• 2583
  • حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ حَدِيثَهُ مِنْ فِيهِ ، قَالَ : كُنْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا : جِيُّ ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ أُرْضِهِ ، وَكُنْتُ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَيْهِ ، فَمَا زَالَ فِي حُبِّهِ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي الْبَيْتِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ ، قَالَ : فَاجْتَهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَاطِنَ النَّارِ الَّتِي نُوقِدُهَا لَا نَتْرُكُهَا تَخْبُو ، وَكَانَتْ لِأَبِي ضَيْعَةٌ فِي بَعْضِ عَمَلِهِ ، وَكَانَ يُعَالِجُ بُنْيَانًا لَهُ فِي دَارِهِ ، فَدَعَانِي ، فَقَالَ : أَيْ بُنَيَّ إِنَّهُ قَدْ شَغَلَنِي بُنْيَانِي كَمَا تَرَى ، فَانْطَلِقْ إِلَى ضَيْعَتِي ، فَلَا تَحَبَّسَ عَلَيَّ ، فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ شَغَلَتْنِي عَنْ كُلِّ ضَيْعَةٍ ، وَكُنْتَ أَهَمَّ عِنْدِي مِمَّا أَنَا فِيهُ ، فَخَرَجْتُ ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ لِلنَّصَارَى ، فَسَمِعْتُ صَلَاتَهُمْ فِيهَا ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ ، فَلَمْ أَزَلْ عِنْدَهُمْ ، وَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنَ صَلَاتِهِمْ ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي : هَذَا خَيْرٌ مِنْ دِينِنَا الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ ، فَمَا بَرِحْتُهُمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ ، وَمَا ذَهَبْتُ إِلَى ضَيْعَةِ أَبِي وَلَا رَجَعْتُ إِلَيْهِ حَتَّى بَعَثَ الطَّلَبَ فِي أَثَرِي ، وَقَدْ قُلْتُ لِلنَّصَارَى حِينَ أَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنَ أَمْرِهِمْ وَصَلَاتِهُمْ : أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ ؟ قَالُوا : بِالشَّامِ ، قَالَ : ثُمَّ خَرَجْتُ ، فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِي ، فَقَالَ : أَيْ بُنَيَّ أَيْنَ كُنْتَ ؟ قَدْ كُنْتُ عَهِدْتُ إِلَيْكَ ، وَتَقَدَّمْتُ أَلَا تُحْتَبَسَ ، قَالَ : قُلْتُ : إِنِّي مَرَرْتُ عَلَى نَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ ، فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنَ أَمْرِهِمْ وَصَلَاتِهُمْ وَرَأَيْتُ أَنَّ دِينَهُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِنَا ، قَالَ : فَقَالَ لِي : أَيْ بُنَيَّ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْ دِينِهُمْ ، قَالَ : قُلْتُ : كَلَّا وَاللَّهِ ، قَالَ : فَخَافَنِي ، فَجَعَلَ فِي رِجْلِي حَدِيدًا ، وَحَبَسَنِي ، وَأَرْسَلْتُ إِلَى النَّصَارَى أُخْبِرُهُمْ أَنِّي قَدْ رَضِيتُ أَمَرَهُمْ ، وَقُلْتُ لَهُمْ : إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ فَآذِنُونِي ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنْهُمْ مِنَ التُّجَّارِ ، فَأَرْسَلُوا إِلَيَّ ، فَأَرْسَلَتُ إِلَيْهِمْ إِنْ أَرَادُوا الرُّجُوعَ فَآذِنُونِي ، فَلَمَّا أَرَادُوا الرُّجُوعَ أَرْسَلُوا إِلَيَّ ، فَرَمَيْتُ بِالْحَدِيدِ مِنْ رِجْلِي ، ثُمَّ خَرَجْتُ ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمْ إِلَى الشَّامِ ، فَلَمَّا قَدِمْتُ ، سَأَلْتُ عَنْ عَالِمِهِمْ ، فَقِيلَ لِي : صَاحِبُ الْكَنِيسَةِ أَسْقُفَهُمْ ، قَالَ : فَأَتَيْتُهُ ، فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي ، وَقُلْتُ : إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ أَخْدُمُكَ وَأُصَلِّي مَعَكَ وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ ، فَإِنِّي قَدْ رَغِبَتْ فِي دِينِكَ . قَالَ : أَقِمْ ، فَكُنْتُ مَعَهُ وَكَانَ رَجُلَ سُوءٍ فِي دِينِهِ ، وَكَانَ يَأْمُرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا ، فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ الْأَمْوَالَ اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلَالِ دَنَانِيرٍ وَدَرَاهِمَ ، ثُمَّ مَاتَ ، فَاجْتَمَعُوا لِيَدْفِنُوهُ ، قَالَ : قُلْتُ : تَعْلَمُونَ أَنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا كَانَ رَجُلَ سُوءٍ ، فَأَخْبَرْتُهُمْ مَا كَانَ يَصْنَعُ فِي صَدَقَتِهِمْ ، قَالَ : فَقَالُوا فَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ أَنَا أَدُلُّكُمُ عَلَى ذَلِكَ ، فَأَخْرَجْتُهُ ، فَإِذَا سَبْعُ قِلَالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا ، فَلَمَّا رَأَوْهَا ، قَالُوا : وَاللَّهِ لَا تُغَيِّبُهُ أَبَدًا ، ثُمَّ صَلَبُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ ، وَرَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ ، وَجَاءُوا بِآخَرَ ، فَجَعَلُوهُ مَكَانَهُ ، قَالَ سَلْمَانُ : فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا لَا يُصَلِّي الْخُمُسَ كَانَ خَيْرًا مِنْهُ أَعْظَمَ رَغْبَةً فِي الْآخِرَةِ وَلَا أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا ، وَلَا أَدْأَبَ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا مِنْهُ ، وَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا مَا عَلِمْتُ أَنِّي أَحْبَبْتُ شَيْئًا كَانَ قَبْلَهُ ، فَلَمَّا حَضَرَهُ قَدَرُهُ ، قُلْتُ لَهُ : إِنَّهُ قَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا تَرَى فَمَاذَا تَأْمُرُنِي , وَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي ؟ قَالَ : أَيْ بُنَيَّ مَا أَرَى أَحَدًا مِنَ النَّاسِ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ إِلَّا رَجُلًا بِالْمَوْصِلِ ، فَأَمَّا النَّاسُ فَقَدْ بَدَّلُوا وَهَلَكُوا ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَتَيْتُ صَاحِبَ الْمَوْصِلِ ، فَأَخْبَرْتُهُ بِعَهْدِهِ إِلَيَّ أَنْ أَلْحَقَ بِهِ وَأَكُونَ مَعَهُ ، قَالَ : أَقِمْ فَأَقَمْتُ مَعَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أُقِيمَ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ ، ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، فَقُلْتُ : إِنَّهُ قَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا تَرَى فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي ؟ قَالَ : أَيْ بُنَيَّ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا عَلَى أَمْرِنَا إِلَّا رَجُلًا بِنَصِيبِينَ ، وَهُوَ فُلَانٌ فَالْحَقْ بِهِ ، قَالَ : فَأَتَيْتُ عَلَى رَجُلٍ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَاحِبَاهُ ، فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي فَأَقَمْتُ مَعَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أُقِيمَ ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، قُلْتُ لَهُ : إِنَّ فُلَانًا كَانَ أَوْصَى بِي إِلَى فُلَانٍ ، وَفُلَانًا إِلَى فُلَانٍ ، وَفُلَانًا إِلَيْكَ ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي ؟ قَالَ : أَيْ بُنَيَّ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ عَلَى مَا نَحْنُ عَلَيْهِ إِلَّا رَجُلًا بِعَمُّورِيَّةَ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِهِ فَالْحَقْ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُّورِيَّةَ ، فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي وَخَبَرَ مَنْ أَوْصَى بِي حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : أَقِمْ ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ ، فَمَكَثْتُ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ وَثَّابَ لِي شَيْءٌ حَتَّى اتَّخَذْتُ بَقَرَاتٍ وَغَنِيمَةً ، ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِلَى مَنْ تُوصِي بِي ؟ فَقَالَ لِي : أَيْ بُنَيَّ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ أَصْبَحَ فِي الْأَرْضِ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ بِدَيْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنَفِيَّةِ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضِ مُهَاجَرِهِ وَقَرَارِهِ ذَاتِ نَخْلٍ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَخْلُصَ إِلَيْهِ فَاخْلُصْ وَإِنَّ بِهِ آيَاتٍ لَا تَخْفَى ، إِنَّهُ لَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ، وَهُوَ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ ، وَإِنَّ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ إِذَا رَأَيْتَهُ عَرَفْتَهُ ، قَالَ : وَمَاتَ فَمَرَّ بِي رَكْبٌ مِنْ كَلْبٍ ، فَسَأَلْتُهُمْ عَنْ بِلَادِهِمْ ، فَأَخْبَرُونِي عَنْهَا ، فَقُلْتُ : أُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغَنَمِي عَلَى أَنْ تَحْمِلُونِي حَتَّى تَقْدُمُوا بِي أَرْضَكُمْ . قَالُوا : نَعَمْ ، فَاحْتَمَلُونِي حَتَّى قَدِمُوا بِي وَادِي الْقُرَى ، فَظَلَمُونِي ، فَبَاعُونِي عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ ، فَرَأَيْتُ بِهَا النَّخْلَ وَطَمِعْتُ أَنْ تَكُونَ الْبَلْدَةَ الَّتِي وُصِفَتْ لِي ، وَمَا حَقَّتْ لِي ، وَلَكِنِّي قَدْ طَمِعْتُ حِينَ رَأَيْتُ النَّخْلَ ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ حَتَّى قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ يَهُودِ بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَابْتَاعَنِي مِنْهُ ، ثُمَّ خَرَجَ بِي حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ ، فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا ، فَعَرَّفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي وَأَيْقَنْتُ أَنَّهَا هِيَ الْبَلْدَةُ الَّتِي وُصِفَتْ لِي ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ أَعْمَلُ لَهُ فِي نَخْلِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَخَفِيَ عَلَيَّ أَمْرُهُ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، وَنَزَلَ بِقُبَاءَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَفِي رَأْسِ نَخْلَةٍ وَصَاحِبِي جَالِسٌ تَحْتِي إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ مِنْ بَنِي عَمِّهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : أَيْ فُلَانُ قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قَيْلَةَ ، إِنَّهُمْ آنِفًا لَيَتَقَاصَفُونَ عَلَى رَجُلٍ بِقُبَاءَ ، قَدِمَ مِنْ مَكَّةَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيُّ ، قَالَ : فَوَاللَّهِ إِنْ هُوَ إِلَّا أَنْ قَالَهَا ، فَأَخَذَتْنِي الْعُرَوَاءُ فَرَجِفَتِ النَّخْلَةُ حَتَّى ظَنَنْتُ لَأَسْقُطَنَّ عَلَى صَاحِبِي ، ثُمَّ نَزَلَتُ سَرِيعًا أَقُولُ : مَاذَا تَقُولُ ؟ مَا هَذَا الْخَبَرُ ؟ قَالَ : فَرَفَعَ سَيِّدِي يَدَهُ ، فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً ، ثُمَّ قَالَ : مَا لَكَ وَلِهَذَا ؟ أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ ، قُلْتُ : لَا شَيْءَ إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَثْبِتَهُ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ ، قَالَ : أَقْبِلْ عَلَى شَأْنِكَ ، قَالَ : فَأَقْبَلْتُ عَلَى عَمَلِي وَلَهِيتُ مِنْهُ ، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ جَمَعْتُ مَا كَانَ عِنْدِي ، ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِقُبَاءَ ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَقُلْتُ : إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ لَيْسَ بِيَدِكَ شَيْءٌ وَإِنَّ مَعَكَ أَصْحَابًا لَكَ وَأَنَّكُمْ أَهْلُ حَاجَةٍ وَغُرْبَةٍ ، وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ وَضَعْتُهُ لِلصَّدَقَةِ ، فَلَمَّا ذُكِرَ لِي مَكَانُكُمْ رَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ النَّاسِ بِهِ ، فَجَئْتُكُمْ بِهِ ، ثُمَّ وَضَعْتُهُ لَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُلُوا " ، وَأَمْسَكَ هُوَ ، قَالَ : قُلْتُ فِي نَفْسِي : هَذِهِ وَاللَّهِ وَاحِدَةٌ ، ثُمَّ رَجَعْتُ ، وَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَجَمَعْتُ شَيْئًا ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، وَقُلْتُ لَهُ : إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ، وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ أُحِبُّ أَنْ أُكْرِمَكَ بِهِ مِنْ هَدِيَّةٍ أَهْدَيْتُهَا كَرَامَةً لَكَ لَيْسَتْ بِصَدَقَةٍ ، فَأَكَلَ وَأَكَلَ أَصْحَابُهُ ، قَالَ : قُلْتُ فِي نَفْسِي : هَذِهِ أُخْرَى ، قَالَ : ثُمَّ رَجَعْتُ ، فَمَكَثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ ، فَوَجَدْتُهُ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ قَدْ تَبِعَ جَنَازَةً وَحَوْلَهُ أَصْحَابُهُ وَعَلَيْهِ شَمْلَتَانِ مُؤْتَزِرًا بِوَاحِدَةٍ مُرْتَدِيًا بِالْأُخْرَى ، قَالَ : فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ عَدَلْتُ لِأَنْظُرَ فِي ظَهْرِهِ ، فَعَرَفَ أَنِّي أُرِيدُ ذَلِكَ وَأَسْتَثْبِتُهُ ، قَالَ : فَقَالَ بِرِدَائِهِ ، فَأَلْقَاهُ عَنْ ظَهْرِهِ ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ كَمَا وَصَفَ لِي صَاحِبِي ، قَالَ : فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُ الْخَاتَمَ مِنْ ظَهْرِهِ وَأَبْكِي ، قَالَ : فَقَالَ : " تَحَوَّلْ عَنْكَ " ، فَتَحَوَّلْتُ ، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثِي كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ ، فَأَحَبَّ أَنْ يُسْمِعَهُ أَصْحَابَهُ ، ثُمَّ أَسْلَمْتُ وَشَغَلَنِي الرِّقُّ وَمَا كُنْتُ فِيهِ حَتَّى فَاتَنِي بَدْرٌ وَأُحُدٌ ، ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَاتِبْ " ، فَسَأَلْتُ صَاحِبِي ذَلِكَ فَلَمْ أَزَلْ حَتَّى كَاتَبَنِي عَلَى أَنْ أُحْيِيَ لَهُ بِثَلَاثِمِائَةِ نَخْلَةٍ وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ وَرِقٍ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَعِينُوا أَخَاكُمْ بِالنَّخْلِ " . فَأَعَانَنِي كُلُّ رَجُلٍ بِقَدْرِهِ بِالثَّلَاثِينَ وَالْعِشْرِينَ وَالْخُمُسَ عَشْرَةَ وَالْعَشْرَ ، ثُمَّ قَالَ : " يَا سَلْمَانُ اذْهَبْ فَفَقِّرْ لَهَا ، فَإِذَا أَنْتَ أَرَدْتَ أَنْ تَضَعَهَا فَلَا تَضَعْهَا حَتَّى تَأْتِيَنِي فَتُؤْذِنَنِي فَأَكُونَ أَنَا الَّذِي أَضَعُهَا بِيَدِي " ، فَقُمْتُ فِي تَفْقِيرِي فَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى فَقَّرْنَا شَرَبًا ثَلَاثَمِائَةِ شَرْبَةٍ ، وَجَاءَ كُلُّ رَجُلٍ بِمَا أَعَانَنِي بِهِ مِنَ النَّخْلِ ، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ، فَجَعَلَ يَضَعُهَا بِيَدِهِ وَجَعَلَ يُسَوِّي عَلَيْهَا شَرَبَهَا وَيُبَرِّكُ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا رَسُولُ اللَّهِ جَمِيعًا ، فَلَا وَالَّذِي نَفْسُ سُلَيْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَتْ مِنْهُ وَدِيَّةٌ وَبَقِيَتِ الدَّرَاهِمُ ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي أَصْحَابِهِ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنْ ذَهَبٍ ، أَصَابَهَا مِنْ بَعْضِ الْمَعَادِنِ ، فَتَصَدَّقَ بِهَا إِلَيْهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمِسْكِينُ الْمُكَاتَبُ ، ادْعُوهُ لِي " ، فَدُعِيتُ لَهُ ، فَجِئْتُ فَقَالَ : " اذْهَبْ بِهَذِهِ فَأَدِّهَا عَنْكَ مِمَّا عَلَيْكَ مِنَ الْمَالِ " . قَالَ : وَقُلْتُ : وَأَيْنَ يَقَعُ هَذَا مِمَّا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ، قَالَ : " إِنْ سَيُؤَدِّي عَنْكَ "

    أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ الْبُهْلُولِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ حَدِيثَهُ مِنْ فِيهِ ، قَالَ : كُنْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا : جِيُّ ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ أُرْضِهِ ، وَكُنْتُ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَيْهِ ، فَمَا زَالَ فِي حُبِّهِ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي الْبَيْتِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ ، قَالَ : فَاجْتَهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَاطِنَ النَّارِ الَّتِي نُوقِدُهَا لَا نَتْرُكُهَا تَخْبُو ، وَكَانَتْ لِأَبِي ضَيْعَةٌ فِي بَعْضِ عَمَلِهِ ، وَكَانَ يُعَالِجُ بُنْيَانًا لَهُ فِي دَارِهِ ، فَدَعَانِي ، فَقَالَ : أَيْ بُنَيَّ إِنَّهُ قَدْ شَغَلَنِي بُنْيَانِي كَمَا تَرَى ، فَانْطَلِقْ إِلَى ضَيْعَتِي ، فَلَا تَحَبَّسَ عَلَيَّ ، فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ شَغَلَتْنِي عَنْ كُلِّ ضَيْعَةٍ ، وَكُنْتَ أَهَمَّ عِنْدِي مِمَّا أَنَا فِيهُ ، فَخَرَجْتُ ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ لِلنَّصَارَى ، فَسَمِعْتُ صَلَاتَهُمْ فِيهَا ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ ، فَلَمْ أَزَلْ عِنْدَهُمْ ، وَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنَ صَلَاتِهِمْ ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي : هَذَا خَيْرٌ مِنْ دِينِنَا الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ ، فَمَا بَرِحْتُهُمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ ، وَمَا ذَهَبْتُ إِلَى ضَيْعَةِ أَبِي وَلَا رَجَعْتُ إِلَيْهِ حَتَّى بَعَثَ الطَّلَبَ فِي أَثَرِي ، وَقَدْ قُلْتُ لِلنَّصَارَى حِينَ أَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنَ أَمْرِهِمْ وَصَلَاتِهُمْ : أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ ؟ قَالُوا : بِالشَّامِ ، قَالَ : ثُمَّ خَرَجْتُ ، فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِي ، فَقَالَ : أَيْ بُنَيَّ أَيْنَ كُنْتَ ؟ قَدْ كُنْتُ عَهِدْتُ إِلَيْكَ ، وَتَقَدَّمْتُ أَلَا تُحْتَبَسَ ، قَالَ : قُلْتُ : إِنِّي مَرَرْتُ عَلَى نَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ ، فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنَ أَمْرِهِمْ وَصَلَاتِهُمْ وَرَأَيْتُ أَنَّ دِينَهُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِنَا ، قَالَ : فَقَالَ لِي : أَيْ بُنَيَّ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْ دِينِهُمْ ، قَالَ : قُلْتُ : كَلَّا وَاللَّهِ ، قَالَ : فَخَافَنِي ، فَجَعَلَ فِي رِجْلِي حَدِيدًا ، وَحَبَسَنِي ، وَأَرْسَلْتُ إِلَى النَّصَارَى أُخْبِرُهُمْ أَنِّي قَدْ رَضِيتُ أَمَرَهُمْ ، وَقُلْتُ لَهُمْ : إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ فَآذِنُونِي ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنْهُمْ مِنَ التُّجَّارِ ، فَأَرْسَلُوا إِلَيَّ ، فَأَرْسَلَتُ إِلَيْهِمْ إِنْ أَرَادُوا الرُّجُوعَ فَآذِنُونِي ، فَلَمَّا أَرَادُوا الرُّجُوعَ أَرْسَلُوا إِلَيَّ ، فَرَمَيْتُ بِالْحَدِيدِ مِنْ رِجْلِي ، ثُمَّ خَرَجْتُ ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمْ إِلَى الشَّامِ ، فَلَمَّا قَدِمْتُ ، سَأَلْتُ عَنْ عَالِمِهِمْ ، فَقِيلَ لِي : صَاحِبُ الْكَنِيسَةِ أَسْقُفَهُمْ ، قَالَ : فَأَتَيْتُهُ ، فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي ، وَقُلْتُ : إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ أَخْدُمُكَ وَأُصَلِّي مَعَكَ وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ ، فَإِنِّي قَدْ رَغِبَتْ فِي دِينِكَ . قَالَ : أَقِمْ ، فَكُنْتُ مَعَهُ وَكَانَ رَجُلَ سُوءٍ فِي دِينِهِ ، وَكَانَ يَأْمُرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا ، فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ الْأَمْوَالَ اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلَالِ دَنَانِيرٍ وَدَرَاهِمَ ، ثُمَّ مَاتَ ، فَاجْتَمَعُوا لِيَدْفِنُوهُ ، قَالَ : قُلْتُ : تَعْلَمُونَ أَنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا كَانَ رَجُلَ سُوءٍ ، فَأَخْبَرْتُهُمْ مَا كَانَ يَصْنَعُ فِي صَدَقَتِهِمْ ، قَالَ : فَقَالُوا فَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ أَنَا أَدُلُّكُمُ عَلَى ذَلِكَ ، فَأَخْرَجْتُهُ ، فَإِذَا سَبْعُ قِلَالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا ، فَلَمَّا رَأَوْهَا ، قَالُوا : وَاللَّهِ لَا تُغَيِّبُهُ أَبَدًا ، ثُمَّ صَلَبُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ ، وَرَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ ، وَجَاءُوا بِآخَرَ ، فَجَعَلُوهُ مَكَانَهُ ، قَالَ سَلْمَانُ : فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا لَا يُصَلِّي الْخُمُسَ كَانَ خَيْرًا مِنْهُ أَعْظَمَ رَغْبَةً فِي الْآخِرَةِ وَلَا أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا ، وَلَا أَدْأَبَ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا مِنْهُ ، وَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا مَا عَلِمْتُ أَنِّي أَحْبَبْتُ شَيْئًا كَانَ قَبْلَهُ ، فَلَمَّا حَضَرَهُ قَدَرُهُ ، قُلْتُ لَهُ : إِنَّهُ قَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا تَرَى فَمَاذَا تَأْمُرُنِي , وَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي ؟ قَالَ : أَيْ بُنَيَّ مَا أَرَى أَحَدًا مِنَ النَّاسِ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ إِلَّا رَجُلًا بِالْمَوْصِلِ ، فَأَمَّا النَّاسُ فَقَدْ بَدَّلُوا وَهَلَكُوا ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَتَيْتُ صَاحِبَ الْمَوْصِلِ ، فَأَخْبَرْتُهُ بِعَهْدِهِ إِلَيَّ أَنْ أَلْحَقَ بِهِ وَأَكُونَ مَعَهُ ، قَالَ : أَقِمْ فَأَقَمْتُ مَعَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أُقِيمَ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ ، ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، فَقُلْتُ : إِنَّهُ قَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا تَرَى فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي ؟ قَالَ : أَيْ بُنَيَّ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا عَلَى أَمْرِنَا إِلَّا رَجُلًا بِنَصِيبِينَ ، وَهُوَ فُلَانٌ فَالْحَقْ بِهِ ، قَالَ : فَأَتَيْتُ عَلَى رَجُلٍ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَاحِبَاهُ ، فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي فَأَقَمْتُ مَعَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أُقِيمَ ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، قُلْتُ لَهُ : إِنَّ فُلَانًا كَانَ أَوْصَى بِي إِلَى فُلَانٍ ، وَفُلَانًا إِلَى فُلَانٍ ، وَفُلَانًا إِلَيْكَ ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي ؟ قَالَ : أَيْ بُنَيَّ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ عَلَى مَا نَحْنُ عَلَيْهِ إِلَّا رَجُلًا بِعَمُّورِيَّةَ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِهِ فَالْحَقْ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُّورِيَّةَ ، فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي وَخَبَرَ مَنْ أَوْصَى بِي حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : أَقِمْ ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ ، فَمَكَثْتُ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ وَثَّابَ لِي شَيْءٌ حَتَّى اتَّخَذْتُ بَقَرَاتٍ وَغَنِيمَةً ، ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِلَى مَنْ تُوصِي بِي ؟ فَقَالَ لِي : أَيْ بُنَيَّ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ أَصْبَحَ فِي الْأَرْضِ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ بِدَيْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنَفِيَّةِ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضِ مُهَاجَرِهِ وَقَرَارِهِ ذَاتِ نَخْلٍ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَخْلُصَ إِلَيْهِ فَاخْلُصْ وَإِنَّ بِهِ آيَاتٍ لَا تَخْفَى ، إِنَّهُ لَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ، وَهُوَ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ ، وَإِنَّ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ إِذَا رَأَيْتَهُ عَرَفْتَهُ ، قَالَ : وَمَاتَ فَمَرَّ بِي رَكْبٌ مِنْ كَلْبٍ ، فَسَأَلْتُهُمْ عَنْ بِلَادِهِمْ ، فَأَخْبَرُونِي عَنْهَا ، فَقُلْتُ : أُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغَنَمِي عَلَى أَنْ تَحْمِلُونِي حَتَّى تَقْدُمُوا بِي أَرْضَكُمْ . قَالُوا : نَعَمْ ، فَاحْتَمَلُونِي حَتَّى قَدِمُوا بِي وَادِي الْقُرَى ، فَظَلَمُونِي ، فَبَاعُونِي عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ ، فَرَأَيْتُ بِهَا النَّخْلَ وَطَمِعْتُ أَنْ تَكُونَ الْبَلْدَةَ الَّتِي وُصِفَتْ لِي ، وَمَا حَقَّتْ لِي ، وَلَكِنِّي قَدْ طَمِعْتُ حِينَ رَأَيْتُ النَّخْلَ ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ حَتَّى قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ يَهُودِ بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَابْتَاعَنِي مِنْهُ ، ثُمَّ خَرَجَ بِي حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ ، فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا ، فَعَرَّفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي وَأَيْقَنْتُ أَنَّهَا هِيَ الْبَلْدَةُ الَّتِي وُصِفَتْ لِي ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ أَعْمَلُ لَهُ فِي نَخْلِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَخَفِيَ عَلَيَّ أَمْرُهُ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، وَنَزَلَ بِقُبَاءَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَفِي رَأْسِ نَخْلَةٍ وَصَاحِبِي جَالِسٌ تَحْتِي إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ مِنْ بَنِي عَمِّهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : أَيْ فُلَانُ قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قَيْلَةَ ، إِنَّهُمْ آنِفًا لَيَتَقَاصَفُونَ عَلَى رَجُلٍ بِقُبَاءَ ، قَدِمَ مِنْ مَكَّةَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيُّ ، قَالَ : فَوَاللَّهِ إِنْ هُوَ إِلَّا أَنْ قَالَهَا ، فَأَخَذَتْنِي الْعُرَوَاءُ فَرَجِفَتِ النَّخْلَةُ حَتَّى ظَنَنْتُ لَأَسْقُطَنَّ عَلَى صَاحِبِي ، ثُمَّ نَزَلَتُ سَرِيعًا أَقُولُ : مَاذَا تَقُولُ ؟ مَا هَذَا الْخَبَرُ ؟ قَالَ : فَرَفَعَ سَيِّدِي يَدَهُ ، فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً ، ثُمَّ قَالَ : مَا لَكَ وَلِهَذَا ؟ أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ ، قُلْتُ : لَا شَيْءَ إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَثْبِتَهُ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ ، قَالَ : أَقْبِلْ عَلَى شَأْنِكَ ، قَالَ : فَأَقْبَلْتُ عَلَى عَمَلِي وَلَهِيتُ مِنْهُ ، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ جَمَعْتُ مَا كَانَ عِنْدِي ، ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ بِقُبَاءَ ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَقُلْتُ : إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ لَيْسَ بِيَدِكَ شَيْءٌ وَإِنَّ مَعَكَ أَصْحَابًا لَكَ وَأَنَّكُمْ أَهْلُ حَاجَةٍ وَغُرْبَةٍ ، وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ وَضَعْتُهُ لِلصَّدَقَةِ ، فَلَمَّا ذُكِرَ لِي مَكَانُكُمْ رَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ النَّاسِ بِهِ ، فَجَئْتُكُمْ بِهِ ، ثُمَّ وَضَعْتُهُ لَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : كُلُوا ، وَأَمْسَكَ هُوَ ، قَالَ : قُلْتُ فِي نَفْسِي : هَذِهِ وَاللَّهِ وَاحِدَةٌ ، ثُمَّ رَجَعْتُ ، وَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَجَمَعْتُ شَيْئًا ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، وَقُلْتُ لَهُ : إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ، وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ أُحِبُّ أَنْ أُكْرِمَكَ بِهِ مِنْ هَدِيَّةٍ أَهْدَيْتُهَا كَرَامَةً لَكَ لَيْسَتْ بِصَدَقَةٍ ، فَأَكَلَ وَأَكَلَ أَصْحَابُهُ ، قَالَ : قُلْتُ فِي نَفْسِي : هَذِهِ أُخْرَى ، قَالَ : ثُمَّ رَجَعْتُ ، فَمَكَثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ ، فَوَجَدْتُهُ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ قَدْ تَبِعَ جَنَازَةً وَحَوْلَهُ أَصْحَابُهُ وَعَلَيْهِ شَمْلَتَانِ مُؤْتَزِرًا بِوَاحِدَةٍ مُرْتَدِيًا بِالْأُخْرَى ، قَالَ : فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ عَدَلْتُ لِأَنْظُرَ فِي ظَهْرِهِ ، فَعَرَفَ أَنِّي أُرِيدُ ذَلِكَ وَأَسْتَثْبِتُهُ ، قَالَ : فَقَالَ بِرِدَائِهِ ، فَأَلْقَاهُ عَنْ ظَهْرِهِ ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ كَمَا وَصَفَ لِي صَاحِبِي ، قَالَ : فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُ الْخَاتَمَ مِنْ ظَهْرِهِ وَأَبْكِي ، قَالَ : فَقَالَ : تَحَوَّلْ عَنْكَ ، فَتَحَوَّلْتُ ، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثِي كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ ، فَأَحَبَّ أَنْ يُسْمِعَهُ أَصْحَابَهُ ، ثُمَّ أَسْلَمْتُ وَشَغَلَنِي الرِّقُّ وَمَا كُنْتُ فِيهِ حَتَّى فَاتَنِي بَدْرٌ وَأُحُدٌ ، ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : كَاتِبْ ، فَسَأَلْتُ صَاحِبِي ذَلِكَ فَلَمْ أَزَلْ حَتَّى كَاتَبَنِي عَلَى أَنْ أُحْيِيَ لَهُ بِثَلَاثِمِائَةِ نَخْلَةٍ وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ وَرِقٍ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَعِينُوا أَخَاكُمْ بِالنَّخْلِ . فَأَعَانَنِي كُلُّ رَجُلٍ بِقَدْرِهِ بِالثَّلَاثِينَ وَالْعِشْرِينَ وَالْخُمُسَ عَشْرَةَ وَالْعَشْرَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا سَلْمَانُ اذْهَبْ فَفَقِّرْ لَهَا ، فَإِذَا أَنْتَ أَرَدْتَ أَنْ تَضَعَهَا فَلَا تَضَعْهَا حَتَّى تَأْتِيَنِي فَتُؤْذِنَنِي فَأَكُونَ أَنَا الَّذِي أَضَعُهَا بِيَدِي ، فَقُمْتُ فِي تَفْقِيرِي فَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى فَقَّرْنَا شَرَبًا ثَلَاثَمِائَةِ شَرْبَةٍ ، وَجَاءَ كُلُّ رَجُلٍ بِمَا أَعَانَنِي بِهِ مِنَ النَّخْلِ ، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ، فَجَعَلَ يَضَعُهَا بِيَدِهِ وَجَعَلَ يُسَوِّي عَلَيْهَا شَرَبَهَا وَيُبَرِّكُ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا رَسُولُ اللَّهِ جَمِيعًا ، فَلَا وَالَّذِي نَفْسُ سُلَيْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَتْ مِنْهُ وَدِيَّةٌ وَبَقِيَتِ الدَّرَاهِمُ ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي أَصْحَابِهِ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنْ ذَهَبٍ ، أَصَابَهَا مِنْ بَعْضِ الْمَعَادِنِ ، فَتَصَدَّقَ بِهَا إِلَيْهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : مَا فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمِسْكِينُ الْمُكَاتَبُ ، ادْعُوهُ لِي ، فَدُعِيتُ لَهُ ، فَجِئْتُ فَقَالَ : اذْهَبْ بِهَذِهِ فَأَدِّهَا عَنْكَ مِمَّا عَلَيْكَ مِنَ الْمَالِ . قَالَ : وَقُلْتُ : وَأَيْنَ يَقَعُ هَذَا مِمَّا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ، قَالَ : إِنْ سَيُؤَدِّي عَنْكَ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : فَأَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّهُ كَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَضَعَهَا يَوْمَئِذٍ عَلَى لِسَانِهِ ، ثُمَّ قَلَبَهَا ، ثُمَّ قَالَ لِي : اذْهَبْ فَأَدِّهَا عَنْكَ ، ثُمَّ عَادَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيَزِيدَ أَيْضًا ، قَالَ سَلْمَانُ : فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَزَنْتُ لَهُ مِنْهَا أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً حَتَّى وَفَّيْتُهُ الَّذِي لَهُ ، وَعَتَقَ سَلْمَانُ وَشَهِدَ الْخَنْدَقَ وَبَقِيَّةَ مَشَاهِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حُرًّا مُسْلِمًا حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ

    فآذنوني: الأذَانِ والإذن : هو الإعْلام بالشيء أو الإخبار به
    قلال: القلال : جمع القلة وهي الجرة الكبيرة
    أدأب: الدأب في العمل : ملازمته والجد فيه
    العرواء: العرواء : الرعشة الشديدة
    فرجفت: رجف : تحرك واضطرب
    شملتان: الشملة : كساء يُتَغَطَّى به ويُتَلفَّف فيه
    أوقية: الأوقية : قيمة عُمْلَةٍ وَوَزْنٍ بما قدره أربعون درهما ، وقيل هي نصف سدس الرطل
    ورق: الورق : الفضة. والأورق : الأسمر.
    ففقر: فقر : حفر
    كُلُوا ، وَأَمْسَكَ هُوَ ، قَالَ : قُلْتُ فِي
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات