كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَّا يُقَالُ لَهُمْ بَنُو أُبَيْرِقٍ : بَشِيرٌ وَبِشْرٌ وَمُبَشِّرٌ ، وَكَانَ مُبَشِّرٌ رَجُلًا مُنَافِقًا ، وَكَانَ يَقُولُ الشِّعْرَ يَهْجُو بِهِ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ يُنْحِلُهُ بَعْضَ الْعَرَبِ ، ثُمَّ يَقُولُ : قَالَ فُلَانٌ كَذَا ، وَقَالَ فُلَانٌ كَذَا ، فَإِذَا سَمِعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الشِّعْرَ قَالُوا : وَاللَّهِ مَا يَقُولُ هَذَا الشِّعْرَ إِلَّا هَذَا الرَّجُلُ الْخَبِيثُ فَقَالَ : {
} أَوَكُلَّمَا قَالَ الرِّجَالُ قَصِيدَةً {
}أَضِمُوا وَقَالُوا : ابْنُ الْأُبَيْرِقِ قَالَهَا {
}قَالَ : وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ فَاقَةٍ وَحَاجَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ، وَكَانَ النَّاسُ إِنَّمَا طَعَامُهُمْ بِالْمَدِينَةِ التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ ، فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا كَانَ لَهُ يَسَارٌ فَقَدِمَتْ ضَافِطَةٌ مِنَ الشَّامِ بِالدَّرْمَكِ ابْتَاعَ الرَّجُلُ مِنْهَا فَخَصَّ بِهِ نَفْسَهُ ، فَأَمَّا الْعِيَالُ فَإِنَّمَا طَعَامُهُمُ التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ ، فَقَدِمَتْ ضَافِطَةٌ مِنَ الشَّامِ فَابْتَاعَ عَمِّي رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ حِمْلًا مِنَ الدَّرْمَكِ فَجَعَلَهُ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ ، وَفِي الْمَشْرُبَةِ سِلَاحٌ لَهُ : دِرْعَانِ وَسَيْفَاهُمَا وَمَا يُصْلِحُهُمَا ، فَعُدِيَ عَلَيْهِ مِنْ تَحْتِ اللَّيْلِ فَنُقِبَتِ الْمَشْرُبَةُ فَأُخِذَ الطَّعَامُ وَالسِّلَاحُ ، فَلَمَّا أَتَانِي عَمِّي رِفَاعَةُ قَالَ : ابْنَ أَخِي ، تَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ عُدِيَ عَلَيْنَا مِنْ لَيْلَتِنَا هَذِهِ ، فَنُقِبَتْ مَشْرَبَتُنَا فَذُهِبَ بِطَعَامِنَا وَسِلَاحِنَا ؟ قَالَ : فَتَحَسَّسْنَا فِي الدَّارِ وَسَأَلْنَا فَقَالُوا : قَدْ رَأَيْنَا بَنِي أُبَيْرِقٍ اسْتَوْقَدُوا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ ، وَلَا نَرَى فِيمَا نَرَى إِلَّا عَلَى بَعْضِ طَعَامِكُمْ قَالَ : وَقَدْ كَانَ بَنُو أُبَيْرِقٍ قَالُوا ، وَنَحْنُ نَسْأَلُ فِي الدَّارِ : وَاللَّهِ مَا نَرَى صَاحِبَكُمْ إِلَّا لَبِيدَ بْنَ سَهْلٍ ، رَجُلٌ مِنَّا لَهُ صَلَاحٌ وَإِسْلَامٌ ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ لَبِيدٌ اخْتَرَطَ سَيْفَهُ وَقَالَ : أَنَا أَسْرِقُ وَاللَّهِ لَيُخَالِطَنَّكُمْ هَذَا السَّيْفُ أَوْ لَتَبِينُ هَذِهِ السَّرِقَةُ ، قَالُوا : إِلَيْكَ عَنَّا أَيُّهَا الرَّجُلُ ، فَوَاللَّهِ مَا أَنْتَ بِصَاحِبِهَا ، فَسَأَلْنَا فِي الدَّارِ حَتَّى لَمْ يُشَكَّ أَنَّهُمْ أَصْحَابُهَا فَقَالَ لِي عَمِّي : يَا ابْنَ أَخِي ، لَوْ أَتَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتَ لَهُ ذَلِكَ ؟ قَالَ قَتَادَةُ : فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَّا أَهْلُ جَفَاءٍ عَمَدُوا إِلَى عَمِّي رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ ، فَنَقَبُوا مَشْرُبَةً لَهُ فَأَخَذُوا سِلَاحَهُ وَطَعَامَهُ ، فَلْيَرُدُّوا عَلَيْنَا سِلَاحَنَا ، فَأَمَّا الطَّعَامُ فَلَا حَاجَةَ لَنَا بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سَأَنْظُرُ فِي ذَلِكَ " ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ بَنُو أُبَيْرِقٍ أَتَوْا رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَيْدُ بْنُ عُرْوَةَ فَكَلَّمُوهُ فِي ذَلِكَ ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ قَتَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ وَعَمَّهُ عَمَدُوا إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ مِنَّا أَهْلِ إِسْلَامٍ وَصَلَاحٍ يَرْمُونَهُمْ بِالسَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا ثَبْتٍ قَالَ قَتَادَةُ : فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " عَمَدْتَ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ ذُكِرَ مِنْهُمْ إِسْلَامٌ وَصَلَاحٌ تَرْمِيهِمْ بِالسَّرِقَةِ عَنْ غَيْرِ ثَبْتٍ وَلَا بَيِّنَةٍ " قَالَ : فَرَجَعْتُ وَلَوَدِدْتُ أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ بَعْضِ مَالِي وَلَمْ أُكَلِّمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ ، فَأَتَانِي عَمِّي فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي ، مَا صَنَعْتَ ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ . قَالَ : فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ {{ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا }} : بَنِي أُبَيْرِقٍ ، {{ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ }} : أَيْ مِمَّا قُلْتَ لِقَتَادَةَ ، {{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا }} ، {{ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ }} : أَيْ بَنِي أُبَيْرِقٍ ، {{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا }} ، {{ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا }} ، {{ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا }} ، {{ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا }} : أَيْ لَوْ أَنَّهُمُ اسْتَغْفَرُوا اللَّهَ لَغَفَرَ لَهُمْ ، {{ وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }} ، {{ وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا }} : قَوْلُهُمْ لِلَبِيدٍ ، {{ فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا }} ، {{ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ }} : يَعْنِي أُسَيْدًا وَأَصْحَابَهُ ، {{ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا }} ، {{ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا }} قَالَ : فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسِّلَاحِ فَرَدَّهُ إِلَى رِفَاعَةَ قَالَ قَتَادَةُ : فَلَمَّا أَتَيْتُ عَمِّي بِالسِّلَاحِ ، وَكَانَ شَيْخًا قَدْ عَسَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكُنْتُ أَرَى أَنَّ إِسْلَامَهُ مَدْخُولًا قَالَ : يَا ابْنَ أَخِي هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَعَرَفْتُ أَنَّ إِسْلَامَهُ كَانَ صَحِيحًا قَالَ : فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ لَحِقَ بَشِيرٌ بِالْمُشْرِكِينَ ، فَنَزَلَ عَلَى سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شَهِيدٍ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ {{ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }} ، {{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا }} ، فَلَمَّا نَزَلَ عَلَى سُلَافَةَ رَمَاهَا حَسَّانُ بِأَبْيَاتِ شِعْرٍ ، فَأَخَذَتْ رَحْلَهُ فَوَضَعَتْهُ عَلَى رَأْسِهَا ثُمَّ خَرَجَتْ فَرَمَتْ بِهِ فِي الْأَبْطَحِ ، ثُمَّ قَالَتْ : أَهْدَيْتَ إِلَيَّ شِعْرَ حَسَّانَ قَالَتْ : وَاللَّهِ لَا يَثْبُتُ فِي صَدْرِي ، قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ ، فَخَرَجَ يَسِيرُ إِلَى الطَّائِفِ ، فَذَهَبَ يَنْقُبُ بَيْتًا فَانْهَدَمَ عَلَيْهِ فَمَاتَ فَقَالَ أَهْلُ مَكَّةَ : مَا كَانَ لِيُفَارِقَ مُحَمَّدًا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِ خَيْرٌ "
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي شُعَيْبٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ : كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَّا يُقَالُ لَهُمْ بَنُو أُبَيْرِقٍ : بَشِيرٌ وَبِشْرٌ وَمُبَشِّرٌ ، وَكَانَ مُبَشِّرٌ رَجُلًا مُنَافِقًا ، وَكَانَ يَقُولُ الشِّعْرَ يَهْجُو بِهِ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، ثُمَّ يُنْحِلُهُ بَعْضَ الْعَرَبِ ، ثُمَّ يَقُولُ : قَالَ فُلَانٌ كَذَا ، وَقَالَ فُلَانٌ كَذَا ، فَإِذَا سَمِعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ذَلِكَ الشِّعْرَ قَالُوا : وَاللَّهِ مَا يَقُولُ هَذَا الشِّعْرَ إِلَّا هَذَا الرَّجُلُ الْخَبِيثُ فَقَالَ : أَوَكُلَّمَا قَالَ الرِّجَالُ قَصِيدَةً أَضِمُوا وَقَالُوا : ابْنُ الْأُبَيْرِقِ قَالَهَا قَالَ : وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ فَاقَةٍ وَحَاجَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ، وَكَانَ النَّاسُ إِنَّمَا طَعَامُهُمْ بِالْمَدِينَةِ التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ ، فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا كَانَ لَهُ يَسَارٌ فَقَدِمَتْ ضَافِطَةٌ مِنَ الشَّامِ بِالدَّرْمَكِ ابْتَاعَ الرَّجُلُ مِنْهَا فَخَصَّ بِهِ نَفْسَهُ ، فَأَمَّا الْعِيَالُ فَإِنَّمَا طَعَامُهُمُ التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ ، فَقَدِمَتْ ضَافِطَةٌ مِنَ الشَّامِ فَابْتَاعَ عَمِّي رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ حِمْلًا مِنَ الدَّرْمَكِ فَجَعَلَهُ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ ، وَفِي الْمَشْرُبَةِ سِلَاحٌ لَهُ : دِرْعَانِ وَسَيْفَاهُمَا وَمَا يُصْلِحُهُمَا ، فَعُدِيَ عَلَيْهِ مِنْ تَحْتِ اللَّيْلِ فَنُقِبَتِ الْمَشْرُبَةُ فَأُخِذَ الطَّعَامُ وَالسِّلَاحُ ، فَلَمَّا أَتَانِي عَمِّي رِفَاعَةُ قَالَ : ابْنَ أَخِي ، تَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ عُدِيَ عَلَيْنَا مِنْ لَيْلَتِنَا هَذِهِ ، فَنُقِبَتْ مَشْرَبَتُنَا فَذُهِبَ بِطَعَامِنَا وَسِلَاحِنَا ؟ قَالَ : فَتَحَسَّسْنَا فِي الدَّارِ وَسَأَلْنَا فَقَالُوا : قَدْ رَأَيْنَا بَنِي أُبَيْرِقٍ اسْتَوْقَدُوا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ ، وَلَا نَرَى فِيمَا نَرَى إِلَّا عَلَى بَعْضِ طَعَامِكُمْ قَالَ : وَقَدْ كَانَ بَنُو أُبَيْرِقٍ قَالُوا ، وَنَحْنُ نَسْأَلُ فِي الدَّارِ : وَاللَّهِ مَا نَرَى صَاحِبَكُمْ إِلَّا لَبِيدَ بْنَ سَهْلٍ ، رَجُلٌ مِنَّا لَهُ صَلَاحٌ وَإِسْلَامٌ ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ لَبِيدٌ اخْتَرَطَ سَيْفَهُ وَقَالَ : أَنَا أَسْرِقُ وَاللَّهِ لَيُخَالِطَنَّكُمْ هَذَا السَّيْفُ أَوْ لَتَبِينُ هَذِهِ السَّرِقَةُ ، قَالُوا : إِلَيْكَ عَنَّا أَيُّهَا الرَّجُلُ ، فَوَاللَّهِ مَا أَنْتَ بِصَاحِبِهَا ، فَسَأَلْنَا فِي الدَّارِ حَتَّى لَمْ يُشَكَّ أَنَّهُمْ أَصْحَابُهَا فَقَالَ لِي عَمِّي : يَا ابْنَ أَخِي ، لَوْ أَتَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَذَكَرْتَ لَهُ ذَلِكَ ؟ قَالَ قَتَادَةُ : فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَّا أَهْلُ جَفَاءٍ عَمَدُوا إِلَى عَمِّي رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ ، فَنَقَبُوا مَشْرُبَةً لَهُ فَأَخَذُوا سِلَاحَهُ وَطَعَامَهُ ، فَلْيَرُدُّوا عَلَيْنَا سِلَاحَنَا ، فَأَمَّا الطَّعَامُ فَلَا حَاجَةَ لَنَا بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : سَأَنْظُرُ فِي ذَلِكَ ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ بَنُو أُبَيْرِقٍ أَتَوْا رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَيْدُ بْنُ عُرْوَةَ فَكَلَّمُوهُ فِي ذَلِكَ ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ قَتَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ وَعَمَّهُ عَمَدُوا إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ مِنَّا أَهْلِ إِسْلَامٍ وَصَلَاحٍ يَرْمُونَهُمْ بِالسَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا ثَبْتٍ قَالَ قَتَادَةُ : فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : عَمَدْتَ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ ذُكِرَ مِنْهُمْ إِسْلَامٌ وَصَلَاحٌ تَرْمِيهِمْ بِالسَّرِقَةِ عَنْ غَيْرِ ثَبْتٍ وَلَا بَيِّنَةٍ قَالَ : فَرَجَعْتُ وَلَوَدِدْتُ أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ بَعْضِ مَالِي وَلَمْ أُكَلِّمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي ذَلِكَ ، فَأَتَانِي عَمِّي فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي ، مَا صَنَعْتَ ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ . قَالَ : فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ {{ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا }} : بَنِي أُبَيْرِقٍ ، {{ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ }} : أَيْ مِمَّا قُلْتَ لِقَتَادَةَ ، {{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا }} ، {{ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ }} : أَيْ بَنِي أُبَيْرِقٍ ، {{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا }} ، {{ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا }} ، {{ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا }} ، {{ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا }} : أَيْ لَوْ أَنَّهُمُ اسْتَغْفَرُوا اللَّهَ لَغَفَرَ لَهُمْ ، {{ وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }} ، {{ وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا }} : قَوْلُهُمْ لِلَبِيدٍ ، {{ فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا }} ، {{ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ }} : يَعْنِي أُسَيْدًا وَأَصْحَابَهُ ، {{ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا }} ، {{ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا }} قَالَ : فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِالسِّلَاحِ فَرَدَّهُ إِلَى رِفَاعَةَ قَالَ قَتَادَةُ : فَلَمَّا أَتَيْتُ عَمِّي بِالسِّلَاحِ ، وَكَانَ شَيْخًا قَدْ عَسَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكُنْتُ أَرَى أَنَّ إِسْلَامَهُ مَدْخُولًا قَالَ : يَا ابْنَ أَخِي هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَعَرَفْتُ أَنَّ إِسْلَامَهُ كَانَ صَحِيحًا قَالَ : فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ لَحِقَ بَشِيرٌ بِالْمُشْرِكِينَ ، فَنَزَلَ عَلَى سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شَهِيدٍ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ {{ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }} ، {{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا }} ، فَلَمَّا نَزَلَ عَلَى سُلَافَةَ رَمَاهَا حَسَّانُ بِأَبْيَاتِ شِعْرٍ ، فَأَخَذَتْ رَحْلَهُ فَوَضَعَتْهُ عَلَى رَأْسِهَا ثُمَّ خَرَجَتْ فَرَمَتْ بِهِ فِي الْأَبْطَحِ ، ثُمَّ قَالَتْ : أَهْدَيْتَ إِلَيَّ شِعْرَ حَسَّانَ قَالَتْ : وَاللَّهِ لَا يَثْبُتُ فِي صَدْرِي ، قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ ، فَخَرَجَ يَسِيرُ إِلَى الطَّائِفِ ، فَذَهَبَ يَنْقُبُ بَيْتًا فَانْهَدَمَ عَلَيْهِ فَمَاتَ فَقَالَ أَهْلُ مَكَّةَ : مَا كَانَ لِيُفَارِقَ مُحَمَّدًا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِ خَيْرٌ