Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73


كانت بنو هوازن قد مدت يد المعونة لأعداء المسلمين مرارا, فأرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب الأسدي في خمسة وعشرين رجلا، وهم بالسي, ناحية ركبة, من وراء المعدن, وهي من المدينة على خمس ليال، وأمره أن يغير عليهم, فكان يسير الليل ويكمن النهار, حتى صبحهم وهم غارون، وقد أوعز إلى أصحابه ألا يمعنوا في الطلب، فأصابوا نعما كثيرا وشاء, ولم يلقوا كيدا, واستاقوا ذلك حتى قدموا المدينة, واقتسموا الغنيمة, فكانت سهمانهم خمسة عشر بعيرا لكل رجل, وعدلوا البعير بعشر من الغنم، وكان مغيبهم خمس عشرة ليلة.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية في ثلاثة آلاف مقاتل على الجيش زيد بن حارثة، فإن أصيب فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب فعبد الله بن رواحة، وشيعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وودعهم، ثم انصرف ونهضوا، فلما بلغوا معان من أرض الشام، أتاهم الخبر: أن هرقل ملك الروم قد نزل أرض بني مآب، -أرض البلقاء- في مائة ألف من الروم، ومائة ألف أخرى من نصارى أهل الشام، فأقام المسلمون في معان ليلتين، يتشاورون في أمر اللقاء بعدوهم البالغ مائتي ألف فقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخبره بعدد عدونا، فيأمرنا بأمره أو يمدنا.

فقال عبد الله بن رواحة: يا قوم، إن الذي تكرهون للتي خرجتم تطلبون -يعني الشهادة- وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة، وما نقاتلهم إلا بهذا الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فهي إحدى الحسنيين: إما ظهور، وإما شهادة.

فوافقه الجيش على هذا الرأي ونهضوا، حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقوا بعض الجموع التي مع هرقل بالقرب من قرية يقال لها: مؤتة.

فاقتتلوا، فقتل زيد بن حارثة، فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب، فقاتل حتى قطعت يمينه، فأخذ الراية بيسراه فقطعت، فاحتضنها فقتل كذلك، فأخذ عبد الله بن رواحة الراية، وتردد عن النزول بعض التردد، ثم صمم، فقاتل حتى قتل، فأخذ الراية ثابت بن أقرم، وقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم.

فقالوا: أنت.

قال: لا.

فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما أخذ الراية دافع القوم وحاشى بهم، ثم انحاز وانحيز عنه، حتى انصرف بالناس، فتمكن من الانسحاب بمن معه من المسلمين، قال خالد بن الوليد: لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية».

وهذا يقتضي أنهم أثخنوا فيهم قتلا، ولو لم يكن كذلك لما قدروا على التخلص منهم، ولهذا السبب ولغيره ذهب بعض المحققين إلى أن المسلمين قد انتصروا في هذه المعركة ولم يهزموا.

عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، نعى زيدا، وجعفرا، وابن رواحة للناس، قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان حتى أخذ سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم».


كانت بعد غزوة مؤتة، وسميت ذات السلاسل لأنها وقعت بالقرب من ماء يقال له: السلسل.

بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن جمعا من قضاعة تجمعوا وأرادوا أن يدنوا من أطراف المدينة فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص فعقد له لواء أبيضا وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار، فكان أميرها عمرو بن العاص رضي الله عنه.

قال عمرو: بعث إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذ عليك ثيابك وسلاحك ثم ائتني.

فأتيته وهو يتوضأ، فصعد في النظر، ثم طأطأ، فقال: إني أريد أن أبعثك على جيش، فيسلمك الله ويغنمك، وأرغب لك من المال رغبة صالحة، قال: قلت: يا رسول الله، ما أسلمت من أجل المال، ولكني أسلمت رغبة في الإسلام، وأن أكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عمرو، نعم المال الصالح للمرء الصالح).

وفي الغزوة سأله أصحابه أن يوقدوا نارا فمنعهم فكلموا أبا بكر فكلمه في ذلك فقال: لا يوقد أحد منهم نارا إلا قذفته فيها.

قال: فلقوا العدو فهزموهم فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم، فلما انصرف ذلك الجيش ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم وشكوه إليه، فقال: يا رسول الله، إني كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا نارا فيرى عدوهم قلتهم، وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفوا عليهم.

فحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره.
.
.
).

وفيها صلى عمرو بالناس وهو جنب ومعه ماء، لم يزد على أن غسل فرجه وتيمم، فلما قدم عمرو على رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله عن صلاته، فأخبره فقال: والذي بعثك بالحق لو اغتسلت لمت، لم أجد بردا قط مثله، وقد قال الله عز وجل:  {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} [النساء: 29]، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل له شيئا.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح على رأس ثلاثمائة رجل إلى سيف البحر, وكان الغرض من هذه السرية رصد عير لقريش، ومحاربة حي من جهينة, وزودهم جرابا من تمر, فجعل أبو عبيدة يقوتهم إياه, حتى صار إلى أن يعده لهم عددا, حتى كان يعطي كل رجل منهم كل يوم تمرة, فقسمها يوما فنقصت تمرة عن رجل, فوجد فقدها ذلك اليوم, فلما نفد ما كان معهم من الزاد أكلوا الخبط وهو ورق السلم, فسمي الجيش لذلك "جيش الخبط"، وأصابهم جوع شديد, فنحر قيس بن سعد بن عبادة -وكان أحد جنود هذه السرية- ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم إن أبا عبيدة نهاه، فألقى إليهم البحر دابة يقال لها: العنبر، فأكلوا منها عشرين ليلة، وادهنوا منه, حتى ثابت منه أجسامهم، وصلحت، وأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه فنظر إلى أطول رجل في الجيش وأطول جمل فحمل عليه ومر تحته، وتزودوا من لحمه وشائق، فلما قدموا المدينة، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك، فقال: "هو رزق أخرجه الله لكم، فهل معكم من لحمه شيء تطعمونا؟).

فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله".


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة بن ربعي رضي الله عنه في سرية إلى خضرة؛ وذلك لأن بني غطفان كانوا يحتشدون في خضرة -وهي أرض محارب بنجد- فبعثه صلى الله عليه وسلم في خمسة عشر رجلا، فقتل منهم، وسبى وغنم، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة.


لما نقضت قريش ومن معها العهد الذين الذي بينهم وبين المسلمين في الحديبية عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسير إليهم، أمر الناس بالجهاز وأعلمهم أنه سائر لمكة، وقال: (اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها).

وزيادة في الإخفاء والتعمية بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية قوامها ثمانية رجال، تحت قيادة أبي قتادة بن ربعي، إلى بطن إضم، فيما بين ذي خشب وذي المروة، على ثلاثة برد من المدينة، في أول هذا الشهر الكريم؛ ليظن الظان أنه صلى الله عليه وسلم يتوجه إلى تلك الناحية، ولتذهب بذلك الأخبار، وواصلت هذه السرية سيرها حتى إذا وصلت حيثما أمرت بلغها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة، فسارت إليه حتى لحقته.


كان سببها أن المشركين نقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأغاروا على إحدى القبائل المحالفة للرسول عليه الصلاة والسلام، وهي قبيلة خزاعة، ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر أمر الناس بالتجهز دون أن يخبرهم بوجهته، ثم مضى حتى نزل بمر الظهران وهو واد قريب من مكة.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة، فسار هو ومن معه من المسلمين إلى مكة، يصوم ويصومون، حتى بلغ الكديد، وهو ماء بين عسفان، وقديد أفطر وأفطروا.

وكان أبو سفيان قد رأى جيش النبي صلى الله عليه وسلم قبل دخوله مكة، فهاله ما رأى، ثم أسلم في أثناء ذلك، ثم جاء إلى قومه وصرخ فيهم محذرا لهم بأن لا قبل لهم بجيش محمد صلى الله عليه وسلم، وقال لهم ما قاله عليه الصلاة والسلام: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه داره فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن.

فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.

وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح من كداء التي بأعلى مكة.

وقد أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دم بعض المشركين يوم الفتح، ووجد عليه الصلاة والسلام حول البيت ثلاثمائة وستين نصبا، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: (جاء الحق وزهق الباطل، جاء الحق، وما يبدئ الباطل وما يعيد).

وقد تفاوتت الروايات في مدة إقامته صلى الله عليه وسلم عام الفتح، و الأرجح -والله أعلم- أنها كانت تسعة عشر يوما.


لما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح بعث خالد بن الوليد إلى العزى لخمس ليال بقين من هذا الشهر الكريم ليهدمها، وكانت بنخلة، وكانت لقريش وجميع بني كنانة, وهي أعظم أصنامهم.

وكان سدنتها بني شيبان؛ فخرج إليها خالد في ثلاثين فارسا حتى انتهى إليها فهدمها.

ولما رجع إليها سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل رأيت شيئا؟).

قال: لا.

قال: (فإنك لم تهدمها فارجع إليها فاهدمها).

فرجع خالد متغيظا قد جرد سيفه فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ناشرة الرأس، فجعل السادن يصيح بها، فضربها خالد فجزلها باثنتين، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: (نعم، تلك العزى، وقد أيست أن تعبد في بلادكم أبدا).


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى سواع ليهدمه، وسواع صنم لقوم نوح عليه السلام، ثم صار بعد ذلك لقبيلة هذيل المضرية, وظل هذا الوثن منصوبا تعبده هذيل وتعظمه, حتى إنهم كانوا يحجون إليه حتى فتحت مكة ودخلت هذيل فيمن دخل في دين الله أفواجا، وكان موضعه برهاط على قرابة 150 كيلو مترا شمال شرقي مكة، فلما انتهى إليه عمرو قال له السادن: ما تريد؟ قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهدمه.

قال: لا تقدر على ذلك.

قال: لم ؟ قال تمنع.

قال: حتى الآن أنت على الباطل؟ ويحك فهل يسمع أو يبصر؟ ثم دنا فكسره، وأمر أصحابه فهدموا بيت خزانته فلم يجدوا فيه شيئا، ثم قال للسادن: كيف رأيت؟ قال: أسلمت لله.


لما رجع خالد بن الوليد من هدم العزى بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني جذيمة داعيا إلى الإسلام لا مقاتلا, فخرج في ثلاثمائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار وبني سليم، فانتهى إليهم فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا، صبأنا.

-فحملها خالد على أنها سخرية بالإسلام لأن قريشا كانت تقول لمن أسلم صبأ تعييرا له- فجعل خالد يقتلهم ويأسرهم, ودفع إلى كل رجل ممن كان معه أسيرا، فأمر يوما أن يقتل كل رجل أسيره, فأبى ابن عمر وأصحابه حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا له، فرفع صلى الله عليه وسلم يديه وقال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) مرتين.

وكانت بنو سليم هم الذين قتلوا أسراهم دون المهاجرين والأنصار, وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا, فودى لهم قتلاهم وما ذهب منهم.


بعد أن تعقب المسلمون فلول الهاربين من هوازن في أوطاس ونخلة، توجهوا للقضاء على ثقيف التي فرت من حنين وأوطاس، وتحصنت بحصونها المنيعة في الطائف، وفي صحيح مسلم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين حاصروا المشركين في الطائف أربعين ليلة.

عن أبي نجيح السلمي قال: حاصرنا مع نبي الله صلى الله عليه وسلم حصن الطائف فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من بلغ بسهم فله درجة في الجنة.

قال: فبلغت يومئذ ستة عشر سهما.
.
.
.
.
).

وقد هرب من ذلك الحصن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة وعشرون رجلا، عن عبد الله بن عمر، قال: لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف، فلم ينل منهم شيئا قال: «إنا قافلون إن شاء الله.

فثقل عليهم، وقالوا: نذهب ولا نفتحه.

فقال: «اغدوا على القتال».

فغدوا فأصابهم جراح، فقال: «إنا قافلون غدا إن شاء الله».

فأعجبهم، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم.


حنين: واد إلى جنب ذي المجاز، قريب من الطائف، وبينه وبين مكة بضعة عشر ميلا من جهة الشرائع والسيل الكبير، وقيل سمي بحنين؛ نسبة إلى رجل يدعى: حنين بن قابثة بن مهلائيل.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أقام بمكة 19 يوما، حتى جاءت هوازن وثقيف فنزلوا بحنين يريدون قتال النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا قد جمعوا قبل ذلك حين سمعوا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة، وهم يظنون أنه إنما يريدهم، فلما أتاهم أنه قد نزل مكة، أخذوا في الاستعداد لمواجهته، وقد أرادوها موقعة حاسمة، فحشدوا الأموال والنساء والأبناء حتى لا يفر أحدهم ويترك أهله وماله، وكان يقودهم مالك بن عوف النضري، واستنفروا معهم غطفان وغيرها.

فاستعد الرسول صلى الله عليه وسلم لمواجهتهم، فاستعار من يعلى بن أمية ثلاثين بعيرا وثلاثين درعا، واستعار من صفوان بن أمية مائة درع، واستعمل عتاب بن أسيد بن أبي العاص أميرا على مكة، وقد ثبت في الصحيحين أن الطلقاء قد خرجوا معه إلى حنين.

واستقبل الرسول صلى الله عليه وسلم بجيشه وادي حنين في عماية الصبح، وانحدروا فيه، وعند دخولهم إلى الوادي حملوا على هوازن فانكشفوا، فأكب المسلمون على ما تركوه من غنائم، وبينما هم على هذه الحال استقبلتهم هوازن وأمطرتهم بوابل من السهام، ولم يكن المسلمون يتوقعون هذا فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فولوا مدبرين لا يلوي أحد على أحد، وانحاز الرسول صلى الله عليه وسلم ذات اليمين وهو يقول: (أين الناس؟ هلموا إلي، أنا رسول الله، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله).

وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم عمه العباس -وكان جهوري الصوت- أن ينادي الناس بالثبات، وخص منهم أصحاب بيعة الرضوان، فأسرعوا إليه، ثم خص الأنصار بالنداء، ثم بني الحارث بن الخزرج، فطاروا إليه قائلين: لبيك، لبيك.

ودارت المعركة قوية ضد هوازن، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رأى المعركة تشتد: (هذا حين حمي الوطيس).

ثم أخذ حصيات -أو ترابا- فرمى به وجوه الكفار وهو يقول: (شاهت الوجوه).

فما خلق الله تعالى منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة، فولوا مدبرين، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (انهزموا ورب محمد)، وفي رواية أخرى: (انهزموا ورب الكعبة, انهزموا ورب الكعبة).

وقد روي: أن قتلى بني مالك من ثقيف لوحدها قد بلغ 70 قتيلا، وقتل بأوطاس من بني مالك 300، وقتل خلق كثير من بني نصر بن معاوية ثم من بني رئاب، وروي: أن سبي حنين قد بلغ 6000 من النساء والأبناء.

بينما قتل من المسلمين أربعة.


ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجعرانة عام حنين، وهذه العمرة هي الثالثة بعد عمرة الحديبية وعمرة القضاء.

قال ابن حجر: فإنه صلى الله عليه وسلم أحرم من الجعرانة ودخل مكة ليلا فقضى أمر العمرة ثم رجع ليلا فأصبح بالجعرانة كبائت.

قال إبراهيم النخعي: كانوا يستحبون أن يدخلوا مكة نهارا ويخرجوا منها ليلا.

وعن عطاء: إن شئتم فادخلوا ليلا إنكم لستم كرسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه كان إماما فأحب أن يدخلها نهارا ليراه الناس.

انتهى.

وقضية هذا أن من كان إماما يقتدى به استحب له أن يدخلها نهارا.


هي أم كلثوم بنت رسول الله بنت صلى الله عليه وسلم- البضعة الرابعة النبوية النبوية الرابعة، أمها خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، يقال تزوجها عتيبة بن أبي لهب ثم فارقها، وأسلمت وهاجرت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فلما توفيت أختها رقية تزوج بها عثمان في ربيع الأول سنة ثلاث فلم تلد له.


كان من أبرز نتائج فتح مكة أن أخذت قبائل العرب وأفرادها يبادرون بإسلامهم؛ لأنهم كانوا ينتظرون نتيجة الصراع بين المسلمين وقريش، فعن عمرو بن سلمة قال: كنا بماء ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم: ما للناس، ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله أرسله، أوحى إليه -أو: أوحى الله بكذا- فكنت أحفظ ذلك الكلام، وكأنما يقر في صدري، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق.

فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم.


كان الحج معروفا قبل البعثة، فإبراهيم أذن في الناس بالحج، وحج موسى وغيره من الأنبياء، وبقي الحج معروفا ولكن بدل فيه المشركون ما بدلوا، وأول من بدل عمرو بن لحي، ثم فرض الله تعالى الحج على المسلمين لمن استطاع إليه سبيلا، {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} [آل عمران: 97]، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم مناسكه بتمامها في حجة الوداع في سنة 10هـ، واختلف في أي عام فرض الحج، قيل: فرض في سنة ست.

وقيل: سنة سبع.

وقيل: سنة ثمان.

وقيل غير ذلك.


هو أصحمة بن أبجر ملك الحبشة، والنجاشي لقب له ولملوك الحبشة، ومعنى: أصحمة: عطية، وقيل: عطية الله، وقيل: عطاء.

تولى الحكم بعد موت عمه، وبعد سنوات من حكمه وانتشر وانتشار عدله أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأحسن إلى المسلمين الذين هاجروا إلى أرضه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه عن النجاشي: لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجا.

ولما مات صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة صلاة الغائب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى لهم النجاشي صاحب الحبشة، في اليوم الذي مات فيه، وقال: «استغفروا لأخيكم».

وعن جابر رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم حين مات النجاشي: «مات اليوم رجل صالح، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة».


تبوك موضع بين وادي القرى والشام، قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: (أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله الحملان لهم إذ هم معه في جيش العسرة، وهي غزوة تبوك.
.
)
.

وحديث أبي موسى رضي الله عنه فيه دلالة على ما كان عليه الصحابة من العسر الشديد في المال والزاد والركائب، كما روى مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه ما وقع للمسلمين في طريق هذه الغزوة من نقص في الزاد حتى مصوا النوى وشربوا عليه الماء، وفي رواية أخرى لمسلم: أنهم استأذنوا الرسول صلى الله عليه وسلم في نحر مطاياهم ليأكلوا.

وقد قال الله تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} [التوبة: 117].

قال ابن كثير: فعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال الروم؛ لأنهم أقرب الناس إليه؛ وأولى الناس بالدعوة إلى الحق لقربهم إلى الإسلام وأهله، وقد قال الله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين} [التوبة: 123].

وقد بين صلى الله عليه وسلم وجهة هذه الغزوة، فعن معاذ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي).

والمشهور والراجح أن جيش تبوك كان ثلاثين ألفا، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يلق حربا من الأعداء، فرجع إلى المدينة منتصرا بعد أن أقام بتبوك عشرين ليلة.


هو عبد الله بن أبي بن ابن سلول، رأس المنافقين، مرض في ليال بقين من شوال بعد أن رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك, ولما مات استغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى عليه بعد أن حاول عمر منعه عن الصلاة عليه، وقد نزل القرآن بعد ذلك بموافقة عمر رضي الله عنه، وإنما صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إجراء له على حكم الظاهر وهو الإسلام؛ ولما فيه من مصلحة شرعية؛ وهو تأليف قلوب قومه وتابعيه، فقد كان يدين له بالولاء فئة كبيرة من المنافقين، فعسى أن يتأثروا ويرجعوا عن نفاقهم ويعتبروا ويخلصوا لله ولرسوله.


بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الحج بعد انسلاخ ذي القعدة ليقيم للمسلمين حجهم -والناس من أهل الشرك على منازلهم من حجهم- فخرج أبو بكر رضي الله عنه ومن معه من المسلمين، وقد بعث عليه الصلاة والسلام عليا رضي الله عنه بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ليكون معه، ويتولى علي بنفسه إبلاغ البراءة إلى المشركين نيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونه ابن عمه، من عصبته، قال أبو هريرة: بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين يوم النحر، نؤذن بمنى: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.

قال حميد بن عبد الرحمن: ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا، فأمره أن يؤذن ببراءة.

قال أبو هريرة: فأذن معنا علي في أهل منى يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.

قال حميد بن عبد الرحمن: ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا، فأمره أن يؤذن ببراءة.


بقيت الوفود تتابع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان بينها وفد نصارى نجران، ومصالحتهم وصالحهم على الجزية، وجعل لهم ذمة.


إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وأمه مارية القبطية، وقد كان جميع أولاد النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله عنها، ما عدا إبراهيم فمن مارية القبطية المصرية رضي الله عنها، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: كان إبراهيم مسترضعا له في عوالي المدينة، فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخن، وكان ظئره قينا، فيأخذه فيقبله، ثم يرجع.

قال عمرو: فلما توفي إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبراهيم ابني، وإنه مات في الثدي، وإن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة».

عن المغيرة بن شعبة قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم فصلوا، وادعوا الله».

عن أبي بكرة قال: خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج يجر رداءه حتى انتهى إلى المسجد، وثاب الناس إليه، فصلى بهم ركعتين، فانجلت الشمس، فقال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا يخسفان لموت أحد، وإذا كان ذاك فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم».

وذاك أن ابنا للنبي صلى الله عليه وسلم مات يقال له: إبراهيم.

فقال الناس في ذاك.

ولد له إبراهيم بالمدينة من سريته مارية القبطية، سنة ثمان من الهجرة، وبشره به أبو رافع مولاه، فوهب له عبدا، ومات طفلا قبل الفطام، واختلف هل صلى عليه أم لا؟ على قولين.


سميت حجة الوداع؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ودع الناس فيها، ولم يحج بعدها، وسميت حجة الإسلام؛ لأنه عليه السلام لم يحج من المدينة غيرها، وسميت حجة البلاغ؛ لأنه عليه السلام بلغ الناس شرع الله في الحج قولا وفعلا، ولم يكن بقي من دعائم الإسلام وقواعده شيء إلا وقد بينه عليه السلام، فلما بين لهم شريعة الحج ووضحه وشرحه أنزل الله عز وجل عليه وهو واقف بعرفة: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة: 3].

وعندما أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم عزمه على الحج في هذا العام قدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعمل مثل عمله.

وخرج من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة.

وقد وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم في مسيره هذا ورجوعه أحداث كثيرة.


خرج الأسود العنسي -واسمه عبهلة بن كعب بن غوث- في آخر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة مقاتل، فكتب إلى عمال النبي صلى الله عليه وسلم: أيها المتمردون علينا، أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، ووفروا ما جمعتم؛ فنحن أولى به، وأنتم على ما أنتم عليه، ثم توجه مع مقاتليه إلى نجران فأخذها، ثم قصد صنعاء، فخرج إليه شهر بن باذام فتقاتلا، فغلبه الأسود وقتله وتزوج بامرأة شهر بن باذام، وهي ابنة عم فيروز الديلمي، واسمه آزاذ، وكانت مؤمنة بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن الصالحات، واحتل العنسي صنعاء، فذهب معاذ بن جبل وأبو موسى الأشعري إلى حضرموت، وانحاز عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطاهر، ورجع عمر بن حرام وخالد بن سعيد بن العاص إلى المدينة، واستوثقت اليمن للأسود العنسي، وجعل أمره يستطير استطارة الشرارة، واشتد ملكه، واستغلظ أمره، وارتد خلق من أهل اليمن، وعامله المسلمون الذين هناك بالتقية فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه خبر الأسود العنسي كتابه مع قيس بن مكشوح يأمر فيه المسلمين الذين هناك بمقاتلة العنسي ومصاولته، فقام معاذ بن جبل بهذا الكتاب أتم قيام، واتفق معاذ بن جبل ومن التف حوله من أهل اليمن، وقيس بن عبد يغوث أمير جند الأسود، وفيروز الديلمي؛ على الفتك بالأسود وقتله، وتعاقدوا عليه، فلما كان الليل دخلوا عليه البيت؛ تقدم إليه فيروز الديلمي، وكان الأسود نائما على فراش من حرير، قد غرق رأسه في جسده، وهو سكران يغط، والمرأة جالسة عنده، فعاجله وخالطه، وهو مثل الجمل، فأخذ رأسه، فدق عنقه ووضع ركبتيه في ظهره حتى قتله، وجلس قيس وداذويه وفيروز يأتمرون كيف يعلمون أشياعهم، فاتفقوا على أنه إذا كان الصباح ينادون بشعارهم الذي بينهم وبين المسلمين، فلما كان الصباح قام أحدهم -وهو قيس- على سور الحصن، فنادى بشعارهم، فاجتمع المسلمون والكافرون حول الحصن، فنادى قيس: أشهد أن محمدا رسول الله، وأن عبهلة كذاب، وألقى إليهم رأسه، فانهزم أصحابه، وتبعهم الناس يأخذونهم ويرصدونهم في كل طريق يأسرونهم، وظهر الإسلام وأهله، وتراجع نواب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أعمالهم، واتفقوا على معاذ بن جبل يصلي بالناس، وكتبوا بالخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مدة ملكه منذ ظهر إلى أن قتل ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر.


لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب، واشرأب النفاق، وعظم الخطب واشتدت الحال، وأنفذ الصديق جيش أسامة، فقل الجند عند الصديق، فطمعت كثير من الأعراب في المدينة، وراموا أن يهجموا عليها، فجعل الصديق على أنقاب المدينة حراسا يبيتون بالجيوش حولها، وجعلت وفود العرب تقدم المدينة يقرون بالصلاة ويمتنعون من أداء الزكاة، ومنهم من امتنع من دفعها إلى الصديق، وقد تكلم الصحابة مع الصديق في أن يتركهم وما هم عليه من منع الزكاة ويتألفهم حتى يتمكن الإيمان في قلوبهم، ثم هم بعد ذلك يزكون، فامتنع الصديق من ذلك وأباه، فقال عمر بن الخطاب لأبي بكر: علام تقاتل الناس؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها؟ فقال أبو بكر: والله لو منعوني عناقا -وفي رواية: عقالا- كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأقاتلنهم على منعها؛ إن الزكاة حق المال، والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة.

قال عمر: فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق، وقاتلهم الصديق رضي الله عنه حتى لم يبق بجزيرة العرب إلا أهل طاعة لله ولرسوله، وأهل ذمة من الصديق، كأهل نجران وما جرى مجراهم، وعامة ما وقع من هذه الحروب كان في أواخر سنة إحدى عشرة وأوائل سنة اثنتي عشرة.


لما انتهى خالد بن الوليد رضي الله عنه من اليمامة جاء الأمر بالتوجه للعراق لدعم المثنى بن حارثة، فسار خالد إلى الحيرة والتقى بجيش المثنى وجيش عياض بن غنم بهرمز في الأبلة، وقد حدثت عدة معارك في تلك المناطق التي تعرف بالمنطقة الشرقية التي كانت تحت سيطرة الفرس، وفتحت عدة مناطق كالحيرة والأنبار ودومة الجندل والفراض وغيرها من المناطق العراقية، كما انتصر خالد في عدد من المعارك على الفرس وحلفائهم من متنصرة العرب.


بعد ما جم جيش أسامة واستراحوا، ركب الصديق في المسلمين شاهرا سيفه مسلولا، من المدينة إلى ذي القصة، وعلي بن أبي طالب يقود براحلة الصديق رضي الله عنهما، فسأله الصحابة، وألحوا عليه أن يرجع إلى المدينة، وأن يبعث لقتال الأعراب غيره ممن يؤمره من الشجعان الأبطال، فأجابهم إلى ذلك، وعقد لهم الألوية لأحد عشر أميرا، وذلك لقتال طليحة بن خويلد، ومالك بن نويرة ومسيلمة الكذاب، والعنسي وعيينة بن حصن وغيرهم من المرتدين، وقد كتب لكل أمير كتاب عهده على حدته، ففصل كل أمير بجنده من ذي القصة، ورجع الصديق إلى المدينة.


كانت بنو تميم قد اختلفت آراؤهم أيام الردة؛ فمنهم من ارتد ومنع الزكاة، ومنهم من بعث بأموال الصدقات إلى الصديق، ومنهم من توقف لينظر في أمره، فبينما هم كذلك إذ أقبلت سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان التغلبية من الجزيرة، وهي من نصارى العرب، وقد ادعت النبوة، ومعها جنود من قومها ومن التف بهم، وقد عزموا على غزو أبي بكر الصديق، فلما مرت ببلاد بني تميم دعتهم إلى أمرها، فاستجاب لها عامتهم، ثم قصدت بجنودها اليمامة؛ لتأخذها من مسيلمة بن حبيب الكذاب، فهابه قومها، وقالوا: إنه قد استفحل أمره وعظم، فلما سمع بمسيرها إليه خافها على بلاده، فبعث إليها يستأمنها ويضمن لها أن يعطيها نصف الأرض الذي كان لقريش لو عدلت، وراسلها ليجتمع بها في طائفة من قومه، فركب إليها في أربعين من قومه، وجاء إليها فاجتمعا في خيمة، فلما خلا بها وعرض عليها ما عرض من نصف الأرض، وقبلت ذلك، ثم انثنت راجعة إلى بلادها، وذلك حين بلغها دنو خالد من أرض اليمامة، فكرت راجعة إلى الجزيرة بعدما قبضت من مسيلمة نصف خراج أرضه.


لما توجه خالد من ذي القصة وفارقه الصديق، واعده أنه سيلقاه من ناحية خيبر بمن معه من الأمراء، وأظهروا ذلك ليرعبوا الأعراب، وأمره أن يذهب أولا إلى طليحة الأسدي، ثم يذهب بعده إلى بني تميم، وكان طليحة بن خويلد في قومه بني أسد، وفي غطفان، وانضم إليهم بنو عبس وذبيان، وبعث إلى بني جديلة والغوث وطيئ يستدعيهم إليه، وجعل خالد بن الوليد يتأتى بطليحة ويرسل إليه الرسل ويحذره سفك دماء أصحابه، وطليحة يأبى ذلك وولج في طغيانه، فعندها عزم خالد على حربه، ووقفت أحياء كثيرة من الأعراب ينظرون على من تكون الدائرة، وجاء طليحة فيمن معه من قومه ومن التف معهم وانضاف إليهم، وانهزم الناس عن طليحة، فلما جاءه المسلمون ركب على فرس كان قد أعدها له، وأركب امرأته النوار على بعير له، ثم انهزم بها إلى الشام، وتفرق جمعه، وقد قتل الله طائفة ممن كان معه، وقد كان طليحة الأسدي ارتد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بمؤازرته عيينة بن حصن بعد أن ارتد عن الإسلام، وأسر خالد عيينة بن حصن، وبعث به إلى المدينة مجموعة يداه إلى عنقه، فدخل المدينة وهو كذلك، فجعل الولدان والغلمان يطعنونه بأيديهم، ويقولون: أي عدو الله، ارتددت عن الإسلام؟ فيقول: والله ما كنت آمنت قط! فلما وقف بين يدي الصديق استتابه وحقن دمه، ثم حسن إسلامه بعد ذلك، وأما طليحة فإنه راجع الإسلام بعد ذلك أيضا، وذهب إلى مكة معتمرا أيام الصديق، واستحيا أن يواجهه مدة حياته، وقد رجع فشهد القتال مع خالد، وكتب الصديق إلى خالد: أن استشره في الحرب ولا تؤمره.


كان من خبر أهل البحرين -وتطلق على الساحل الشرقي من الجزيرة العربية- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد بعث العلاء بن الحضرمي إلى ملكها؛ المنذر بن ساوى العبدي، وأسلم على يديه وأقام فيهم الإسلام والعدل، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفي المنذر بعده بقليل، فلما مات المنذر ارتد أهل البحرين، وملكوا عليهم الغرور، وهو المنذر بن النعمان بن المنذر.

وقال قائلهم: لو كان محمد نبيا ما مات.

ولم يبق بها بلدة على الثبات سوى قرية يقال لها جواثا، كانت أول قرية أقامت الجمعة من أهل الردة وبعث الصديق رضي الله عنه إليهم العلاء بن الحضرمي، فلما دنا من البحرين جاء إليه ثمامة بن أثال في محفل كبير، وجاء كل أمراء تلك النواحي فانضافوا إلى جيش العلاء بن الحضرمي ثم لما اقترب من جيوش المرتدة -وقد حشدوا وجمعوا خلقا عظيما- نزل ونزلوا، وباتوا متجاورين في المنازل، فبينما المسلمون في الليل إذ سمع العلاء أصواتا عالية في جيش المرتدين، فقال: من رجل يكشف لنا خبر هؤلاء؟ فقام عبد الله بن حذف، فدخل فيهم فوجدهم سكارى لا يعقلون؛ من الشراب، فرجع إليه فأخبره، فركب العلاء من فوره والجيش معه، فكبسوا أولئك فقتلوهم قتلا عظيما، وقل من هرب منهم، واستولى على جميع أموالهم وحواصلهم وأثقالهم، فكانت غنيمة عظيمة جسيمة، وكتب إلى الصديق فأعلمه بذلك