Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
كان مالك بن نويرة قد صانع سجاح حين قدمت من أرض الجزيرة، فلما اتصلت بمسيلمة الكذاب، ثم ترحلت إلى بلادها، ندم مالك على ما كان من أمره، وتلوم في شأنه، وهو نازل بمكان يقال له: البطاح، فقصدها خالد بجنوده وتأخرت عنه الأنصار، وقالوا: إنا قد قضينا ما أمرنا به الصديق، فقال لهم خالد: إن هذا أمر لا بد من فعله، وإنه لم يأتني فيها كتاب، وأنا الأمير وإلي ترد الأخبار، ولست بالذي أجبركم على المسير، وأنا قاصد البطاح، فسار يومين ثم لحقه رسول الأنصار يطلبون منه الانتظار، فلحقوا به، فلما وصل البطاح وعليها مالك بن نويرة، بث خالد السرايا في البطاح يدعون الناس، فاستقبله أمراء بني تميم بالسمع والطاعة، وبذلوا الزكوات، إلا ما كان من مالك بن نويرة؛ فإنه متحير في أمره، متنح عن الناس، فجاءته السرايا فأسروه وأسروا معه أصحابه، واختلفت السرية فيهم؛ فشهد أبو قتادة -الحارث بن ربعي الأنصاري- أنهم أقاموا الصلاة، وقال آخرون: إنهم لم يؤذنوا ولا صلوا، فيقال: إن الأسارى باتوا في كبولهم في ليلة شديدة البرد، فنادى منادي خالد: أن أدفئوا أسراكم، فظن القوم أنه أراد القتل، فقتلوهم، وقتل ضرار بن الأزور مالك بن نويرة، فلما سمع الداعية خرج وقد فرغوا منهم، فقال: إذا أراد الله أمرا أصابه، ودخل خالد على أبي بكر فاعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه ما كان منه في ذلك، وودى مالك بن نويرة.
نبغ في أهل عمان رجل يقال له: ذو التاج؛ لقيط بن مالك الأزدي، وكان يسمى في الجاهلية الجلندي، فادعى النبوة، وتابعه الجهلة من أهل عمان، فتغلب عليها وقهر جيفرا وعبادا وألجأهما إلى أطرافها من نواحي الجبال والبحر، فبعث جيفر إلى الصديق فأخبره الخبر واستجاشه، فبعث إليه الصديق بأميرين، وهما حذيفة بن محصن الحميري، وعرفجة البارقي من الأزد، حذيفة إلى عمان، وعرفجة إلى مهرة، وأمرهما أن يجتمعا ويتفقا ويبتدئا بعمان، وحذيفة هو الأمير، فإذا ساروا إلى بلاد مهرة فعرفجة الأمير.
ثم كتب الصديق لخالد بن الوليد بعد أن قهر مسيلمة: لا أرينك ولا أسمعن بك إلا بعد بلاء، وأمره أن يلحق بحذيفة وعرفجة إلى عمان، وكل منكم أمير على جيشه، وحذيفة ما دمتم بعمان فهو أمير الناس، فإذا فرغتم فاذهبوا إلى مهرة، فإذا فرغتم منها فاذهب إلى اليمن وحضرموت، فكن مع المهاجر بن أبي أمية، ومن لقيته من المرتدة بين عمان إلى حضرموت واليمن، فنكل به، فلما وصلوا إليهم كان الفتح والنصر، فولى المشركون مدبرين، وركب المسلمون ظهورهم، فقتلوا منهم عشرة آلاف مقاتل وسبوا الذراري، وأخذوا الأموال والسوق بحذافيرها، وبعثوا بالخمس إلى الصديق -رضي الله عنه.
بعث الصديق خالد بن الوليد إلى قتال مسيلمة الكذاب وقومه من بني حنيفة باليمامة، وأوعب معه المسلمون، وعلى الأنصار ثابت بن قيس بن شماس، فسار لا يمر بأحد من المرتدين إلا نكل بهم، وقد اجتاز بخيول لأصحاب سجاح فشردهم وأمر بإخراجهم من جزيرة العرب، وأردف الصديق خالدا بسرية لتكون ردءا له من ورائه، فلما سمع مسيلمة بقدوم خالد عسكر بمكان يقال له عقربا في طرف اليمامة، والريف وراء ظهورهم، وندب الناس وحثهم، فحشد له أهل اليمامة، فاصطدم المسلمون والكفار، فكانت جولة عظيمة وجعلت الصحابة يتواصون بينهم ويقولون: يا أصحاب سورة البقرة، بطل السحر اليوم، ودارت رحى المسلمين، وقد ميز خالد المهاجرين من الأنصار من الأعراب، وكل بني أب على رايتهم، يقاتلون تحتها، حتى يعرف الناس من أين يؤتون، وصبرت الصحابة في هذا الموطن صبرا لم يعهد مثله، ولم يزالوا يتقدمون إلى نحور عدوهم حتى فتح الله عليهم، وولى الكفار الأدبار، ودخل المسلمون الحديقة من حيطانها وأبوابها يقتلون من فيها من المرتدة من أهل اليمامة، حتى خلصوا إلى مسيلمة، فتقدم إليه وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم، فرماه بحربته فأصابه وخرجت من الجانب الآخر، وسارع إليه أبو دجانة سماك بن خرشة، فضربه بالسيف فسقط، فكان جملة من قتلوا في الحديقة وفي المعركة قريبا من عشرة آلاف مقاتل.
وقيل: أحد وعشرون ألفا، وقتل من المسلمين ستمائة، وقيل: خمسمائة.
اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عودته من حجة الوداع، حتى اشتد وجعه وهو في بيت ميمونة رضي الله عنها، فدعا نساءه فاستأذنهن في أن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها، قالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: «يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم».
واستغرق مرضه عشرة أيام، قال ابن حجر: (واختلف في مدة مرضه، فالأكثر على أنها ثلاثة عشر يوما، وقيل بزيادة يوم، وقيل بنقصه، وقيل: عشرة أيام.
وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه، وأخرجه البيهقي بإسناد صحيح).
ثم توفاه الله تعالى يوم الاثنين في الثاني عشر من ربيع الأول، وقد تم له من العمر 63 سنة، وكفن عليه الصلاة والسلام في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف، ليس فيها قميص ولا عمامة، وصلى الناس عليه أرسالا، ودفن في مكان موته في حجرة عائشة رضي الله عنها، وجزاه الله تعالى عن المسلمين خير ما جزى نبيا عن أمته.
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينص على الخليفة من بعده صراحة - وإن كانت هناك إشارات ودلالات من النبي صلى الله عليه وسلم على تولية أبي بكر -والله أعلم- ثم اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا رجلا منهم، وهو سعد بن عبادة، فحضر المهاجرون إليهم، وأخبرهم أبو بكر أن هذا الأمر يجب أن يكون في قريش، فهم أوسط العرب نسبا ودارا، ثم رشح عمر، أو أبا عبيدة للخلافة؛ ولكن عمر أبى إلا أن يبايع لأبي بكر، مبينا فضله وصحبته للنبي صلى الله عليه وسلم.
فبايعه عمر، ثم بايعه أهل السقيفة، ثم بايعه الناس في اليوم الثاني البيعة العامة، أما تخلف علي عن البيعة في السقيفة فكان لانشغاله بتجهيز وتكفين النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما يقال من أنه تأخر عن البيعة حتى وفاة فاطمة رضي الله عنها فليس له مستند صحيح، ويبعد أن يبقى ستة أشهر غير مبايع له وهو الذي أعانه وكان تحت إمرته كل تلك الفترة، وخاصة في حروب الردة، بل إن البيعة الثانية من علي لأبي بكر بعد وفاة فاطمة رضي الله عنهم كانت تأكيدا للبيعة الأولى وحسما لمادة الفتنة.
كان زيد بن حارثة قد استشهد في مؤتة، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو تلك الجهات جهز جيشا وأمر عليهم أسامة بن زيد بن حارثة، وأمره أن يصل إلى البلقاء، فتجهز الجيش وتعبأ، ولكن هذا الجيش لم ينفذ بسبب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما تولى أبو بكر الخلافة كان أول شيء فعله هو إنفاذ جيش أسامة وإرساله كما أراد النبي صلى الله عليه وسلم، ومع أن أبا بكر قد أشاروا عليه بعدم إرساله لكنه أبى إلا إنفاذ ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد إنفاذه، وشيعهم أبو بكر بنفسه ماشيا، وأوصى الجيش، وكان من آثار هذا الفعل من أبي بكر دلالة على بقاء قوة المسلمين وارتفاع معنوياتهم.
لم يلبث المسلمون بعد تحذير أبي بكر الصديق لهم من الأعراب المرتدين إلا ثلاثا، حتى طرقوا المدينة غارة، وخلفوا نصفهم بذي حسى ليكونوا ردءا لهم، فأرسل الحرس إلى أبي بكر يخبرونه بالغارة، فبعث إليهم: أن الزموا مكانكم، ثم ركب الصديق في أهل المدينة وأمراء الأنقاب، إلى من حول المدينة من الأعراب الذين أغاروا عليها، فما طلع الفجر إلا وهم والعدو في صعيد واحد، فما سمعوا للمسلمين حسا ولا همسا، حتى وضعوا فيهم السيوف، فما طلعت الشمس حتى ولوهم الأدبار، وغلبوهم على عامة ظهرهم، وكان أول الفتح، وذل بها المشركون، وعز بها المسلمون، ووثب بنو ذبيان وعبس على من فيهم من المسلمين فقتلوهم، وفعل من وراءهم كفعلهم، فحلف أبو بكر ليقتلن من كل قبيلة بمن قتلوا من المسلمين وزيادة، فكانت هذه الوقعة من أكبر العون على نصر الإسلام وأهله، وذلك أنه عز المسلمون في كل قبيلة، وذل الكفار في كل قبيلة، ورجع أبو بكر إلى المدينة مؤيدا منصورا، سالما غانما.
لما قدم أسامة بن زيد من بعثه للروم استخلفه أبو بكر على المدينة، وأمره ومن معه أن يريحوا ظهرهم، ثم ركب أبو بكر في الذين كانوا معه من المسلمين، فقالوا له: لو رجعت إلى المدينة وأرسلت رجلا، فقال: والله لا أفعل، ولأواسينكم بنفسي، فخرج في تعبئته النعمان وعبد الله وسويد بنو مقرن على ما كانوا عليه في الوقعة السابقة، حتى نزل على أهل الربذة بالأبرق، وهناك جماعة من بني عبس وذبيان، وطائفة من بني كنانة، فاقتتلوا، فهزم الله الحارث وعوفا، وأخذ الحطيئة أسيرا، فطارت بنو عبس وبنو بكر، وأقام أبو بكر على الأبرق أياما، وقد غلب بني ذبيان على البلاد، وقال: حرام على بني ذبيان أن يتملكوا هذه البلاد؛ إذ غنمناها الله، وحمى الأبرق بخيول المسلمين، وأرعى سائر بلاد الربذة، ولما فرت عبس وذبيان صاروا إلى مؤازرة طلحة وهو نازل على بزاخة.
سيدة نساء العالمين في زمانها، بنت سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية وأم الحسنين.
أمها خديجة بنت خويلد، ولدت قبل البعثة بقليل، وتزوجها علي بن أبي طالب بعد بدر، وقيل: بعد أحد, فولدت له الحسن والحسين ومحسنا وأم كلثوم وزينب.
وهي أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم، كانت من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومناقبها غزيرة، وكانت صابرة دينة خيرة صينة قانعة شاكرة لله توفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر أو نحوها، وهي أول أهل النبي صلى الله عليه وسلم لحوقا به.
وأوصت في وفاتها أن تغطى، فكانت أول امرأة يغطى نعشها في الإسلام، غسلها زوجها علي وأسماء بنت عميس وقد كانت تحت أبي بكر رضي الله عنهم، وصلى عليها علي، وقيل: العباس، وأوصت أن تدفن ليلا، ففعل ذلك بها، ونزل في قبرها علي والعباس، والفضل بن العباس.
انقطع نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا منها رضي الله عنها.
قدم خالد العراق لمساندة المثنى بأمر من أبي بكر ومعه عشرة آلاف مقاتل، ومع المثنى وأصحابه ثمانية آلاف، وجعل على مقدمته المثنى وبعده عدي بن حاتم، وجاء خالد بعدهما، وواعدهما الحفير ليصادموا عدوهم، وكان ذلك الفرج أعظم فروج فارس وأشدها شوكة، وكان صاحبه هرمز، وهو سيئ المجاورة للعرب، فكلهم عليه حنق، وكانوا يضربونه مثلا فيقولون: أكفر من هرمز, فلما سمع أنهم تواعدوا الحفير، سبقهم إليه ونزل به، وجعل على مقدمته قباذ وأنوشجان، وكانا من أولاد أردشير الأكبر، واقترنوا في السلاسل، لذلك سميت بذلك، فسمع بهم خالد، فمال بالناس إلى كاظمة، فسبقه هرمز إليها، وقدم خالد فنزل على غير ماء فقال له أصحابه في ذلك: ما تفعل؟ فقال لهم: لعمري ليصيرن الماء لأصبر الفريقين.
فحطوا أثقالهم، وتقدم خالد إلى الفرس فلاقاهم، وأرسل الله سحابة فأغدرت وراء صف المسلمين، فقويت قلوبهم، وخرج هرمز ودعا خالدا إلى البراز، وأوطأ أصحابه على الغدر بخالد، فبرز إليه خالد ومشى نحوه راجلا، ونزل هرمز أيضا وتضاربا، فاحتضنه خالد، وحمل أصحاب هرمز، فما شغله ذلك عن قتله، وحمل القعقاع بن عمرو فأزاحهم، وانهزم أهل فارس وركبهم المسلمون، وسميت الوقعة ذات السلاسل، ونجا قباذ وأنوشجان، وأخذ خالد سلب هرمز، وكانت قلنسوته بمائة ألف.
كان أهل فارس يجعلون قلانسهم على قدر أحسابهم فمن تم شرفه فقيمة قلنسوته مائة ألف، فكان هرمز ممن تم شرفه، وبعث خالد بالفتح والأخماس إلى أبي بكر.
عهد أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى زيد بن ثابت بجمع نصوص القرآن وخاصة بعد موت عدد كبير من حفظة القرآن في اليمامة، وكان هذا الأمر غير مقبول لدى الصحابة رضي الله عنهم في البداية، ولكن الله شرح صدورهم له كما شرح صدر أبي بكر له، فكلف أبو بكر زيد بن ثابت بمهمة الكتابة، فقال لزيد: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك, قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فتتبع القرآن فاجمعه.
فقلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: هو -والله- خير.
فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر, فكنت أتتبع القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال.
وكان الأمر شديدا على زيد لكنه قام بها خير قيام، فكان هذا الأمر أول جمع للقرآن، وبقي المصحف عند أبي بكر في خلافته.
فتح المسلمون بقيادة خالد بن الوليد بلدة أمغيشيا، وكانت مصرا كالحيرة، وقيل: اسمها منيشيا، وهي تقع على نهر الفرات، ولم يقع بأمغيشيا قتال، وإنما هجرها أهلها بعد هزيمة الفرس في أليس، فدخلها المسلمون فاتحين، وأصابوا فيها ما لم يصيبوا مثله لأن أهلها أعجلهم المسلمون أن ينقلوا أموالهم وأثاثهم وكراعهم وغير ذلك، بلغ سهم الفارس ألفا وخمسمائة، سوى النفل الذي نفله أهل البلاء, وأرسل إلى أبي بكر بالفتح والغنائم والسبي، وأخرب أمغيشيا.
فلما بلغ ذلك أبا بكر قال: عجز النساء أن يلدن مثل خالد.
قامت وقعة الولجة بين الفرس والمسلمين بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه، والولجة مكان في العراق، وسميت المعركة باسمه لوقوع الأحداث فيه, لما وقع الخبر بأردشير بمصاب قارن وأهل المذار، جند الملك جيشا عظيما من قبيلة بكر بن وائل والقبائل الأخرى الموالية له, تحت قيادة قائد مشهور منهم يدعى الأندرزغر, وكان فارسيا من مولدي السواد.
وأرسل بهمن جاذويه في إثره ليقود جيوش الملك, وحشر الأندرزغر من بين الحيرة وكسكر ومن عرب الضاحية, فلما اجتمع للأندرزغر ما أراد واستتم أعجبه ما هو فيه، وأجمع السير إلى خالد، ولما بلغ خالدا وهو بالقرب من نهر دجلة خبر الأندرزغر ونزوله الولجة، نادى بالرحيل، وخلف سويد بن مقرن، وأمره بلزوم الحفير، وتقدم إلى من خلف في أسفل دجلة، وأمرهم بالحذر وقلة الغفلة، وترك الاغترار، وخرج خالد سائرا في الجنود نحو الولجة، حتى نزل على الأندرزغر بالولجة، فاقتتلوا بها قتالا شديدا، حتى ظن الفريقان أن الصبر قد فرغ، واستبطأ خالد كمينه، وكان قد وضع لهم كمينا في ناحيتين، عليهم بسر بن أبي رهم، وسعيد بن مرة العجلي، فخرج الكمين في وجهين فانهزمت صفوف الأعاجم وولوا، فأخذهم خالد من بين أيديهم والكمين من خلفهم، وكانت الهزيمة كاملة؛ ففر الفرس وفر العرب الموالون لهم, بعد أن قتل وأسر منهم عددا عظيما, ومضى الأندرزغر منهزما, فمات عطشا في الفلاة, وبذل خالد الأمان للفلاحين؛ فعادوا وصاروا أهل ذمة, وسبى ذراري المقاتلة ومن أعانهم.
كتب هرمز إلى أردشير وشيرى بخبر مسير خالد إليه من اليمامة، فأمده بقارن بن قريانس، فخرج قارن من المدائن حتى إذا انتهى إلى المذار بلغته الهزيمة، فعسكر قارن وفلول الفرس بالمذار بالقرب من نهر دجلة، واستعمل على مجنبته قباذ وأنوشجان، ولما انتهى الخبر إلى خالد عن قارن قسم الفيء على من أفاءه الله عليه، ونفل من الخمس ما شاء الله، وبعث ببقيته وبالفتح إلى أبي بكر.
ثم خرج خالد سائرا حتى نزل المذار على قارن في جموعه، فالتقوا وخالد على تعبيته، فاقتتلوا على حنق وحفيظة، وخرج قارن يدعو للبراز، فبرز له خالد وأبيض الركبان معقل بن الأعشى فابتدراه، فسبقه إليه معقل فقتله، وقتل عاصم بن عمرو الأنوشجان، وقتل عدي بن حاتم قباذ, وقتلت فارس مقتلة عظيمة، فركب الفرس السفن، ومنعت المياه المسلمين من طلبهم، وأقام خالد بالمذار، وسلم الأسلاب لمن سلبها بالغة ما بلغت، وقسم الفيء، ونفل من الأخماس أهل البلاء، وبعث ببقية الأخماس، وقيل: قتل ليلة المذار ثلاثون ألفا سوى من غرق، ولولا المياه لأتي على آخرهم، ولم يفلت منهم من أفلت إلا عراة وأشباه العراة.
ثم أخذ خالد يسبي ذراري المقاتلة ومن أعانهم، وأقر الفلاحين ومن أجاب إلى الخراج من جميع الناس بعد ما دعوا، وكل ذلك أخذ عنوة ولكن دعوا إلى الجزاء، فأجابوا وتراجعوا، وصاروا أهل ذمة، وصارت أرضهم لهم.
وكان في السبي حبيب أبو الحسن -يعني أبا الحسن البصري- وكان نصرانيا.
كان الآزاذبة مرزبان الحيرة, فلما أخرب خالد أمغيشيا علم الآزاذبة أنه غير متروك، فأخذ في أمره وتهيأ لحرب خالد، لما توجه خالد إلى الحيرة وحمل الرحال والأثقال في السفن أرسل الآزاذبة ابنه ليقطع الماء عن السفن, فتعجل خالد في خيل نحو ابن الأزاذبة فلقيه على فرات بادقلى، فقتله وقتل أصحابه، وسار نحو الحيرة، فهرب منه الآزاذبة، وكان قد بلغه موت أردشير وقتل ابنه، فهرب بغير قتال، فتحصن أهل الحيرة فحصرهم في قصورهم.
دخل خالد الحيرة، وأمر بكل قصر رجلا من قواده يحاصر أهله ويقاتلهم، فعهد خالد إلى أمرائه أن يبدءوا بدعوته إحدى ثلاث، فإن قبلوا قبلوا منهم، وإن أبوا أن يؤجلوهم يوما، وقال: لا تمكنوا عدوكم من آذانكم فيتربصوا بكم الدوائر، ولكن ناجزوهم ولا ترددوا المسلمين عن قتال عدوهم.
فلما دعوهم أبوا إلا المنابذة, فنشب القتال وأكثر المسلمون القتل فيهم، فنادى القسيسون والرهبان: يا أهل القصور، ما يقتلنا غيركم.
فنادى أهل القصور: يا معشر العرب، قد قبلنا واحدة من ثلاث، فادعوا بنا وكفوا عنا حتى تبلغونا خالدا.
فخرج قائد من كل قصر، فأرسلوا إلى خالد، مع كل رجل منهم ثقة، ليصالح عليه أهل الحصن، فخلا خالد بأهل كل قصر منهم دون الآخرين، وقد حاور خالد بن الوليد أحد رؤسائهم وهو عمرو بن عبد المسيح ابن بقيلة، وكان مع خادمه كيس فيه سم، فأخذه خالد ونثره في يده وقال: لم تستصحب هذا؟ قال: خشيت أن تكونوا على غير ما رأيت، فكان الموت أحب إلي من مكروه أدخله على قومي.
لما أصاب خالد يوم الولجة ما أصاب من نصارى بكر بن وائل الذين أعانوا الفرس غضب لهم نصارى قومهم، فكاتبوا الفرس، واجتمعوا على أليس وعليهم عبد الأسود العجلي وكتب أردشير إلى بهمن جاذويه يأمره بالقدوم على نصارى العرب بأليس، فقدم بهمن جاذويه جابان إليهم، فاجتمع على جابان نصارى العرب من أهل الحيرة.
وكان خالد لما بلغه تجمع نصارى بكر وغيرهم سار إليهم ولا يشعر بدنو جابان.
فلما طلع جابان بأليس قالت العجم له: أنعاجلهم أم نغدي الناس ولا نريهم أنا نحفل بهم، ثم نقاتلهم؟ فقال جابان: إن تركوكم فتهاونوا بهم.
فعصوه وبسطوا الطعام، وانتهى خالد إليهم وحط الأثقال، فلما وضعت توجه إليهم، وطلب مبارزة عبد الأسود وابن أبجر ومالك بن قيس، فبرز إليه مالك من بينهم، فقتله خالد وأعجل الأعاجم عن طعامهم.
فقال لهم جابان: حيث لم تقدروا على الأكل فسموا الطعام، فإن ظفرتم فأيسر هالك، وإن كانت لهم هلكوا بأكله.
فلم يفعلوا، واقتتلوا قتالا شديدا، والمشركون يزيدهم ثبوتا توقعهم قدوم بهمن جاذويه، فصابروا المسلمين، فقال خالد: اللهم إن هزمتهم فعلي أن لا أستبقي منهم من أقدر عليه حتى أجري من دمائهم نهرهم.
فانهزمت فارس فنادى منادي خالد: الأسراء الأسراء، إلا من امتنع فاقتلوه.
فأقبل بهم المسلمون أسراء، ووكل بهم من يضرب أعناقهم يوما وليلة.
فقال له القعقاع وغيره: لو قتلت أهل الأرض لم تجر دماؤهم، فأرسل عليها الماء تبر يمينك، ففعل فسال النهر دما عبيطا، فلذلك سمي نهر الدم إلى اليوم، ووقف خالد على الطعام وقال للمسلمين: قد نفلتكموه، فتعشى به المسلمون، وجعل من لم ير الرقاق يقول: ما هذه الرقاق البيض؟
ركب خالد في جيوشه بعد فتح الحيرة حتى انتهى إلى الأنبار وعليها قائد يقال له: شيرزاذ، فأحاط بها خالد، وعليها خندق وحوله أعراب من قومهم على دينهم، واجتمع معهم أهل أرضهم، ولما تواجه الفريقان أمر خالد أصحابه فرشقوهم بالنبال حتى فقأوا منهم ألف عين، وسميت هذه الغزوة ذات العيون، فراسل شيرزاذ خالدا في الصلح، فاشترط خالد أمورا فامتنع شيرزاذ من قبولها، فتقدم خالد إلى الخندق فاستدعى بردايا الأموال من الإبل فذبحها حتى ردم الخندق بها وجاز هو وأصحابه فوقها، فلما رأى شيرزاذ ذلك أجاب إلى الصلح على الشروط التي اشترطها خالد، وسأله أن يرده إلى مأمنه فوفى له بذلك، وخرج شيرزاذ من الأنبار وتسلمها خالد، فنزلها واطمأن بها، وتعلم الصحابة ممن بها من العرب الكتابة العربية، ثم صالح خالد أهل البوازيج وكلواذى.
لما فرغ خالد بن الوليد من الأنبار واستحكمت له استخلف على الأنبار الزبرقان بن بدر، وقصد عين التمر، وبها يومئذ مهران بن بهرام جوبين في جمع عظيم من العجم، وعقة بن أبي عقة في جمع عظيم من العرب من النمر وتغلب وإياد ومن لاقاهم فلما سمعوا بخالد قال عقة لمهران: إن العرب أعلم بقتال العرب، فدعنا وخالد.
، قال: صدقت، لعمري لأنتم أعلم بقتال العرب، وإنكم لمثلنا في قتال العجم -فخدعه واتقى به- وقال: دونكموهم، وإن احتجتم إلينا أعناكم.
فقالت الأعاجم له: ما حملك على هذا؟ فقال: إن كانت له فهي لكم، وإن كانت الأخرى لم تبلغوا منهم حتى تهنوا، فنقاتلهم وقد ضعفوا.
فلزم مهران العين، ونزل عقة لخالد على الطريق، فقدم عليه خالد وهو في تعبئة جنده، فعبى خالد جنده وقال لمجنبتيه: اكفونا ما عنده، فإني حامل.
ووكل بنفسه حوامي، ثم حمل وعقة يقيم صفوفه، فاحتضنه فأخذه أسيرا، وانهزم صفه من غير قتال، فأكثروا فيهم الأسر، واتبعهم المسلمون، ولما جاء الخبر مهران هرب في جنده، وتركوا الحصن، ولما انتهت فلال عقة من العرب والعجم إلى الحصن اقتحموه واعتصموا به، وأقبل خالد في الناس حتى ينزل على الحصن ومعه عقة أسير، وعمرو بن الصعق، وهم يرجون أن يكون خالد كمن كان يغير من العرب، فلما رأوه يحاولهم سألوه الأمان، فأبى إلا على حكمه، وأمر خالد بعقة وكان خفير القوم فضربت عنقه ليوئس الأسراء من الحياة، ولما رآه الأسراء مطروحا على الجسر يئسوا من الحياة، ثم دعا بعمرو بن الصعق فضرب عنقه، وضرب أعناق أهل الحصن أجمعين، وسبى كل من حوى حصنهم، وغنم ما فيه، ووجد في بيعتهم أربعين غلاما يتعلمون الإنجيل، عليهم باب مغلق، فكسره عنهم، وقال: ما أنتم؟ قالوا: رهن، فقسمهم في أهل البلاء، منهم نصير أبو موسى بن نصير، وسيرين أبو محمد بن سيرين.
بعد أن انصرف خالد من عين التمر أقام بدومة الجندل فظن الفرس أنه قد غادر العراق متوجها إلى الجزيرة العربية مع القسم الأكبر من قواته، فأرادوا طرد قواته من العراق، واستعادة الأراضي التي فتحها المسلمون؛ فطمع الأعاجم، وكاتبهم عرب الجزيرة غضبا لعقة، فخرج زرمهر وروزبه يريدان الأنبار، واتعدا حصيدا والخنافس، فسمع القعقاع بن عمرو وهو خليفة خالد على الحيرة، فأرسل أعبد بن فدكي وأمره بالحصيد، وأرسل عروة بن الجعد البارقي إلى الخنافس، ورجع خالد من دومة إلى الحيرة وهو عازم على مصادمة أهل المدائن محلة كسرى، لكنه كره أن يفعل ذلك بغير إذن أبي بكر الصديق، وشغله ما قد اجتمع من جيوش الأعاجم مع نصارى الأعراب يريدون حربه، فبعث القعقاع بن عمرو أميرا على الناس، فالتقوا بمكان يقال له: الحصيد، وعلى العجم رجل منهم يقال له: روزبه، وأمده أمير آخر يقال له: زرمهر، فاقتتلوا قتالا شديدا، وهزم المشركون وقتل منهم المسلمون خلقا كثيرا، وقتل القعقاع بيده زرمهر، وقتل رجل يقال له: عصمة بن عبد الله الضبي روزبه.
وغنم المسلمون شيئا كثيرا، وهرب من هرب من العجم، فلجأوا إلى مكان يقال له: خنافس، فسار إليهم أبو ليلى بن فدكي السعدي، فلما أحسوا بذلك ساروا إلى المصيخ، وعندما وصل أبو ليلى إلى الخنافس وجدها خالية من الفرس، فأقام بها مدة، ثم أرسل إلى خالد بن الوليد ينهي إليه أنباء استيلائه على المدينة، ويخبره بفرار الفرس إلى المصيخ، فلما استقر الفرس بالمصيخ بمن معهم من الأعاجم والأعارب قصدهم خالد بن الوليد بمن معه من الجنود، وقسم الجيش ثلاث فرق، وأغار عليهم ليلا وهم نائمون فأنامهم، ولم يفلت منهم إلا اليسير فما شبهوا إلا بغنم مصرعة.
سار خالد بن الوليد رضي الله عنه بجيوشه المجتمعة إلى الفراض على تخوم الشام والعراق والجزيرة، وتعاون الفرس والروم ضد المسلمين, فأقام هنالك شهر رمضان مفطرا لشغله بالأعداء، ولما بلغ الروم أمر خالد ومصيره إلى قرب بلادهم حموا وغضبوا وجمعوا جموعا كثيرة، ثم ناهدوا خالدا فحالت الفرات بينهم، فقالت الروم لخالد: اعبر إلينا.
وقال خالد للروم: بل اعبروا أنتم.
فعبرت الروم إليهم، فاقتتلوا هنالك قتالا عظيما بليغا، ثم هزم الله جموع الروم وتمكن المسلمون من اقتفائهم، فقتل في هذه المعركة من الفرس والروم والعرب المتنصرة أكثر من مائة ألف، وأقام خالد بعد ذلك بالفراض عشرة أيام، ثم رتب لرجوع جيشه للحيرة، ثم اتجه مع بعض جنده للحج دون علم أحد بهم.
أقام خالد بن الوليد بالفراض عشرة أيام، ثم أذن بالقفول إلى الحيرة، لخمس بقين من ذي القعدة، وأمر عاصم بن عمرو أن يسير في المقدمة، وأمر شجرة بن الأعز أن يسير في الساقة، وأظهر خالد أنه يسير في الساقة, ثم انطلق في كوكبة من أصحابه، وقصد شطر المسجد الحرام، وسار إلى مكة في طريق لم يسلك قبله قط، وتأتى له في ذلك أمر لم يقع لغيره، فجعل يسير معتسفا على غير جادة، حتى انتهى إلى مكة فأدرك الحج, ثم عاد فأدرك أمر الساقة قبل أن يصلوا الحيرة، ولم يعلم أبو بكر الصديق بذلك أيضا إلا بعد ما رجع أهل الحج من الموسم، فبعث يعتب عليه في مفارقته الجيش، وأمره بالذهاب إلى الشام ممدا جموع المسلمين.
بعث رستم جيشا لقتال أبي عبيد بن مسعود الثقفي فالتقى الطرفان في النمارق بين الحيرة والقادسية، وكان على خيل المسلمين المثنى بن حارثة، فهزم الفرس وهربوا وساروا إلى كسكر فلحقهم أبو عبيد ثم هزمهم ثانية وفر الفرس إلى المدائن.
وجمع المسلمون الغنائم من كسكر، فرأوا من الأطعمة شيئا عظيما، فاقتسموه وجعلوا يطعمونه الفلاحين، وبعثوا بخمسه إلى عمر وكتبوا إليه: إن الله أطعمنا مطاعم كانت الأكاسرة يحمونها، وأحببنا أن تروها، ولتذكروا إنعام الله وإفضاله.
كان أبو بكر قد أمر خالد بن الوليد بعد أن انتهى من الفراض بالانتقال إلى الشام؛ لمساندة جيوش الفتح هناك، فسار خالد من الفراض حتى وصل اليرموك وجاء كتاب عمر بعد اليرموك: أن ابدؤوا بدمشق فإنها حصن الشام.
ولما وصلت جيوش المسلمين دمشق شددوا الحصار عليها سبعين يوما، طوقوها من جهاتها كلها، ومنعوا المدد إليها، فانكسرت حميتهم وفتحت المدينة بعد أن تم احتلال الغوطة منعا للإمدادات، وولي عليها يزيد بن أبي سفيان، ثم سار المسلمون إلى فحل، ثم إلى حمص، ثم إلى قنسرين واللاذقية وحلب.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أجلى اليهود من المدينة تباعا؛ وذلك لنقضهم العهود، واستثارتهم الفتن والحروب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجتمع دينان في أرض العرب).
وكانت اليهود قد استقرت في خيبر وما حولها بعد جلائهم من المدينة، وبقوا على ذلك حتى قام عمر بإجلائهم من خيبر إلى الشام عملا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأما نصارى نجران فقد أجلاهم عمر إلى الشام في سنة 17هـ لما كثر عددهم وعظم خطرهم على معقل الإسلام.
قام الصديق أبو بكر رضي الله عنه بعقد أربعة ألوية لفتح بلاد الشام بعد أن فرغ من حروب الردة، وجعل قيادتها لأبي عبيدة بن الجراح، ووجهته حمص، وعمرو بن العاص ووجهته فلسطين، وشرحبيل بن حسنة ووجهته الأردن، ويزيد بن أبي سفيان ووجهته دمشق.
وقد أدت هذه الجيوش دورها الفعال في مقاتلة الروم وانتصروا في مواقع كثيرة، وكان الروم في جميعها أكثر عددا وعدة.
لما رأى المسلمون مطاولة الروم لهم بالشام استمدوا أبا بكر، فكتب إلى خالد بن الوليد يأمره بالمسير إليهم وبالحث، وأن يأخذ نصف الناس ويستخلف على النصف الآخر المثنى بن حارثة الشيباني، ولا يأخذن من فيه نجدة إلا ويترك عند المثنى مثله، وإذا فتح الله عليهم رجع خالد وأصحابه إلى العراق.
اتجه خالد من العراق إلى الشام وفتح عددا من المدن، وصالح بعضها، وصل شرقي جبل حوران، ثم تدمر، ثم القريتين من أعمال حمص، ثم قاتل غسان في مرج راهط وانتصر عليهم، ثم سار إلى بصرى الشام وكانت أول مدينة افتتحها من بلاد الشام حتى بلغ جموع المسلمين في اليرموك، وكان مما مر به خالد مع جيشه مفازة بين قراقر وسوى لا ماء فيها ولا كلأ، الداخل فيها مفقود، والخارج منها مولود، لكن خالدا استعان بدليل يقال له: رافع بن عميرة الطائي، ساعده على تجاوز المفازة بسلام مع جيش قوامه تسعة آلاف مقاتل.
وقعت معركة "مرج الصفر" بين الروم بقيادة ماهان، والمسلمين بقيادة خالد بن سعيد، وذلك في بدايات فتح المسلمين لبلاد الشام، حيث أخذ خالد طريقه لمرج الصفر للهجوم على الروم مما أدى بقائدهم ماهان إلى أن ينحدر بجيشه حتى يستدرج جيوش المسلمين التي اتجهت إلى الجنوب ووصلت إلى مرج الصفر شرق بحيرة طبرية، واغتنم الروم على المسلمين الفرصة وأوقعوا بهم الهزيمة، وصادف ماهان سعيد بن خالد بن سعيد في كتيبة من العسكر فقتلهم وقتل سعيدا في مقدمتهم، وبلغ خالدا مقتل ابنه، ورأى نفسه قد أحيط به فخرج هاربا في كتيبة من أصحابه على ظهور الخيل والإبل، وقد نجح عكرمة بن أبي جهل في سحب بقية الجيش إلى حدود الشام، وانتهت المعركة بانتصار الروم.
هو أبو بكر الصديق عبد الله بن عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي.
وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأول الخلفاء الراشدين، من أوائل المصدقين للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به، بقي معه في مكة حتى هاجر معه فكان صاحبه في ذلك، قدمه النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة بالناس في مرض موته، أنفق في سبيل الله كل ماله، كان وزير النبي صلى الله عليه وسلم وصاحب مشورته، بايعه المسلمون على الخلافة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم كما هو مذكور، توفي أبو بكر الصديق بعد أن بقي خليفة مدة سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام، توفي بعد أن مرض، وقد قام خلال هذه المدة القصيرة برد المرتدين وحربهم والتي شملت أجزاء الجزيرة كلها، ثم كانت الحروب مع الفرس والروم حيث أظهرت قوة المسلمين وإمكاناتهم القتالية التي لا يستهان بها، دفن بجانب النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة، فكان مع صاحبه كما كان معه في الدنيا، فجزاه الله عن الأمة الإسلامية خيرا ورضي الله عنه وأرضاه.
لما مرض أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأحس بدنو أجله جمع عددا من الصحابة الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يشاورهم وعرض عليهم أن يؤمروا رجلا يرضونه في حياته؛ ولكنهم لم يستقروا على أمر، ثم بدأ يسأل الناس عن عمر بن الخطاب، ثم استقر رأيه على استخلاف عمر، فكتب بذلك كتابا نصه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين، أما بعد، فإني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، ولم آلكم خيرا منه.
وقال: اللهم إني استخلفت على أهلك خير أهلك.
وبلغ بذلك الناس، ورضوا به، فكانت تلك خلافة عمر رضي الله عنه.
بعد أن هزم الفرس في النمارق وما بعدها اجتمعوا إلى رستم فأرسل جيشا كثيفا ومعهم راية كسرى وراية أفريدون فالتقوا مع المسلمين وبينهم جسر فعبر أبو عبيد بن مسعود الثقفي الجسر إليهم وجرت المعركة، وكانت فيلة الفرس تؤذي المسلمين وتؤذي خيولهم، فقتل عدد من قادة المسلمين منهم أبو عبيد القائد، واستحر القتل في المسلمين فمضوا نحو الجسر فقطعه أحد المسلمين وقال: قاتلوا عن دينكم.
فاقتحم الناس الفرات فغرق ناس كثير، ثم عقد المثنى الجسر وعبر المسلمون واستشهد يومئذ من المسلمين ألف وثمانمائة، وقيل أربعة آلاف بين قتيل وغريق، وانحاز بالناس المثنى بن حارثة الشيباني.