جَاءَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِمَائِدَةٍ عَلَيْهَا رُطَبٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ ؟ قَالَ : صَدَقَةٌ عَلَيْكَ وَعَلَى أَصْحَابِكَ . قَالَ : " ارْفَعْهَا فَإِنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ " . فَرَفَعَهَا , فَجَاءَهُ مِنَ الْغَدِ بِمِثْلِهِ , فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ : " مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ ؟ " قَالَ هَدِيَّةٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : انْبَسِطُوا " .
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْخُرَاسَانِيُّ , قَالَ : ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ , قَالَ : ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ , قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : جَاءَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِمَائِدَةٍ عَلَيْهَا رُطَبٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ ؟ قَالَ : صَدَقَةٌ عَلَيْكَ وَعَلَى أَصْحَابِكَ . قَالَ : ارْفَعْهَا فَإِنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ . فَرَفَعَهَا , فَجَاءَهُ مِنَ الْغَدِ بِمِثْلِهِ , فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ ؟ قَالَ هَدِيَّةٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : انْبَسِطُوا . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَهَذِهِ الْآثَارُ كُلُّهَا قَدْ جَاءَتْ بِتَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ , وَلَا نَعْلَمُ شَيْئًا نَسَخَهَا وَلَا عَارَضَهَا إِلَّا مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ , مِمَّا لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مُخَالَفَتِهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : تِلْكَ الصَّدَقَةُ , إِنَّمَا هِيَ الزَّكَاةُ خَاصَّةً , فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الصَّدَقَاتِ فَلَا بَأْسَ بِهِ . قِيلَ لَهُ : فِي هَذِهِ الْآثَارِ مَا قَدْ دَفَعَ مَا ذَهَبْتَ إِلَيْهِ ، وَذَلِكَ مَا فِي حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ إِذَا أُتِيَ بِالشَّيْءِ سَأَلَ أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ ؟ فَإِنْ قَالُوا صَدَقَةٌ , قَالَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا وَاسْتَغْنَى بِقَوْلِ الْمَسْئُولِ إِنَّهُ صَدَقَةٌ عَنْ أَنْ يَسْأَلَهُ صَدَقَةٌ مِنْ زَكَاةٍ , أَمْ غَيْرِ ذَلِكَ ؟ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ سَائِرِ الصَّدَقَاتِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ . وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : فَجِئْتُ فَقَالَ : أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ , فَقُلْتُ : بَلْ صَدَقَةٌ , لِأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ قَوْمٌ فُقَرَاءُ فَامْتَنَعَ مِنْ أَكْلِهَا لِذَلِكَ , وَإِنَّمَا كَانَ سَلْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ عَبْدًا , مِمَّنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةٌ . فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كُلَّ الصَّدَقَاتِ مِنَ التَّطَوُّعِ وَغَيْرِهِ قَدْ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَعَلَى سَائِرِ بَنِي هَاشِمٍ . وَالنَّظَرُ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى اسْتِوَاءِ حُكْمِ الْفَرَائِضِ وَالتَّطَوُّعِ فِي ذَلِكَ , وَذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَا غَيْرَ بَنِي هَاشِمٍ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ ، فِي الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَالتَّطَوُّعِ ، سَوَاءٌ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُ صَدَقَةٍ مَفْرُوضَةٍ , حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُ صَدَقَةٍ غَيْرِ مَفْرُوضَةٍ . فَلَمَّا حَرُمَ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ أَخْذُ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ , حَرُمَ عَلَيْهِمْ أَخْذُ الصَّدَقَاتِ غَيْرِ الْمَفْرُوضَاتِ . فَهَذَا هُوَ النَّظَرُ فِي هَذَا الْبَابِ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى . وَقَدِ اخْتُلِفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ , فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَا بَأْسَ بِالصَّدَقَاتِ كُلِّهَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ . وَذَهَبَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا إِلَى أَنَّ الصَّدَقَاتِ إِنَّمَا كَانَتْ حَرُمَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مَا جُعِلَ لَهُمْ فِي الْخُمُسِ مِنْ سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى . فَلَمَّا انْقَطَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ وَرَجَعَ إِلَى غَيْرِهِمْ , بِمَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، حَلَّ لَهُمْ بِذَلِكَ مَا قَدْ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مَا قَدْ كَانَ أُحِلَّ لَهُمْ . وَقَدْ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ , عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ , مِثْلَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ , فَبِهَذَا نَأْخُذُ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : أَفَتَكْرَهُهَا عَلَى مَوَالِيهِمْ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ , لِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ , وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْإِمْلَاءِ , وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : أَفَتَكْرَهُ لِلْهَاشِمِيِّ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى الصَّدَقَةِ ؟ قُلْتُ : لَا . فَإِنْ قَالَ : وَلِمَ , وَفِي حَدِيثِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَالْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْتُ مَنْعُ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِيَّاهُمَا مِنْ ذَلِكَ ؟ قُلْتُ : مَا فِيهِ مَنْعٌ مِنْ ذَلِكَ , لِأَنَّهُمْ سَأَلُوهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ , لِيَسُدُّوا بِذَلِكَ فَقْرَهُمْ , فَسَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقْرَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ . وَقَدْ يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِمَنْعِهِمْ أَنْ يُؤَكِّلَهُمْ عَلَى الْعَمَلِ عَلَى أَوْسَاخِ النَّاسِ , لَا لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ , لِاجْتِعَالِهِمْ مِنْهُ عِمَالَتَهُمْ عَلَيْهِ . وَقَدْ وَجَدْنَا مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا