عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ , مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا , وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا رَضِيَ مِنَ الْبَيْعِ "
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، قَالَ : ثنا عَفَّانَ ، قَالَ : ثنا هَمَّامٌ ، قَالَ : ثنا قَتَادَةُ ، قَالَ : ثنا الْحَسَنُ ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ , مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا , وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا رَضِيَ مِنَ الْبَيْعِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا . فَقَالَ قَوْمٌ : هَذَا عَلَى الِافْتِرَاقِ بِأَقْوَالٍ , فَإِذَا قَالَ الْبَائِعُ : قَدْ بِعْتُ مِنْكَ ، قَالَ الْمُشْتَرِي : قَدْ قَبِلْتُ ، فَقَدْ تَفَرَّقَا وَانْقَطَعَ خِيَارُهُمَا . وَقَالُوا : الَّذِي كَانَ لَهُمَا مِنَ الْخِيَارِ , هُوَ مَا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُبْطِلَ قَوْلَهُ لِلْمُشْتَرِي : قَدْ بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، قَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي . فَإِذَا قِبَلَ الْمُشْتَرِي , فَقَدْ تَفَرَّقَ هُوَ وَالْبَائِعُ , وَانْقَطَعَ الْخِيَارُ . وَقَالُوا : هَذَا كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الطَّلَاقِ فَقَالَ {{ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ }} . فَكَانَ الزَّوْجُ إِذَا قَالَ لِلْمَرْأَةِ : قَدْ طَلَّقْتُكِ عَلَى كَذَا وَكَذَا ، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ : قَدْ قَبِلْتُ ، فَقَدْ بَانَتْ , وَتَفَرَّقَا بِذَلِكَ الْقَوْلِ , وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا . قَالُوا : فَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ : قَدْ بِعْتُكَ عَبْدِي هَذَا , بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي : قَدْ قَبِلْتُ ، فَقَدْ تَفَرَّقَا بِذَلِكَ الْقَوْلِ , وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا . وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ , وَفَسَّرَ بِهَذَا التَّفْسِيرَ , مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ . وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ : الْفُرْقَةُ الَّتِي تَقْطَعُ الْخِيَارَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ , هِيَ الْفُرْقَةُ بِالْأَبْدَانِ , وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَالَ لِلرَّجُلِ : قَدْ بِعْتُكَ عَبْدِي هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَلِلْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ الْقَوْلِ , أَنْ يَقْبَلَ , مَا لَمْ يُفَارِقْ صَاحِبَهُ , فَإِذَا افْتَرَقَا , لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَقْبَلَ . قَالَ : وَلَوْلَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ جَاءَ , مَا عَلِمْنَا , مَا يَقْطَعُ مَا لِلْمُخَاطَبِ , مِنْ قَبُولِ الْمُخَاطَبَةِ الَّتِي خَاطَبَهُ بِهَا صَاحِبُهُ , وَأَوْجَبَ لَهُ بِهَا الْبَيْعَ . فَلَمَّا جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ , عَلِمْنَا أَنَّ افْتِرَاقَ أَبْدَانِهِمَا بَعْدَ الْمُخَاطَبَةِ بِالْبَيْعِ , يَقْطَعُ قَبُولَ تِلْكَ الْمُخَاطَبَةِ . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا التَّفْسِيرُ , عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ . قَالَ عِيسَى : وَهَذَا أَوْلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ تَفْسِيرُ تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ , لِأَنَّا رَأَيْنَا الْفُرْقَةَ الَّتِي لَهَا حُكْمٌ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ , هِيَ الْفُرْقَةُ فِي الصَّرْفِ , فَكَانَتْ تِلْكَ الْفُرْقَةُ إِنَّمَا يَجِبُ بِهَا فَسَادُ عَقْدٍ مُتَقَدِّمٍ , وَلَا يَجِبُ بِهَا صَلَاحُهُ . فَكَانَتْ هَذِهِ الْفُرْقَةُ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ , إِذَا جَعَلْنَاهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا , فَسَدَ بِهَا مَا كَانَ تَقَدَّمَ مِنْ عَقْدِ الْمُخَاطَبِ . وَإِنْ جَعَلْنَاهَا عَلَى مَا قَالَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْفُرْقَةَ بِالْأَبْدَانِ يَتِمُّ بِهَا الْبَيْعُ , كَانَتْ بِخِلَافِ فُرْقَةِ الصَّرْفِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَصْلٌ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ , لِأَنَّ الْفُرْقَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا , إِنَّمَا يَفْسُدُ بِهَا مَا تَقَدَّمَهَا , إِذَا لَمْ يَكُنْ تَمَّ , حَتَّى كَانَتْ . فَأَوْلَى الْأَشْيَاءِ بِنَا أَنْ نَجْعَلَ هَذِهِ الْفُرْقَةَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا , كَالْفُرْقَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا , فَيُجْبَرُ بِهَا فَسَادُ مَا قَدْ تَقَدَّمَهَا , مِمَّا لَمْ يَكُنْ تَمَّ , حَتَّى كَانَتْ , فَثَبَتَ بِذَلِكَ , مَا ذَكَرْنَا . وَقَالَ آخَرُونَ : هَذِهِ الْفُرْقَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ , هِيَ عَلَى الْفُرْقَةِ بِالْأَبْدَانِ , فَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ , حَتَّى تَكُونَ , فَإِذَا كَانَتْ , تَمَّ الْبَيْعُ . وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ , بِأَنَّ الْخَبَرَ , أَطْلَقَ ذِكْرَ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَقَالَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ , مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا . قَالُوا : فَهُمَا قَبْلَ الْبَيْعِ مُتَسَاوِمَانِ , فَإِذَا تَبَايَعَا , صَارَا مُتَبَايِعَيْنِ , فَكَانَ اسْمُ الْبَائِعِ , لَا يَجِبُ لَهُمَا إِلَّا بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَجِبْ لَهُمَا الْخِيَارُ . وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ أَيْضًا , بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَايَعَ رَجُلًا شَيْئًا , فَأَرَادَ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ , قَامَ فَمَشَى , ثُمَّ رَجَعَ . قَالُوا : وَهُوَ قَدْ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَوْلَهُ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ , وَعَلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَتِمُّ بِذَلِكَ . فَدَلَّ مَا ذَكَرْنَا , عَلَى أَنَّ مُرَادَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا . وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ , فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ , وَبِقَوْلِهِ لِلرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَيْهِ : مَا أَرَاكُمَا تَفَرَّقْتُمَا ، فَكَانَ ذَلِكَ التَّفَرُّقُ عِنْدَهُ هُوَ التَّفَرُّقَ بِالْأَبْدَانِ , وَلَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ عِنْدَهُ , قَبْلَ ذَلِكَ التَّفَرُّقِ . فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ عِنْدَنَا عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ , لِأَهْلِ الْمَقَالَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ , أَنَّ مَا ذَكَرُوا مِنْ قَوْلِهِمْ : لَا يَكُونَانِ مُتَبَايِعَيْنِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَتَعَاقَدَا الْبَيْعَ , وَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ مُتَسَاوِمَانِ غَيْرُ مُتَبَايِعَيْنِ ، فَذَلِكَ إِغْفَالٌ مِنْهُمْ لِسَعَةِ اللُّغَةِ , لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا سُمِّيَا مُتَبَايِعَيْنِ , لِقُرْبِهِمَا مِنَ التَّبَايُعِ , وَإِنْ لَمْ يَكُونَا تَبَايَعَا , وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي اللُّغَةِ قَدْ سُمِّيَ إِسْحَاقُ أَوْ إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ , ذَبِيحًا لِقُرْبِهِ مِنَ الذَّبْحِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذُبِحَ . فَكَذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَى الْمُتَسَاوِمَيْنِ , اسْمُ الْمُتَبَايِعَيْنِ , إِذَا قَرُبَا مِنَ الْبَيْعِ , وَإِنْ لَمْ يَكُونَا تَبَايَعَا . وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَا يَسُومُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَقَالَ لَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ . فَلَمَّا سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمُسَاوِمَ الَّذِي قَدْ قَرُبَ مِنَ الْبَيْعِ , مُتَبَايِعًا , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ عَقْدِهِ الْبَيْعَ , احْتَمَلَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ الْمُتَسَاوِمَانِ , سَمَّاهُمَا مُتَبَايِعَيْنِ , لِقُرْبِهِمَا مِنَ الْبَيْعِ , وَإِنْ لَمْ يَكُونَا عَقَدَا عُقْدَةَ الْبَيْعِ , فَهَذِهِ مُعَارَضَةٌ صَحِيحَةٌ . وَأَمَّا مَا ذَكَرُوا , عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا , مِنْ فِعْلِهِ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ , عَلَى مُرَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْفُرْقَةِ , فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ يَحْتَمِلُ عِنْدَنَا مَا قَالُوا , وَيَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ . قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا , أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْفُرْقَةُ , الَّتِي سَمِعَهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَا هِيَ ؟ فَاحْتَمَلَتْ عِنْدَهُ الْفُرْقَةَ بِالْأَبْدَانِ , عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ . وَاحْتَمَلَتْ عِنْدَهُ الْفُرْقَةَ بِالْأَبْدَانِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ , الَّتِي ذَهَبَ إِلَيْهَا عِيسَى . وَاحْتَمَلَتْ عِنْدَهُ الْفُرْقَةَ بِالْأَقْوَالِ , عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْآخَرُونَ , وَلَمْ يَحْضُرْهُ دَلِيلٌ يَدُلُّهُ أَنَّهُ بِأَحَدِهَا أَوْلَى مِنْهُ بِمَا سِوَاهُ مِنْهَا , فَفَارَقَ بَائِعَهُ بِبَدَنِهِ , احْتِيَاطًا . وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ , لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ , يَرَى أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِذَلِكَ , وَهُوَ يَرَى أَنَّ الْبَيْعَ يَتِمُّ بِغَيْرِهِ . فَأَرَادَ أَنْ يَتِمَّ الْبَيْعُ فِي قَوْلِهِ وَقَوْلِ مُخَالِفِهِ , حَتَّى لَا يَكُونَ لِبَائِعِهِ نَقْضُ الْبَيْعِ عَلَيْهِ , فِي قَوْلِهِ , وَلَا فِي قَوْلِ مُخَالِفِهِ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ , مَا يَدُلُّ أَنَّ رَأْيَهُ فِي الْفُرْقَةِ , كَانَ بِخِلَافِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ ذَهَبَ , إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَتِمُّ بِهَا