بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية غالب بن عبد الله الليثي، إلى بني عوال وبني عبد بن ثعلبة بالميفعة، وقيل إلى الحرقات من جهينة في مائة وثلاثين رجلا؛ فهجموا عليهم جميعا، وقتلوا من أشرف لهم، واستاقوا نعما وشاء، وفي هذه السرية قتل أسامة بن زيد نهيك بن مرداس بعد أن قال: لا إله إلا الله.

فلما قدموا وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، كبر عليه وقال: (أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟!).

فقال: إنما قالها متعوذا قال: (فهلا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب؟).


بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسير بن رزام اليهودي يجمع غطفان ليغزو بهم المدينة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في ثلاثين راكبا إلى يسير بن رزام حتى أتوه بخيبر، فقالوا: أرسلنا إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستعملك على خيبر, فلم يزالوا به حتى تبعهم في ثلاثين رجلا مع كل رجل منهم رديف من المسلمين، فلما بلغوا قرقرة نيار ندم يسير بن رزام فأهوى بيده إلى سيف عبد الله بن رواحة، ففطن له عبد الله بن رواحة فزجر بعيره ثم اقتحم يسوق بالقوم، حتى استمكن من يسير فضرب رجله فقطعها، واقتحم يسير وفي يده مخراش من شوحط فضرب به وجه عبد الله بن رواحة فشجه شجة مأمومة, وانكفأ كل رجل من المسلمين على رديفه فقتله، غير رجل واحد من اليهود أعجزهم شدا ولم يصب من المسلمين أحدا، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في شجة عبد الله بن رواحة فلم تقيح ولم تؤذه حتى مات.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية أبي حدرد الأسلمي إلى الغابة، وسبب ذلك أن رجلا من جشم بن معاوية أقبل في عدد كبير إلى الغابة، يريد أن يجمع قيسا على محاربة المسلمين، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا حدرد مع رجلين ليأتوا منه بخبر وعلم، فوصلوا إلى القوم مع غروب الشمس، فكمن أبو حدرد في ناحية، وصاحباه في ناحية أخرى، وأبطأ على القوم راعيهم حتى ذهبت فحمة العشاء، فقام رئيس القوم وحده، فلما مر بأبي حدرد رماه بسهم في فؤاده فسقط ولم يتكلم، فاحتز أبو حدرد رأسه، وشد في ناحية العسكر وكبر، وكبر صاحباه وشدا، فما كان من القوم إلا الفرار، واستاق المسلمون الثلاثة الكثير من الإبل والغنم.


قال ابن عباس رضي الله عنهما: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمى يثرب، قال المشركون: إنه يقدم عليكم غدا قوم قد وهنتهم الحمى، ولقوا منها شدة، فجلسوا مما يلي الحجر، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركنين، ليرى المشركون جلدهم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا.

قال ابن عباس: ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم.

وفي هذه العمرة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بميمونة بنت الحارث رضي الله عنها.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني سليم سرية ابن أبي العوجاء، في خمسين رجلا، وذلك ليدعوهم إلى الإسلام؛ فقالوا: لا حاجة لنا إلى ما دعوتنا، ثم قاتلوا قتالا شديدا.

جرح فيه أبو العوجاء، وأسر رجلان من العدو.


هي زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكبر أخواتها، تزوجها في حياة أمها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع، فولدت له أمامة التي تزوج بها علي بن أبي طالب بعد فاطمة، وولدت له علي بن أبي العاص، أسلمت زينب وهاجرت قبل إسلام زوجها بست سنين، قالت أم عطية: لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغسلنها وترا ثلاثا، أو خمسا، واجعلن في الخامسة كافورا، أو شيئا من كافور، فإذا غسلتنها، فأعلمنني».

قالت: فأعلمناه، فأعطانا حقوه وقال «أشعرنها إياه».


لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه، قال أبو موسى الأشعري: وبعثني مع أبي عامر عبيد الأشعري، فرمي أبو عامر في ركبته، رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته، فانتهيت إليه فقلت: يا عم من رماك؟ فأشار إليه فقال: ذاك قاتلي الذي رماني.

فقصدت له فلحقته، فلما رآني ولى، فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحيي، ألا تثبت، فكف، فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته، ثم قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك.

قال: فانزع هذا السهم.

فنزعته فنزا منه الماء قال: يا ابن أخي أقرئ النبي صلى الله عليه وسلم السلام، وقل له: استغفر لي.

واستخلفني أبو عامر على الناس، فمكث يسيرا ثم مات، فرجعت فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته على سرير مرمل وعليه فراش، قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر، وقال: قل له استغفر لي.

فدعا بماء فتوضأ، ثم رفع يديه فقال: «اللهم اغفر لعبيد أبي عامر».

ورأيت بياض إبطيه، ثم قال: «اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس».

فقلت: ولي فاستغفر.

فقال: «اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما» قال أبو بردة: إحداهما لأبي عامر، والأخرى لأبي موسى.


قال خالد بن الوليد: لما أراد الله عز وجل ما أراد من الخير قذف في قلبي الإسلام وحضرني رشدي, وقلت قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد صلى الله عليه وسلم فليس موطن أشهده إلا أنصرف وأنا أرى في نفسي أني في غير شيء وأن محمدا سيظهر، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية خرجت في خيل المشركين فقمت بإزائه في عسفان وتعرضت له، فصلى بأصحابه الظهر أمامنا فهممنا أن نغير عليه فلم نمكن منه, فصلى بأصحابه صلاة العصر صلاة الخوف فوقع ذلك منا موقعا، وقلت: الرجل ممنوع.

فافترقنا, فلما صالح قريشا بالحديبية, ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء طلبني فلم يجدني، وكتب إلي كتابا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلك, ومثل الإسلام يجهله أحد؟.

ثم سأل عني, فقيل: له يأتي الله به.

فقال: ما مثله جهل الإسلام, ولو كان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين كان خيرا له، ولقدمناه على غيره.

فلما جاءني كتابه نشطت للخروج، وزادني رغبة في الإسلام، وسرني سؤاله عني, فلما أجمعت الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقىيت عثمان بن طلحة فعرضت عليه الإسلام فأسرع الإجابة، فخرج معي حتى انتهينا إلى الهدة فوجدنا عمرو بن العاص بها, فقال: مرحبا بالقوم.

فقلنا: وبك.

قال: إلى أين مسيركم؟ قلنا: الدخول في الإسلام، واتباع محمد صلى الله عليه وسلم.

فقال: وذاك الذي أقدمني.

فاصطحبنا جميعا حتى دخلنا المدينة, فلبست من صالح ثيابي ثم عمدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد أخبر بنا فسر بقدومنا, فما فما زال يتبسم حين رآني حتى وقفت عليه، فسلمت عليه بالنبوة فرد علي السلام بوجه طلق، فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله.

فقال الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلا رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير.

قلت: يا رسول الله قد رأيت ما كنت أشهد من تلك المواطن عليك، فادع الله يغفرها لي.

فقال صلى الله عليه وسلم: الإسلام يجب ما كان قبله.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك سرية غالب بن عبد الله، في مائتي رجل؛ فأصابوا من بني مرة نعما، وقتلوا منهم قتلى.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ذات أطلح بقيادة كعب بن عمير الأنصاري في خمسة عشر رجلا إلى بني قضاعة؛ حيث كانت قد حشدت جموعا كبيرة للإغارة على المسلمين، فلقوا العدو، فدعوهم إلى الإسلام، فلم يستجيبوا لهم، وأرشقوهم بالنبل حتى قتلوا كلهم إلا رجلا واحدا، فقد ارتث من بين القتلى.


كانت بنو هوازن قد مدت يد المعونة لأعداء المسلمين مرارا, فأرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب الأسدي في خمسة وعشرين رجلا، وهم بالسي, ناحية ركبة, من وراء المعدن, وهي من المدينة على خمس ليال، وأمره أن يغير عليهم, فكان يسير الليل ويكمن النهار, حتى صبحهم وهم غارون، وقد أوعز إلى أصحابه ألا يمعنوا في الطلب، فأصابوا نعما كثيرا وشاء, ولم يلقوا كيدا, واستاقوا ذلك حتى قدموا المدينة, واقتسموا الغنيمة, فكانت سهمانهم خمسة عشر بعيرا لكل رجل, وعدلوا البعير بعشر من الغنم، وكان مغيبهم خمس عشرة ليلة.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية في ثلاثة آلاف مقاتل على الجيش زيد بن حارثة، فإن أصيب فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب فعبد الله بن رواحة، وشيعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وودعهم، ثم انصرف ونهضوا، فلما بلغوا معان من أرض الشام، أتاهم الخبر: أن هرقل ملك الروم قد نزل أرض بني مآب، -أرض البلقاء- في مائة ألف من الروم، ومائة ألف أخرى من نصارى أهل الشام، فأقام المسلمون في معان ليلتين، يتشاورون في أمر اللقاء بعدوهم البالغ مائتي ألف فقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخبره بعدد عدونا، فيأمرنا بأمره أو يمدنا.

فقال عبد الله بن رواحة: يا قوم، إن الذي تكرهون للتي خرجتم تطلبون -يعني الشهادة- وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة، وما نقاتلهم إلا بهذا الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فهي إحدى الحسنيين: إما ظهور، وإما شهادة.

فوافقه الجيش على هذا الرأي ونهضوا، حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقوا بعض الجموع التي مع هرقل بالقرب من قرية يقال لها: مؤتة.

فاقتتلوا، فقتل زيد بن حارثة، فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب، فقاتل حتى قطعت يمينه، فأخذ الراية بيسراه فقطعت، فاحتضنها فقتل كذلك، فأخذ عبد الله بن رواحة الراية، وتردد عن النزول بعض التردد، ثم صمم، فقاتل حتى قتل، فأخذ الراية ثابت بن أقرم، وقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم.

فقالوا: أنت.

قال: لا.

فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما أخذ الراية دافع القوم وحاشى بهم، ثم انحاز وانحيز عنه، حتى انصرف بالناس، فتمكن من الانسحاب بمن معه من المسلمين، قال خالد بن الوليد: لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية».

وهذا يقتضي أنهم أثخنوا فيهم قتلا، ولو لم يكن كذلك لما قدروا على التخلص منهم، ولهذا السبب ولغيره ذهب بعض المحققين إلى أن المسلمين قد انتصروا في هذه المعركة ولم يهزموا.

عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، نعى زيدا، وجعفرا، وابن رواحة للناس، قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان حتى أخذ سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم».


كانت بعد غزوة مؤتة، وسميت ذات السلاسل لأنها وقعت بالقرب من ماء يقال له: السلسل.

بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن جمعا من قضاعة تجمعوا وأرادوا أن يدنوا من أطراف المدينة فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص فعقد له لواء أبيضا وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار، فكان أميرها عمرو بن العاص رضي الله عنه.

قال عمرو: بعث إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذ عليك ثيابك وسلاحك ثم ائتني.

فأتيته وهو يتوضأ، فصعد في النظر، ثم طأطأ، فقال: إني أريد أن أبعثك على جيش، فيسلمك الله ويغنمك، وأرغب لك من المال رغبة صالحة، قال: قلت: يا رسول الله، ما أسلمت من أجل المال، ولكني أسلمت رغبة في الإسلام، وأن أكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عمرو، نعم المال الصالح للمرء الصالح).

وفي الغزوة سأله أصحابه أن يوقدوا نارا فمنعهم فكلموا أبا بكر فكلمه في ذلك فقال: لا يوقد أحد منهم نارا إلا قذفته فيها.

قال: فلقوا العدو فهزموهم فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم، فلما انصرف ذلك الجيش ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم وشكوه إليه، فقال: يا رسول الله، إني كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا نارا فيرى عدوهم قلتهم، وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفوا عليهم.

فحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره.
.
.
).

وفيها صلى عمرو بالناس وهو جنب ومعه ماء، لم يزد على أن غسل فرجه وتيمم، فلما قدم عمرو على رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله عن صلاته، فأخبره فقال: والذي بعثك بالحق لو اغتسلت لمت، لم أجد بردا قط مثله، وقد قال الله عز وجل:  {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} [النساء: 29]، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل له شيئا.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح على رأس ثلاثمائة رجل إلى سيف البحر, وكان الغرض من هذه السرية رصد عير لقريش، ومحاربة حي من جهينة, وزودهم جرابا من تمر, فجعل أبو عبيدة يقوتهم إياه, حتى صار إلى أن يعده لهم عددا, حتى كان يعطي كل رجل منهم كل يوم تمرة, فقسمها يوما فنقصت تمرة عن رجل, فوجد فقدها ذلك اليوم, فلما نفد ما كان معهم من الزاد أكلوا الخبط وهو ورق السلم, فسمي الجيش لذلك "جيش الخبط"، وأصابهم جوع شديد, فنحر قيس بن سعد بن عبادة -وكان أحد جنود هذه السرية- ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم إن أبا عبيدة نهاه، فألقى إليهم البحر دابة يقال لها: العنبر، فأكلوا منها عشرين ليلة، وادهنوا منه, حتى ثابت منه أجسامهم، وصلحت، وأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه فنظر إلى أطول رجل في الجيش وأطول جمل فحمل عليه ومر تحته، وتزودوا من لحمه وشائق، فلما قدموا المدينة، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك، فقال: "هو رزق أخرجه الله لكم، فهل معكم من لحمه شيء تطعمونا؟).

فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله".


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة بن ربعي رضي الله عنه في سرية إلى خضرة؛ وذلك لأن بني غطفان كانوا يحتشدون في خضرة -وهي أرض محارب بنجد- فبعثه صلى الله عليه وسلم في خمسة عشر رجلا، فقتل منهم، وسبى وغنم، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة.