عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَقُولُ اللَّهُ : الصَّوْمُ لِي , وَأَنَا أَجْزِي بِهِ , يَدَعُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ مِنْ أَجَلِي وَشَهْوَتَهُ لِي , وَالصَّوْمُ لِي , وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ "
حَدَّثَنَا بَكَّارٌ قَالَ : حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ سُلَيْمَانَ ، عَنْ ذَكْوَانَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : يَقُولُ اللَّهُ : الصَّوْمُ لِي , وَأَنَا أَجْزِي بِهِ , يَدَعُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ مِنْ أَجَلِي وَشَهْوَتَهُ لِي , وَالصَّوْمُ لِي , وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ , فَقَالَ قَائِلٌ : أَفَتَعُدُّونَ الصِّيَامَ مِنَ الْأَعْمَالِ ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ يَقُولُونَ : إِنَّ الصِّيَامَ لَيْسَ بِعَمَلٍ ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا هُوَ تَرْكُ أَشْيَاءَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُثِيبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَارِكَهَا عَلَى تَرْكِهِ إِيَّاهَا لَهُ مَا يُثِيبُهُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يُثِيبُ ذَوِي الْأَعْمَالِ الْمَحْمُودَةِ مَا يُثِيبُهُمْ عَلَيْهَا , وَالَّذِي قَالَ مِنْ ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ . وَقَدْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إِلَى أَنَّ هَذَا الصَّوْمَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَمَلًا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْعَمَلِ الْمَذْكُورِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ عَلَى مَا فِي الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِيهِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ , وَذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْعَمَلَ الْمَذْكُورَ فِيهَا هُوَ الْعَمَلُ مِنَ الصَّلَاةِ , وَمِنَ الذِّكْرِ وَمِمَّا أَشْبَهَ ذَلِكَ , وَأَنَّ الصِّيَامَ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِيمَا أُرِيدَ بِهِ فِيهَا إِذْ كَانَ لَيْسَ بِعَمَلٍ , وَالَّذِي قَالَ مِنْ ذَلِكَ مُحْتَمِلٌ لِمَا قَالَ . فَقَالَ قَائِلٌ فَإِنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْتَهُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ عَمَلٌ مِنَ الْأَعْمَالِ ; لِأَنَّ فِيهِ : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ فَإِنَّهُ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ , فَكَانَ الصَّوْمُ مُسْتَثْنًى مِنَ الْأَعْمَالِ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْهَا . فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ : إِلَّا الصِّيَامُ فَإِنَّهُ لِي لَيْسَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَلَكِنَّهُ بِمَعْنَى وَلَكِنَ الصِّيَامَ هُوَ لِي , وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ; لِأَنَّ إِلَّا قَدْ تَكُونُ فِي مَوْضِعِ لَكِنْ , وَيَكُونُ مَعْنَاهَا بِخِلَافِ مَعْنَى إِلَّا فِي مَوْضِعِ الِاسْتِثْنَاءِ ؛ وَقَدْ جَاءَ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {{ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ }} . فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ , وَلَكِنَّهُ فِي مَوْضِعٍ , وَلَكِنْ {{ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ }} وَ إِلَّا الَّتِي هِيَ اسْتِثْنَاءٌ كَقَوْلِهِ : {{ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ }} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ , وَالْعَلَامَةُ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا اخْتِلَافُ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ بَعْدَ الْمَذْكُورِ بِإِلَّا خَبَرٌ فَهُوَ بِمَعْنَى لَكِنْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ }} وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَبَرٌ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ كَمَا قَدْ تَلَوْنَا فِي وَالْعَصْرِ , وَاللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ