سار خالد بن الوليد رضي الله عنه بجيوشه المجتمعة إلى الفراض على تخوم الشام والعراق والجزيرة، وتعاون الفرس والروم ضد المسلمين, فأقام هنالك شهر رمضان مفطرا لشغله بالأعداء، ولما بلغ الروم أمر خالد ومصيره إلى قرب بلادهم حموا وغضبوا وجمعوا جموعا كثيرة، ثم ناهدوا خالدا فحالت الفرات بينهم، فقالت الروم لخالد: اعبر إلينا.

وقال خالد للروم: بل اعبروا أنتم.

فعبرت الروم إليهم، فاقتتلوا هنالك قتالا عظيما بليغا، ثم هزم الله جموع الروم وتمكن المسلمون من اقتفائهم، فقتل في هذه المعركة من الفرس والروم والعرب المتنصرة أكثر من مائة ألف، وأقام خالد بعد ذلك بالفراض عشرة أيام، ثم رتب لرجوع جيشه للحيرة، ثم  اتجه مع بعض جنده للحج دون علم أحد بهم.


أقام خالد بن الوليد بالفراض عشرة أيام، ثم أذن بالقفول إلى الحيرة، لخمس بقين من ذي القعدة، وأمر عاصم بن عمرو أن يسير في المقدمة، وأمر شجرة بن الأعز أن يسير في الساقة، وأظهر خالد أنه يسير في الساقة, ثم انطلق في كوكبة من أصحابه، وقصد شطر المسجد الحرام، وسار إلى مكة في طريق لم يسلك قبله قط، وتأتى له في ذلك أمر لم يقع لغيره، فجعل يسير معتسفا على غير جادة، حتى انتهى إلى مكة فأدرك الحج, ثم عاد فأدرك أمر الساقة قبل أن يصلوا الحيرة، ولم يعلم أبو بكر الصديق بذلك أيضا إلا بعد ما رجع أهل الحج من الموسم، فبعث يعتب عليه في مفارقته الجيش، وأمره بالذهاب إلى الشام ممدا جموع المسلمين.


بعث رستم جيشا لقتال أبي عبيد بن مسعود الثقفي فالتقى الطرفان في النمارق بين الحيرة والقادسية، وكان على خيل المسلمين المثنى بن حارثة، فهزم الفرس وهربوا وساروا إلى كسكر فلحقهم  أبو عبيد  ثم هزمهم ثانية وفر الفرس إلى المدائن.

وجمع المسلمون الغنائم من كسكر، فرأوا من الأطعمة شيئا عظيما، فاقتسموه وجعلوا يطعمونه الفلاحين، وبعثوا بخمسه إلى عمر وكتبوا إليه: إن الله أطعمنا مطاعم كانت الأكاسرة يحمونها، وأحببنا أن تروها، ولتذكروا إنعام الله وإفضاله.


كان أبو بكر قد أمر خالد بن الوليد بعد أن انتهى من الفراض بالانتقال إلى الشام؛ لمساندة جيوش الفتح هناك، فسار خالد من الفراض حتى وصل اليرموك وجاء كتاب عمر بعد اليرموك: أن ابدؤوا بدمشق فإنها حصن الشام.

ولما وصلت جيوش المسلمين دمشق شددوا الحصار عليها سبعين يوما، طوقوها من جهاتها كلها، ومنعوا المدد إليها، فانكسرت حميتهم وفتحت المدينة بعد أن تم احتلال الغوطة منعا للإمدادات، وولي عليها يزيد بن أبي سفيان، ثم سار المسلمون إلى فحل، ثم إلى حمص، ثم إلى قنسرين واللاذقية وحلب.


كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أجلى اليهود من المدينة تباعا؛ وذلك لنقضهم العهود، واستثارتهم الفتن والحروب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجتمع دينان في أرض العرب).

وكانت اليهود قد استقرت في خيبر وما حولها بعد جلائهم من المدينة، وبقوا على ذلك حتى قام عمر بإجلائهم من خيبر إلى الشام عملا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأما نصارى نجران فقد أجلاهم عمر إلى الشام في سنة 17هـ لما كثر عددهم وعظم خطرهم على معقل الإسلام.


قام الصديق أبو بكر رضي الله عنه بعقد أربعة ألوية لفتح بلاد الشام بعد أن فرغ من حروب الردة، وجعل قيادتها لأبي عبيدة بن الجراح، ووجهته حمص، وعمرو بن العاص ووجهته فلسطين، وشرحبيل بن حسنة ووجهته الأردن، ويزيد بن أبي سفيان ووجهته دمشق.

وقد أدت هذه الجيوش دورها الفعال في مقاتلة الروم وانتصروا في مواقع كثيرة، وكان الروم في جميعها أكثر عددا وعدة.


لما رأى المسلمون مطاولة الروم لهم بالشام استمدوا أبا بكر، فكتب إلى خالد بن الوليد يأمره بالمسير إليهم وبالحث، وأن يأخذ نصف الناس ويستخلف على النصف الآخر المثنى بن حارثة الشيباني، ولا يأخذن من فيه نجدة إلا ويترك عند المثنى مثله، وإذا فتح الله عليهم رجع خالد وأصحابه إلى العراق.

اتجه خالد من العراق إلى الشام وفتح عددا من المدن، وصالح بعضها، وصل شرقي جبل حوران، ثم تدمر، ثم القريتين من أعمال حمص، ثم قاتل غسان في مرج راهط وانتصر عليهم، ثم سار إلى بصرى الشام وكانت أول مدينة افتتحها من بلاد الشام حتى بلغ جموع المسلمين في اليرموك، وكان مما مر به خالد مع جيشه مفازة بين قراقر وسوى لا ماء فيها ولا كلأ، الداخل فيها مفقود، والخارج منها مولود، لكن خالدا استعان بدليل يقال له: رافع بن عميرة الطائي، ساعده على تجاوز المفازة بسلام مع جيش قوامه تسعة آلاف مقاتل.


وقعت معركة "مرج الصفر" بين الروم بقيادة ماهان، والمسلمين بقيادة خالد بن سعيد، وذلك في بدايات فتح المسلمين لبلاد الشام، حيث أخذ خالد طريقه لمرج الصفر للهجوم على الروم مما أدى بقائدهم ماهان إلى أن ينحدر بجيشه حتى يستدرج جيوش المسلمين التي اتجهت إلى الجنوب ووصلت إلى مرج الصفر شرق بحيرة طبرية، واغتنم الروم على المسلمين الفرصة وأوقعوا بهم الهزيمة، وصادف ماهان سعيد بن خالد بن سعيد في كتيبة من العسكر فقتلهم وقتل سعيدا في مقدمتهم، وبلغ خالدا مقتل ابنه، ورأى نفسه قد أحيط به فخرج هاربا في كتيبة من أصحابه على ظهور الخيل والإبل، وقد نجح عكرمة بن أبي جهل في سحب بقية الجيش إلى حدود الشام، وانتهت المعركة بانتصار الروم.


هو أبو بكر الصديق عبد الله بن عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي.

وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأول الخلفاء الراشدين، من أوائل المصدقين للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به، بقي معه في مكة حتى هاجر معه فكان صاحبه في ذلك، قدمه النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة بالناس في مرض موته، أنفق في سبيل الله كل ماله، كان وزير النبي صلى الله عليه وسلم وصاحب مشورته، بايعه المسلمون على الخلافة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم كما هو مذكور، توفي أبو بكر الصديق بعد أن بقي خليفة مدة سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام، توفي بعد أن مرض، وقد قام خلال هذه المدة القصيرة برد المرتدين وحربهم والتي شملت أجزاء الجزيرة كلها، ثم كانت الحروب مع الفرس والروم حيث أظهرت قوة المسلمين وإمكاناتهم القتالية التي لا يستهان بها، دفن بجانب النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة، فكان مع صاحبه كما كان معه في الدنيا، فجزاه الله عن الأمة الإسلامية خيرا ورضي الله عنه وأرضاه.


لما مرض أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأحس بدنو أجله جمع عددا من الصحابة الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يشاورهم وعرض عليهم أن يؤمروا رجلا يرضونه في حياته؛ ولكنهم لم يستقروا على أمر، ثم بدأ يسأل الناس عن عمر بن الخطاب، ثم استقر رأيه على استخلاف عمر، فكتب بذلك كتابا نصه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين، أما بعد، فإني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، ولم آلكم خيرا منه.

وقال: اللهم إني استخلفت على أهلك خير أهلك.

وبلغ بذلك الناس، ورضوا به، فكانت تلك خلافة عمر رضي الله عنه.


بعد أن هزم الفرس في النمارق وما بعدها اجتمعوا إلى رستم فأرسل جيشا كثيفا ومعهم راية كسرى وراية أفريدون  فالتقوا مع المسلمين وبينهم جسر فعبر أبو عبيد بن مسعود الثقفي الجسر إليهم وجرت المعركة، وكانت فيلة الفرس تؤذي المسلمين وتؤذي خيولهم، فقتل عدد من قادة المسلمين منهم أبو عبيد القائد، واستحر القتل في المسلمين فمضوا نحو الجسر فقطعه أحد المسلمين وقال: قاتلوا عن دينكم.

فاقتحم الناس الفرات فغرق ناس كثير، ثم عقد المثنى الجسر وعبر المسلمون واستشهد يومئذ من المسلمين ألف وثمانمائة، وقيل أربعة آلاف بين قتيل وغريق، وانحاز بالناس المثنى بن حارثة الشيباني.


بعد أن تولى المثنى بن حارثة قيادة المسلمين وكان عمر رضي الله عنه يمده بالمقاتلين، التقى المثنى مع الفرس في البويب قرب الكوفة، وطلبت الفرس أن يعبر المسلمون إليهم، أو أن يعبروا هم إليهم، فاختار المثنى  أن يعبر الفرس فعبروا, وجرت معركة عنيفة هزم فيها الفرس هزيمة منكرة، وقتل منهم الكثير قتلا أو غرقا في النهر، وقتل فيها قائد الفرس مهران.