عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : " لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ "
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : ثنا أَبُو عُمَرَ ، قَالَ : ثنا شُعْبَةُ ، عَنْ زُبَيْدٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ ، وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَقُولَانِ : لَا جُمُعَةَ إِلَّا فِي مِصْرٍ ، أَوْ قَالَ : فِي الْأَمْصَارِ . وَقَالَ الْحَسَنُ : إِنَّ عُمَرَ مَصَّرَ سَبْعَةَ أَمْصَارٍ أَوْ قَالَ : مَصَّرَ الْأَمْصَارَ سَبْعَةً : الْمَدِينَةَ ، وَالْبَحْرَيْنِ ، وَالْبَصْرَةَ ، وَالْكُوفَةَ ، وَالْجَزِيرَةَ ، وَالشَّامَ ، وَمِصْرَ ، وَقَالَ النُّعْمَانُ ، وَابْنُ الْحَسَنِ : لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ ، وَالْمَدَائِنِ ، وَحُكِيَ عَنْ يَعْقُوبَ أَنَّهُ قَالَ : تَفْسِيرُ الْمِصْرِ الْجَامِعِ وَالْمَدِينَةِ ، كُلُّ مِصْرٍ وَمَدِينَةٍ فِيهَا مِنْبَرٌ وَقَاضٍ يُنْفِذُ الْأَحْكَامَ ، وَيَجُوزُ حُكْمُهُ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ قَالَ : فَهَذَا مِصْرٌ جَامِعٌ فِيهِ الْجُمُعَةُ . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : ( كُلُّ قَرْيَةٍ فِيهَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا وَالْقَرْيَةُ الْبِنَاءُ بِالْحِجَارَةِ ، وَاللَّبِنِ ، وَالْجَرِيدِ ، وَالشَّجَرَةِ ، وَتَكُونُ بُيُوتُهَا مُجْتَمِعَةً ، وَيَكُونُ أَهْلُهَا لَا يَظْعَنُونُ عَنْهَا شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إِلَّا ظَعْنَ حَاجَةٍ ، فَإِذَا كَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا أَحْرَارًا بِالْغَيْنِ ، رَأَيْتُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِمُ الْجُمُعَةَ ، فَإِذَا صَلَّوَا الْجُمُعَةَ أَجْزَأَتْ ) ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَمَالَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَإِسْحَاقُ ، وَلَمْ يَشْتَرِطَا الشُّرُوطَ الَّتِي اشْتَرَطَهَا الشَّافِعِيُّ . وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَوْلًا ثَالِثًا أَنَّهُ قَالَ : أَيُّمَا قَرْيَةٍ فِيهَا أَرْبَعُونَ فَصَاعِدًا عَلَيْهِمْ إِمَامٌ يَقْضِي بَيْنَهُمْ فَلْيَخْطُبْ ، وَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ، فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ ذَكَرَ إِمَامًا يَقْضِي بَيْنَهُمْ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ ، وَأَحْمَدُ ، وَإِسْحَاقُ ، وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيُّ شُرُوطًا لَمْ يَذْكُرْهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَأَحْمَدُ ، وَإِسْحَاقُ . وَفِيهِ قَوْلٌ خَامِسٌ : وَهِيَ الرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، كَتَبَ عُمَرُ أَيُّمَا قَرْيَةٍ اجْتَمَعَ فِيهَا خَمْسُونَ رَجُلًا فَلْيَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، وَلْيَخْطُبْ عَلَيْهِمْ ، وَلْيُصَلِّ بِهِمُ الْجُمُعَةَ ، وَفِيهِ قَوْلٌ سَادِسٌ : وَهُوَ إِذَا لَمْ يَحْضُرِ الْإِمَامَ إِلَّا ثَلَاثَةٌ صَلَّى الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ ، قَالَ الْوَلِيدُ : سَأَلْتُ الْأَوْزَاعِيَّ عَنْ إِمَامِ الْجُمُعَةِ لَمْ يَحْضُرْهُ جَمَاعَةٌ ؟ قَالَ : فَلْيُجَمِّعْ بِهِمْ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا ، قِيلَ لَهُ : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَحَكَى غَيْرُ الْوَلِيدِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيُجَمِّعُوا إِذَا كَانَ فِيهِمْ أَمِيرُهُمْ . وَكَانَ أَبُو ثَوْرٍ يَقُولُ : الْجُمُعَةُ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ إِلَّا أَنَّ فِيهَا خِطْبَةً وَقَصْرًا مِنَ الْأَرْبَعِ ، فَمَتَى كَانَ إِمَامٌ وَخَطَبَ بِهِمْ صَلَّى الْجُمُعَةَ ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُهُ عَنِ الْجُمُعَةِ بِالْبَحْرَيْنِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ أَجْمِعُوا حَيْثُ مَا كُنْتُمْ ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ قَالَ : إِذَا كَانَتِ الْقَرْيَةُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ صَلَّوَا الْجُمُعَةَ رَكْعَتَيْنِ ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ ، قَالَ مَالِكٌ : إِنَّا نَقُولُ : إِذَا كَانَ فِيهَا مَسْجِدٌ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ يُجَمِّعُونَ فِيهِ ، وَأَسْوَاقُهَا قَائِمَةٌ وَبُيُوتُهَا مُتَّصِلَةٌ لَيْسَ كَبُيُوتِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ ، فَأَرَى أَنْ يُجَمِّعُوا ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْقَرْيَةِ الَّتِي اتَّصَلَ دُورُهَا : فَأَرَى أَنْ يُجَمِّعُوا الْجُمُعَةَ ، كَانَ عَلَيْهِمْ وَالِي أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَرَأَيْتُ فِي حِكَايَاتِ الْمَيْمُونِيِّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ عِكْرِمَةُ يَقُولُ : إِذَا كَانُوا سَبْعَةً جَمَّعُوا ، قَالَ : وَرَأَيْتُهُ كَأَنَّهُ يُعْجِبُهُ ، وَحِكَايَةُ أَحْمَدَ قَوْلَ عِكْرِمَةَ قَوْلٌ سَابِعٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى الْخَلْقِ اتِّبَاعَ كِتَابِهِ وَسُنَنِ نَبِيِّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ : {{ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ، فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ . . }} الْآيَةَ ، وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ : {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ . . }} الْآيَةَ ، فَاتِّبَاعُ ظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَجِبُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ظَاهِرِ الْكِتَابِ جَمَاعَةٌ دُونَ عَدَدِ جَمَاعَةٍ بِغَيْرِ حُجَّةٍ ، وَلَوْ كَانَ اللَّهُ فِي عَدَدٍ دُونَ عَدَدٍ مُرَادٍ لَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ ، أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَلَمَّا عَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ كَانَتْ الجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ جَمَاعَةٍ فِي دَارِ إِقَامَةٍ عَلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَعَ عُمُومِ الْكِتَابِ أَنْ يُخْرِجَ قَوْمًا مِنْ جُمْلَتِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ يَفْزَعُ إِلَيْهَا ، وَهَذَا يَلْزَمُ مِنْ مَذْهَبِهِ الْقَوْلُ بِعُمُومِ الْكِتَابِ ، وَأَنْ لَا يُحَالَ ظَاهَرٌ مِنْهُ إِلَى بَاطِنٍ ، وَلَا عَامٌّ إِلَى خَاصٍّ إِلَّا بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوِ اتِّفَاقٍ ، وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا ، وَلَوْ لَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ مَا وَجَبَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ ظَاهِرِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ ، وَلَيْسَ لِاحْتِجَاجِ مَنِ احْتَجَّ بِقِصَّةِ أَسْعَدَ فِي أَنْ لَا تُجْزِئَ جُمُعَةٌ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ حَجَّةً ، إِذْ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَمَرَهُمْ إِذَا كَانَ عَدَدُهُمْ كَذَا أَنْ يُصَلُّوا ، أَوْ إِنْ نَقَصُوا مِنْ ذَلِكَ الْعَدَدِ لَمْ يُصَلُّوا ، إِنَّمَا كَتَبَ أَنْ يُصَلِّيَ بِمَنْ مَعَهُ ، وَلَوْ وَرَدَ كِتَابُ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَعَدَدُهُمْ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِينَ فَتَرَكَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ ، لَكَانَ تَارِكًا لِمَا أَمَرَهُ بِهِ ، وَدَفَعَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْجُمُعَةَ إِنَّمَا تُصَلَّى فِي مِصْرٍ أَوْ مَدِينَةٍ تَكُونُ فِيهَا قَاضِي يُنْفِذُ الْأَحْكَامَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ ، بِأَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ قَدْ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ الْجُمُعَةَ وَلَيْسَ فِيهَا مِنْبَرٌ وَلَا قَاضِي وَلَا كَانَتِ الْحُدُودُ تُقَامُ بِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ