• 530
  • حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : حَدَّثَنَا زَائِدَةُ ، عَنْ حُصَيْنٍ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا ، فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ : {{ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا }}

    حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : " بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا ، فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ : {{ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا }} "

    عير: العير : كل ما جلب عليه المتاع والتجارة من قوافل الإبل والبغال والحمير
    وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا
    لا توجد بيانات

    [936] قَوْلُهُ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي فِي رِوَايَةِ خَالِدٍ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ انْفِضَاضَهُمْ وَقَعَ بَعْدَ دُخُولِهِمْ فِي الصَّلَاةِ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ وَلَهُ فِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ زَادَ أَبُو عَوَانَةُ فِي صَحِيحِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ يَخْطُبُ وَمِثْلُهُ لِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ وَلِعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ كِلَاهُمَا عَنْ حُصَيْنٍ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ وَإِسْرَائِيلَ وَمِثْلُهُ فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَفِي مُرْسَلِ قَتَادَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ نُصَلِّي أَيْ نَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ وَقَوْلُهُ فِي الصَّلَاةِ أَيْ فِي الْخُطْبَةِ مَثَلًا وَهُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا قَارَبَهُ فَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ اسْتِدْلَال بن مَسْعُودٍ عَلَى الْقِيَامِ فِي الْخُطْبَةِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا أخرجه بن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَكَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ كَعْبُ بن عجْرَة فِي صَحِيح مُسلم وَحمل بن الْجَوْزِيِّ قَوْلَهُ يَخْطُبُ قَائِمًا عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ آخَرُ غَيْرُ خَبَرِ كَوْنِهِمْ كَانُوا مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ التَّقْدِيرُ صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا الْحَدِيثَ وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ قَوْلُهُ إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ هِيَ الْإِبِلُ الَّتِي تَحْمِلُ التِّجَارَةَ طَعَامًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا وَنقل بن عَبْدِ الْحَقِّ فِي جَمْعِهِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يُخَرِّجْ قَوْلَهُ إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا وَهُوَ ذُهُولٌ مِنْهُ نَعَمْ سَقَطَ ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ وَثَبَتَ هُنَا وَفِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ وَزَادَ فِيهِ أَنَّهَا أَقْبَلَتْ مِنَ الشَّامِ وَمِثْلُهُ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ حُصَيْنٍ وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَمُرَّةَ فَرْقُهُمَا أَنَّ الَّذِي قَدِمَ بِهَا مِنَ الشَّامِ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ وَنَحْوُهُ فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَلِابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاك عَن بن عَبَّاسٍ جَاءَتْ عِيرٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَجُمِعَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ التِّجَارَةَ كَانَتْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَكَانَ دِحْيَةُ السَّفِيرَ فِيهَا أَوْ كَانَ مُقَارِضًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بن وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ أَنَّهَا كَانَتْ لِوَبَرَةَ الْكَلْبِيِّ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ كَانَ رَفِيقَ دِحْيَةَ قَوْلُهُ فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا فِي رِوَايَة بن فُضَيْلٍ فِي الْبُيُوعِفَانْفَضَّ النَّاسُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلَفْظِ الْقُرْآنِ وَدَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالِالْتِفَاتِ الِانْصِرَافُ وَفِيهِ رَدٌّ على من حمل الِالْتِفَات علىظاهره فَقَالَ لَا يُفْهَمُ مِنْ هَذَا الِانْصِرَافُ عَنِ الصَّلَاةِ وَقَطْعِهَا وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْتِفَاتُهُمْ بِوُجُوهِهِمْ أَوْ بِقُلُوبِهِمْ وَأَمَّا هَيْئَةُ الصَّلَاةِ الْمُجْزِئَةُ فَبَاقِيَةٌ ثُمَّ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِانْفِضَاضَ وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ تَرَجَّحَ فِيمَا مَضَى أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ فِي الْخُطْبَةِ فَلَوْ كَانَ كَمَا قِيلَ لَمَا وَقَعَ هَذَا الْإِنْكَارُ الشَّدِيدُ فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِيهَا لَا يُنَافِي الِاسْتِمَاعَ وَقَدْ غَفَلَ قَائِلُهُ عَنْ بَقِيَّةِ أَلْفَاظِ الْخَبَرِ وَفِي قَوْلِهِ فَالْتَفَتُوا الْحَدِيثَ الْتِفَاتٌ لِأَنَّ السِّيَاقَ يَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ فَالْتَفَتْنَا وَكَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي عُدُولِ جَابِرٍ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ لَمْ يَكُنْ مِمَّنِ الْتَفَتَ كَمَا سَيَأْتِي قَوْلُهُ إِلَّا اثْنَيْ عَشَرَ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ لَيْسَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغًا فَيَجِبُ رَفْعُهُ بَلْ هُوَ مِنْ ضَمِيرِ بَقِيَ الَّذِي يَعُودُ إِلَى الْمُصَلِّي فَيَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ قَالَ وَقَدْ ثَبَتَ الرَّفْعُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أه وَوَقع فِي تَفْسِير الطَّبَرِيّ وبن أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى أَبِي قَتَادَةَ قَالَ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمْ أَنْتُمْ فَعَدُّوا أَنْفُسَهُمْ فَإِذَا هُمْ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا وَامْرَأَةً وَفِي تَفْسِيرِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ الشَّامِيِّ وَامْرَأَتَانِ وَلِابْنِ مرْدَوَيْه من حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَسَبْعُ نِسْوَةٍ لَكِنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ وَاتَّفَقَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا إِلَّا مَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ حُصَيْنٍ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ فَقَالَ إِلَّا أَرْبَعِينَ رَجُلًا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ وَهُوَ ضَعِيفُ الْحِفْظِ وَخَالَفَهُ أَصْحَابُ حُصَيْنٍ كُلُّهُمْ وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُمْ فَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ خَالِدٍ الطَّحَّانِ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ جَابِرًا قَالَ أَنَا فِيهِمْ وَلَهُ فِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي رِوَايَةِ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ دُونَ سَالِمٍ وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَفِي تَفْسِيرِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ الشَّامِيِّ أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْهُمْ وَرَوَى الْعُقَيْلِيُّ عَن بن عَبَّاس أَن مِنْهُم الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وبن مَسْعُودٍ وَأُنَاسًا مِنْ الْأَنْصَارِ وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ أَنَّ أَسَدَ بْنَ عَمْرٍو رَوَى بِسَنَدٍ مُنْقَطِعٍ أَنَّ الاثْنَي عشر هم الْعشْرَة المبشرة وبلال وبن مَسْعُود قَالَ وَفِي رِوَايَة عمار بدل بن مَسْعُودٍ اه وَرِوَايَةُ الْعُقَيْلِيِّ أَقْوَى وَأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ ثُمَّ وَجَدْتُ رِوَايَةَ أَسَدِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ الْعُقَيْلِيِّ بِسَنَدٍ مُتَّصِلٍ لَا كَمَا قَالَ السُّهَيْلِيُّ إنَّهُ مُنْقَطِعٌ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَسَدٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمٍ قَوْلُهُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ قُدُومِ الْعِيرِ الْمَذْكُورَةِ وَالْمُرَادُ بِاللَّهْوِ عَلَى هَذَا مَا يَنْشَأُ مِنْ رُؤْيَةِ الْقَادِمِينَ وَمَا مَعَهُمْ وَوَقَعَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَكَانَتْ لَهُمْ سُوقٌ كَانَتْ بَنُو سَلِيمٍ يَجْلِبُونَ إِلَيْهَا الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَالسَّمْنَ فَقَدِمُوا فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ النَّاسُ وَتَرَكُوهُ وَكَانَ لَهُمْ لَهْوٌ يَضْرِبُونَهُ فَنَزَلَتْ وَوَصَلَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالطَّبَرِيُّ بِذِكْرِ جَابِرٍ فِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا نَكَحُوا تَضْرِبُ الْجَوَارِي بِالْمَزَامِيرِ فَيَشْتَدُّ النَّاسُ إِلَيْهِمْ وَيَدَعُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَفِي مُرْسَلِ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ كَانَ رِجَالٌ يَقُومُونَ إِلَى نَوَاضِحِهِمْ وَإِلَى السَّفَرِ يَقْدَمُونَ يَبْتَغُونَ التِّجَارَةَ وَاللَّهْوَ فَنَزَلَتْ وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ تَنْزِلَ فِي الْأَمْرَيْنِ مَعًا وَأَكْثَرَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَوْفًى مَعَ تَفْسِيرِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى والنكتة فِي قَوْله انْفَضُّوا إِلَيْهَا دُونَ قَوْلِهِ إِلَيْهِمَا أَوْ إِلَيْهِ أَنَّ اللَّهْوَ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا كَانَ تَبَعًا لِلتِّجَارَةِ أَوْ حُذِفَ لِدَلَالَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَقَالَ الزَّجَّاجُ أُعِيدَ الضَّمِيرُ إِلَى الْمَعْنَى أَيِ انْفَضُّوا إِلَى الرُّؤْيَةِ أَيْ لِيَرَوْا مَا سَمِعُوهُ فَائِدَةٌ ذَكَرَ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ أَنَّ أَبَا مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيَّ ذَكَرَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال لَوْ تَتَابَعْتُمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْكُمُ أَحَدٌ لَسَالَ بِكُمُ الْوَادِي نَارًا قَالَ وَهَذَا لَمْ أَجِدْهُ فِي الْكِتَابَيْنِ وَلَا فِي مُسْتَخْرَجَيِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَالْبَرْقَانِيِّ قَالَ وَهِيَ فَائِدَةٌ مِنْ أَبِي مَسْعُودٍوَلَعَلَّنَا نَجِدُهَا بِالْإِسْنَادِ فِيمَا بَعْدُ انْتَهَى وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي الْأَطْرَافِ لِأَبِي مَسْعُودٍ وَلَا هِيَ فِي شَيْءٍ مِنْ طَرُقِ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورَةِ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ فِي مُرْسَلَيِ الْحَسَنِ وَقَتَادَة الْمُتَقَدّم ذكرهمَا وَكَذَا فِي حَدِيث بن عَبَّاس عِنْد بن مَرْدَوَيْهِ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَسَنَدُهُ سَاقِطٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْخُطْبَةَ تَكُونُ عَنْ قِيَامٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَنَّهَا مُشْتَرَطَةٌ فِي الْجُمُعَةِ حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ وَاسْتَبْعَدَهُ وَأَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ الْجُمُعَةِ يَنْعَقِدُ تَرْجَمَ عَلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِفَسْخِ مَا تَبَايَعُوا فِيهِ مِنَ الْعِيرِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَفِيهِ كَرَاهِيَةُ تَرْكِ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ بِاثْنَيْ عَشَرَ نَفْسًا وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ ويجئ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ الْعَدَدَ الْمُعْتَبَرَ فِي الِابْتِدَاءِ يُعْتَبَرُ فِي الدَّوَامِ فَلَمَّا لَمْ تَبْطُلِ الْجُمُعَةُ بِانْفِضَاضِ الزَّائِدِ عَلَى الِاثْنَيْ عَشَرَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَافٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَمَادَى حَتَّى عَادُوا أَوْ عَادَ مَنْ تُجْزِئُ بِهِمْ إِذْ لَمْ يَرِدْ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ أَتَمَّهَا ظُهْرًا وَأَيْضًا فَقَدْ فَرَّقَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ فِي هَذَا فَقِيلَ إِذَا انْعَقَدَتْ لَمْ يَضُرَّ مَا طَرَأَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ بَقِيَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ وَاحِدٍ مَعَهُ وَقِيلَ اثْنَيْنِ وَقِيلَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إِذَا انْفَضُّوا بَعْدَ تَمَامِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَلَا يَضُرُّ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ وَإِلَى ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ صَارَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فَقَالَ إِذَا تَفَرَّقُوا بَعْدَ الِانْعِقَادِ فَيُشْتَرَطُ بَقَاءُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ فِيهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ظَاهِرَ تَرْجَمَةِ الْبُخَارِيِّ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَتَقَيَّدَ الْجَمْعُ الَّذِي يَبْقَى مَعَ الْإِمَامِ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ وَتَقَدَّمَ تَرْجِيحُ كَوْنِ الِانْفِضَاضِ وَقَعَ فِي الْخُطْبَةِ لَا فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ اللَّائِقُ بِالصَّحَابَةِ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِمْ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ حُمِلَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ قَبْلَ النَّهْيِ كَآيَةِ لَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ وَقَبْلَ النَّهْيِ عَنِ الْفِعْلِ الْكَثِيرِ فِي الصَّلَاةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّرْجَمَةِ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ بَقِيَ جَائِزَةٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْجَمِيعَ لَوِ انْفَضُّوا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْإِمَامُ وَحْدَهُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ لَهُ الْجُمُعَةُ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَقِيلَ تَصِحُّ إِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ وَقِيلَ إِنْ بَقِيَ اثْنَانِ وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ وَقِيلَ إِنْ كَانَ صَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى صَحَّتْ لِمَنْ بَقِيَ وَقِيلَ يُتِمُّهَا ظُهْرًا مُطْلَقًا وَهَذَا الْخِلَافُ كُلُّهُ أَقْوَالٌ مُخَرَّجَةٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إِلَّا الْأَخِيرَ فَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ وَإِنْ ثَبَتَ قَوْلُ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ حِينَئِذٍ قَبْلَ الْخُطْبَةِ زَالَ الْإِشْكَالُ لَكِنَّهُ مَعَ شُذُوذِهِ مُعْضِلٌ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الْأَصِيلِيُّ حَدِيثَ الْبَابِ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَصَفَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُمْ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله ثُمَّ أَجَابَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ انْتَهَى وَهَذَا الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي آيَةِ النُّورِ التَّصْرِيحُ بِنُزُولِهَا فِي الصَّحَابَةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ لَهُمْ نَهْيٌ عَنْ ذَلِكَ فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْجُمُعَةِ وَفَهِمُوا مِنْهَا ذَمَّ ذَلِكَ اجْتَنَبُوهُ فَوُصِفُوا بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا فِي آيَة النُّور وَالله أعلم(قَوْلُهُ بَابُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَقَبْلَهَا) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيث بن عُمَرَ فِي التَّطَوُّعِ بِالرَّوَاتِبِ وَفِيهِ وَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا فِي الصَّلَاةِ قَبْلَهَا قَالَ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ كَأَنَّهُ يَقُولُ الْأَصْلُ اسْتِوَاءُ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ بَدَلُ الظُّهْرِ قَالَ وَكَانَتْ عِنَايَتُهُ بِحُكْمِ الصَّلَاةِ بَعْدَهَا أَكْثَرَ وَلِذَلِكَ قَدَّمَهُ فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ فِي تَقْدِيمِ الْقَبْلِ عَلَى الْبَعْدِ انْتَهَى وَوَجْهُ الْعِنَايَةِ الْمَذْكُورَةِ وُرُودُ الْخَبَرِ فِي الْبَعْدِ صَرِيحًا دُونَ الْقَبْلِ وَقَالَ بن بطال إِنَّمَا أعَاد بن عُمَرَ ذِكْرَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الظُّهْرِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي سُنَّةَ الْجُمُعَةِ فِي بَيْتِهِ بِخِلَافِ الظُّهْرِ قَالَ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَمَّا كَانَتْ بَدَلَ الظُّهْرِ وَاقْتُصِرَ فِيهَا عَلَى رَكْعَتَيْنِ تُرِكَ التَّنَفُّلُ بَعْدَهَا فِي الْمَسْجِدِ خَشْيَةَ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهَا الَّتِي حُذِفَتْ انْتَهَى وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَنَفَّلَ قَبْلَهَا رَكْعَتَيْنِ مُتَّصِلَتَيْنِ بِهَا فِي الْمَسْجِد لهَذَا الْمَعْنى وَقَالَ بن التِّينِ لَمْ يَقَعْ ذِكْرُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ إِثْبَاتَهَا قِيَاسًا عَلَى الظُّهْرِ انْتَهَى وَقَوَّاهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّهُ قَصَدَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالظُّهْرِ فِي حُكْمِ التَّنَفُّلِ كَمَا قَصَدَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي الْحُكْمِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ النَّافِلَةَ لَهُمَا سَوَاءٌ انْتَهَى وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ الْبَابِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ بن عُمَرَ يُطِيلُ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَيُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَيُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ احْتَجَّ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى إِثْبَاتِ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَائِدٌ عَلَى

    [936] حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا، فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}}. [الحديث أطرافه في: 2058، 2064، 4899]. وبالسند قال: (حدّثنا معاوية بن عمرو) بفتح العين، ابن المهلب، الأزدي البغدادي الكوفي الأصل، المتوفّى ببغداد سنة أربع عشرة ومائتين، (قال: حدّثنا زائدة) بن قدامة الكوفي (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، ابن عبد الرحمن الواسطي، (عن سالم بن أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون العين، رافع الكوفي (قال: حدّثنا جابر بن عبد الله) الأنصاري (قال: بينما) بالميم، وفي نسخة لأبي ذر: بينا (نحن نصلي) أي الجمعة (مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). المراد بالصلاة هنا: انتظارها، جمعًا بينه وبين رواية عبد الله بن إدريس، عن حصين عند مسلم: ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب، فهو من باب: تسمية الشيء باسم ما قاربه، وهذا أليف بالصحابة تحسينًا للظن بهم. سلمنا أنه كان في الصلاة، لكن يحتمل أنه وقع قبل النهي. نعم، في المراسيل لأبي داود، عن مقاتل بن حيان: أن الصلاة حينئذ كانت قبل الخطبة، فإذا ثبت زال الإشكال. لكنه مع شذوذه معضل. وجواب بينما قوله: (إذ أقبلت عير) بكسر العين، إبل (تحمل طعامًا) من الشام لدحية الكلبي، أو لعبد الرحمن بن عوف: روى الأوّل الطبراني، والثاني ابن مردويه، وجمع بينهما باحتمال أن تكون لعبد الرحمن، ودحية سفير، أو كانا مشتركين (فالتفتوا إليها) أي انصرفوا إلى العير، وفي رواية ابن فضيل في البيوع: فانفضّ الناس، أي فتفرقوا، وهو موافق للفظ الآية، (حتى ما بقي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا اثنا عشر رجلاً) في رواية علي بن عاصم. عن حصين: حتى لم يبق معه إلا أربعون رجلاً. رواه الدارقطني. ولو سلم من ضعف حفظ علي بن عاصم وتفرده، فإنه خالفه أصحاب حصين كلهم، لكان من أقوى الأدلة للشافعية. وردّ المالكية على الشافعية والحنابلة، حيث اشترطوا لصحة الجمعة أربعين رجلاً، بقوله في حديث الباب: حتى ما بقي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا اثنا عشر رجلاً: وأجيب: بأنه ليس فيه أنه ابتدأها باثني عشر، بل يحتمل عودهم قبل طول الزمان، أو عود غيرهم مع سماعهم أركان الخطبة. وقد اختلف فيما إذا انفضوا، فقال الشافعية والحنابلة: لو انفض الأربعون أو بعضهم في أثناء الخطبة، أو بينها وبين الصلاة، أو في الركعة الأولى ولم يعودوا، أو عادوا بعد طول الفصل، استأنف الإمام الخطبة والصلاة. ولو انفض السامعون للخطبة بعد إحرام تسعة وثلاثين لم يسمعوا الخطبة، أتم بهم الجمعة، لأنهم إذا لحقوا والعدد تام، صار حكمهم واحدًا، فسقط عنهم سماع الخطبة، أو انفضوا قبل إحرامهم استأنف الخطبة بهم، لأنه لا تصح الجمعة بدونها، وإن قصر الفضل لانتفاء سماعهم ولحوقهم. وقال أبو حنيفة: إذا نفر الناس قبل أن يركع الإمام ويسجد إلا النساء، استقبل الظهر. وقال صاحباه: إذا نفروا عنه بعدما افتتح الصلاة، صلّى الجمعة. وإن نفروا عنه بعدما ركع وسجد سجدة، بنى على الجمعة في قولهم جميعًا، خلافًا لزفر. وقال المالكية: إن انفضوا بحيث لا يبقى مع الإمام أحد، فلا تصح الجمعة، وإن بقي معه اثنا عشر صحت، ويتم بهم جمعة إذا بقوا إلى السلام، فلو انفض منهم شيء قبل السلام بطلت. (فنزلت هذه الآية {{وإذا رأوا تجارة أو لهوًا}} هو الطبل الذي كان يضرب لقدوم التجارة فرحًا بقدومها وإعلامًا ({{انفضوا إليها وتركوك قائمًا}}). لم يقل: إليهما، لأن اللهو لم يكن مقصودًا لذاته، وإنما كان تبعًا للتجارة، أو حذف لدلالة أحدها على الآخر. أي: وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها وإذا رأوا لهوًا انفضوا إليه. أو أُعيد الضمير إلى مصدر الفعل المتقدم وهو الرؤية، أي: انفضوا إلىالرؤية الواقعة على التجارة أو اللهو. والترديد للدلالة على أن منهم من انفض لمجرد سماع الطبل ورؤيته. وقد استشكل الأصيلي حديث الباب، مع وصفه تعالى الصحابة بأنهم {{لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}} [النور: 37] وأجاب باحتمال أن يكون هذا الحديث قبل نزول الآية. قال في فتح الباري: وهذا الذي يتعين المسير إليه مع أنه ليس في آية النور، التصريح بنزولها في الصحابة، وعلى تقدير ذلك، فلم يكن تقدّم لهم نهي عن ذلك، فلما نزلت آية الجمعة وفهموا منها ذمّ ذلك اجتنبوه، فوصفوا بما في آية النور. اهـ. ورواة الحديث ما بين: بغدادي وكوفي وواسطي، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في البيوع، والتفسير، ومسلم في الصلاة، والترمذي في التفسير، وكذا النسائي فيه وفي الصلاة. 39 - باب الصَّلاَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَقَبْلَهَا (باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها) قدم البعد على القبل خلافًا لعادته لورود الحديث في البعد صريحًا دون القبل.

    [936] حدثنا معاوية بن عمرو: ثنا زائدة، عن حصين، عن سالم بن أبي الجعد: ثنا جابر بن عبد الله، قال: بينما نحن نصلي مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اذ أقبلت عيرٌ تحمل طعاماً فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلاّ إثنا عشر رجلاً، فنزلت هذه الآية: {{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهُواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً}} [الجمعة:11] وخرّجه في "التفسير " عن حفص بن عمر قالَ: ثنا خالد بن عبد الله: أنبا حصين، عن سالم بن أبي الجعد –وعن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله –فذكره بمعناه. وفي هذه الرواية: متابعة أبي سفيان لسالم بن أبي الجعد على روايته عن جابر، وإنما خرّج لأبي سفيان متابعةً. وقد خرّجه مسلم بالوجهين – أيضاً. وفي أكثر رواياته: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخطب يوم الجمعة. وفي روايةٍ له: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخطب قائماً يوم الجمعة – فذكره بمعناه.وفي روايةٍ له: فلم يبق إلا اثنا عشر رجلاً، أنا فيهم. وفي روايةٍ له –أيضاً -: فيهم أبو بكر وعمر – رضي الله عنهما. وقوله في الرواية التي خرجها البخاري: ((بينا نحن نصلي مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)) لم يرد به أنهم انفضوا عنه في نفس الصلاة، إنما أراد –والله أعلم – إنهم كانوا مجتمعين للصلاة، فانفضوا وتركوه. ويدل عليه: حديث كعب بن عجرة، لما قال: انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعداً، وقد قال الله تعالى: {{انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً}} [الجمعة: 11] . وكذلك استدلال ابن مسعودٍ وخلق من التابعين بالآية على القيام في الخطبة. وروى علي بن عاصمٍ هذا الحديث عن حصين، فقال فيه: فلم يبق معه الا أربعون رجلاً، أنا فيهم. خرّجه الدارقطني والبيهقي. وعلي بن عاصمٍ، ليس بالحافظ، فلا يقبل تفرده بما يخالف الثقات. وقد استدل البخاري وخلقٌ من العلماء على أن الناس إذا نفروا عن الإمام وهو يخطب للجمعة، وصلى الجمعة بمن بقي، جاز ذلك، وصحت جمعتهم. وهذا يرجع إلى أصلٍ مختلفٍ فيه، وهو: العدد الذي تنعقد به الجمعة، وقد اختلف في ذلك:فقالت طائفةٌ: لا تنعقد الجمعة بدون أربعين رجلاً، روي ذلك عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعمر بن عبد العزيز، وهو قولُ الشافعي وأحمد – في المشهور عنه – وإسحاق ورواية عن مالكٍ. وقالت طائفةٌ: تنعقد بخمسين، روي عن عمر بن عبد العزيز - أيضاً –وهو روايةٍ عن أحمد. وقالت طائفةٌ تنعقد بثلاثة، منهم: ابن المبارك والأوزاعي والثوري وأبو ثور، وروي عن أبي يوسف، وحكي رواية عن أحمد. وقالت طائفةٌ: تنعقد بأربعةٍ، وهو قولُ أبي حنيفة وصاحبيه –في المشهور عنهما – والأوزاعي ومالك والثوري – في رواية عنهما – والليث بن سعدٍ. وحكي قولاً قديماً للشافعي، ومنهم من حكاه أنها تنعقد بثلاثةٍ. وقالت طائفةٌ: يعتبر أربعون في الأمصار وثلاثةٌ في القرى، وحكي روايةً عن أحمد، صححها بعض المتأخرين من أصحابه. وقالت طائفةٌ: تنعقد بسبعة، وحكي عن عكرمة، ورواية عن أحمد. وقالت طائفةٌ: تنعقد باثني عشر رجلاً، حكي عن ربيعة. وقد قام الزهري: أن مصعب بن عمير أول ما جمع بهم بالمدينة كانوا إثنى عشر رجلاً. وتعلق بعضهم لهذا الحديث بحديث جابر المخرجفي هذا الباب. وقال طائفةٌ: تنعقد الجمعة بما تنعقد به الجماعة، وهو رجلان، وهو قولُ الحسن بن صالح وأبي ثور - في روايةٍ – وداود، وحكي عن مكحولٍ. وتعلق القائلون بالأربعين كعب بن مالكٍ، أن أول جمعةٍ جمع بهم أسعد بن زرارة، كانوا أربعين، وقد سبق ذكره في أول ((كتاب الجمعة)) . وقد ذكر القاضي أبو يعلى وغيره وجه الاستدلال به: أن الجمعة فرضت بمكة، وكان بالمدينة من المسلمين أربعةٌ وأكثر ممن هاجر إليها وممن أسلم بها، ثم لم يصلوا [ ... ] كذلك حتى كمل العدد أربعين، فدل على أنها لا تجب على أقل منهم، ولم يثب أبو بكر الخلال خلافه عن أحمد في اشتراط الأربعين. قال: وإنما يحكى عن غيره، أنه قال بثلاثةٍ، وباربعةٍ، وبسبعةٍ، ولم يذهب إلى شيء من ذلك، وهذا الذي قاله الخلال هو الأظهر. والله أعلم. وفي عدد الجمعة أحاديث مرفوعة، لا يصح فيها شيء، فلا معنى لذكرها.وإذا تقرر هذا الأصل، فمن قال: أن الجمعة تنعقد بإثني عشر رجلاً أو بدونهم، فلا إشكال عنده في معنى حديث جابر؛ فإنه يحمله على أن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الجمعة بمن بقي معه، وصحت جمعتهم. ومن قال: لا تصح الجمعة بدون أربعين، فإنه يشكل عليه حديث جابرٍ. وقد أجاب بعضهم: بأن الصحيح أنهم انفضوا وهو في الخطبة. قال: فيحتمل أنهم رجعوا قبل الصلاة، أو رجع من تم به الأربعون، فجمع بهم. قال: والظاهر أنهم انفضوا ابتداءً سوى إثني عشر رجلاً، ثم رجع منهم تمام أربعين، فجمع بهم، وبذلك يجمع بين روايةٍ علي بن عاصم وسائر الروايات. وهذا الذي قاله بعيدٌ، ورواية علي بن عاصم غلطٌ محضٌ، لا يلتفت إليها. وسلك طائفةٌ مسلكاً آخر، وظاهر كلام البخاري هاهنا وتبويبه يدل عليه، وهو: أن انفضاضهم عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان في نفس الصلاة، وكان قد افتتح بهم الجمعة بالعدد المعتبر، ثم تفرقوا في أثناء الصلاة، فأتم بهم صلاة الجمعة؛ فإن الاستدامة يغتفر فيها ما لا يغتفر في الابتداء. وهذا قولُ جماعة من العلماء، منهم: أبو حنيفة وأصحابه والثوري ومالك والشافعي – في القديم – وإسحاق، وهو وجه لأصحابنا. وعلى هذا؛ فمنهم من اعتبر أن يبقى معه واحد فأكثر؛ لأن أصلالجماعة تنعقد بذلك، ومنهم من شرط أن يبقى معه اثنان، وهو قولُ الثوري وابن المبارك، وحكي قولاً للشافعي. وقال إسحاق: أن بقي معه اثنا عشر رجلاً جمع بهم وإلاّ فلا؛ لظاهر حديث جابر. وهو وجهٌ لأصحابنا. ولأصحابنا وجه أخر: يتمها الإمام جمعة، ولو بقي وحده. وهذا بعيد جداً. وفرق مالكٌ بين أن يكون انفضاضهم قبل تمام ركعة فلا تصح جمعتهم ويصلون ظهراً، وبين أن يكون بعد تمام ركعةٍ فيتمونها جمعة. ووافقه المزني، وهو وجه لأصحابنا. وقال أبو حنيفة: إن انفضوا قبل أن يسجد في الأولى فلا جمعةٍ لهم، وان كان قد سجد فيها سجدةً أتموها جمعةً. وقال صاحباه: بل يتمونها جمعةٍ بكل حال، ولو انفضوا عقب تكبيرة الإحرام. ومذهب الشافعي – في الجديد – وأحمد والحسن بن زياد: أنه لا جمعةٍ لهم، حتى يكمل العدد في مجموع الصلاة. قال أبو بكر عبد العزيز بن جعفر: لم يختلف قولُ أحمد في ذلك. وقد وجدت جواباً آخر عن حديث جابر، وهو: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان قد صلى بأصحابه الجمعة، ثم خطبهم فانفضوا عنه في خطبته بعد صلاة الجمعة، ثم أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ذلك قدم خطبة الجمعة على صلاتها. فخرج أبو داود في ((مراسيله)) بإسناده، عن مقاتل بن حيان، قال: كانرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلى الجمعة قبل الخطبة مثل العيد، حتى إذا كان يوم الجمعة والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب، وقد صلى الجمعة، فدخل رجل، فقال: إن دحية بن خليفة قد قدم بتجارته – وكان دحية إذا قدم تلقاه أهله بالدفاف -، فخرج الناس، لم يظنوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيء، فانزل الله عز وجل: {{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً}} [الجمعة:11] ، فقدم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخطبة يوم الجمعة، وأخر الصلاة. وهذا الجواب أحسن مما قبله. ومن ظن بالصحابة أنهم تركوا صلاة الجمعة خلف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد دخولهم معه فيها، ثم خرجوا من المسجد حتى لم يبق معه إلاّ إثنا عشر رجلاً، فقد أساء بهم الظن، ولم يقع ذلك بحمد الله تعالى. وأصل هذه المسائل: أن الجمعة يشترط لها الجماعة، فلا تصح مع الانفراد، وهذا إجماع لا نعلم فيه خلافاً، إلاّ ما تقدم حكايته عن أبي حنيفة، أنه صلى ركعتين عند تأخير بعض الأمراء للجمعة، وقال: أشهدكم أنها جمعةٌ. وحكي مثله عن الفاشاني، والفاشاني ليس ممن يعتد بقوله بين الفقهاء. وذهب عطاءٌ إلى أن من حضر الخطبة فقد أدرك الجمعة، فلو أحدث بعد حضوره الخطبة، فذهب فتوضأ ثم رجع وقد فرغ الإمام من صلاة الجمعة، أنه يصلي ركعتين؛ لأنه قد حضر الخطبة -:نقله عبد الرزاق، عن ابن جريجٍ، عنه. وخالفه جمهور العلماء، فقالوا: يصلي أربعاً. وفي مراسيل يحيى بن أبي كثيرٍ: من أدرك الخطبة فقد أدرك الصلاة. خرّجه عبد الرزاق. ومراسيل يحيى ضعيفةٌ جداً. واختلفوا فيمن جاء والإمام يخطب، قد فرغ من الخطبة. فقالت طائفةٌ: لم يدرك الجمعة، ويصلي أربعاً، روي ذلك عن عمر، وعن طاوسٍ وعطاءٍ ومجاهدٍ ومكحولٍ، وقالوا: الخطبة بدلٌ عن الركعتين. قال عطاءٌ: إن جلس قبل أن ينزل الإمام من المنبر فقد أدرك الخطبة، فيصلي جمعةٍ، وإلا صلى أربعاً. وظاهر كلام عطاء: أن الجمعة ظهر مقصورة؛ فإنه يقول: إن أدرك الخطبة قصر، وإلا لم يقصر. وقال سعيد بن جبير: كانت الجمعة أربعا، فجعلت الخطبة مكان الركعتين. وذهب طائفة: إلى أن من أدركهم في التشهد قبل السلام فقد أدركالجمعة، وهو قول الحكم وحماد وأبي حنيفة وأصحابه، وحكي رواية عن النخعي، ورواية عن أحمد، ولا تكاد تصح عنه. وروي عن ابن مسعود، أنه قال لأصحابه - وقد أدرك الناس جلوسا في الجمعة -: قد أدركتم، إن شاء الله. قال قتادة إنما أراد: أدركتم الأجر. وذهب أكثر العلماء إلى أنه إن أدرك ركعة من الجمعة مع الإمام فقد أدرك الجمعة، ويتمها جمعة، وإن فاتته الركعة الثانية صلى أربعا. وروي ذلك عن ابن عمر وابن مسعود وأنس، وهو قول علقمة والأسود والحسن والنخعي والزهري والأوزاعي والليث والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق. واستدلوا بحديث: " من أدرك ركعة من الصلاة ". ثم إن أكثرهم قالوا: يصلي من أدرك التشهد مع الإمام الظهر خلفه أربعا. وهذا يتوجه على قول من يقول: يصح اقتداء من يصلي فرضا خلف من يصلي فرضا آخر. فأما من قال: لا يجوز ذلك، فهو مشكل على أصولهم. فلهذا قال طائفة: لا يجزئه أن يصلي الظهر خلف من يصلي الجمعة، بل يستأنف الظهر، وهو اختيار بعض أصحابنا في المسبوق، وفيما إذا نقص العدد في أثناء الجمعة. وهو قول بعض فقهاء أهل المدينة، إلا على قول من يقول: الجمعة ظهر مقصورة، فيكون كمقيم صلى خلف مسافر. فلهذا قال بعضهم: ينوي في دخوله معه الجمعة، ثم يصلي ظهرا إذا فارقه، وهوبعيد. وحكي ذلك عن ابن شاقلا من أصحابنا. وقد صنف ابن شاقلا في المسألة جزءا مفردا، وقد تأملته، فوجدته يقول: إن من أدرك التشهد خلف الإمام في يوم الجمعة، فإنه يصلي جمعة أربع ركعات. قال: وإنما كانت جمعة هذا أربعا لاتفاق الصحابة عليه، على خلاف القياس، وكان القياس: أن يصلي الركعتين. وأخذ ذاك من قول أحمد - في رواية حنبل -: لولا الحديث الذي في الجمعة، لكان ينبغي أن يصلي ركعتين إذا أدركهم جلوسا. حتى قال ابن شاقلا: لو كان الإمام قد صلى الجمعة قبل زوال الشمس، فأدركه في التشهد صلى أربعا، وأجزأه، وكانت جمعة. وقد قال سفيان الثوري: إذا نوى الجمعة، وصلى أربعا أجزأته جمعته، وإن لم ينو الجمعة فلا أراه يجزئه. وللشافعية فيما إذا نوى بصلاة الجمعة صلاة الظهر المقصورة: هل تصح جمعته؟ وجهان، على قولهم: إن الجمعة ظهرمقصورة. وإن نوى الجمعة، فإن قالوا: هي صلاة مستقلة أجزأه. وإن قالوا: ظهر مقصورة، فهل تشترط نية القصر فيه وجهان لهم، أصحهما: لا تشترط. ولو نوى الظهر مطلقا، من غير تعرض للقصر، لم يصح عندهم بغير خلاف. وقال مالك - فيما نقله عنه ابن عبد الحكم - في الإمام ينزل بقرية لا تقام فيها الجمعة، فيجمع فيها: إنه لا يكون جمعة، بل يكون ظهرا مقصورة، فتصح له ولمن معه من المسافرين، ويتم أهل تلك القرية صلاتهم إذا سلم. وهو ظاهر ما ذكره في " الموطأ "، ونقله عنه ابن نافع - أيضا. وظاهر هذا: يدل على صحة صلاة الظهر المقصورة بنية الجمعة. قال ابن القاسم في " المدونة ": لا جمعة للإمام ولا لمن خلفه، ويعيد ويعيدون؛ لأنه جهر عامدا. وهذا تعليل عجيب، وهو يقتضي أن من جهر في صلاة السر عمدا بطلت صلاته. والتعليل: بأنه لا تصح صلاة الظهر بنية الجمعة أظهر. وذكر ابن المواز، عن ابن القاسم: أما هو فصلاته تامة، وأما هم فعليهم الإعادة. واختلف السلف في هذه المسألة: فقال عطاء - فيمن دخل قرية لا ينبغي أن تقام فيها الجمعة، وهي القرية التي ليست جامعة عنده، فأقامأهلها الجمعة، فجمع معهم: إنه يتم صلاته، فإذا سلم إمامهم أتم صلاته بركعتين، ولا يقصر معهم. وقال الزهري: يجمع معهم ويقصر. ومذهب أصحاب الشافعي: أن المسبوق في صلاة الجمعة يتم صلاته - إذا سلم الإمام - ظهرا. ثم منهم من قطع بذلك، وهم جمهور العراقيين، ومن الخراسانين من بناه على القول في أن الجمعة: هل هي صلاة مستقلة أو ظهر مقصورة. فإن قيل: هي ظهر مقصورة أتمها ظهرا كالمسافر إذا امتنع عليه القصر لسبب، وإن قيل: هي صلاة مستقلة، فهل يتمها ظهرا؟ فيها وجهان، أصحهما: يتمها ظهرا؛ لأنها بدل منها، أو كالبدل. فعلى هذا: هل يشترط أن ينوي قبلها ظهرا، أو تنقلب بنفسها؟ فيه وجهان - أيضا. وهذا كله تفريع على قولهم: ينوي الجمعة موافقة للإمام. ولهم وجه آخر: ينوي الظهر؛ لأنه لا يصح له غيرها. وهو قول الخرقي وأكثر أصحابنا. ومنهم من قال: هو ظاهر كلام أحمد. وحكاه - أيضا - عن مالك والشافعي، وفي حكايته عن الشافعي نظر.39 - باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها

    (بابٌُ إذَا نَفَرَ النَّاسُ عنُ الإمَامِ فِي صَلاَةِ الجُمُعَةِ فَصَلاَةُ الإمَامِ ومَنْ بَقِيَ جَائِزَةٌ)أَي: هَذَا بابُُ تَرْجَمته إِذا نفر النَّاس عَن الإِمَام ... إِلَى آخِره، يَعْنِي خَرجُوا عَن مجْلِس الإِمَام وذهبوا. قَوْله: (فَصَلَاة الإِمَام) كَلَام إضافي مُبْتَدأ. قَوْله: (وَمن بَقِي) ، عطف عَلَيْهِ، أَي: وَصَلَاة منبقي من الْقَوْم مَعَ الإِمَام. قَوْله: (جَائِزَة) خبر الْمُبْتَدَأ. وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: تَامَّة. وَظَاهر هَذِه التَّرْجَمَة يدل على أَن البُخَارِيّ، رَحمَه الله، لَا يرى اسْتِمْرَار الْجُمُعَة الَّذين تَنْعَقِد بهم الْجُمُعَة إِلَى تَمامهَا شرطا فِي صِحَة الْجُمُعَة، وَسَيَجِيءُ بَيَان الِاخْتِلَاف فِيهِ مفصلا، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:908 ... ورقمه عند البغا:936 ]
    - حدَّثنا مُعَاوِيَةُ بنُ عَمْرٍ وَقَالَ حدَّثنا زَائِدَةُ عنْ حُصَيْنٍ عنْ سَالِمِ بنِ أبِي الجَعْدِ قَالَ حدَّثنا جابِرُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ بَيْنَما نَحْنُ نُصَلِّي معَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أذْ أقْبلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَاما فالْتَفَتُوا إلَيْهَا حَتَّى مَا بقِيَ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاّ اثْنا عشَرَ رَجُلاً فنَزلَتْ هاذِهِ الآيَةُ وَإِذا رَأوْا تِجارَةً أوْ لَهْوا انفًضُّوا إِلَيْهَا وترَكُوكَ قَائِما. .مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الصَّحَابَة لما انْفَضُّوا حِين إقبال العير وَلم يبْق مِنْهُم إلاّ اثْنَا عشر نفسا أتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْجُمُعَة بهم، لِأَنَّهُ لم ينْقل أَنه أعَاد الظّهْر، فَدلَّ على التَّرْجَمَة من هَذِه الْحَيْثِيَّة.ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُعَاوِيَة بن عَمْرو بن الْمُهلب الْأَزْدِيّ الْبَغْدَادِيّ، أَصله كُوفِي، مَاتَ فِي جمادي الأولى سنة أَربع عشرَة وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: زَائِدَة بن قدامَة أَبُو الصَّلْت الْكُوفِي. الثَّالِث: حُصَيْن، بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعدهَا نون: ابْن عبد الرَّحْمَن الوَاسِطِيّ. الرَّابِع: سَالم بن أبي الْجَعْد وَاسم أبي الْجَعْد رَافع الْكُوفِي. الْخَامِس: جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ.ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن البُخَارِيّ روى هُنَا عَن مُعَاوِيَة بن عمر وَبلا وَاسِطَة وروى فِي مَوَاضِع عَنهُ بِوَاسِطَة عبد الله بن المسندي وَمُحَمّد بن عبد الرَّحِيم وَأحمد بن أبي رَجَاء. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بغدادي وكوفي وواسطي، وَقد علم ذَلِك مِمَّا سلف. وَفِيه: أَن مدَار هَذَا الحَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ على حُصَيْن الْمَذْكُور، لِأَنَّهُ تَارَة يرويهِ عَن سَالم بن أبي الْجَعْد وَحده كَمَا هُنَا، وَهِي رِوَايَة أَكثر أَصْحَابه، وَتارَة عَن أبي سُفْيَان طَلْحَة بن نَافِع وَحده، وَهِي رِوَايَة قيس بن الرّبيع وَإِسْرَائِيل عِنْد ابْن مرْدَوَيْه، وَتارَة جمع بَينهمَا عَن جَابر وَهِي رِوَايَة خَالِد بن عبد الله عِنْد البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير، وَعند مُسلم وَكَذَا رِوَايَة هشيم عِنْده أَيْضا.ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْبيُوع عَن طلق بن غَنَّام عَن زَائِدَة وَعَن مُحَمَّد هُوَ ابْن سَلام عَن مُحَمَّد بن فُضَيْل وَفِي التَّفْسِير عَن حَفْص بن عمر عَن خَالِد بن عبد الله. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن عُثْمَان ابْن أبي شيبَة وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن رِفَاعَة بن الْهَيْثَم وَعَن إِسْمَاعِيل بن سَالم. وَأخرجه
    التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن أَحْمد بن منيع. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الصَّلَاة عَن عبد الله بن أَحْمد بن عبد الله.ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بَيْنَمَا) ، قد مر غير مرّة أَن أَصله: بَين، فزيدت عَلَيْهِ: الْألف وَالْمِيم، وأضيف إِلَى الْجُمْلَة بعده. وَقَوله: (إِذا أَقبلت) جَوَابه، ويروى: (بَينا) بِدُونِ الْمِيم. قَوْله: (نَحن نصلي) ظَاهره أَن انفضاضهم كَانَ بعد دُخُولهمْ فِي الصَّلَاة، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ رِوَايَة خَالِد بن عبد الله عِنْد أبي نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) : (بَيْنَمَا نَحن مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الصَّلَاة) . وَلَكِن وَقع عِنْد مُسلم: (وَرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يخْطب) وَله فِي رِوَايَة: (بَينا النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَائِم) وَزَاد أَبُو عوَانَة فِي (صَحِيحه) وَالتِّرْمِذِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيقه: (يخْطب) . فَإِن قلت: كَيفَ التَّوْفِيق بَين الْكَلَامَيْنِ؟ قلت: قَالُوا: قَوْله: (نصلي) أَي: نَنْتَظِر الصَّلَاة، وَهُوَ معنى: قَوْله: (فِي الصَّلَاة) فِي رِوَايَة أبي نعيم فِي الْخطْبَة، وَهُوَ من تَسْمِيَة الشَّيْء بِمَا قاربه. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَالْمرَاد بِالصَّلَاةِ انتظارها فِي حَال الْخطْبَة ليُوَافق رِوَايَة مُسلم، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: مَعْنَاهُ حَضَرنَا الصَّلَاة وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب يَوْمئِذٍ قَائِما، وَبَين هَذَا فِي حَدِيث جَابر أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يخْطب قَائِما. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: الْأَشْبَه أَن يكون الصَّحِيح رِوَايَة من روى أَن ذَلِك كَانَ فِي الْخطْبَة. قلت: إِخْرَاج كَلَام جَابر الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيّ يُؤَدِّي إِلَى عدم مطابقته للتَّرْجَمَة، لِأَنَّهُ وضع التَّرْجَمَة فِي نفور الْقَوْم عَن الإِمَام وَهُوَ فِي الصَّلَاة، وَمَا ذكره يدل على أَنهم نفروا وَالْإِمَام يخْطب. قَوْله: (عير) ، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء: وَهِي الْإِبِل الَّتِي تحمل التِّجَارَة طَعَاما كَانَت أَو غَيره، وَهِي مُؤَنّثَة لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {{فَأذن مُؤذن أيتها العير}} (يُوسُف: 70) . إِنَّهَا الْإِبِل الَّتِي عَلَيْهَا الْأَحْمَال لِأَنَّهَا تعير أَي: تذْهب وتجيء. وَقيل: هِيَ قافلة الْحمير، ثمَّ كثر حَتَّى قيل لكل قافلة: عير، كَأَنَّهَا جمع: عير، بِفَتْح الْعين وَالْمرَاد: أَصْحَاب العير، فعلى هَذَا إِسْنَاد الإقبال إِلَى العير مجَاز وَفِي (الْمُحكم) : وَالْجمع: عيرات وعير، وَنقل عبد الْحق فِي جمعه: أَن البُخَارِيّ لم يخرج قَوْله: (إِذا أَقبلت عير تحمل طَعَاما) ، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِنَّهُ ثَبت هُنَا وَفِي أَوَائِل الْبيُوع، نعم سقط ذَلِك فِي التَّفْسِير. وَزَاد البُخَارِيّ فِي الْبيُوع، أَنَّهَا أَقبلت من الشَّام، وَمثله لمُسلم من طَرِيق جرير عَن حُصَيْن فَإِن قلت: لمن كَانَت العير الْمَذْكُورَة؟ قلت: فِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ من طَرِيق السّديّ أَن الَّذِي قدم بهَا من الشَّام هُوَ دحْيَة بن خَليفَة الْكَلْبِيّ، وَقَالَ السُّهيْلي: ذكر أهل الحَدِيث أَن دحْيَة بن خَليفَة الْكَلْبِيّ قدم من الشَّام بعير لَهُ تحمل طَعَاما وَبرا، وَكَانَ النَّاس إِذْ ذَاك مُحْتَاجين، فَانْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتركُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الضَّحَّاك، عَن ابْن عَبَّاس: جائت عير لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِن قلت: كَيفَ التَّوْفِيق بَين الرِّوَايَتَيْنِ؟ قلت: قيل جمع بَين هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن التِّجَارَة كَانَت لعبد الرَّحْمَن وَكَانَ دحْيَة السفير فِيهَا. قلت: يحْتَمل أَن يَكُونَا مشتركين فَصحت نسبتها لكل مِنْهُمَا بِهَذَا الِاعْتِبَار. قَوْله: (فالتفتوا إِلَيْهَا) أَي: إِلَى العير، وَفِي رِوَايَة ابْن فُضَيْل فِي الْبيُوع: (فانفض النَّاس) أَي: فَتفرق النَّاس، وَهُوَ مُوَافق لنَصّ الْقُرْآن، فَدلَّ هَذَا على أَن المُرَاد من الِالْتِفَات: الِانْصِرَاف، وَبِهَذَا يرد على من حمل الِالْتِفَات على ظَاهره حَيْثُ قَالَ: لَا يفهم من هَذَا الِانْصِرَاف عَن الصَّلَاة وقطعها، وَإِنَّمَا الَّذِي يفهم مِنْهُ التفاتهم بِوُجُوهِهِمْ أَو بقلوبهم، وَيرد هَذَا أَيْضا قَوْله: (حَتَّى مَا بَقِي مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا اثْنَا عشر رجلا) فَإِن بَقَاء اثْنَي عشر رجلا مِنْهُم يدل على أَن البَاقِينَ مَا بقوا مَعَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ بَعضهم: وَفِي قَوْله: (فالتفتوا) ، الْتِفَات لِأَن السِّيَاق يَقْتَضِي أَن يَقُول: فالتفتنا، وَكَأن النُّكْتَة فِي عدُول جَابر عَن ذَلِك أَنه هُوَ لم يكن مِمَّن الْتفت. قلت: لَيْسَ فِيهِ الْتِفَات، لِأَن جَابِرا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ من الاثْنَي عشر، على مَا جَاءَ أَنه قَالَ: وَأَنا فيهم، فَيكون هَذَا إِخْبَارًا عَن الَّذين انْفَضُّوا، فَلَا عدُول فِيهِ عَن الأَصْل. قَوْله: (إلاّ اثْنَا عشر) اسْتثِْنَاء من الضَّمِير الَّذِي فِي لَفظه: بَقِي، الَّذِي يعود إِلَى الْمُصَلِّي، فَإِذا كَانَ كَذَلِك يجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب، وَجَاءَت الرِّوَايَة بهما، وَلَا يُقَال: إِن الِاسْتِثْنَاء مفرغ، فَيتَعَيَّن الرّفْع لِأَن إعرابه على حسب العوامل، لِأَن مَا ذكر يمْنَع أَن يكون مفرغا. وَهنا وَجه آخر لجَوَاز الرّفْع وَالنّصب، أما الرّفْع فَيكون الْمُسْتَثْنى فِيهِ محذوفا تَقْدِيره: مَا بَقِي أحد مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاّ عدد كَانُوا اثْنَي عشر رجلا، وَأما النصب فلإعطاء اثْنَي عشر حكم أخواته الَّتِي هِيَ ثَلَاثَة عشر وَأَرْبَعَة عشر وَغَيرهمَا، لِأَن الأَصْل فِيهَا الْبناء لتضمنها الْحَرْف. فَافْهَم.ثمَّ تعْيين عدد الَّذين بقوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل مَا هُوَ فِي (الصَّحِيح) وهم: اثْنَي عشر، وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ لَيْسَ مَعَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاّ أَرْبَعِينَ رجلا أَنا فيهم، ثمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يقل كَذَلِك
    إلاّ عَليّ بن عَاصِم عَن حُصَيْن، وَخَالفهُ أَصْحَاب حُصَيْن فَقَالُوا: اثْنَي عشر رجلا، وَفِي (الْمعَانِي) للفراء إلاّ ثَمَانِيَة نفر، وَفِي تَفْسِير عبد بن حميد: إلاّ سَبْعَة. وَوَقع فِي (تَفْسِير الطَّبَرِيّ) وَابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَاد صَحِيح إِلَى قَتَادَة (قَالَ: قَالَ لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كم أَنْتُم؟ فعدوا أنفسهم فَإِذا اثْنَا عشر رجلا وَامْرَأَة) . وَفِي تَفْسِير إِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد الشَّامي: وَامْرَأَتَانِ، وَلابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: وَسبع نسْوَة، لَكِن إِسْنَاده ضَعِيف.وَأما تسميتهم فَوَقع فِي رِوَايَة خَالِد الطَّحَّان عِنْد مُسلم أَن جَابِرا قَالَ: أَنا فيهم، وَله فِي رِوَايَة هشيم: فيهم أَبُو بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. وَفِي تَفْسِير إِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد الشَّامي: أَن سالما مولى أبي حُذَيْفَة مِنْهُم، روى الْعقيلِيّ عَن ابْن عَبَّاس: أَن مِنْهُم الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَابْن مَسْعُود وأناس من الْأَنْصَار، وَحكى السُّهيْلي أَن أَسد بن عَمْرو روى بِسَنَد مُنْقَطع أَن الاثْنَي عشر هم: الْعشْرَة المبشرة وبلال وَابْن مَسْعُود. قَالَ: وَفِي رِوَايَة: عمار، بدل: ابْن مَسْعُود. وأهمل جَابِرا، وَهُوَ مِنْهُم. كَمَا ذكر فِي الصَّحِيح.قَوْله: (فَنزلت هَذِه الْآيَة) ظَاهر هَذَا أَن سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة قدوم العير الْمَذْكُورَة، وَفِي (مَرَاسِيل أبي دَاوُد) : حَدثنَا مَحْمُود بن خَالِد حَدثنَا الْوَلِيد أَخْبرنِي بكير بن مَعْرُوف أَنه سمع مقَاتل بن حبَان قَالَ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الْجُمُعَة قبل الْخطْبَة مثل الْعِيدَيْنِ، حَتَّى كَانَ يَوْم جُمُعَة، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب، وَقد صلى الْجُمُعَة فَدخل رجل فَقَالَ: إِن دحْيَة قدم بتجارته، وَكَانَ دحْيَة إِذا قدم تَلقاهُ أَهله بِالدُّفُوفِ، فَخرج النَّاس لم يَظُنُّوا إلاّ أَنه لَيْسَ فِي ترك الْخطْبَة شَيْء، فَأنْزل الله عز وَجل: {{وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة}} (الْجُمُعَة: 11) . الْآيَة، فَقدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخطْبَة يَوْم الْجُمُعَة وَأخر الصَّلَاة، فَكَانَ أحد لَا يخرج لرعاف أَو حدث بعد النَّهْي حَتَّى يسْتَأْذن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُشِير إِلَيْهِ بإصبعه الَّتِي تلِي الْإِبْهَام، فَيَأْذَن لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يُشِير إِلَيْهِ بِيَدِهِ) قَالَ السُّهيْلي: هَذَا، وَإِن لم ينْقل من وَجه ثَابت، فالظن الْجَمِيل بالصحابة يُوجب أَن يكون صَحِيحا. وَقَالَ عِيَاض: وَقد أنكر بَعضهم كَونه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب قطّ بعد صَلَاة الْجُمُعَة، وَفِي (سنَن الشَّافِعِي) رَحمَه الله: عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد (حَدثنِي جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب يَوْم الْجُمُعَة، وَكَانَت لَهُم سوق يُقَال لَهَا: الْبَطْحَاء، كَانَت بَنو سليم يجلبون إِلَيْهَا الْخَيل وَالْإِبِل وَالسمن، وَقدمُوا فَخرج إِلَيْهِم النَّاس وَتركُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ لَهُم لَهو إِذا تزوج أحد من الْأَنْصَار يضربونه، يُقَال لَهُ: الْكبر، فعيرهم الله بذلك فَقَالَ: {{وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوا}} (الْجُمُعَة: 11) . وَهُوَ مُرْسل، لِأَن مُحَمَّد الباقر من التَّابِعين، وَوَصله أَبُو عوَانَة فِي (صَحِيحه) والطبري يذكر جَابِرا فِيهِ: أَنهم كَانُوا إِذْ نكحوا تضرب لَهُم الْجَوَارِي بالمزامير فيشتد النَّاس إِلَيْهِم وَيدعونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلمقائما، فَنزلت هَذِه الْآيَة، وَفِي تَفْسِير عبد بن حميد: حَدثنَا يعلى عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس: قدم دحْيَة بِتِجَارَة فَخَرجُوا ينظرُونَ إلاّ سَبْعَة نفر، وَأَخْبرنِي عَمْرو بن عَوْف عَن هشيم عَن يُونُس، (عَن الْحسن قَالَ: فَلم يبْق مَعَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاّ رَهْط مِنْهُم: أَبُو بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَنزلت هَذِه الْآيَة: {{وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة}} (الْجُمُعَة: 11) . فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو تَتَابَعْتُمْ حَتَّى لَا يبْقى معي أحد مِنْكُم لَسَالَ بكم الْوَادي نَارا) . حَدثنَا يُونُس عَن شَيبَان (عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ يَوْم جُمُعَة فخطبهم، فَقيل: جَاءَت عير، فَجعلُوا يقومُونَ حَتَّى بقيت عِصَابَة مِنْهُم، فَقَالَ: كم أَنْتُم فعدوا أنفسهم فَإِذا اثْنَا عشر رجلا وَامْرَأَة، ثمَّ قَامَ الْجُمُعَة الثَّانِيَة فخطبهم ووعظهم فَقيل: جَاءَت عير، فَجعلُوا يقومُونَ حَتَّى بقيت مِنْهُم عِصَابَة، فَقيل لَهُم: كم أَنْتُم فعدوا أنفسهم فَإِذا اثْنَا عشر رجلا وَامْرَأَة. فَقَالَ: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَو اتبع آخركم أولكم لألهب الْوَادي عَلَيْكُم نَارا، فَأنْزل الله تَعَالَى فِيهَا مَا تَسْمَعُونَ: {{وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة}} (الْجُمُعَة: 11) . الْآيَة) . حَدثنَا شَيبَان عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد: {{وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لَهو}} (الْجُمُعَة: 11) . قَالَ: كَانَ رجال يقومُونَ إِلَى نواضحهم وَإِلَى السّفر يقدمُونَ يتبعُون التِّجَارَة وَاللَّهْو. وَفِي (تَفْسِير ابْن عَبَّاس) : جمع إِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد الشَّامي عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن أبان (عَن أنس: بَيْنَمَا نَحن مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يخْطب يَوْم الْجُمُعَة إِذْ سمع أهل الْمَسْجِد صَوت الطبول والمزامير، وَكَانَ أهل الْمَدِينَة إِذا قدمت عَلَيْهِم العير من الشَّام بِالْبرِّ وَالزَّبِيب استقبلوها فَرحا بالمعازف، فَقدمت عير لدحية وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب، فتركوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخَرجُوا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من هَهُنَا؟ فَقَالَ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَابْن مَسْعُود وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة. . فَإِذا اثْنَا عشر رجلا وَامْرَأَتَانِ. فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو اتبع آخركم أولكم لاضطرم الْوَادي عَلَيْكُم نَارا، وَلَكِن الله تطول على بكم
    فَرفع الْعقُوبَة بكم عَمَّن خرج، فَنزلت الْآيَة. وَفِي (تَفْسِير النَّسَفِيّ)
    : وَكَانُوا إِذا أَقبلت العير استقبلوها بالطبل والتصفيق، وَهُوَ المُرَاد باللهو، وَفِيه أَيْضا: (بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب يَوْم الْجُمُعَة، إِذْ قدم دحْيَة بن خَليفَة الْكَلْبِيّ ثمَّ أحد بني الْخَزْرَج ثمَّ أحد بني زيد بن مَنَاة من الشَّام بِتِجَارَة، وَكَانَ إِذا قدم لم يبْق بِالْمَدِينَةِ عاتق، وَكَانَ يقدم إِذا قدم بِكُل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من دَقِيق أَو بر أَو غَيره، فَنزل عِنْد أَحْجَار الزَّيْت، وَهُوَ مَكَان فِي سوق الْمَدِينَة، ثمَّ يضْرب الطبل ليؤذن النَّاس بقدومه فَيخرج إِلَيْهِ النَّاس ليبتاعوا مِنْهُ، فَقدم ذَات يَوْم جُمُعَة، وَكَانَ ذَلِك قبل أَن يسلم، وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم على الْمِنْبَر يخْطب، فَخرج إِلَيْهِ النَّاس فَلم يبْق فِي الْمَسْجِد إلاّ اثْنَا عشر رجلا وَامْرَأَة، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كم بَقِي فِي الْمَسْجِد؟ فَقَالُوا: اثْنَي عشر رجلا وَامْرَأَة. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَوْلَا هَؤُلَاءِ لقد سومت لَهُم الْحِجَارَة من السَّمَاء، وَأنزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة) .قَوْله: (انْفَضُّوا إِلَيْهَا) من الانفضاض، وَهُوَ التَّفَرُّق. يُقَال: فضضت الْقَوْم فَانْفَضُّوا أَي: فرقتهم فَتَفَرَّقُوا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: كَيفَ قَالَ: إِلَيْهَا، وَقد ذكر شَيْئَيْنِ؟ قلت: تَقْدِيره إِذا رَأَوْا تِجَارَة انْفَضُّوا إِلَيْهَا أَو لهوا انْفَضُّوا إِلَيْهِ، فَحذف أَحدهمَا لدلَالَة الْمَذْكُور عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ قِرَاءَة من قَرَأَ: انْفَضُّوا إِلَيْهِ، وَقِرَاءَة من قَرَأَ لهوا أَو تِجَارَة انْفَضُّوا إِلَيْهَا. وقرىء: إِلَيْهِمَا. انْتهى. وَقيل: أُعِيد الضَّمِير إِلَى التِّجَارَة فَقَط لِأَنَّهَا كَانَت أهم إِلَيْهِم. وَقَالَ الزّجاج: يجوز فِي الْكَلَام: انْفَضُّوا إِلَيْهِ وإليها وإليهما، وَلِأَن الْعَطف إِذا كَانَ ضميرا فقياسه عوده إِلَى أَحدهمَا لَا إِلَيْهِمَا، وَأَن الضَّمِير أُعِيد إِلَى الْمَعْنى دون اللَّفْظ أَي: انْفَضُّوا إِلَى الرُّؤْيَة الَّتِي رأوها، أَي: مالوا إِلَى طلب مَا رَأَوْهُ.ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: يُسْتَفَاد من ظَاهر حَدِيث الْبابُُ أَن الْقَوْم إِذا نفروا عَن الإِمَام وَهُوَ فِي صَلَاة الْجُمُعَة فَصَلَاة من بَقِي وَصَلَاة الإِمَام على حَالهَا، فَلذَلِك ترْجم البُخَارِيّ الْبابُُ بقوله: بابُُ إِذا نفر النَّاس. . إِلَى آخِره. وَقَالَ ابْن بطال: اخْتلف الْعلمَاء فِي الإِمَام يفْتَتح صَلَاة الْجُمُعَة بِجَمَاعَة ثمَّ يتفرقون، فَقَالَ الثَّوْريّ: إِذا ذَهَبُوا إلاّ رجلَيْنِ صلى رَكْعَتَيْنِ، وَإِن بَقِي وَاحِد صلى أَرْبعا. وَقَالَ أَبُو ثَوْر: يُصليهَا جُمُعَة. انْتهى. قلت: إِذا اقْتدى النَّاس بِالْإِمَامِ فِي صَلَاة الْجُمُعَة ثمَّ عرض للنَّاس عَارض أداهم إِلَى النفور فنفروا وَبَقِي الإِمَام وَحده، وَذَلِكَ قبل أَن يرْكَع وَيسْجد اسْتقْبل الظّهْر عِنْد أبي حنيفَة، وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: إِن نفروا عَنهُ بَعْدَمَا افْتتح الصَّلَاة صلى الْجُمُعَة، وَإِن بَقِي وَحده. وَبِه قَالَ الْمُزنِيّ: فِي قَول، وَإِن نفروا عَنهُ بَعْدَمَا ركع وَسجد سَجْدَة بنى على الْجُمُعَة، فِي قَوْلهم جَمِيعًا، خلافًا لزفَر، فَعنده: يُصَلِّي الظّهْر، وَعند مَالك: ان انْفَضُّوا بعد الْإِحْرَام ويئس من رجوعهم بنى على إِحْرَامه أَرْبعا، وإلاّ جعلهَا نَافِلَة وانتظرهم، وَإِن انْفَضُّوا بعد رَكْعَة، قَالَ أَشهب وَعبد الْوَهَّاب: يُتمهَا جُمُعَة، وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ. وَقَالَ سَحْنُون: هُوَ كَمَا بعد الْإِحْرَام، فتشترط إِلَى الِانْتِهَاء. وَقَالَ إِسْحَاق: إِن بَقِي مَعَه اثْنَا عشر صلى الْجُمُعَة، وَظَاهر كَلَام أَحْمد اسْتِدَامَة الْأَرْبَعين.وَقَالَ النَّوَوِيّ: لَو أحرم بالأربعين الْمَشْرُوطَة ثمَّ انْفَضُّوا، فَفِيهِ خَمْسَة أَقْوَال: أَصَحهَا: يُتمهَا ظهرا كالابتداء، وللمزني تخريجان: أَحدهمَا: يُتمهَا جُمُعَة وَحده، وَالثَّانِي: إِن صلى رَكْعَة بسجدتيها أتمهَا جُمُعَة. وَقيل: إِن بَقِي مَعَه وَاحِد أتمهَا جُمُعَة، نَص عَلَيْهِ فِي الْقَدِيم وَذكر ابْن الْمُنْذر: إِن بَقِي مَعَه اثْنَان أتمهَا جُمُعَة. وَهِي رِوَايَة الْبُوَيْطِيّ. وَقَالَ صَاحب (التَّقْرِيب) : يحْتَمل أَن يَكْتَفِي بِالْعَبدِ وَالْمُسَافر، وَأقَام الْمَاوَرْدِيّ الصَّبِي وَالْمَرْأَة مقامهما، فَالْحَاصِل بَقَاء الْأَرْبَعين فِي كل الصَّلَاة، هَل هُوَ شَرط أم لَا؟ قَولَانِ: فَإِن قُلْنَا: لَا، فَهَل يشْتَرط بَقَاء عدد أم لَا؟ فَقَوْلَانِ: فَإِن قُلْنَا: لَا. فَهَل يفصل بَين الرَّكْعَة الأولى وَالثَّانيَِة أم لَا؟ قَولَانِ، فَإِن قُلْنَا: نعم فكم يشْتَرط؟ قَولَانِ: أَحدهمَا: ثَلَاثَة، وَالْآخر، إثنان فَإِذا أردْت اخْتِصَار ذَلِك؟ قلت: فِي الْمَسْأَلَة خَمْسَة أَقْوَال: أَحدهَا: يُتمهَا ظهرا كَيفَ مَا كَانَ، وَهُوَ الصَّحِيح. وَالثَّانِي: جُمُعَة كَيفَ مَا كَانَ. وَالثَّالِث: إِن بَقِي مَعَه إثنان أتمهَا جُمُعَة. وإلاّ ظهرا. الرَّابِع: إِن بَقِي مَعَه وَاحِد أتمهَا جُمُعَة. وَالْخَامِس: إِن انْفَضُّوا أَو بَعضهم بعد تَمام الرَّكْعَة بسجدتيها أتمهَا جُمُعَة وإلاّ ظهرا.قلت: الأَصْل أَن الْجَمَاعَة من شَرَائِط الْجُمُعَة لِأَنَّهَا مُشْتَقَّة مِنْهَا. وأجمعت الْأمة على أَن الْجُمُعَة لَا تصح من الْمُنْفَرد إلاّ مَا ذكر ابْن حزم فِي (الْمحلى) عَن بعض النَّاس: أَن الْفَذ يُصَلِّي الْجُمُعَة كالظهر. ثمَّ أقل الْجَمَاعَة عِنْد أبي حنيفَة ثَلَاثَة سوى الإِمَام، وَبِه قَالَ زفر وَاللَّيْث بن سعد، وَحَكَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري فِي قَول وَأبي ثَوْر، وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد: اثْنَان سوى الإِمَام. وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر وَالثَّوْري فِي قَول: وَهُوَ قَول الْحسن الْبَصْرِيّ، ثمَّ الْجَمَاعَة للْجُمُعَة شَرط تأحكد العقد بِالسَّجْدَةِ عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا للشروع، وَعند زفر يشْتَرط دوامها كالوقت
    وَالطَّهَارَة، وَفَائِدَة الْخلاف تظهر فِيمَا ذَكرْنَاهُ عَنْهُم الْآن.وَفِي الْعدَد الَّذِي تصح بِهِ الْجُمُعَة أَرْبَعَة عشر قولا. ثَلَاثَة سوى الإِمَام عِنْد أبي حنيفَة، وإثنان سواهُ عِنْدهمَا، وَوَاحِد سواهُ عِنْد النَّخعِيّ وَالْحسن بن حَيّ وَجَمِيع الظَّاهِرِيَّة، وَسَبْعَة عَن عِكْرِمَة، وَتِسْعَة وَاثنا عشر عَن ربيعَة، وَثَلَاثَة عشر وَعِشْرُونَ وَثَلَاثُونَ عَن مَالك فِي رِوَايَة ابْن حبيب، وَأَرْبَعُونَ موَالِي عَن عمر بن عبد الْعَزِيز، وَأَرْبَعُونَ أحرارا بالغين عقلاء مقيمين لَا يظعنون صيفا وَلَا شتاءً إلاّ ظعن حَاجَة عِنْد الشَّافِعِي، وَأحمد فِي ظَاهر قَوْله، وَخَمْسُونَ رجلا عَن أَحْمد فِي رِوَايَة وَعمر بن عبد الْعَزِيز فِي رِوَايَة، وَثَمَانُونَ ذكره الْمَازرِيّ وَغير مَحْدُود بِعَدَد ذكره الْمَازرِيّ أَيْضا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي الحَدِيث دَلِيل لمَالِك حَيْثُ قَالَ: تَنْعَقِد الْجُمُعَة بإثني عشر، وَأجَاب الشَّافِعِي بِأَنَّهُ مَحْمُول على أَنهم رجعُوا أَو رَجَعَ مِنْهُم تَمام أَرْبَعِينَ، فَأَتمَّ بهم الْجُمُعَة. قلت: فِي اسْتِدْلَال مَالك نظر، وَكَذَا فِي جَوَاب الشَّافِعِيَّة، لِأَنَّهُ لم يرد أَنه أتم الصَّلَاة، وَيحْتَمل أَنه أتمهَا ظهرا. وَقيل: إِن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه ذهب إِلَى ظَاهر هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: إِذا تفَرقُوا بعد الِانْعِقَاد يشْتَرط بَقَاء اثْنَي عشر، وَتعقب بِأَنَّهَا وَاقعَة عين لَا عُمُوم لَهَا، وَقَالَ بَعضهم: ترجح كَون انفضاض الْقَوْم وَقع فِي الْخطْبَة لَا فِي الصَّلَاة،، وَهُوَ اللَّائِق بالصحابة تحسينا للظن بهم. وَقَالَ الْأصيلِيّ: وصف الله تَعَالَى الصَّحَابَة بِخِلَاف هَذَا فَقَالَ: {{رجال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله}} (النُّور: 37) . قلت: قيل: إِن نزُول الْآيَة بعد وُقُوع هَذَا الْأَمر على أَنه لَيْسَ فِي الْآيَة تَصْرِيح بنزولها فِي الصَّحَابَة، وَلَئِن سلمنَا فَلم يكن تقدم لَهُم نهي عَن ذَلِك، فَلَمَّا نزلت آيَة الْجُمُعَة وفهموا مِنْهَا ذمّ ذَلِك اجتنبوه فوصفوا بعد ذَلِك بِآيَة النُّور.

    حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا، فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِلاَّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ‏{‏وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا‏}‏

    Narrated Jabir bin `Abdullah:While we were praying (Jumua Khutba & prayer) with the Prophet (p.b.u.h), some camels loaded with food, arrived (from Sham). The people diverted their attention towards the camels (and left the mosque), and only twelve persons remained with the Prophet. So this verse was revealed: "But when they see Some bargain or some amusement, They disperse headlong to it, And leave you standing

    Telah menceritakan kepada kami [Mu'awiyah bin 'Amru] berkata, telah menceritakan kepada kami [Za'idah] dari [Hushain] dari [Salim bin Abu Al Ja'd] berkata, telah menceritakan kepada kami [Jabir bin 'Abdullah] berkata, "Ketika kami sedang shalat bersama Nabi shallallahu 'alaihi wasallam tiba-tiba datang rombongan dagang yang membawa makanan. Orang-orang pun melirik (dan berhamburan pergi) mendatangi rombongan tersebut, hingga tidak ada orang yang tersisa bersama Nabi shallallahu 'alaihi wasallam kecuali hanya dua belas orang. Maka turunlah ayat ini: '(Dan apabila mereka melihat perdagangan atau permainan, maka mereka bubar untuk menuju kepadanya dan mereka meninggalkan kamu ketika kamu sedang berdiri menyampaikan berkhutbah) ' (Qs. Al Jumu'ah:)

    Câbir İbn Abdullah (r.a.)'ın şöyle dediği nakledilmiştir: "Biz Resûl-i Ekrem Sallallahu Aleyhi ve Sellem ile birlikte namaz kılarken gıda maddesi getiren bir kervan getirildi. Bunun üzerine cemaat (namazı terk edip) kervan'a doğru gitti. O gün geriye Resûlullah Sallallahu Aleyhi ve Sellem ile birlikte sadece on iki kişi kalmıştı. Bunun üzerine "Onlar bir ticaret veya eğlence gördükleri zaman hemen dağılıp ona doğru giderler ve seni ayakta bırakırlar [Cuma, 11] ayeti indi

    ہم سے معاویہ بن عمرو نے بیان کیا، کہا کہ ہم سے زائدہ نے حصین سے بیان کیا، ان سے سالم بن ابی جعد نے، انہوں نے کہا کہ ہم سے جابر بن عبداللہ رضی اللہ عنہما نے بیان کیا کہ ہم نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کے ساتھ نماز پڑھ رہے تھے، اتنے میں غلہ لادے ہوئے ایک تجارتی قافلہ ادھر سے گزرا۔ لوگ خطبہ چھوڑ کر ادھر چل دیئے۔ نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کے ساتھ کل بارہ آدمی رہ گئے۔ اس وقت سورۃ الجمعہ کی یہ آیت اتری «وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما‏» ”اور جب یہ لوگ تجارت اور کھیل دیکھتے ہیں تو اس کی طرف دوڑ پڑتے ہیں اور آپ کو کھڑا چھوڑ دیتے ہیں۔“

    জাবির ইবনু ‘আবদুল্লাহ্ (রাযি.) হতে বর্ণিত। তিনি বলেন, আমি নবী সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম এর সঙ্গে (জুমু‘আহর) সালাত আদায় করছিলাম। এমন সময় খাদ্য দ্রব্য বহণকারী একটি উটের কাফিলা হাযির হল এবং তারা (মুসল্লীগণ) সে দিকে এত অধিক মনোযোগী হলেন যে, নবী সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম -এর সঙ্গে মাত্র বারোজন মুসল্লী অবশিষ্ট ছিলেন। তখন এ আয়াত অবতীর্ণ হলোঃ ‘‘এবং যখন তারা ব্যবসা বা খেল তামাশা দেখতে পেল তখন সে দিকে দ্রুত চলে গেল এবং আপনাকে দাঁড়ানো অবস্থায় রেখে গেল’’- (সূরাহ্ জুমু‘আহ ৬২/১১)। (২০৫৮, ২০৬৪, ৪৮৯৯; মুসলিম ৭/১১, হাঃ ৮৬৩ আহমাদ ১৪৯৮২) (আধুনিক প্রকাশনীঃ ৮৮৩, ইসলামিক ফাউন্ডেশনঃ)

    ஜாபிர் பின் அப்தில்லாஹ் (ரலி) அவர்கள் கூறியதாவது: நாங்கள் நபி (ஸல்) அவர்களுடன் (ஜும்ஆ) தொழுதுகொண்டிருந்தோம். அப்போது உணவுப் பொருட்களை ஏற்றிக்கொண்டு ஒட்டக (வணிக)க் கூட்டம் ஒன்று வந்தது. அதை நோக்கி மக்கள் சென்றுவிட்டனர். பன்னிரண்டு பேரைத் தவிர வேறு யாரும் எஞ்சியிருக்கவில்லை. இந்த நேரத்தில்தான், “அவர்கள் வணிகப் பொருட்களையோ கவனத்தை ஈர்க்கக்கூடியதையோ கண்டால், உம்மை நிற்க விட்டுவிட்டு அதை நோக்கிச் சென்று விடுகின்றனர்” (62:11) என்ற இறைவசனம் அருளப்பெற்றது. அத்தியாயம் :