عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَأْكُلُ جُمَّارًا فَقَالَ : " إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ كَالرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ " . فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ : هِيَ النَّخْلَةُ ، فَنَظَرْتُ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَإِذَا أَنَا أَحْدَثُهُمُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هِيَ النَّخْلَةُ "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ النَّاقِدُ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَلَّافُ ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ يَأْكُلُ جُمَّارًا فَقَالَ : إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ كَالرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ . فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ : هِيَ النَّخْلَةُ ، فَنَظَرْتُ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَإِذَا أَنَا أَحْدَثُهُمُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : هِيَ النَّخْلَةُ قَوْلُهُ : لَا يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا يَعْنِي : لَا يَتَسَاقَطُ كَمَا يَتَسَاقَطُ وَرَقُ الشَّجَرِ ، وَوَرَقُهَا : خُوصُهَا ، وَأَصْلُ الْحَتِّ : الْفَرْكُ قَالَ الشَّاعِرُ : تَحُتُّ بِقَرْنَيْهَا بَرِيرُ أَرَاكَةٍ وَتَعْطُو بَظَلْفَيْهَا إِذَا الْغُضْنُ طَالَهَا وَسَمَّى الْخُوصَ وَرَقًا كَمَا سُمَّى النَّخْلَةَ شَجَرَةً . وَفِي هَذَا كَلَامٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ ، وَالنَّخْلَةُ سَيِّدَةُ الشَّجَرِ ، ضَرَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى مَثَلًا لِقَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَقَالَ {{ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ }} . وَمَثَّلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِالرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ الْقَوِيِّ فِي إِيمَانِهِ ، الْمُنْتَفِعِ بِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ . وَالْعَرَبُ تُعَظِّمُهَا وَيَكْثُرُ فِي أَشْعَارِهِمْ ذِكْرُهَا . وَزَعَمَ قَوْمٌ مِمَّنْ يَتَعَمَّقُ فِي الِاشْتِقَاقِ أَنَّ اسْمَهَا مُشْتَقٌّ مِنَ الِانْتِخَالِ ، وَهُوَ التَّصْفِيَةُ وَالِاخْتِبَارُ . قَالُوا : فَهِيَ صَفْوَةُ ، وَمُخْتَارُ الْمَعَاشِ . وَهَذَا قَوْلٌ نَادِرٌ شَاذُّ . تَقُولُ : نَخَلْتُ الشَّيْءَ إِذَا صَفَّيْتَهُ ، وَنَخَلْتُ الْكَلَامَ وَالشِّعْرَ إِذَا هَذَّبْتَهُ وَلَخَّصْتَهُ . قَالَ الشَّاعِرُ : تَنَخَّلْتُهَا مَدْحًا لِقَوْمٍ وَلَمْ أَكُنْ لِغَيْرِهِمْ فِيمَا مَضَى أَتَنَخَّلُ وَبِهِ سُمِّيَ الْمُتَنَخِّلُ الشَّاعِرُ ، وَيَقُولُ : أَشَدُّ مِنْ نَخْلَةٍ ، وَأَعْظَمُ بَرَكَةً مِنْ نَخْلَةٍ ، وَتُوصَفُ الْمَرْأَةُ الْجَزْلَةُ بِهَا ، وَتُوصَفُ الْفَرَسُ بِجِذْعِهَا ، وَالْقَمَرُ حِينَ يَبْدُوَ بِعُرْجُونِهَا ، وَيُشَبَّهُ الْخَلْقُ فِي تَمَامِهِ وَشَطَاطِهِ بِمَجَالِهَا ، وَيُسَمَّى طَلْعُهَا الْكَافُورُ ، وَجُمَّارُهَا الْإِغْرِيضُ - وَهُوَ الْفِضَّةُ ، وَيُقَالُ : إِنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَأْكُولِ أَنْظَفُ مِنْهَا . وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ يَصِفُ نِسْوَةً : كَلَامُهُنَّ أَقْتَلُ مِنَ النَّبْلِ ، وَأَوْقَعُ فِي الْقُلُوبِ مِنَ الْوَبْلِ فِي الْمَحْلِ ، وَفُرُوعُهُنَّ أَحْسَنُ مِنْ فُرُوعِ النَّخْلِ . وَقَالَ الشَّاعِرُ : كَأَنَّ فُرُوعَهُنَّ بِكُلِّ رِيحٍ عَذَارَى بِالذَّوَائِبِ يَنْتَصِينَا وَقَالَ الْعَرَجِيُّ : حَوْرَاءُ يَمْنَعُهَا الْقِيَامُ - إِذَا قَعَدَتْ - تَمَامُ الْخَلْقِ وَالْبُهْرُ كَالْعِذْقِ فِي رَأْسِ الْكَثِيبِ نَمَا طُولًا وَمَالَ بِفَرْعِهِ الْوِقْرُ وَقَالَ الْحَارِثُ الْمَخْزُومِيُّ : كَالْعِذْقِ زَعْزَعَهُ رِيَاحٌ حَرْجَفٌ فَاهْتَزَّ بَعْدَ فُرُوعِهِ قِنْوَانُهُ وَيُقَالُ فِي بُلُوغِ الْغَايَةِ فِي صَفَاءِ الشَّيْءِ وَلَيَانِهِ وَمُخِّهِ : مَا هُوَ إِلَّا جُمَّارَةٌ ، وَكَأَنَّهُ جُمَّارَةُ النَّخْلِ ، كَمَا قَالَ الْجُهَنِيُّ : أَنْتُمُ جُمَّارَةٌ مِنْ هَاشِمٍ وَالْكَرَانِيفُ سِوَاكُمْ وَالْحَطَبُ