• 1413
  • حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنِ الحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، حَدِيثَيْنِ : أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ ، قَالَ : إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا ، قَالَ أَبُو شِهَابٍ : بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ

    حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، حَدِيثَيْنِ : أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ ، قَالَ : " إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ " فَقَالَ بِهِ هَكَذَا

    الفاجر: الفاجر : الفاسق غير المكثرث المنغمس في المعاصي
    المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ
    لا توجد بيانات

    [6308] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ هُوَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ وَاشْتُهِرَ بِذَلِكَ وَأَبُو شِهَابٍ شَيْخُهُ اسْمُهُ عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ نَافِعٍ الْحَنَّاطُ بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَهُوَ أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ الصَّغِيرُ وَأَمَّا أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ الْكَبِيرُ فَهُوَ فِي طَبَقَةِ شُيُوخِ هَذَا وَاسْمُهُ مُوسَى بْنُ نَافِعٍ وَلَيْسَا أَخَوَيْنِ وَهُمَا كُوفِيَّانِ وَكَذَا بَقِيَّةُ رِجَالِ هَذَا السَّنَدِ قَوْلُهُ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَصْرِيحَ الْأَعْمَشِ بِالتَّحْدِيثِ وَتَصْرِيحَ شَيْخِهِ عُمَارَةَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ الْمُعَلَّقَةِ بَعْدَ هَذَا وَعُمَارَةُ تيمى من بني تيم اللات بن ثَعْلَبَةَ كُوفِيٌّ مِنْ طَبَقَةِ الْأَعْمَشِ وَشَيْخُهُ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ تَيْمِيٌّ أَيْضًا وَفِي السَّنَدِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍأَوَّلُهُمُ الْأَعْمَشُ وَهُوَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ وَعُمَارَةُ مِنْ أَوْسَاطِهِمْ وَالْحَارِثُ مِنْ كِبَارِهِمْ قَوْلُهُ حَدِيثَيْنِ أَحَدَهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ فَذَكَرَهُ إِلَى قَوْلِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ ثُمَّ قَالَ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ غَيْرَ مُصَرَّحٍ بِرَفْعِ أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالُوا الْمَرْفُوعُ لَلَّهُ أَفْرَحُ إِلَخْ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ بن مَسْعُود وَكَذَا جزم بن بَطَّالٍ بِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَوْقُوفُ وَالثَّانِيَ هُوَ الْمَرْفُوع وَهُوَ كَذَلِك وَلم يقف بن التِّينِ عَلَى تَحْقِيقِ ذَلِكَ فَقَالَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ عَن بن مَسْعُودٍ وَالْآخَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَزِدْ فِي الشَّرْحِ عَلَى الْأَصْلِ شَيْئًا وَأَغْرَبَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ فِي مُخْتَصَرِهِ فَأَفْرَدَ أَحَدَ الْحَدِيثَيْنِ مِنَ الْآخَرِ وَعَبَّرَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ عَنِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ وَلَا التَّصْرِيحُ بِرَفْعِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ كُتُبِ الْحَدِيثِ إِلَّا مَا قَرَأْتُ فِي شَرْحِ مُغْلَطَايْ أَنَّهُ رُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيق وهاها أَبُو احْمَد الْجِرْجَانِيّ يَعْنِي بن عَدِيٍّ وَقَدْ وَقَعَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ وَكَذَا وَقَعَ الْبَيَانُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَعَ كَونه لم يسق حَدِيث بن مَسْعُودٍ الْمَوْقُوفَ وَلَفْظُهُ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ عَنِ الْحَارِثِ قَالَ دَخَلْتُ على بن مَسْعُودٍ أَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَحَدَّثَنَا بِحَدِيثَيْنِ حَدِيثًا عَنْ نَفْسِهِ وَحَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا الْحَدِيثَ قَوْلُهُ إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ مُنَوَّرٌ فَإِذَا رَأَى مِنْ نَفْسِهِ مَا يُخَالِفُ مَا يُنَوِّرُ بِهِ قَلْبَهُ عَظُمَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ وَالْحِكْمَةُ فِي التَّمْثِيلِ بِالْجَبَلِ أَنَّ غَيْرَهُ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ قَدْ يَحْصُلُ التَّسَبُّبُ إِلَى النَّجَاةِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْجَبَلِ إِذَا سَقَطَ عَلَى الشَّخْصِ لَا يَنْجُو مِنْهُ عَادَةً وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْخَوْفُ لِقُوَّةِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْإِيمَانِ فَلَا يَأْمَنُ الْعُقُوبَةَ بِسَبَبِهَا وَهَذَا شَأْنُ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ دَائِمُ الْخَوْفِ وَالْمُرَاقَبَةِ يَسْتَصْغِرُ عَمَلَهُ الصَّالح ويخشى من صَغِير عمله السيء قَوْلُهُ وَإنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيِّ عَنْ أَبِي شِهَابٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهَا ذُبَابٌ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ أَيْ ذَنْبُهُ سَهْلٌ عِنْدَهُ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِهِ كَبِيرُ ضَرَرٍ كَمَا أَنَّ ضَرَرَ الذُّبَابِ عِنْدَهُ سَهْلٌ وَكَذَا دَفْعُهُ عَنْهُ وَالذُّبَابُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ الْأُولَى خَفِيفَةٌ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ جَمْعُ ذُبَابَةٍ وَهِيَ الطَّيْرُ الْمَعْرُوفُ قَوْلُهُ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا أَيْ نَحَّاهُ بِيَدِهِ أَوْ دَفَعَهُ هُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ عَلَى الْفِعْلِ قَالُوا وَهُوَ أَبْلَغُ قَوْلُهُ قَالَ أَبُو شِهَابٍ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ هُوَ تَفْسِيرٌ مِنْهُ لِقَوْلِهِ فَقَالَ بِهِ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ إِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ صِفَةَ الْمُؤْمِنِ لِشِدَّةِ خَوْفِهِ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ عُقُوبَتِهِ لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٌ مِنَ الذَّنْبِ وَلَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنَ الْمَغْفِرَةِ وَالْفَاجِرُ قَلِيلُ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ فَلِذَلِكَ قَلَّ خَوْفُهُ وَاسْتَهَانَ بِالْمَعْصِيَةِ وَقَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ قَلْبَ الْفَاجِرِ مُظْلِمٌ فَوُقُوعُ الذَّنْبُ خَفِيفٌ عِنْدَهُ وَلِهَذَا تَجِدُ مَنْ يَقَعُ فِي الْمَعْصِيَةِ إِذَا وُعِظَ يَقُولُ هَذَا سَهْلٌ قَالَ وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ قِلَّةَ خَوْفِ الْمُؤْمِنِ ذُنُوبَهُ وَخِفَّتَهُ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى فُجُورِهِ قَالَ وَالْحِكْمَةُ فِي تَشْبِيهِ ذُنُوبِ الْفَاجِرِ بِالذُّبَابِ كَوْنُ الذُّبَابِ أَخَفَّ الطَّيْرِ وَأَحْقَرَهُ وَهُوَ مِمَّا يُعَايَنُ وَيُدْفَعُ بِأَقَلِّ الْأَشْيَاءِ قَالَ وَفِي ذِكْرِ الْأَنْفِ مُبَالَغَةٌ فِي اعْتِقَادِهِ خِفَّةَ الذَّنْبِ عِنْدَهُ لِأَنَّ الذُّبَابَ قَلَّمَا يَنْزِلُ عَلَى الْأَنْفِ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ غَالِبًا الْعَيْنَ قَالَ وَفِي إِشَارَتِهِ بِيَدِهِ تَأْكِيدٌ لِلْخِفَّةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ بِهَذَا الْقَدْرِ الْيَسِيرِ يُدْفَعُ ضَرَرَهُ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ ضَرْبُ الْمِثْلِ بِمَا يُمْكِنُ وَإِرْشَادٌ إِلَى الحض على محاسبة النَّفس وَاعْتِبَار العلامات الدَّالَّة عَلَى بَقَاءِ نِعْمَةِ الْإِيمَانِ وَفِيهِ أَنَّ الْفُجُورَ أَمْرٌ قَلْبِيٌّ كَالْإِيمَانِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّهُمْ لَا يُكَفِّرُونَ بِالذُّنُوبِ وَرَدٌّ عَلَى الْخَوَارِجِ وَغَيرهم مِمَّن يكفر بِالذنُوبِوَقَالَ بن بَطَّالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ عَظِيمَ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يُعَذِّبُ عَلَى الْقَلِيلِ فَإِنَّهُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا فِي رِوَايَةِ أَبِي الرَّبِيعِ الْمَذْكُورَةِ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ جَرِيرٍ وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ وَكَذَا عِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِطْلَاقُ الْفَرَحِ فِي حَقِّ اللَّهِ مَجَازٌ عَنْ رِضَاهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّهَ أَرْضَى بِالتَّوْبَةِ وَأَقْبَلُ لَهَا وَالْفَرَحُ الَّذِي يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى كُلُّ حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ أَي راضون وَقَالَ بن فُورَكَ الْفَرَحُ فِي اللُّغَةِ السُّرُورُ وَيُطْلَقُ عَلَى الْبَطَرِ وَمِنْهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَعَلَى الرِّضَا فَإِنَّ كُلَّ مَنْ يُسَرُّ بِشَيْءٍ وَيَرْضَى بِهِ يُقَالُ فِي حَقِّهِ فَرِحَ بِهِ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ كُلُّ صِفَةٍ تَقْتَضِي التَّغَيُّرَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِحَقِيقَتِهَا فَإِنْ وَرَدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حُمِلَ عَلَى مَعْنًى يَلِيقُ بِهِ وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ الشَّيْءِ بِسَبَبِهِ أَوْ ثَمَرَتِهِ الْحَاصِلَةِ عَنْهُ فَإِنَّ مَنْ فَرِحَ بِشَيْءٍ جَادَ لِفَاعِلِهِ بِمَا سَأَلَ وَبَذَلَ لَهُ مَا طَلَبَ فَعَبَّرَ عَنْ عَطَاءِ الْبَارِي وَوَاسِعِ كَرَمِهِ بِالْفَرَحِ وَقَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ كَنَّى عَنْ إِحْسَانِ اللَّهِ لِلتَّائِبِ وَتَجَاوُزِهِ عَنْهُ بِالْفَرَحِ لِأَنَّ عَادَةَ الْمَلِكِ إِذَا فَرِحَ بِفِعْلِ أَحَدٍ أَنْ يُبَالِغَ فِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ هَذَا مَثَلٌ قُصِدَ بِهِ بَيَانُ سُرْعَةِ قَبُولِ اللَّهِ تَوْبَةَ عَبْدِهِ التَّائِبِ وَأَنَّهُ يُقْبِلُ عَلَيْهِ بِمَغْفِرَتِهِ وَيُعَامِلُهُ مُعَامَلَةَ مَنْ يَفْرَحُ بِعَمَلِهِ وَوَجْهُ هَذَا الْمَثَلِ أَنَّ الْعَاصِيَ حَصَلَ بِسَبَبِ مَعْصِيَتِهِ فِي قَبْضَةِ الشَّيْطَانِ وَأَسْرِهِ وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فَإِذَا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ وَوَفَّقَهُ لِلتَّوْبَةِ خَرَجَ مِنْ شُؤْمِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ وَتَخَلَّصَ مِنْ أَسْرِ الشَّيْطَانِ وَمَنَ الْمَهْلَكَةِ الَّتِي أَشْرَفَ عَلَيْهَا فَأَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِمَغْفِرَتِهِ وَبِرَحْمَتِهِ وَإِلَّا فَالْفَرَحُ الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ اهْتِزَازٌ وَطَرَبٌ يَجِدُهُ الشَّخْصُ مِنْ نَفْسِهِ عِنْدَ ظَفَرِهِ بِغَرَضٍ يَسْتَكْمِلُ بِهِ نُقْصَانَهُ وَيَسُدُّ بِهِ خُلَّتَهُ أَوْ يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا أَوْ نَقْصًا وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ الْكَامِلُ بِذَاتِهِ الْغَنِيُّ بِوُجُودِهِ الَّذِي لَا يَلْحَقُهُ نَقْصٌ وَلَا قُصُورٌ لَكِنَّ هَذَا الْفَرَحَ لَهُ عِنْدَنَا ثَمَرَةٌ وَفَائِدَةٌ وَهُوَ الْإِقْبَالُ عَلَى الشَّيْءِ الْمَفْرُوحِ بِهِ وَإِحْلَالُهُ الْمَحَلَّ الْأَعْلَى وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَصِحُّ فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَعَبَّرَ عَنْ ثَمَرَةِ الْفَرَحِ بِالْفَرَحِ عَلَى طَرِيقَةِ الْعَرَبِ فِي تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا جَاوَرَهُ أَوْ كَانَ مِنْهُ بِسَبَبٍ وَهَذَا الْقَانُونُ جَارٍ فِي جَمِيعِ مَا أَطْلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى صِفَةٍ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِهِ وَكَذَا مَا ثَبَتَ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ وَبِهِ مَهْلَكَةٌ كَذَا فِي الرِّوَايَاتِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ خَفِيفَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ هَاءِ ضَمِيرٍ وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي رِوَايَةِ أَبِي الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي شِهَابٍ بِسَنَدِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِدَوِّيَةٍ بِمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَدَالٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ وَاوٍ ثَقِيلَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ هَاءِ تَأْنِيثٍ وَكَذَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ خَارِجَ الْبُخَارِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ وَغَيْرِهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلَكَةٍ وَحَكَى الْكِرْمَانِيُّ أَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مِنَ الْبُخَارِيِّ وَبِيئَةٍ وَزْنَ فَعِيلَةٍ مِنَ الْوَبَاءِ وَلَمْ أَقِفْ أَنَا عَلَى ذَلِكَ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ وَصْفُ الْمُذَكَّرِ وَهُوَ الْمَنْزِلُ بِصِفَةِ الْمُؤَنَّثِ فِي قَوْلِهِ وَبِيئَةٍ مَهْلَكَةٍ وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى إِرَادَةِ الْبُقْعَةِ وَالدَّوِّيَّةُ هِيَ الْقَفْرُ وَالْمَفَازَةُ وَهِيَ الدَّاوِيَّةُ بِإِشْبَاعِ الدَّالِ وَوَقَعَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَجَمْعُهَا دَاوِيٌّ قَالَ الشَّاعِرُ أَرْوَعُ خَرَاجٍ مِنَ الدَّاوِيِّ قَوْلُهُ مَهْلَكَةٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ بَيْنَهُمَا هَاءٌ سَاكِنَةٌ يَهْلِكُ مَنْ حَصَلَ بِهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ أَيْ تُهْلِكُ هِيَ مَنْ يَحْصُلُ بِهَا قَوْلُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ زَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ وَمَا يُصْلِحُهُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ وَقَدْ ذَهَبَتْرَاحِلَتُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَطَلَبَهَا قَوْلُهُ حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ شَكٌّ مِنْ أَبِي شِهَابٍ وَاقْتَصَرَ جَرِيرٌ عَلَى ذِكْرِ الْعَطَشِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَوْلُهُ قَالَ أَرْجِعُ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ بِلَفْظِ الْمُتَكَلِّمِ قَوْلُهُ إِلَى مَكَانِي فَرَجَعَ فَنَامَ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ وَفِي رِوَايَةِ أبي مُعَاوِيَة ارْجع إِلَى مَكَاني الَّذِي اضللنها فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ قَوْلُهُ فَنَامَ نَوْمَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا زَادُهُ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ فِي رِوَايَتِهِ وَمَا يُصْلِحُهُ قَوْلُهُ تَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ هُوَ الْوَضَّاحُ وَجَرِيرٌ هُوَ بن عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الْأَعْمَشِ فَأَمَّا مُتَابَعَةُ أَبِي عَوَانَةَ فَوَصَلَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ عَنْهُ وَأَمَّا مُتَابَعَةُ جَرِيرٍ فَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ وَقَدْ ذَكَرْتُ اخْتِلَافَ لَفْظِهَا قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ هُوَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدثنَا عمَارَة حَدثنَا الْحَارِث يَعْنِي عَن بن مَسْعُودٍ بِالْحَدِيثَيْنِ وَمُرَادُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ وَافَقُوا أَبَا شِهَابٍ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَيْنِ عَنْعَنَاهُ وَصَرَّحَ فِيهِ أَبُو أُسَامَةَ وَرِوَايَةُ أَبِي أُسَامَةَ وَصَلَهَا مُسْلِمٌ أَيْضًا وَقَالَ مِثْلَ حَدِيثِ جَرِيرٍ قَوْلُهُ وَقَالَ شُعْبَةُ وَأَبُو مُسْلِمٍ زَادَ الْمُسْتَمْلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ عَنَ الْفَرَبْرِيِّ اسْمُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ أَيْ بِالتَّصْغِيرِ كُوفِيٌّ قَائِدٌ الْأَعْمَشُ قُلْتُ وَاسْمُ أَبِيهِ سَعِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ كُوفِيٌّ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ لَكِنْ لَمَّا وَافَقَهُ شُعْبَةُ تَرَخَّصَ الْبُخَارِيُّ فِي ذِكْرِهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي تَارِيخِهِ وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَيُنْظَرُ فِيهِ وَمُرَادُهُ أَنَّ شُعْبَةَ وَأَبَا مُسْلِمٍ خَالَفَا أَبَا شِهَابٍ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي تَسْمِيَةِ شَيْخِ الْأَعْمَشِ فَقَالَ الْأَوَّلُونَ عُمَارَةُ وَقَالَ هَذَانِ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ وَشُجَاعَ بْنَ الْوَلِيدِ وَقُطْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَافَقُوا أَبَا شِهَابٍ عَلَى قَوْلِهِ عُمَارَةُ عَنِ الْحَارِثِ ثُمَّ سَاقَ رِوَايَاتِهِمْ وَطَرِيقُ قُطْبَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عُمَارَةَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ خَالَفَ الْجَمِيعَ فَجَعَلَ الْحَدِيثَ عِنْدَ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ جَمِيعًا لَكِنَّهُ عِنْدَ عُمَارَةَ عَن الْأسود وَهُوَ بن يَزِيدَ النَّخَعِيُّ وَعِنْدَ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ وَأَبُو شِهَابٍ وَمَنْ تَبِعَهُ جَعَلُوهُ عِنْدَ عُمَارَةَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ وَرِوَايَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا فِي شَيْءٍ مِنَ السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هَمَّامٍ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي كُرَيْبٍ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ طَرِيفٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ كَمَا قَالَ أَبُو شِهَابٍ وَمَنْ تَبِعَهُ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيِّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَجَمَعَ بَيْنَ الْأَسْوَدِ وَالْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي كُرَيْبٍ وَلَمْ أَرَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ وَإِنَّمَا وَجَدْتُهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ كَذَلِكَ وَفِي الْجُمْلَةِ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عُمَارَةَ فِي شَيْخِهِ هَلْ هُوَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ أَوِ الْأَسْوَدُ وَتَبَيَّنَ مِمَّا ذَكَرْتُهُ أَنَّهُ عِنْدَهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَاخْتُلِفَ عَلَى الْأَعْمَشِ فِي شَيْخِهِ هَلْ هُوَ عُمَارَةُ أَوْ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ وَتَبَيَّنَ أَيْضًا أَنَّهُ عِنْدَهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَالرَّاجِحُ مِنَ الِاخْتِلَافِ كُلِّهِ مَا قَالَ أَبُو شِهَابٍ وَمَنْ تَبِعَهُ وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ وَصَدَّرَ بِهِ الْبُخَارِيُّ كَلَامَهُ فَأَخْرَجَهُ مَوْصُولًا وَذَكَرَ الِاخْتِلَافَ مُعَلَّقًا كَعَادَتِهِ فِي الْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْخِلَافِ لَيْسَ بِقَادِحٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. تَنْبِيه ذَكَرَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ لِهَذَا الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ سَبَبًا وَأَوَّلُهُ كَيْفَ تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ انْفَلَتَتْ مِنْهُ رَاحِلَتُهُ بِأَرْضٍقَفْرٍ لَيْسَ بِهَا طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ وَعَلَيْهَا لَهُ طَعَامٌ وَشَرَابٌ فَطَلَبَهَا حَتَّى شَقَّ عَلَيْهِ فَذكر مَعْنَاهُ وَأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مُخْتَصَرًا ذَكَرُوا الْفَرَحَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالرَّجُلُ يَجِدُ ضَالَّتَهُ فَقَالَ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا الْحَدِيثَ

    باب التَّوْبَةِقَالَ قَتَادَةُ: {{تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}}: [التحريم: 8]: الصَّادِقَةُ النَّاصِحَةُ.(باب التوبة) سقط لفظ باب لأبي ذر فالتوبة رفع وهي في الشرع ترك الذنب لقبحه والندم على ما فرط منه والعزم على ترك المعاودة وتدارك ما أمكنه أن يتداركه من الأعمال بالأعمال بالإِعادة وردّ الظلامات لذويها أو تحصيل البراءة منهم، وزاد عبد الله بن المبارك: إن يعمد إلى البدن الذي رباه بالسحت فيذيبه بالهم والحزن حتى ينشأ له لحم طيب وأن يذيق نفسه ألم الطاعة كما أذاقها لذة المعصية اهـ.والتوبة أهم قواعد الإِسلام وهي أول مقامات سالكي الآخرة وبها سعادة الأبد.(قال): ولأبي ذر: وقال (قتادة) فيما وصله عبد بن حميد في تفسير قوله تعالى: ({{توبوا إلى الله توبة نصوحًا}}) [التحريم: 8] أي (الصادقة الناصحة) وقيل هي التي لا عود بعدها كما لا يعود اللبن إلى الضرع وقيل الخالصة وقال الحسن: النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره وقيل نصوحًا من نصاحة الثوب أي توبة ترفو خروقك في دينك وترم خللك ويجوز أن يراد توبة تنصح الناس أي تدعوهم إلى مثلها لظهور أثرها في صاحبها واستعماله الجد والعزيمة في العمل على مقتضاها، وسقط توبوا إلى الله لأبي ذر.
    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:5974 ... ورقمه عند البغا: 6308 ]
    - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ، يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَىذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ» فَقَالَ: بِهِ هَكَذَا قَالَ أَبُو شِهَابٍ بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ ثُمَّ قَالَ: «لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلاً وَبِهِ مَهْلَكَةٌ، وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِى فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ». تَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَجَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَارِثَ وَقَالَ شُعْبَةُ: وَأَبُو مُسْلِمٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ.وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي. الكوفي قال: (حدّثنا أبو
    شهاب)
    عبد ربه بن نافع الحناط بالحاء المهملة والنون المشددة وبعد الألف مهملة الصغير لا الكبير (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن عمارة بن عمير) بضم العين فيهما والثاني مصغر التيمي من بني تيم اللات بن ثعلبة الكوفي (عن الحارث بن سويد) التيمي أيضًا التابعي الكبير كالسابقين لكن أولهما صغير من صغارهم والذي بعده من أوساطهم: (حدّثنا عبد الله بن مسعود) وسقط لغير أبي ذر ابن مسعود -رضي الله عنه- (حديثين أحدهما عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والآخر عن نفسه قال): وهو الحديث الموقوف.(إن المؤمن يرى ذنوبه) مفعول يرى الثاني محذوف أي كالجبال بدليل قوله في الآخر كذباب مرّ أو هو قوله (كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه) لقوّة إيمانه وشدة خوفه فلا يأمن العقوبة بسبب ذنوبه والمؤمن دائم الخوف والمراقبة يستصغر عمله الصالح ويخاف من صغير عمله (وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب) بالمعجمة الطير المعروف (مرّ على أنفه) فلا يبالي به لاعتقاده عدم حصول كبير ضرر بسببه (فقال به) بالذباب (هكذا) أي نحاه بيده أو دفعه وهو من إطلاق القول على الفعل، فالفاجر لقلة عمله يقل خوفه فيستهين بالمعصية ودل التمثيل الأول على غاية الخوف والاحتراز من الذنوب والثاني على نهاية قلة المبالاة والاحتفال بها.(قال أبو شهاب): الحناط المذكور بالسند السابق في تفسير قوله: فقال به أي (بيده فوق أنفه) والتعبير بالذباب لكونه أخف الطير وأحقره ولأنه يدفع بالأقل وبالأنف للمبالغة في اعتقاده خفة الذنب عنده لأن الذباب قلما ينزل على الأنف، وإنما يقصد غالبًا العين وباليد تأكيدًا للخفة.(ثم) قال ابن مسعود (قال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:(لله) بلام التأكيد المفتوحة (أفرح) أرضى (بتوبة عبده) وأقبل لها والفرح المتعارف في نعوت بني آدم غير جائز على الله تعالى لأنه اهتزاز طرب يجده الشخص في نفسه عند ظفره بغرض يستكمل به نقصانه أو يسدّ به خلته أو يدفع به عن نفسه ضررًا أو نقصًا، وإنما كان غير جائزعليه تعالى لأنه الكامل بذاته الغني بوجوده الذي لا يلحقه نقص ولا قصور وإنما معناه الرضا والسلف فهموا منه ومن أشباهه ما وقع الترغيب فيه من الأعمال والإِخبار عن فضل الله، وأثبتوا هذه الصفات له تعالى ولم يشتغلوا بتفسيرها مع اعتقادهم تنزيهه تعالى عن صفات المخلوقين، وأما من اشتغل بالتأويل فله طريقان: أحدهما أن التشبيه مركب عقلي من غير نظر إلى مفردات التركيب بل تؤخذ الزبدة والخلاصة من المجموع وهي غاية الرضا ونهايته، وإنما أبرز ذلك في صورة التشبيه تقرير المعنى الرضا في نفس السامع وتصويرًا لمعناه وثانيهما تمثيلي وهو أن يتوهم للمشبه الحالات التي للمشبه به وينتزع له منها ما يناسبه حالة حالة بحيث لم يختلط منها شيء، والحاصل أن إطلاق الفرح في حقه تعالى مجاز عن رضاه وقد يعبر عن الشيء بسببه أو عن ثمرته الحاصلة عنه فإن من فرح بشيء جاد لفاعله بما سأل وبذل له ما طلب فعبّر عن عطائه تعالى وواسع كرمه بالفرح، وزاد الإِسماعيلي بعد قوله عبد المؤمن وكذا عند مسلم، ولأبي ذر: لله أفرح بتوبة العبد (من رجل نزل منزلاً) بكسر الزاي في الثاني (وبه) أي بالمنزل، وعند الإِسماعيلي بدوية بموحدة مكسورة فدال مفتوحة فواو مكسورة فتحتية مشددة مفتوحة فهاء تأنيث، وهو كذا عند مسلم والسنن أي مقفرة (مهلكة) بفتح الميم واللام تهلك سالكها أو من حصل فيها، وفي بعض النسخ كما في الفتح مهلكة بضم الميم وكسر اللام من مزيد الرباعي أي تهلك هي من حصل بها، وفي مسلم في أرض دوية مهلكة (ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ) من نومه (وقد ذهبت راحلته) فخرج في طلبها (حتى اشتدّ) ولأبي ذر: حتى إذا اشتدّ (عليه الحرّ والعطش أو ما شاء الله) شك من أبي شهاب قاله في الفتح وفي رواية أبي معاوية حتى إذا أدركه الموت (قال: أرجع إلى مكاني)
    بقطع الهمزة الذي كنت فيه فأنام (فرجع) إليه (فنام نومة ثم رفع رأسه) بعد أن استيقظ (فإذا راحلته عنده) عليها زاده طعامه وشرابه كذا في رواية عند مسلم. (تابعه) أي تابع أبا شهاب الحناط (أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري فيما وصله الإِسماعيلي (و) تابعه أيضًا (جرير) بفتح الجيم فيما وصله البزار (عن الأعمش) سليمان بن مهران.(وقال أبو أسامة): حماد بن أسامة فيما وصله مسلم (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا عمارة) بن عمير (قال: سمعت الحارث بن سويد) يعني عن ابن مسعود بالحديثين، ومراده كما في الفتح أن هؤلاء الثلاثة وافقوا أبا شهاب في إسناد هذا الحديث إلا أن الأولين عنعناه.(وقال شعبة) بن الحجاج: (وأبو مسلم) بضم الميم وسكون المهملة زاد أبو ذر عن المستملي اسمه عبيد الله بضم العين ابن سعيد بن مسلم كوفيّ قائد الأعمش سليمان وقد ضعفه جماعة لكن لما وافقه شعبة أخرج له البخاري، وقال في تاريخه: في حديثه نظر (عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد) أي عن ابن مسعود ففيه أن شعبة وأبا مسلم خالفًا أبا شهاب الحناط ومن وافقه في تسمية شيخ الأعمش فقال الأوّلون: عمارة وقال هذان: إبراهيم التيمي.(وقال أبو معاوية) محمد بن خازم بالمعجمتين (حدّثنا الأعمش) سليمان (عن عمارة) بضم العين وتخفيف الميم ابن عمير (عن الأسود) بن يزيد النخعي (عن عبد الله) أي ابن مسعود وغرض المؤلف الإعلام بأن أبا معاوية خالف الجميع فجعل الحديث عن الأعمش عن عمارة بن عمير (وعن إبراهيم التيمي) جميعًا لكنه عند عمارة عن الأسود بن يزيد وعند إبراهيم التيمي (عن الحارث بن سويد عن عبد الله) يعني ابن مسعود وأبو شهاب ومن تبعه جعلوه عند عمارة عن الحارث بن سويد. قال في الفتح: ورواية أبي معاوية لم أقف عليها في شيء من السنن والمسانيد على هذين الوجهين ثم قال: وفي الجملة فقد اختلف فيه عمارة في شيخه هل هو الحارث بن سويد أو الأسود واختلف على الأعمش في شيخه هل هو عمارة أو إبراهيم التيمي، والراجح من الاختلاف كله ما قاله أبو شهاب ومن تبعه ولذا اقتصر عليه مسلم وصدر به البخاري كلامه فأخرجه موصولاً وذكر الاختلاف معلقًا كعادته في الإِسناد للإشارة إلى أن مثل هذا الاختلاف غير قادح والله أعلم.(تنبيه).قوله: حدّثنا عبد الله حديثين أحدهما عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والآخر عن نفسه أي نفس ابن مسعود ولم يصرح بالمرفوع. قال النووي: قالوا المرفوع لله أفرح الخ والأوّل قول ابن مسعود وكذا جزم ابن بطال بأن الأول هو الموقوف، والثاني هو المرفوع قال الحافظ ابن حجر: وهو كذلك.

    (بابُُ التَّوْبَةِ)أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان التَّوْبَة، قَالَ الْجَوْهَرِي: التَّوْبَة الرُّجُوع من الذَّنب وَكَذَلِكَ التوب، وَقَالَ الْأَخْفَش: التوب جمع تَوْبَة، وَتَابَ إِلَى الله تَوْبَة ومتاباً، وَقد تَابَ الله عَلَيْهِ وَفقه لَهَا، واستتابه سَأَلَهُ أَن يَتُوب، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: اخْتلف عِبَارَات الْمَشَايِخ فِيهَا، فقائلاً يَقُول: إِنَّهَا النَّدَم، وَقَائِل يَقُول: إِنَّهَا الْعَزْم على أَن لَا يعود، وَآخر يَقُول: الإقلاع عَن الذَّنب، وَمِنْهُم من يجمع بَين الْأُمُور الثَّلَاثَة، وَهُوَ أكملها، وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: حَقِيقَة التَّوْبَة لَهَا سِتّ عَلَامَات: النَّدَم على مَا مضى، والعزم على أَن لَا يعود، وَيُؤَدِّي كل فرض ضيعه، وَيُؤَدِّي إِلَى كل ذِي حق حَقه من الْمَظَالِم، ويذيب الْبدن الَّذِي زينه بالسحت وَالْحرَام بالهموم وَالْأَحْزَان حَتَّى يلصق الْجلد بالعظم، ثمَّ ينشأ بَينهمَا لَحْمًا طيبا إِن هُوَ نَشأ، وَيُذِيق الْبدن ألم الطَّاعَة كَمَا أذاقه لَذَّة الْمعْصِيَة.وَقَالَ قتادَةُ: تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَةً نَصُوحاً: الصَّادِقَةُ النَّاصِحَةُهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد بن حميد من طَرِيق شَيبَان عَن قَتَادَة، وَفسّر قَتَادَة التَّوْبَة النصوح بالصادقة الناصحة، وَقَالَ صَاحب
    (الْعين) : التَّوْبَة النصوح الصادقة، وَقيل: سميت بذلك لِأَن العَبْد ينصح فِيهَا نَفسه ويقيها النَّار، وأصل نصُوحًا: منصوحاً فِيهَا إلاَّ أَنه أخبر عَنْهَا باسم الْفَاعِل للنصح على مَا ذكره سِيبَوَيْهٍ عَن الْخَلِيل فِي قَوْله: {{ (96) عيشة راضية}} (الحاقة: 21) أَي: ذَات رضى، وَكَذَلِكَ تَوْبَة نصُوحًا أَي: ينصح فِيهَا. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: بَالِغَة فِي النصح وَهِي الْخياطَة كَانَ الْعِصْيَان يخرق وَالتَّوْبَة ترفع، والنصاح بِالْكَسْرِ الْخَيط الَّذِي يخلط بِهِ، والناصح الْخياط والنصيحة الِاسْم والنصح بِالضَّمِّ الْمصدر، وَهُوَ بِمَعْنى الْإِخْلَاص: الخلوص والصدق، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الناصح الْخَالِص من الْعَسَل وَغَيره مثل الناصع وكل شَيْء خلص فقد نصح، قَالَ الْجَوْهَرِي: نَصَحْتُك نصحاً ونصاحة، يُقَال: نصحه ونصح لَهُ وَهُوَ بِاللَّامِ أفْصح، قَالَ الله تَعَالَى: {{ وأنصح لكم}} (الْأَعْرَاف: 62) وَرجل نَاصح الجيب أَي: نقي الْقلب، وانتصح فلَان أَي: قبل النَّصِيحَة.
    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:5974 ... ورقمه عند البغا:6308 ]
    - (حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس حَدثنَا أَبُو شهَاب عَن الْأَعْمَش عَن عمَارَة بن عُمَيْر عَن الْحَارِث بن سُوَيْد حَدثنَا عبد الله بن مَسْعُود حديثين أَحدهمَا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْآخر عَن نَفسه قَالَ إِن الْمُؤمن يرى ذنُوبه كَأَنَّهُ قَاعد تَحت جبل يخَاف أَن يَقع عَلَيْهِ وَإِن الْفَاجِر يرى ذنُوبه كذبابُ مر على أَنفه فَقَالَ بِهِ هَكَذَا قَالَ أَبُو شهَاب بِيَدِهِ فَوق أَنفه ثمَّ قَالَ لله أفرح بتوبة عَبده من رجل نزل منزلا وَبِه مهلكة وَمَعَهُ رَاحِلَته عَلَيْهَا طَعَامه وَشَرَابه فَوضع رَأسه فَنَامَ نومَة فَاسْتَيْقَظَ وَقد ذهبت رَاحِلَته حَتَّى إِذا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحر والعطش أَو مَا شَاءَ الله قَالَ أرجع إِلَى مَكَان فَرجع فَنَامَ نومَة ثمَّ رفع رَأسه فَإِذا رَاحِلَته عِنْده) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله لله أفرح بتوبة عَبده وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس التَّمِيمِي الْيَرْبُوعي الْكُوفِي وَهُوَ قد نسب إِلَى جده واشتهر بِهِ وَأَبُو شهَاب اسْمه عبد ربه بن نَافِع الحناط بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالنُّون وَهُوَ أَبُو شهَاب الحناط الصَّغِير وَأما أَبُو شهَاب الحناط الْكَبِير وَهُوَ فِي طبقَة شُيُوخ هَذَا واسْمه مُوسَى بن نَافِع وليسا أَخَوَيْنِ وهما كوفيان وَكَذَا بَقِيَّة رجال السَّنَد وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان وَعمارَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم ابْن عُمَيْر بِضَم الْعين وَفتح الْمِيم التَّيْمِيّ تيم الله من بني تيم اللات بن ثَعْلَبَة والْحَارث بن سُوَيْد التَّيْمِيّ تيم الربابُُ وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَفِيه ثَلَاثَة من التَّابِعين على نسق وَاحِد أَوَّلهمْ الْأَعْمَش وَهُوَ من صغَار التَّابِعين وَالثَّانِي عمَارَة بن عُمَيْر وَهُوَ من أوساطهم وَالثَّالِث الْحَارِث بن سُوَيْد وَهُوَ من كبارهم والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَغَيره وَلم يذكر أَن الْمُؤمن يرى إِلَى آخر الْقِصَّة وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن هناد وَغَيره وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النعوت عَن مُحَمَّد بن عبيد وَغَيره وَذكر قصَّة التَّوْبَة فَقَط قَوْله حديثين أَحدهمَا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْآخر عَن نَفسه أَي نفس ابْن مَسْعُود وَلم يُصَرح بالمرفوع إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ النَّوَوِيّ وَابْن بطال أَيْضا أَن الْمَرْفُوع هُوَ قَوْله لله أفرح إِلَى آخِره وَالْأول قَول ابْن مَسْعُود وَوَقع الْبَيَان فِي رِوَايَة مُسلم مَعَ أَنه لم يسق مَوْقُوف ابْن مَسْعُود وَرَوَاهُ عَن جرير عَن الْأَعْمَش عَن عمَارَة عَن الْحَارِث قَالَ دخلت على ابْن مَسْعُود أعوده وَهُوَ مَرِيض فحدثنا بحديثين حَدِيثا عَن نَفسه وحديثا عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " لله أَشد فَرحا " الحَدِيث قَوْله " إِن الْمُؤمن يرى ذنُوبه " إِلَى قَوْله أَن يَقع عَلَيْهِ السَّبَب فِيهِ أَن قلب الْمُؤمن منور فَإِذا رأى من نَفسه مَا يُخَالف ذَلِك عظم الْأَمر عَلَيْهِ وَالْحكمَة فِي التَّمْثِيل بِالْجَبَلِ أَن غَيره من المهلكات قد يحصل مِنْهُ النجَاة بِخِلَاف الْجَبَل إِذا سقط عَلَيْهِ لَا ينجو عَادَة قَوْله " وَإِن الْفَاجِر " أَي العَاصِي الْفَاسِق قَوْله كذبابُ مر على أَنفه وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ يرى ذنُوبه كَأَنَّهَا ذُبابُُ مر على أَنفه أَرَادَ أَن ذَنبه سهل عَلَيْهِ لِأَن قلبه مظلم فالذنب عِنْده خَفِيف قَوْله " فَقَالَ بِهِ هَكَذَا " أَي نحاه بِيَدِهِ أَو دَفعه وذبه وَهُوَ من إِطْلَاق القَوْل على الْفِعْل قَوْله قَالَ أَبُو شهَاب هُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور قَوْله بِيَدِهِ فَوق أَنفه تَفْسِير مِنْهُ لقَوْله فَقَالَ بِهِ قَوْله ثمَّ قَالَ أَي عبد الله بن مَسْعُود
    رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله " لله " اللَّام فِيهِ مَفْتُوحَة للتَّأْكِيد قَوْله أفرح وَإِطْلَاق الْفَرح على الله مجَاز يُرَاد بِهِ رِضَاهُ وَعبر عَنهُ بِهِ تَأْكِيدًا لِمَعْنى الرِّضَا عَن نفس السَّامع ومبالغة فِي تَقْرِيره قَوْله " بتوبة عَبده " وَفِي رِوَايَة أبي الرّبيع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ عَبده الْمُؤمن وَكَذَا عِنْد مُسلم من رِوَايَة جرير وَكَذَا عِنْده من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة قَوْله وَبِه أَي بالمنزل أَي فِيهِ مهلكة بِفَتْح الْمِيم وَكسر اللَّام وَفتحهَا مَكَان الْهَلَاك ويروى مهلكة على وزن اسْم الْفَاعِل وَقَالَ بَعضهم وَفِي بعض النّسخ بِضَم الْمِيم وَكسر اللَّام من الرباعي قلت لَا يُقَال لمثل هَذَا من الرباعي وَلَيْسَ هَذَا باصطلاح الْقَوْم وَإِنَّمَا يُقَال لمثل هَذَا من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ وَقَالَ الْكرْمَانِي ويروى وبيئة على وزن فعيلة من الوباء وَقَالَ بَعضهم لم أَقف على ذَلِك فِي كَلَام غَيره وَيلْزم عَلَيْهِ أَن يكون وصف الْمُذكر وَهُوَ الْمنزل بِصفة الْمُؤَنَّث فِي قَوْله وبيئة مهلكة انْتهى قلت عدم وُقُوفه على هَذَا لَا يسْتَلْزم عدم وقُوف غَيره وَمن أَيْن لَهُ الْوُقُوف على كَلَام الْقَوْم كلهم حَتَّى يَقُول لم أَقف ودعواه اللُّزُوم الْمَذْكُور غير صَحِيحَة لِأَن الْمنزل يُطلق عَلَيْهِ الْبقْعَة قَوْله " عَلَيْهَا طَعَامه وَشَرَابه " وَزَاد التِّرْمِذِيّ فِي رِوَايَته " وَمَا يصلحه " قَوْله " وَقد ذهبت رَاحِلَته " وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة " فأضلها فَخرج فِي طلبَهَا " وَفِي رِوَايَة مُسلم " فطلبها " قَوْله " أَو مَا شَاءَ الله " شكّ من ابْن شهَاب وَاقْتصر جرير على ذكر الْعَطش وَوَقع فِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة " حَتَّى إِذا أدْركهُ الْمَوْت " قَوْله " أرجع " بِفَتْح الْهمزَة بِصِيغَة الْمُتَكَلّم قَوْله إِلَى مَكَان فَرجع فَنَامَ وَفِي رِوَايَة جرير أرجع إِلَى مَكَاني الَّذِي كنت فِيهِ فأنام حَتَّى أَمُوت فَوضع رَأسه على ساعده ليَمُوت وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة أرجع إِلَى مَكَاني الَّذِي أضللتها فِيهِ فأموت فِيهِ فَرجع إِلَى مَكَانَهُ فغلبته عينه قَوْله فَإِذا رَاحِلَته عِنْده كلمة إِذا للمفاجأة وَفِي رِوَايَة جرير فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْده رَاحِلَته طَعَامه وَشَرَابه وَزَاد أَبُو مُعَاوِيَة فِي رِوَايَته وَمَا يصلحه(تَابعه أَبُو عوَانَة وَجَرِير عَن الْأَعْمَش) أَي تَابع أَبَا شهَاب فِي رِوَايَته عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش أَبُو عوَانَة وَهُوَ الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي وَجَرِير بن عبد الحميد أما مُتَابعَة أبي عوَانَة فرواها الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْحسن أخبرنَا مُحَمَّد بن الْمثنى أخبرنَا يحيى عَن حَمَّاد عَن أبي عوَانَة وَأما مُتَابعَة جرير فرواها الْبَزَّار حَدثنَا يُوسُف بن مُوسَى أخبرنَا جرير عَن الْأَعْمَش عَن عمَارَة عَن الْحَارِث عَن عبد الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَذكره(وَقَالَ أَبُو أُسَامَة حَدثنَا الْأَعْمَش حَدثنَا عمَارَة سَمِعت الْحَارِث بن سُوَيْد) أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله مُسلم حَدثنِي إِسْحَق بن مَنْصُور أخبرنَا أَبُو أُسَامَة حَدثنَا الْأَعْمَش عَن عمَارَة بن عمر قَالَ سَمِعت الْحَارِث بن سُوَيْد قَالَ حَدثنِي عبد الله حديثين الحَدِيث(وَقَالَ شُعْبَة وَأَبُو مُسلم عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن الْحَارِث بن سُوَيْد) أَبُو مُسلم زَاد الْمُسْتَمْلِي فِي رِوَايَته عَن الْفربرِي اسْمه عبيد الله كُوفِي قَائِد الْأَعْمَش يروي عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم بن يزِيد بن شريك التَّيْمِيّ تيم الربابُُ عَن الْحَارِث بن سُوَيْد وَالْمَقْصُود من هَذَا أَن شُعْبَة وَأَبا مُسلم خالفا أَبَا شهَاب الْمَذْكُور وَمن تبعه فِي تَسْمِيَة شيخ الْأَعْمَش فَقَالَ الْأَولونَ عمَارَة وَقَالَ هَذَانِ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ وروى النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن عبيد بن مُحَمَّد عَن عَليّ بن مسْهر عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن الْحَارِث عَن عبد الله لله أفرح بتوبة عَبده الحَدِيث وَأما عبيد الله الَّذِي زَاده الْمُسْتَمْلِي فَهُوَ عبيد الله بِالتَّصْغِيرِ ابْن سعيد بن مُسلم الْكُوفِي ضعفه جمَاعَة لَكِن لما وَافقه شُعْبَة ترخص البُخَارِيّ فِي ذكره(وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَة حَدثنَا الْأَعْمَش عَن عمَارَة عَن الْأسود عَن عبد الله وَعَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن الْحَارِث بن سُوَيْد عَن عبد الله) أَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم بالمعجمتين وَالْأسود هُوَ ابْن يزِيد النَّخعِيّ وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود وَأَرَادَ بِهَذَا أَن أَبَا مُعَاوِيَة
    خَالف الْجَمِيع فَجعل الحَدِيث عِنْد الْأَعْمَش عَن عمَارَة بن عُمَيْر وَإِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ جَمِيعًا لكنه عِنْد عمَارَة عَن الْأسود بن يزِيد وَعند إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن الْحَارِث بن سُوَيْد وَأَبُو شهَاب وَمن تبعه جَعَلُوهُ عِنْد عمَارَة عَن الْحَارِث بن سُوَيْد وَلما كَانَ هَذَا الِاخْتِلَاف اقْتصر مُسلم فِيهِ على مَا قَالَ أَبُو شهَاب وَمن تبعه وَصدر بِهِ البُخَارِيّ كَلَامه فَأخْرجهُ مَوْصُولا وَذكر الِاخْتِلَاف مُتَعَلقا على عَادَته لِأَن هَذَا الِاخْتِلَاف لَيْسَ بقادح -

    لا توجد بيانات