين بعيرا، فنزل دار مروان، وجعل يدخل عليه الناس فيسلمون، فلما صلى الظهر دعا عشرة من الفقهاء الذين في المدينة: عروة بن الزبير، وأبا بكر بن سليمان بن أبي خيثمة، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عبيد الله بن عمر، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وخارجة بن زيد، فدخلوا عليه، فقال لهم: إنما دعوتكم لأمر تؤجرون عليه, وتكونون فيه أعوانا على الحق، لا أريد أن أقطع أمرا إلا برأيكم، أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحدا يتعدى, أو بلغكم عن عامل لي ظلم، فأحرج الله على من بلغه ذلك إلا بلغني.

فخرجوا يجزونه خيرا وافترقوا.


غزا قتيبة بيكند وهي أدنى مدائن بخارى إلى النهر، فلما نزل بهم استنصروا الصغد واستمدوا من حولهم، فأتوهم في جمع كثير وأخذوا الطرق على قتيبة، فلم ينفذ لقتيبة رسول ولم يصل إليه خبر شهرين، وأبطأ خبره على الحجاج فأشفق على الجند فأمر الناس بالدعاء لهم في المساجد وهم يقتتلون كل يوم.

وكان لقتيبة عين من العجم يقال له: تندر، فأعطاه أهل بخارى مالا ليرد عنهم قتيبة، فأتاه فقال له سرا من الناس: إن الحجاج قد عزل وقد أتى عامل إلى خراسان فلو رجعت بالناس كان أصلح.

فأمر به فقتل خوفا من أن يظهر الخبر فيهلك الناس، ثم أمر أصحابه بالجد في القتال فقاتلهم قتالا شديدا، فانهزم الكفار يريدون المدينة وتبعهم المسلمون قتلا وأسرا كيف شاؤوا، وتحصن من دخل المدينة بها، فوضع قتيبة الفعلة ليهدم سورها، فسألوه الصلح فصالحهم واستعمل عليه عاملا وارتحل عنهم يريد الرجوع, فلما سار خمسة فراسخ نقضوا الصلح, وقتلوا العامل ومن معه، فرجع قتيبة فنقب سورهم فسقط فسألوه الصلح فلم يقبل، ودخلها عنوة وقتل من كان بها من المقاتلة، وأصابوا فيها من الغنائم والسلاح وآنية الذهب والفضة ما لا يحصى، ولا أصابوا بخراسان مثله، فقوي المسلمون، وولي قسم الغنائم عبد الله بن وألان العدوي أحد بني نلكان، وكان قتيبة يسميه الأمين ابن الأمين، فإنه كان أمينا.

فلما فرغ قتيبة من فتح بيكند رجع إلى مرو.


كتب الوليد إلى عمر بن عبد العزيز في ربيع الأول يأمره بإدخال حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يشتري ما في نواحيه حتى يكون مائتي ذراع في مائتي ذراع، ويقول له: قدم القبلة إن قدرت، وأنت تقدر لمكان أخوالك، وإنهم لا يخالفونك، فمن أبى منهم فقوموا ملكه قيمة عدل واهدم عليهم وادفع الأثمان إليهم، فإن لك في عمر وعثمان أسوة.

فأحضرهم عمر وأقرأهم الكتاب، فأجابوه إلى الثمن، فأعطاهم إياه، وأخذوا في هدم بيوت أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبنى المسجد، وقدم عليهم الفعلة من الشام، أرسلهم الوليد، وبعث الوليد إلى ملك الروم يعلمه أنه قد هدم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ليعمره، فبعث إليه ملك الروم مائة ألف مثقال ذهب، ومائة عامل، وبعث إليه من الفسيفساء بأربعين جملا، فبعث الوليد بذلك إلى عمر بن عبد العزيز، وحضر عمر ومعه الناس فوضعوا أساسه وابتدأوا بعمارته.


غزا مسلمة بن عبد الملك والعباس بن الوليد بن عبد الملك بلاد الروم، وكان الوليد قد كتب إلى صاحب أرمينية يأمره أن يكتب إلى ملك الروم يعرفه أن الخزر وغيرهم من ملوك جبال أرمينية قد اجتمعوا على قصد بلاده، ففعل ذلك، وقطع الوليد البعث على أهل الشام إلى أرمينية وأكثر وأعظم جهازه، وساروا نحو الجزيرة ثم عطفوا منها إلى بلد الروم فاقتتلوا هم والروم، فانهزم الروم ثم رجعوا فانهزم المسلمون، فبقي العباس في نفر، منهم ابن محيريز الجمحي، فقال العباس: أين أهل القرآن الذين يريدون الجنة؟ فقال ابن محيريز: نادهم يأتوك.

فنادى العباس: يا أهل القرآن! فأقبلوا جميعا، فهزم الله الروم حتى دخلوا طوانة، وحصرهم المسلمون، وفتحوها في جمادى الأولى.

كما غزا مسلمة بن عبد الملك الروم أيضا ففتح ثلاثة حصون: أحدها حصن قسطنطين وغزالة وحصن الأخرم، وقتل من المستعربة نحوا من ألف، وأخذ الأموال.


غزا مسلمة والعباس بن الوليد بن عبد الملك الروم، فافتتح مسلمة حصن سورية، وافتتح العباس مدينة أذرولية، ثم إن مسلمة قصد عمورية فلقي بها جمعا من الروم كثيرا فهزمهم وافتتح هرقلة وقمونية، وغزا العباس الصائفة من ناحية البذندون.


سار محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بأمر من الحجاج بجيش مجهز بالكامل إلى مكران فأقام بها أياما ثم أتى قنزبور ففتحها، ثم سار إلى أرمائيل ففتحها، ثم سار إلى الديبل فقدمها يوم جمعة، ووافته سفن كان حمل فيها الرجال والسلاح والأداة فخندق حين نزل الديبل, وكان بالديبل بد عظيم عليه دقل عظيم وعلى الدقل راية حمراء إذا هبت الريح أطافت بالمدينة، وكانت تدور، والبد صنم في بناء عظيم تحت منارة عظيمة مرتفعة، وفي رأس المنارة هذا الدقل، وكل ما يعبد فهو عندهم بد.

فحصرها وطال حصارها، فرمى الدقل بحجر العروس فكسره، فتطير الكفار بذلك، ثم إن محمد أتى وناهضهم وقد خرجوا إليه فهزمهم حتى ردهم إلى البلد وأمر بالسلاليم فنصبت وصعد عليها الرجال، وكان أولهم صعودا رجل من مراد من أهل الكوفة، ففتحت عنوة وقتل فيها ثلاثة أيام، وهرب عامل ذاهر عنها وأنزلها محمد أربعة آلاف من المسلمين، وبنى جامعها وسار عنها إلى البيرون، وكان أهلها بعثوا إلى الحجاج فصالحوه، فلقوا محمدا بالميرة وأدخلوه مدينتهم، وسار عنها وجعل لا يمر بمدينة إلا فتحها حتى عبر نهرا دون مهران، فأتاه أهل سربيدس فصالحوه، ووظف عليهم الخراج وسار عنهم إلى سهبان ففتحها، ثم سار إلى نهر مهران فنزل في وسطه، وبلغ خبره ذاهر فاستعد لمحاربته وبعث جيشا إلى سدوستان، فطلب أهلها الأمان والصلح، فآمنهم ووظف عليهم الخراج، ثم عبر محمد مهران مما يلي بلاد راسل الملك على جسر عقده وذاهر مستخف به، فلقيه محمد والمسلمون وهو على فيل وحوله الفيلة، ومعه التكاكرة، فاقتتلوا قتالا شديدا لم يسمع بمثله، وترجل ذاهر فقتل عند المساء، ثم انهزم الكفار وقتلهم المسلمون كيف شاؤوا، فغلب محمد على بلاد السند وفتح مدينة راور عنوة ثم سار إلى برهمناباذ العتيقة، وهي على فرسخين من المنصورة، ولم تكن المنصورة يومئذ، كان موضعها غيضة، وكان المنهزمون من الكفار بها، فقاتلوه ففتحها محمد عنوة وقتل بها بشرا كثيرا وخربت.

وسار يريد الرور وبغرور فلقيه أهل ساوندرى فطلبوا الأمان فأعطاهم إياه واشترط عليهم ضيافة المسلمين، ثم أسلم أهلها بعد ذلك.

ثم تقدم إلى بسمد وصالح أهلها، ووصل إلى الرور، وهي من مدائن السند على جبل، فحصرهم شهورا فصالحوه، وسار إلى السكة ففتحها، ثم قطع نهر بياس إلى الملتان فقاتله أهلها وانهزموا، فحصرهم محمد فجاءه إنسان ودله على قطع الماء الذي يدخل المدينة فقطعه، فعطشوا فألقوا بأيديهم ونزلوا على حكمه، فقتل المقاتلة وسبى الذرية وسدنة البد.


كان موسى بن نصير ذا رأي وتدبير وحزم و خبرة بالحرب، فولاه عبد العزيز بن مروان والي مصر على أفريقيا خلفا لحسان بن النعمان في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان، فعمل موسى بن نصير على تثبيت دعائم الإسلام في إقليم أفريقيا، الذي ارتد أهله عن الإسلام أكثر من مرة؛ فاستطاع موسى أن يخمد ثورات البربر المتعاقبة، ويعيد فتح المناطق التي كان البربر قد انتزعوها من المسلمين بعد فتحها أول مرة، كما شرع موسى في بناء دار صناعة قرب قرطاجنة لبناء أسطول قوي لحماية الثغور.

ثم توجه موسى بن نصير ناحية المغرب فافتتح بلادا كثيرة جدا.


لما وصل موسى إلى أفريقيا وبها صالح الذي استخلفه حسان على أفريقيا، وكان البربر قد طمعوا في البلاد بعد مسير حسان عنها، فلما وصل موسى عزل صالحا، وبلغه أن بأطراف البلاد قوما خارجين عن الطاعة، فوجه إليه ابنه عبد الله فقاتلهم فظفر بهم، وسبى منهم ألف رأس، وسيره في البحر إلى جزيرة ميورقة، فنهبها وغنم منها ما لا يحصى وعاد سالما، فوجه ابنه هارون إلى طائفة أخرى فظفر بهم وسبى منهم نحو ذلك، وتوجه هو بنفسه إلى طائفة أخرى فغنم نحو ذلك، فبلغ الخمس ستين ألف رأس من السبي، ولم يذكر أحد أنه سمع بسبي أعظم من هذا.

ثم قام موسى بن نصير بإخلاء ما تبقى من قواعد للبيزنطيين على شواطئ تونس كما استعاد المناطق التي كان البربر قد انتزعوها من المسلمين بعد فتحها أول مرة، واهتم موسى بنشر الإسلام بين البربر ومسالمتهم واستمالة رؤوسهم، ليضمن ألا ينزعوا للثورة مجددا، فانضم إلى جيشه الآلاف منهم بعد إسلامهم.


وجه موسى ابنه عبد الله لغزو جزر البليار، فافتتح ميورقة ومنورقة وإيبيزا وأدخلها تحت حكم الدولة الأموية، كما أرسل حملات لغزو سردانية وصقلية، عادت محملة بالغنائم.

كما استطاع فتح طنجة، ولم يبق بذلك في المغرب الأقصى سوى سبتة التي كانت تحت حكم يوليان القوطي, واستعمل مولاه طارق بن زياد على طنجة.


غزا قتيبة بن مسلم بلاد الصغد ونسف وكش وقد لقيه هنالك خلق من الأتراك فظفر بهم فقتلهم، وسار إلى بخارى فلقيه دونها خلق كثير من الترك فقاتلهم يومين وليلتين عند مكان يقال له خرقان وظفر بهم, ثم قصد قتيبة وردان خذاه ملك بخارى فقاتله وردان قتالا شديدا فلم يظفر به قتيبة، فرجع عنه إلى مرو فجاءه البريد بكتاب الحجاج يعنفه على الفرار والنكول عن أعداء الإسلام، وكتب إليه أن يبعث بصورة هذا البلد يعني بخارى، فبعث إليه بصورتها، فكتب إليه: أن ارجع إليها وتب إلى الله من ذنبك وائتها من مكان كذا وكذا، ورد وردان خذاه، وإياك والتحويط، ودعني وبنيات الطريق.


سار قتيبة بن مسلم إلى بخارى مرة أخرى, فأرسل ملكها يستنصر من حوله، ولكن قتيبة استطاع فتحها هذه المرة، ولما فتحها استأذنه نيزك طرخان في الرجوع إلى بلاده -وكان نيزك قد أسلم وسمي بعبد الله- فأذن له، فرجع إلى طخارستان، فعصى وكاتب من حوله، وجمع الجموع، فزحف إليه قتيبة، وانتصر عليهم بعد قتال شديد وحرب يشيب لها الوليد، وذلك أن ملوكهم كانوا قد اتعدوا مع نيزك في العام الماضي أن يجتمعوا ويقاتلوا قتيبة، وأن لا يولوا عن القتال حتى يخرجوا العرب من بلادهم، فاجتمعوا اجتماعا هائلا لم يجتمعوا مثله في موقف، فكسرهم قتيبة وقتل منهم أمما كثيرة، ورد الأمور إلى ما كانت عليه، ثم لا يزال يتتبع نيزك خان ملك الترك الأعظم من إقليم، إلى إقليم، ومن كورة إلى كورة، ومن رستاق إلى رستاق، ولم يزل ذلك دأبه حتى حصره في قلعة هنالك شهرين متتابعين، حتى نفذ ما عند نيزك خان من الأطعمة، وأشرف هو ومن معه على الهلاك، فبعث إليه قتيبة من جاء به مستأمنا مذموما مخذولا، فسجنه عنده ومن معه, فاستشار قتيبة الأمراء في قتله، فاختلفوا عليه، فقائل يقول: اقتله.

وقائل يقول: لا تقتله.

فقال له بعض الأمراء: إنك أعطيت الله عهدا أنك إن ظفرت به لتقتلنه، وقد أمكنك الله منه، فقال قتيبة: والله إن لم يبق من عمري إلا ما يسع ثلاث كلمات لأقتلنه، ثم قال: اقتلوه.

فقتل، جزاء غدره ونقضه الصلح.


افتتح موسى بن نصير جزيرتي ميورقة ومنورقة، وهما جزيرتان في البحر بين جزيرة صقلية وجزيرة الأندلس؛ وتسمى هذه الغزوة غزوة الأشراف لكثرة الأشراف الذين كانوا بها من أشراف العرب.


كانت بداية فتح الأندلس بأن يوليان حاكم الجزيرة الخضراء غضب من لذريق (رودريغو) ملك الأندلس فاتفق مع موسى بن نصير على أن يدله على عوراتهم ويدخله الأندلس, فكتب موسى إلى الوليد يستأذنه في غزو الأندلس, فكتب إليه الوليد: خضها بالسرايا، ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال.

فكتب إليه موسى: إنه ليس ببحر متسع، وإنما هو خليج يبين ما وراءه.

فكتب إليه الوليد: أن اختبرها بالسرايا، وإن كان الأمر على ما حكيت.

فبعث موسى رجلا من مواليه يقال له طريف بن مالك أبو زرعة في أربعمائة رجل ومعهم مائة فرس، وهو أول من دخل الأندلس من المسلمين، فسار في أربع سفائن، فخرج في جزيرة بالأندلس، سميت جزيرة طريف لنزوله فيها، ثم أغار على الجزيرة الخضراء، فأصاب غنيمة كثيرة، ورجع سالما.

فلما رأى الناس ذلك تسرعوا إلى الغزو.


غزا قتيبة بن مسلم سجستان، وأراد قصد رتبيل الأعظم، فلما نزل قتيبة سجستان أرسل رتبيل إليه رسلا بالصلح، فقبل ذلك وانصرف واستعمل عليهم عبد ربه بن عبد الله الليثي.


جزيرة في بحر الروم، وهي من أكبر الجزائر ما عدا جزيرة صقلية وأقريطش، وهي كثيرة الفواكه، ولما فتح موسى بلاد الأندلس سير طائفة من عسكره في البحر إلى هذه الجزيرة فدخلوها، وعمد النصارى إلى ما لهم من آنية ذهب وفضة فألقوا الجميع في الميناء الذي لهم، وجعلوا أموالهم في سقف بنوه للبيعة العظمى التي لهم تحت السقف الأول، وغنم المسلمون فيها ما لا يحد ولا يوصف.


بعد نجاح غزوة طريف بن مالك بعث موسى بن نصير مولاه على طنجة طارق بن زياد في سبعة آلاف مقاتل فسار فنزل في جبل منيف يعرف إلى اليوم بجبل طارق، ثم دخل الجزيرة الخضراء ثم تابع مسيره ومعه يوليان يدله على طرق الأندلس, ولما بلغ لذريق (رودريغو) غزو طارق بلاده عظم ذلك عليه، وكان غائبا في غزاته، فرجع منها وطارق قد دخل بلاده، فجمع له جمعا يقال بلغ مائة ألف، فلما بلغ طارقا الخبر كتب إلى موسى يستمده ويخبره بما فتح، وأنه زحف إليه ملك الأندلس بما لا طاقة له به.

فبعث إليه بخمسة آلاف، فتكامل المسلمون اثني عشر ألفا، ومعهم يوليان يدلهم على عورة البلاد، ويتجسس لهم الأخبار.

فأتاهم لذريق في جنده، فالتقوا على نهر لكة من أعمال شذونة لليلتين بقيتا من رمضان سنة اثنتين وتسعين، واتصلت الحرب ثمانية أيام، فانهزموا وهزم الله لذريق ومن معه، وغرق لذريق في النهر، وسار طارق إلى مدينة إستجة متبعا لهم، فلقيه أهلها ومعهم من المنهزمين خلق كثير، فقاتلوه قتالا شديدا، ثم انهزم أهل الأندلس ولم يلق المسلمون بعدها حربا مثلها.

ونزل طارق على عين بينها وبين مدينة إستجة أربعة أميال فسميت عين طارق إلى الآن.

لما سمعت القوط بهاتين الهزيمتين قذف الله في قلوبهم الرعب.

فرق طارق بن زياد جيشه لفتح المدن من مدينة إستجة، فبعث جيشا إلى قرطبة، وجيشا إلى غرناطة، وجيشا إلى مالقة، وجيشا إلى تدمير، وسار هو ومعظم الجيش إلى جيان يريد طليطلة، فلما بلغها وجدها خالية فضم إليها اليهود، وترك معهم رجالا من أصحابه، ثم مضى إلى مدينة ماية، فغنم منها ورجع إلى طليطلة في سنة ثلاث وتسعين.

وقيل: اقتحم أرض جليقية، فخرقها حتى انتهى إلى مدينة إسترقة، وانصرف إلى طليطلة، ووافته جيوشه التي وجهها من إستجة بعد فراغهم من فتح تلك المدن التي سيرهم إليها.


أمر قتيبة بن مسلم أخاه عبد الرحمن بالسير إلى الصغد (سمرقند) وكانوا قد نكثوا العهد, ثم لحق قتيبة بأخيه فبلغها بعده بثلاث أو أربع، وقدم معه أهل خوارزم وبخارى فقاتله أهل الصغد شهرا من وجه واحد وهم محصورون، وخاف أهل الصغد طول الحصار فكتبوا إلى ملك الشاش وخاقان وأخشاد فرغانة ليعينوهم، فلما علم بذلك قتيبة أرسل إليهم ستمائة يوافونهم في الطريق فقتلوهم ومنعوهم من نصرتهم ولما رأى الصغد ذلك انكسروا، ونصب قتيبة عليهم المجانيق فرماهم وثلم ثلمة، فلما أصبح قتيبة أمر الناس بالجد في القتال، فقاتلوهم واشتد القتال، وأمرهم قتيبة أن يبلغوا ثلمة المدينة، فجعلوا الترسة على وجوههم وحملوا فبلغوها ووقفوا عليها، ورماهم الصغد بالنشاب فلم يبرحوا، فأرسل الصغد إلى قتيبة فقالوا له: انصرف عنا اليوم حتى نصالحك غدا.

فقال قتيبة: لا نصالحهم إلا ورجالنا على الثلمة.

وقيل: بل قال قتيبة: جزع العبيد، انصرفوا على ظفركم.

فانصرفوا فصالحهم من الغد على ألفي ألف ومائتي ألف مثقال في كل عام، وأن يعطوه تلك السنة ثلاثين ألف فارس، وأن يخلوا المدينة لقتيبة فلا يكون لهم فيها مقاتل، فيبني فيها مسجدا ويدخل ويصلي ويخطب ويتغدى ويخرج، فلما تم الصلح وأخلوا المدينة وبنوا المسجد دخلها قتيبة في أربعة آلاف انتخبهم، فدخل المسجد فصلى فيه وخطب وأكل طعاما، ثم أرسل إلى الصغد: من أراد منكم أن يأخذ متاعه فليأخذ فإني لست خارجا منها، ولست آخذ منكم إلا ما صالحتكم عليه، غير أن الجند يقيمون فيها.

وقيل: إنه شرط عليهم في الصلح مائة ألف فارس، وبيوت النيران، وحلية الأصنام، فقبض ذلك، وأتي بالأصنام فكانت كالقصر العظيم وأخذ ما عليها وأمر بها فأحرقت.

فجاءه غوزك فقال: إن شكرك علي واجب، لا تتعرض لهذه الأصنام فإن منها أصناما من أحرقها هلك.

فقال قتيبة: أنا أحرقها بيدي، فدعا بالنار فكبر ثم أشعلها فاحترقت، فوجدوا من بقايا مسامير الذهب خمسين ألف مثقال.


بعد أن توغل طارق بن زياد في الأندلس وفتح الله على يديه ما شاء الله كتب بذلك إلى موسى بن نصير فأمره أن يبقى مكانه حتى يأتيه.


كان موسى بن نصير قد غضب على مولاه طارق بسبب توغله في أرض العدو, فاستخلف على أفريقيا ابنه عبد الله بن موسى، ثم دخل الأندلس وبقي فيها سنتين يفتح البلدان ويغنم حتى صارت الأندلس تحت سيطرته, عبر موسى إلى الأندلس في جمع كثير قوامه ثمانية عشر ألفا، فتلقاه طارق وترضاه، فرضي عنه وقبل عذره وسيره إلى طليطلة، وهي من عظام بلاد الأندلس، وهي من قرطبة على عشرين يوما، ففتحها ثم فتح المدن التي لم يفتحها طارق كشذونة، وقرمونة، وإشبيلية، وماردة.


هو أحد المكثرين من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس بغريب فهو خادم النبي صلى الله عليه وسلم، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بطول العمر والبركة في المال والولد، فكان له الكثير من الأولاد زادوا على المائة، وقيل: كان له بستان يثمر مرتين في السنة.

وكان سكن البصرة وبقي فيها إلى أن توفي فيها، وهو آخر الصحابة موتا فيها، وكان قد آذاه الحجاج فكتب إلى عبد الملك يشتكيه فكتب عبد الملك إلى الحجاج فاعتذر له وأحسن إليه، فرضي الله عن أنس خادم النبي صلى الله عليه وسلم وأرضاه.


كان سبب ذلك أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى الوليد يخبره عن أهل العراق أنهم في ضيم وضيق مع الحجاج من ظلمه وغشمه، فسمع بذلك الحجاج فكتب إلى الوليد: إن عمر ضعيف عن إمرة المدينة، وإن جماعة من أهل الشقاق من أهل العراق قد لجأوا إلى المدينة ومكة، وهذا وهن وضعف في الولاية، فاجعل على الحرمين من يضبط أمرهما.

فكتب الوليد إلى الحجاج: أن أشر علي برجلين.

فكتب إليه يشير عليه بعثمان بن حيان، وخالد بن عبد الله، فولى خالدا مكة، وعثمان المدينة، وعزل عمر بن عبد العزيز، فخرج عمر بن عبد العزيز من المدينة في شوال فنزل السويداء، وقدم عثمان بن حيان المدينة لليلتين بقيتا من شوال من هذه السنة.


هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، كان ثقة، فقيها، عالما سخيا، كثير الحديث، حدث عن عدد من الصحابة كأبيه، وعائشة، وأبي هريرة، وعمار بن ياسر، وغيرهم، جمع العلم والعمل والشرف، وكان ممن خلف أباه في الجلالة، كان يقال له: راهب قريش.

لكثرة صلاته، وكان مكفوفا كثير الصوم، توفي في المدينة.


بعد أن غزا قتيبة بن مسلم الشاش وفرغانة، وفرغ من الصغد، وفتح سمرقند، خاض بلاد الترك يفتح فيها حتى وصل إلى كابل فحاصرها وافتتحها، وقد لقيه المشركون في جموع هائلة من الترك فقاتلهم قتيبة عند خجندة فكسرهم مرارا وظفر بهم، وأخذ البلاد منهم، وقتل منهم خلقا وأسر آخرين وغنم أموالا كثيرة جدا.


هو علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أمه بنت يزدجرد آخر ملوك فارس، من الفقهاء الحفاظ كان مضرب المثل في الحلم والورع والجود والتواضع، مدحه الفرزدق بالقصيدة المشهورة التي مطلعها: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم، توفي في أول هذه السنة يعني سنة 94هـ، وصلي عليه بالبقيع ودفن فيه، فرحمه الله رحمة واسعة، وجزاه الله عن المسلمين خيرا.


هو عروة بن الزبير بن العوام، أحد الفقهاء السبعة في المدينة، كان عالما كريما، روى الحديث عن كثير من الصحابة، تفقه على خالته عائشة رضي الله عنها، انتقل إلى البصرة ثم إلى مصر ثم عاد إلى المدينة وتوفي فيها، وهو الذي أصيبت رجله بمرض الآكال (الغرغرينا) فنشرت وقطعت وهو يقرأ القرآن، وتوفي له بنفس اليوم أحب أولاده، فما تسخط ولا تضجر رحمه الله تعالى.


هو أحد الفقهاء السبعة في المدينة (ومنهم من يعد بدله سالم بن عبد الله بن عمر)، سيد التابعين، جمع بين الحديث والفقه والورع والزهد، روى مراسيل عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة، كان الحسن البصري إذا أشكل عليه شيء كتب إليه يسأله، كان يحفظ أحكام عمر بن الخطاب وأقضيته، كان مهيبا عند الخلفاء، تعرض للأذى بسبب البيعة بولاية العهد للوليد بن عبد الملك، وضرب بسبب ذلك بالسياط، وتوفي في المدينة رحمه الله تعالى وجزاه عن المسلمين خيرا.