حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , ثنا عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَلَبِيُّ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ , قَالَ : سَمِعْتُ حَاتِمًا الْأَصَمُّ , وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِ شَقِيقٍ الْبَلْخِيِّ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : عَلَامَ بَنَيْتَ أَمْرَ هَذَا فِي التَّوَكُّلِ قَالَ : عَلَى خِصَالٍ أَرْبَعٍ : عَلِمْتُ أَنَّ رِزْقِيَ لَا يَأْكُلُهُ غَيْرِي فَاطْمَأَنَّتْ بِهِ نَفْسِي وَعَلِمْتُ أَنِّي لَا أَخْلُو مِنْ عَيْنِ اللِّهِ حَيْثُ كُنْتُ فَأَنَا مُسْتَحْيٍ مِنْهُ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ , ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّاشِيُّ , ثنا أَبُو عُقَيْلٍ الرُّصَافِيُّ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ : قِيلَ لِحَاتِمٍ غُلَامٌ شَقِيقٌ : عَلَامَ بَنَيْتَ عِلْمَكَ قَالَ : عَلَى أَرْبَعٍ عَلَى فَرْضٍ لَا يُؤَدِّيهِ غَيْرِي فَأَنَا بِهِ مَشْغُولٌ , وَعَلِمْتُ أَنَّ رِزْقِيَ لَا يُجَاوَزَنِي إِلَى غَيْرِي فَقَدْ وَثِقْتُ بِهِ وَعَلِمْتُ أَنِّي لَا أَخْلُو مِنْ عَيْنِ اللَّهِ طَرَفَةَ عَيْنٍ فَأَنَا مِنْهُ مُسْتَحْي وَعَلِمْتُ أَنَّ لِيَ أَجَلًا يُبَادِرُنِي فَأُبَادِرُهُ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى , ثنا أَبُو خَلِيفَةَ , ثنا الرِّيَاشِيُّ , قَالَ : قِيلَ للِرَّشِيدِ إِنَّ حَاتِمًا الْأَصَمَّ قَدِ اعْتَزَلَ النَّاسَ فِي قُبَّةٍ لَهُ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَا يَحْتَاجُ إِلَى النَّاسِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَلَا يُكَلِّمُهُمْ إِلَّا عِنْدَ مَسْأَلَةٍ لَابدَ لَهُ مِنَ الْجَوَابِ لَعَلَّهُ لُبِّسَ بِهِ , قَدْ وَرَّثَتْهُ إِيَّاهُ الْوَحْدَةُ وَقِيلَ إِنَّهُ عَاقِلٌ فَقَالَ : سَأَمْتَحِنُهُ فَنَدَبَ لَهُ أَرْبَعَةً , مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ وَالْكِسَائِيَّ وَعَمْرَو بْنَ بَحْرٍ وَرَجُلًا آخَرَ أَحْسَبُهُ الْأَصْمَعِيَّ فَجَاؤُوا حَتَّى وَقَفُوا تَحْتَ قُبَّتِهِ , نَادَى أَحَدُهُمْ يَا حَاتِمُ يَا حَاتِمُ فَلَمْ يُجَبْهُمْ حَتَّى قِيلَ بِحَقِّ مَعْبُودِكَ إِلَّا أَجَبْتَنَا فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ , وَقَالَ : يَا أَهْلَ الْحِيرَةَ هَذِهِ يَمِينُ مُؤْمِنٍ لِكَافِرٍ وَكَافِرٍ لِمُؤْمِنٍ لِمَ خَصَصْتُمُونِي بِالْمَعْبُودِ دُونَكُمْ , وَلَكِنَّ الْحَقَّ جَرَى عَلَى أَلْسِنَتِكُمْ لِأَنَّكُمَ اشْتَغَلْتُمْ بِعِبَادَةِ الرَّشِيدِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ فَقَالَ أَحَدُهُمْ : مَا عِلْمُكَ بِأَنَّا خُدَّامُ الرَّشِيدِ قَالَ : مَنْ لَمْ يَرْضَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا بِمِثْلِ حَالِكُمْ لَا يَزُلُ عَنْ مَطْلَبِهِ إِلَى قَصَدِ مَنْ لَا يُخْبِرُهُ وَلَا يَدَ عَلِيَّ مِنَ الرَّشِيدِ وَأَشْبَاهِهِ . فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ : لِمَ اعْتَزَلْتَ النَّاسَ وَفِيهِمْ مَنْ تَعَلَّمَ , وَفِيهِمْ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ ، قَالَ : صَدَقْتَ وَلَكِنْ بَيْنَهُمْ سَلَاطِينُ الْجَوْرِ , يَفْتِنُونَا عَنْ دِينِنَا فَالتَّخَلِّي مِنْهُمْ أَوْلَى , قَالَ : فَعَلَامَ وَطَّنْتَ نَفْسَكَ فِي الْعُزْلَةِ وَثَبَّتَ عَلَيْهِ أَمْرَكَ قَالَ : عَلِمْتُ أَنَّ الْقَلِيلَ مِنَ الرِّزْقِ يَكْفِينِي , فَأَقْلَلْتُ الْحَرَكَةَ فِي طَلَبِهِ وَأَنْ فَرَضِيَ لَا يُقْبَلُ إِلَّا مِنِّي فَأَنَا مَشْغُولٌ بِأَدَائِهِ وَأَنَّ أَجْلِي لَابدَّ يَأْتِينِي فَأَنَا مُنْتَظِرٌ لَهُ وَأَنَا لَا أَغِيبُ عَنْ عَيْنِ مَنْ خَلَقَنِي فَأَسْتَحِي مِنْهُ أَنْ يَرَانِيَ وَأَنَا مَشْغُولٌ بِغَيْرِ مَا وَجَبَ لَهُ . ثُمَّ رَدَّ بَابَ الْقُبَّةِ وَحَلَفَ أَنْ لَا يكَلِّمَهُمْ فَرَجَعُوا إِلَى الرَّشِيدِ وَقَدْ حَكَمُوا أَنَّهُ أَعْقَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ , حَدَّثَنِي عُلْوَانُ بْنُ الْحُسَيْنِ الرَّبَعِيُّ , ثنا رَبَاحُ بْنُ الْهَرَوِيِّ , قَالَ : مَرَّ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ بِحَاتِمٍ الْأَصَمُّ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ فِي مَجْلِسِهِ فَقَالَ : يَا حَاتِمُ تُحْسِنُ تُصَلَّى , قَالَ : نَعَمْ قَالَ : كَيْفَ تُصَلَّى ؟ قَالَ حَاتِمٌ : أَقُومُ بِالْأَمْرِ وَأَمْشِي بِالْخَشْيَةِ وَأَدْخَلُ بِالنِّيَّةَ وَأُكَبِّرُ بِالْعَظَمَةِ وَأَقْرَأُ بِالتَّرْتِيلِ وَالتَّفَكُّرِ وَأَرْكَعُ بِالْخُشُوعِ وَأَسْجَدُ بِالْتَوَاضُعِ وَأَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ بِالتَّمَامِ وَأُسَلِّمُ بِالسَّبَلِ وَالسُّنَّةِ , وَأُسْلِمُهَا بِالْإِخْلَاصِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَرْجِعُ عَلَى نَفْسِي بِالْخَوْفِ أَخَافُ أَنْ لَا يَقْبَلَ مِنِّي وَأَحْفَظُهُ بِالْجُهْدِ إِلَى الْمَوْتِ قَالَ : تَكَلَّمَ فَأَنْتَ تُحْسِنُ تُصَلَّى
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيُّ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَغْدَادِيُّ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ الرَّازِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ حَاتِمًا الْأَصَمَّ يَقُولُ : مَنْ أَصْبَحَ وَهُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ فَهُوَ يَتَقَلَّبُ فِي رِضَا اللَّهِ : أَوْلُهَا الثِّقَةُ بِاللَّهِ ثُمَّ التَّوَكُّلُ ثُمَّ الْإِخْلَاصُ ثُمَّ الْمَعْرِفَةُ وَالْأَشْيَاءُ كُلُّهَا تَتِمُّ بِالْمَعْرَفَةِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى , قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ أَحْمَدَ الْبَلْخِيَّ , يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ اللَّيْثِ يَقُولُ : سَمِعْتُ حَامِدًا اللَفَّافِ , يَقُولُ : سَمِعْتُ حَاتِمًا الْأَصَمَّ , يَقُولُ : تَعَاهَدْ نَفْسَكَ فِي ثَلَاثِ مَوَاضِعَ ، إِذَا عَمِلْتَ فَاذْكُرْ نَظَرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْكَ ، وَإِذَا تَكَلَّمَتَ فَانْظُرْ سَمَعَ اللَّهِ مِنْكَ ، وَإِذَا سَكَتَّ فَانْظُرْ عِلْمَ اللَّهِ فِيكَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ , قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ أَحْمَدَ , يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ اللَّيْثِ , يَقُولُ : سَمِعْتُ حَامِدًا , يَقُولُ : سَمِعْتُ حَاتِمًا , يَقُولُ : مَنِ ادَّعَى ثَلَاثًا بِغَيْرِ ثَلَاثٍ فَهُوَ كَذَّابٌ : مَنِ ادَّعَى حُبَّ اللَّهِ بِغَيْرِ وَرَعٍ عَنْ مَحَارِمِهِ فَهُوَ كَذَّابٌ ، وَمَنِ ادَّعَى حُبَّ الْجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ إِنْفَاقِ مَالِهِ فَهُوَ كَذَّابٌ ، وَمَنِ ادَّعَى حُبَّ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ حُبِّ الْفُقَرَاءِ فَهُوَ كَذَّابٌ
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ , ثنا أَبُو تُرَابٍ الزَّاهِدُ , قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى حَاتِمٍ الْأَصَمِّ فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيُّ شَيْءٍ رَأْسُ الزُّهْدِ وَوَسَطُ الزُّهْدِ وَآخِرُ الزُّهْدِ فَقَالَ : رَأْسُ الزُّهْدِ الثِّقَةُ بِاللَّهِ وَوَسَطَهُ الصَّبْرُ وَآخِرَهُ الْإِخْلَاصُ
قَالَ حَاتِمٌ : وَأَنَا أَدْعُو النَّاسَ إِلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : إِلَى الْمَعْرِفَةِ وَإِلَى الثِّقَةِ وَإِلَى التَّوَكُّلِ فَأَمَّا مَعْرِفَةُ الْقَضَاءِ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْقَضَاءَ عَدْلٌ مِنْهُ فَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ ذَلِكَ عَدْلٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَشْكُوَ إِلَى النَّاسِ أَوْ تَهْتَمَ أَوْ تَسْخَطَ وَلَكِنَّهُ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَرْضَى وَتَصْبِرَ . وَأَمَّا الثِّقَةُ فَالْإِيَاسُ مِنَ المَخْلُوقِينَ , وَعَلَامَةُ الْإِيَاسِ أَنْ تَرْفَعَ الْقَضَاءَ مِنَ المَخْلُوقِينَ فَإِذَا رَفَعْتَ الْقَضَاءِ مِنْهُمُ اسْتَرَحْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَرَاحُوا مِنْكَ وَإِذَا لَمْ تَرْفَعِ الْقَضَاءَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ لَابدَّ لَكَ أَنْ تَتَزَيَّنَ لَهُمْ وَتَتَصَنَّعُ لَهُمْ فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَتْ فِي أَمْرٍ عَظِيمٍ وَقَدْ وَقَعُوا فِي أَمْرٍ عَظِيمٍ وَتَصْنُعٍ , فَإِذَا وَضَعْتَ عَلَيْهِمُ الْمَوْتَ فَقَدْ رَحِمْتَهُمْ وَأَيَسْتَ مِنْهُمْ وَأَمَّا التَّوَكُّلُ فَطَمَأْنِينَةُ الْقَلْبِ بِمَوْعُودِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا كُنْتَ مُطْمَئِنًا بِالْمَوْعُودِ اسْتَغْنَيْتَ غِنًى لَا تَفْتَقِرُ أَبَدًا
قَالَ حَاتِمٌ : وَالزُّهْدُ اسْمٌ وَالزَّاهِدُ الرَّجُلُ , وَلِلزُّهْدِ ثَلَاثُ شَرَائِعَ , أَوْلُهَا الصَّبْرُ بِالْمَعْرَفَةِ وَالِاسْتِقَامَةِ عَلَى التَّوَكُّلِ وَالرِّضَا بِالْعَطَاءِ , فَأَمَّا تَفْسِيرُ الصَّبْرِ بِالْمَعْرَفَةِ فَإِذَا أُنْزِلَتِ الشِّدَّةُ أَنْ تَعْلَمَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَرَاكَ عَلَى حَالِكَ , وَتَصْبِرُ وَتَحْتَسِبُ وَتَعْرِفُ ثَوَابَ ذَلِكَ الصَّبْرِ , وَمَعْرِفَةُ ثَوَابِ الصَّبْرِ أَنْ تَكُونَ مُسْتَوْطِنَ النَّفْسِ فِي ذَلِكَ الصَّبْرِ , وَتَعْلَمَ أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ وَقْتًا , وَالْوَقْتُ عَلَى وَجْهَيْنِ إِمَّا أَنْ يَجِيءَ الْفَرَجُ وَإِمَّا أَنْ يَجِيءَ الْمَوْتُ , فَإِذَا كَانَ هَذَانِ الشَّيْئَانِ عِنْدَكَ فَأَنْتَ حِينَئِذٍ عَارِفٌ صَابِرٌ وَأَمَّا الِاسْتِقَامَةُ عَلَى التَّوَكُّلِ فَالتَّوَكُّلُ إِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَتَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ , فَإِذَا كَانَ مُقِرًا مُصَدِّقًا أَنَّهُ رَازِقٌ لَا شَكَّ فِيهِ فَإِنَّهُ يَسْتَقِيمُ , وَالِاسْتِقَامَةُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ شَيْئًا لَكَ وَشَيْئًا لِغَيْرِكَ وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَكَ لَا يَفُوتُكَ وَالَّذِي لِغَيْرِكَ لَا تَنَالُهُ وَلَوِ احْتَلَّتْ بِكُلِّ حِيلَةٍ , فَإِذَا كَانَ مَالُكَ لَا يَفُوتُكَ فَيَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَكُونَ وَاثِقًا سَاكِنًا , فَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَا تَنَالُ مَا لِغَيْرِكَ فَيَنْبَغِي لَكَ أَنْ لَا تَطْمَعَ فِيهِ . وَعَلَامَةُ صِدْقِ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ أَنْ تَكُونَ مُشْتَغِلًا بِالْعُرُوضِ . وَأَمَّا الرِّضَا بِالْعَطَاءِ فَالْعَطَاءُ يَنْزِلُ عَلَى وَجْهَيْنِ , عَطَاءٌ تَهْوَى أَنْتَ فَيَجِبُ عَلَيْكَ الشُّكْرُ وَالْحَمْدُ وَأَمَّا الْعَطَاءُ الَّذِي لَا تَهْوَى فَيَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَرْضَى وَتَصْبِرَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا , ثنا أَبُو تُرَابٍ ، قَالَ : قَالَ حَاتِمٌ الْأَصَمُّ : الرِّيَاءُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ , وَجْهُ الْبَاطِنِ وَوَجْهَانِ الظَّاهِرُ , فَأَمَّا الظَّاهِرُ فَالْإِسْرَافُ وَالْفَسَادُ فَإِنَّهُ جَوَّزَ لَكَ أَنْ تَحْكُمَ أَنَّ هَذَا رِيَاءٌ لَا شَكَّ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي دَيْنِ اللَّهِ الْإِسْرَافُ وَالْفَسَادُ , وَأَمَّا الْبَاطِنُ فَإِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَكَ أَنْ تَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالرِّيَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
وَقَالَ حَاتِمٌ : لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَشَدُّ عَلَى النَّاسِ اتِّقَاءً الْعُجْبُ أَوِ الرِّيَاءُ , الْعُجْبُ دَاخِلٌ فِيكَ وَالرِّيَاءُ يَدْخُلُ عَلَيْكَ , الْعُجْبُ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنَ الرِّيَاءِ وَمِثْلَهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعَكَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ عقورٌ وَكَلْبٌ آخَرُ خَارِجَ الْبَيْتِ فَأَيُّهُمَا أَشَدُّ عَلَيْكَ الَّذِي مَعَكَ أَوِ الْخَارِجُ ، فَالدَّاخِلُ الْعُجْبُ وَالْخَارِجُ الرِّيَاءُ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي عَاصِمٍ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا تُرَابٍ الزَّاهِدَ , يَقُولُ : سَمِعْتُ حَاتِمًا الْأَصَمُّ , يَقُولُ : قَالَ لِي شَقِيقٌ الْبَلْخِيُّ : اصْحَبِ النَّاسَ كَمَا تَصْحَبُ النَّارَ خُذْ مَنْفَعَتَهَا وَاحْذَرْ أَنْ تُحْرَقَكَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا , ثنا أَبُو تُرَابٍ , قَالَ : قَالَ حَاتِمٌ الْأَصَمُّ : الْحُزْنُ عَلَى وَجْهَيْنِ , حَزَنٌ لَكَ وَحَزَنٌ عَلَيْكَ , فَأَمَّا الَّذِي عَلَيْكَ فَكُلُّ شَيْءٍ فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا فَتَحْزَنُ عَلَيْهِ , فَهَذَا عَلَيْكَ وَكُلُّ شَيْءٍ فَاتَكَ مِنَ الْآخِرَةِ وَتَحْزَنُ عَلَيْهِ فَهُوَ لَكَ . تَفْسِيرُهُ إِذَا كَانَ مَعَكَ دِرْهَمَانِ فَسَقَطَا مِنْكَ وَحَزِنْتَ عَلَيْهِمَا فَهَذَا حُزْنٌ لِلدُّنْيَا وَإِذَا خَرَجَتْ مِنْكَ زَلَّةٌ أَوْ غِيبَةٌ أَوْ حَسَدٌ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا تَحْزَنُ عَلَيْهِ وَتَنْدَمُ فَهُوَ لَكَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ , ثنا أَبُو تُرَابٍ , قَالَ : قَالَ حَاتِمٌ : إِذَا رَأَيْتُمْ مِنَ الرَّجُلِ ثَلَاثَ خِصَالٍ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالصِّدْقِ , إِذَا كَانَ لَا يُحِبُّ الدَّرَاهِمَ وَيَسْكُنُ قَلْبُهُ بِهَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ , وَيَعْزِلُ قَلْبَهُ مِنَ النَّاسِ
وَقَالَ حَاتِمٌ : إِذْا تَصَدَّقْتَ بِالدَّرَاهِمِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَكَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ أَمَّا وَاحِدٌ فَلَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُعْطِيَ وَتَطْلُبَ الزِّيَادَةَ وَلَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُعْطِيَ مِنْ مَلَامَةِ النَّاسِ , وَلَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَمُنَّ عَلَى صَاحِبِهِ , وَلَا يَنْبَغِي لَكَ إِذَا كَانَ عِنْدَكَ دِرْهَمَانِ فَتُعْطَى وَاحِدًا تَأْمَنُ هَذَا الَّذِي بَقِيَ عِنْدَكَ , وَلَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُعْطِيَ تَبْتَغِي الثَّنَاءَ , وَقَالَ : مَثَلُهُمَا مَثُلُ رَجُلٍ يَكُونُ لَهُ دَارٌ فِيهَا غَنْمٌ لَهُ وَلِلدَّارِ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ , وَخَارِجُ الدَّارِ ذِئْبٌ يَدُورُ حَوْلَهَا , فَإِنْ أَخَذْتَ أَرْبَعَةَ أَبْوَابٍ وَبَقِيَ وَاحِدٌ دَخَلَ الذِّئْبُ وَقَتْلَ الْغَنَمَ كُلَّهَا وَهَكَذَا إِذَا تَصَدَّقْتَ وَأَرَدْتَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْأَشْيَاءِ شَيْئًا وَاحِدًا فَقَدْ أَبْطَلْتَ الصَّدَقَةَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ , ثنا أَبُو تُرَابٍ , قَالَ : قَالَ حَاتِمٌ الْأَصَمُّ : التَّوْبَةُ أَنْ تَتَنَبَّهَ مِنَ الغَفْلَةِ وَتَذْكُرَ الذَّنْبَ وَتَذْكُرَ لُطْفَ اللَّهِ وَحُكْمَ اللَّهِ وَسِتْرَ اللَّهِ إِذَا أَذْنَبْتَ لَمْ تَأْمَنِ الْأَرْضَ وَالسَّمَاءَ أَنْ يَأْخُذَاكَ , فَإِذَا رَأَيْتَ حُكْمَهَ رَأَيْتَ أَنْ تَرْجِعَ مِنَ الذُّنُوبِ مِثْلَ اللَّبَنِ إِذَا خَرَجَ مِنَ الضَّرْعِ لَا يَعُودُ إِلَيْهِ فَلَا تَعُدْ إِلَى الذَّنْبِ كَمَا لَا يَعُودُ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ , وَفِعْلُ التَّائِبِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ أَنْ تَحْفَظَ اللِّسَانَ مِنَ الْغِيبَةِ وَالْكَذِبِ وَالْحَسَدِ وَاللَّغْوِ , وَالثَّانِي أَنْ تُفَارِقَ أَصْحَابَ السُّوءِ , وَالثَّالِثُ إِذَا ذُكِرَ الذَّنْبُ تَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ , وَالرَّابِعُ تَسْتَعِدُ لِلْمَوْتِ . وَعَلَامَةُ الِاسْتِعْدَادِ أَنْ لَا تَكُونَ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ غَيْرَ رَاضٍ مِنَ اللَّهِ فَإِذَا كَانَ التَّائِبُ هَكَذَا يُعْطِيهِ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ أَوْلُهَا يُحِبُّهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {{ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }} ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ الذَّنْبِ كَأَنَّهُ لَمْ يُذْنِبْ قَطُّ كَمَا قَالَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ وَالثَّالِثُ يَحْفَظْهُ مِنَ الشَّيْطَانِ لَا يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَالرَّابِعُ يُؤَمِّنُهُ مِنَ النَّارِ قَبْلَ الْمَوْتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {{ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ }} وَيَجِبُ عَلَى الْخَلْقِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ : يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُحِبُّوا هَذَا التَّائِبَ كَمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى , وَيَدَعُوا لَهُ بِالْحِفْظِ وَيَسْتَغْفِرُوا لَهُ كَمَا تَسْتَغْفِرُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {{ فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ }} إِلَخْ وَيَكْرَهُوا لَهُ مَا يَكْرَهُونَ لِأَنْفُسِهِمْ . وَالرَّابِعُ أَنْ يَنْصَحُوا لِلتَّائِبِ كَمَا يَنْصَحُونَ لِأَنْفُسِهِمْ
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى , قَالَ : سَمِعْتُ نَصْرَ بْنَ أَبِي نَصْرٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ سُلَيْمَانَ الْكَفْرَسَلَانِيُّ ، يَقُولُ : وَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنْ حَاتِمٍ الْأَصَمُّ , أَنَّهُ قَالَ : مَنْ دَخَلَ فِي مَذْهَبِنَا هَذَا فَلْيَجْعَلْ فِي نَفْسِهِ أَرْبَعَ خِصَالٍ مِنَ الْمَوْتِ مَوْتًا أَبْيَضَ , وَمَوْتًا أَسْوَدَ , وَمَوْتًا أَحْمَرَ , وَمَوْتًا أَخْضَرَ فَالْمَوْتُ الْأَبْيَضُ الْجُوعُ , وَالْمَوْتُ الْأَسْوَدُ احْتِمَالُ أَذَى النَّاسِ وَالْمَوْتُ الْأَحْمَرُ مُخَالَفَةُ النَّفْسِ , وَالْمَوْتُ الْأَخْضَرُ طَرْحُ الرِّقَاعِ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ
وَقَالَ حَاتِمٌ : كَانَ يُقَالُ الْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا فِي خَمْسٍ , إِطْعَامُ الطَّعَامِ إِذَا حَضَرَ الضَّيْفُ وَتَجْهِيزُ الْمَيِّتِ إِذَا مَاتَ , وَتَزْوِيجُ الْبِكْرِ إِذَا أَدْرَكَتْ , وَقَضَاءُ الدَّيْنِ إِذَا وَجَبَ , وَالتَّوْبَةُ مِنَ الذَّنْبِ إِذَا أَذْنَبَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ سَعِيدَ بْنَ أَحْمَدَ الْبَلْخِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ اللَّيْثِ , يَقُولُ : سَمِعْتُ حَامِدًا , يَقُولُ : سَمِعْتُ حَاتِمًا , يَقُولُ : لِكُلِّ قَوْلٍ صِدْقٌ , وَلِكُلِّ صِدْقٍ فَعْلٌ ، وَلِكُلِّ فَعْلٍ صَبْرٌ , وَلِكُلِّ حَسَنَةٍ إِرَادَةٌ ، وَلِكُلِّ إِرَادَةٍ أَثَرَةٌ
وَقَالَ حَاتِمٌ : أَصْلُ الطَّاعَةِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ الْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ وَالْحَسَبُ , وَأَصْلُ الْمَعْصِيَةِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ الْكِبْرُ وَالْحِرْصُ وَالْحَسَدُ
وَقَالَ حَاتِمٌ : الْمُنَافِقُ مَا أَخَذَ مِنَ الدُّنْيَا أَخَذَ بِحَرْصٍ وَيَمْنَعُ بِالشَّكِّ وَيُنْفِقُ بِالرِّيَاءِ , وَالْمُؤْمِنُ يَأْخُذُ بِالْخَوْفِ وَيَمْسِكُ بِالشِّدَةِ , وَيُنْفِقُ لِلَّهِ خَالِصًا فِي الطَّاعَةِ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ , ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا تُرَابٍ , يَقُولُ : سَمِعْتُ حَاتِمًا الْأَصَمَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ شَقِيقًا , يَقُولُ : الْكَسَلُ عَوْنٌ عَلَى الزُّهْدِ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ , ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا تُرَابٌ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ حَاتِمًا ، يَقُولُ : لِي أَرْبَعَةُ نِسْوَةٍ وَتِسْعَةٌ مِنَ الْأَوْلَادِ مَا طَمَعَ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوَسْوِسَ إِلَيَّ فِي شَيْءٍ مِنْ أَرْزَاقِهِمْ
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا , ثنا أَبُو تُرَابٍ ، ثنا حَاتِمٌ الْأَصَمُّ ، قَالَ : لَا يُغْلَبُ الْمُؤْمِنُ عَنْ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ , عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَعَنِ الْقَضَاءِ وَعَنِ الرِّزْقٍ وَعَنِ الْمَوْتِ وَعَنِ الشَّيْطَانِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا , ثنا أَبُو تُرَابٍ , قَالَ : قَالَ شَقِيقٌ لِحَاتِمٍ الْأَصَمِّ : مُذْ أَنْتَ صَحِبْتَنِي أَيَّ شَيْءٍ تَعَلَّمْتَ ؟ قَالَ : سِتُّ كَلِمَاتٍ قَالَ : أَوْلُهُنَّ قَالَ : رَأَيْتُ كُلَّ النَّاسِ فِي شَكٍّ مِنْ أَمْرِ الرِّزْقِ وَإِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى {{ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا }} فَعَلِمْتُ أَنِّي مِنْ هَذِهِ الدَّوَابِّ وَاحِدٌ فَلَمْ أَشْغَلْ نَفْسِي بِشَيْءٍ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِهِ رَبِّي , قَالَ : أَحْسَنْتَ فَمَا الثَّانِيَةُ قَالَ : رَأَيْتُ لِكُلَّ إِنْسَانٍ صَدِيقًا يُفْشِي إِلَيْهِ سَرَّهُ وَيَشْكُو إِلَيْهِ أَمْرَهُ فَقُلْتُ : أَنْظُرُ مَنْ صَدِيقِي فَكُلِّ صِدِّيقٍ وَأَخٍ رَأَيْتُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَّخِذَ صَدِيقًا يَكُونُ لِي بَعْدَ الْمَوْتِ فَصَادَقْتُ الْخَيْرَ لِيَكُونَ مَعِي إِلَى الْحِسَابِ وَيَجُوزُ مَعِي إِلَى الصِّرَاطِ وَيُثَبَّتُنِي بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَقَالَ : أَصَبْتَ فَمَا الثَّالِثَةُ قَالَ : رَأَيْتُ كُلَّ النَّاسِ لَهُمْ عَدُوٌّ , فَقُلْتُ أَنْظُرُ مَنْ عَدُوِّي فَأَمَّا مَنِ اغْتَابَنِي فَلَيْسَ عَدُوِّي , وَأَمَّا مِنْ أَخَذَ مِنِّي شَيْئًا فَلَيْسَ هُوَ عَدُوِّي وَلَكِنْ عَدُوِّي الَّذِي إِذَا كُنْتُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ أَمَرَنِي بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ , فَرَأَيْتُ ذَلِكَ إِبْلِيسَ وَجُنُودَهُ فَاتَّخَذْتُهُمْ عَدُوًّا فَوَضَعْتُ الْحَرْبَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَوَتَرْتُ قَوْسِي وَوَصَلْتُ سَهْمِي فَلَا أَدَعُهُ يَقَرَبُنِي , قَالَ : أَحْسَنْتَ , فَمَا الرَّابِعَةُ , قَالَ : رَأَيْتُ النَّاسَ لَهُمْ طَالِبٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَوْمًا وَاحِدًا فَرَأَيْتُ ذَلِكَ مَلَكَ الْمَوْتِ فَفَرَّغْتُ لَهُ نَفْسِي حَتَّى إِذَا جَاءَ لَا يَنْبَغِي أَنْ أُمْسِكَهُ فَأَمْضَى مَعَهُ قَالَ : أَحْسَنْتَ , فَمَا الْخَامِسَةُ قَالَ : نَظَرْتُ فِي هَذَا الْخَلْقِ فَأَحْبَبْتُ وَاحِدًا وَأَبْغَضْتُ وَاحِدًا فَالَّذِي أَحْبَبْتُهُ لَمْ يُعْطِنِي وَالَّذِي أَبْغَضْتُهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنِّي شَيْئًا فَقُلْتُ : مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ هَذَا ؟ فَرَأَيْتُ أَنِّي أَتَيْتُ هَذَا مِنْ قِبَلِ الْحَسَدِ فَطَرَحَتُ الْحَسَدَ مِنْ قَلْبِي فَأَحْبَبْتُ النَّاسَ كُلَّهُمْ فَكُلُّ شَيْءٍ لَمْ أَرْضَهُ لِنَفْسِي لَمْ أَرْضَهُ لَهُمْ , قَالَ : أَحْسَنْتَ فَمَا السَّادِسَةُ , قَالَ : رَأَيْتُ النَّاسَ كُلَّهُمْ لَهُمْ بَيْتٌ وَمَأْوَى وَرَأَيْتُ مَأْوَايَ الْقَبْرَ فَكُلُّ شَيْءٍ قَدَرْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ قَدَّمْتُهُ لِنَفْسِي حَتَّى أُعَمِّرَ قَبْرِي فَإِنَّ الْقَبْرَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَامِرًا لَمْ يُسْتَطَعِ الْقِيَامَ فِيهِ , فَقَالَ شَقِيقٌ : عَلَيْكَ بِهَذِهِ الْخِصَالِ السِّتَّةِ فَإِنَّكَ لَا تَحْتَاجُ إِلَى عِلْمٍ غَيْرِهِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ , ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّاشِيُّ , ثنا أَبُو عَقِيلٍ الرُّصَافِيُّ ، ثنا أَبُو عَبْدٍ اللَّهِ الْخَوَّاصُ ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ حَاتِمٍ , قَالَ : دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَاتِمٍ الْأَصَمِّ الرِّيَّ وَمَعَنَا ثَلَاثُمائَةٍ وَعِشْرُونَ رَجُلًا نُرِيدُ الْحَجَّ وَعَلَيْهِمُ الصُّوفُ وَالذُّرَنْيَانَقَاتُ لَيْسَ مَعَهُمْ شَرَابٌ وَلَا طَعَامٌ , فَدَخَلْنَا الرِّيَّ فَدَخَلْنَا عَلَى رَجُلٍ مِنَ التُّجَّارِ مُتَنَسِّكٌ يُحِبُّ الْمُتَقَشِّفِينَ فَأَضَافَنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ , قَالَ لِحَاتِمٍ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَكَ حَاجَةٌ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعُودَ فَقِيهًا لَنَا هُوَ عَلِيلٌ , فَقَالَ حَاتِمٌ : إِنَّ كَانَ لَكُمْ فَقِيهٌ عَلِيلٌ فَعِيَادَةُ الْفَقِيهِ لَهَا فَضْلٌ وَالنَّظَرُ إِلَى الْفَقِيهِ عِبَادَةٌ وَأَنَا أَيْضًا أَجِيءُ مَعَكَ , وَكَانَ الْعَلِيلُ مُحَمَّدَ بْنَ مُقَاتِلٍ قَاضِي الرِّيِّ فَقَالَ : سِرْ بِنَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَجَاءُوا إِلَى الْبَابِ فَإِذَا بَابٌ مُشْرِفٌ حَسَنٌ فَبَقِيَ حَاتِمٌ مُتَفَكِّرًا , بَابُ عَالِمٍ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَإِذَا دَارُ نُورٍ وَإِذَا فُوَّةٌ وَأَمْتَعَةٌ وَسُتُورٌ وَجَمَعَ فَبَقِيَ حَاتِمٌ مُتَفَكِّرًا , ثُمَّ دَخَلَ إِلَى الْمَجْلِسِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَإِذَا بِفُرُشٍ وَطِيئَةٍ وَإِذَا هُوَ رَاقِدٌ عَلَيْهَا وَعِنْدَ رَأْسِهِ غُلَامٌ وَمُدْيَةٌ , فَقَعَدَ الرَّازِيُّ وَسَأَلَهُ بِهِ وَحَاتِمُ قَائِمٌ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ ابْنُ مُقَاتِلٍ اقْعُدْ , فَقَالَ : لَا أَقْعُدُ , فَقَالَ لَهُ ابْنُ مُقَاتِلٍ : لَعَلَّ لَكَ حَاجَةً قَالَ : نَعَمْ قَالَ : وَمَا هِيَ قَالَ : مَسْأَلَةٌ أَسْأَلُكَ عَنْهَا قَالَ : سَلْنِي , قَالَ : نَعَمْ , فَاسْتَوِ حَتَّى أَسْأَلَكُهَا فَأَمَرَ غِلْمَانَهُ فَأَسْنَدُوهُ , فَقَالَ لَهُ حَاتِمٌ : عِلْمُكَ هَذَا مِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِهِ قَالَ : الثِّقَاتُ حَدِّثُونِي بِهِ ، قَالَ : عَنْ مِنْ ، قَالَ : عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ أَيْنَ جَاءَ بِهِ قَالَ : عَنْ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ , قَالَ حَاتِمٌ : فَفِيمَ أَدَّاهُ جِبْرِيلُ عَنِ اللَّهِ وَأَدَّاهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَدَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ , وَأَدَّاهُ أَصْحَابُهُ إِلَى الثِّقَاتِ , وَأَدَّاهُ الثِّقَاتُ إِلَيْكَ هَلْ سَمِعْتَ فِيَ الْعِلْمِ مَنْ كَانَ فِي دَارِهِ أَمِيرٌ أَوْ مَنَعَةٌ أَكْثَرُ كَانَتْ لَهُ الْمَنْزِلَةُ عِنْدَ اللَّهِ أَكْثَرُ قَالَ : لَا قَالَ : فَكَيْفَ سَمِعْتَ مَنْ زَهِدِ فِي الدُّنْيَا وَرَغِبَ فِي الْآخِرَةِ وَأَحَبَّ الْمَسَاكِينَ وَقَدَّمَ لِآخَرَتِهِ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ الْمَنْزِلَةُ أَكْثَرُ قَالَ حَاتِمٌ : فَأَنْتَ بِمَنِ اقْتَنَعْتَ ؟ بِالنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالصَّالِحِينَ أَمْ بِفِرْعَوْنَ وَنَمْرُوذَ أَوَّلَ مَنْ بَنَى بِالْجَصِّ وَالْآجُرِّ , يَا عُلَمَاءَ السُّوءِ , مِثْلَكُمْ يَرَاهُ الْجَاهِلُ الطَّالِبُ لِلدُّنْيَا الرَّاغِبُ فِيهَا فَيَقُولُ : الْعَالِمُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَا أَكُونُ أَنَا شَرًّا مِنْهُ وَخَرَجَ مِنْ عِنْدَهِ فَازْدَادَ ابْنُ مُقَاتِلٍ مَرَضًا فَبَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ الرِّيِّ مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ مُقَاتِلٍ , فَقَالُوا لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ الطَّنَافِسِيَّ بِقَزْوِينَ أَكْثَرُ شَيْءٍ مِنْ هَذَا قَالَ : فَسَارَ إِلَيْهِ مُتَعَمِّدًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ : رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَا رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ أُحِبُّ أَنْ تُعَلِّمَنِيَ أَوَّلَ مُبْتَدَأَ دِينِي وَمِفْتَاحَ صَلَاتِي وَكَيْفَ أَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ قَالَ : نَعَمْ وَكَرَامَةً , يَا غُلَامُ , إِنَاءً فِيهِ مَاءٌ , فَأَتَى بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ , فَقَعَدَ الطَّنَافِسِيُّ فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ : يَا هَذَا هَكَذَا فَتَوَضَّأَ قَالَ حَاتِمٌ : مَكَانَكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ حَتَّى أَتَوَضَّأَ بَيْنَ يَدَيْكَ فَيَكُونُ أَوْكَدُ لِمَا أُرِيدُ فَقَامَ الطَّنَافِسِيُّ , فَقَعَدَ حَاتِمٌ فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ غَسْلَ الذِّرَاعَيْنِ غَسَلَ أَرْبَعًا فَقَالَ لَهُ الطَّنَافِسِيُّ : يَا هَذَا أَسْرَفْتَ , قَالَ لَهُ حَاتِمٌ : فَلِمَاذَا قَالَ : غَسَلْتَ ذِرَاعَيْكَ أَرْبَعًا قَالَ حَاتِمٌ : يَا سُبْحَانَ اللَّهِ أَنَا فِي ، كَفٍّ مِنْ مَاءٍ أَسْرَفْتُ وَأَنْتَ فِي هَذَا الْجَمْعِ كُلِّهِ لَمْ تُسْرِفْ فَعَلِمَ الطَّنَافِسِيُّ أَنَّهُ أَرَادَهُ بِذَلِكَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْهُ شَيْئًا فَدَخَلَ إِلَى الْبَيْتِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى النَّاسِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَكَتَبَ إِلَى تُجَّارِ الرِّيِّ وَقَزْوِينَ بِمَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ مُقَاتِلٍ وَالطَّنَافِسِيِّ فَلَمَّا دَخَلَ بَغْدَادَ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَهْلُ بَغْدَادَ , فَقَالُوا لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنْتَ رَجُلٌ أَلْكَنُ أَعْجَمِيٌّ لَيْسَ يُكَلِّمُكَ أَحَدٌ إِلَّا قَطَعْتَهُ قَالَ : مَعِي ثَلَاثُ خِصَالٍ بِهِنَّ أَظْهَرُ عَلَى خَصْمِي , قَالُوا : أَيُّ شَيْءٍ هِيَ قَالَ : أَفْرَحُ إِذَا أَصَابَ خَصْمِي , وَأَحْزَنُ إِذَا أَخْطَأَ وَأَحْفَظُ نَفْسِي أَنْ لَا أَتَجَهَّلُ عَلَيْهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ , فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَعْقَلَهُ قُومُوا بِنَا حَتَّى نَسِيرَ إِلَيْهِ فَلَمَّا دَخَلُوا , قَالُوا لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا السَّلَامَةُ مِنَ الدُّنْيَا ؟ قَالَ حَاتِمٌ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَا تَسْلَمُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَكُونَ مَعَكَ أَرْبَعُ خِصَالٍ قَالَ : أَيُّ شَيْءٍ هِيَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ , قَالَ : تَغْفِرُ لِلْقَوْمِ جَهْلَهُمْ وَتَمْنَعُ جَهْلَكَ عَنْهُمْ وَتَبْذُلُ لَهُمْ شَيْئَكَ , وَتَكُونُ مِنْ شَيْئِهِمْ آيَسًا , فَإِذَا كَانَ هَذَا سَلِمْتَ . ثُمَّ سَارَ إِلَى الْمَدِينَةَ فَاسْتَقْبَلَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ , فَقَالَ : يَا قَوْمُ أَيُّ مَدِينَةٍ هَذِهِ قَالُوا : مَدِينَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : فَأَيْنَ قَصْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَأُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ , قَالُوا : مَا كَانَ لَهُ قَصْرٌ , إِنَّمَا كَانَ لَهُ بَيْتٌ لَاطِئٍ , قَالَ : فَأَيْنَ قُصُورِ أَصْحَابِهِ بَعْدَهُ , قَالُوا : مَا كَانَ لَهُمْ قُصُورٌ , إِنَّمَا كَانَ لَهُمْ بُيوتٌ لَاطِئَةٌ قَالَ حَاتِمٌ : يَا قَوْمُ فَهَذِهِ مَدِينَةُ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ , فَذَهَبُوا بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ فَقَالُوا : هَذَا الْعَجَمِيُّ يَقُولُ : هَذِهِ مَدِينَةُ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ , قَالَ الْوَالِي : وَلِمَ ذَاكَ ؟ قَالَ حَاتِمٌ : لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ أَنا رَجُلٌ عَجَمِيٌّ غَرِيبٌ دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ , فَقُلْتُ : مَدِينَةُ مَنْ هَذِهِ , قَالُوا : مَدِينَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وقُلْتُ : فَأَيْنَ قَصْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَأُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ قَالُوا : مَا كَانَ لَهُ قَصْرٌ إِنَّمَا كَانَ لَهُ بَيْتٌ لَاطِئٌ , قُلْتُ : فَلِأَصْحَابِهِ بَعْدَهُ , قَالُوا : مَا كَانَ لَهُمْ قُصُورٌ إِنَّمَا كَانَ لَهُمْ بُيوتٌ لَاطِئَةٌ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }} فَأَنْتُمْ بِمَنْ تَأَسَّيْتُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ أَمْ بِفِرْعَوْنَ أَوَّلَ مَنْ بَنَى بِالْجَصِّ وَالْآجُرِ , فَخَلُّوا عَنْهُ وَعَرَفُوهُ فَكَانَ حَاتِمٌ كُلَّمَا دَخَلَ الْمَدِينَةَ يَجْلِسُ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُحَدِّثُ وَيَدْعُو , فَاجْتَمَعَ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ , فَقَالُوا : تَعَالَوْا حَتَّى نُخْجِلَهُ فِي مَجْلِسِهِ فَجَاؤُوهُ , وَمَجْلِسُهُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ , فَقَالُوا : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ , مَسْأَلَةٌ نَسْأَلُكَ قَالَ : سَلُوا , قَالُوا : مَا تَقُولُ فِي رَجُلٌ يَقُولُ : اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي , قَالَ حَاتِمٌ : مَتَى طَلَبَ هَذَا الرِّزْقَ فِي الْوَقْتِ أَمْ قَبْلَ الرِّزْقِ , قَالُوا : لَيْسَ يُفْهَمُ هَذَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ , قَالَ : إِنْ كَانَ هَذَا الْعَبْدُ طَلَبَ الرِّزْقَ مِنْ رَبِّهِ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ فَنِعْمَ وَإِلَّا فَأَنْتُمْ عِنْدَكُمْ حَرْثٌ وَدَرَاهِمُ فِي أَكْيَاسِكُمْ , وَطَعَامٌ فِي مَنَازِلِكُمْ , وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ : اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا قَدْ رَزْقَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا وَأَطْعِمُوا إِخْوَانَكُمْ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَسَلُوا اللَّهَ حَتَّى يُعْطِيَكُمْ , أَنْتَ عَسَى تَمُوتُ غَدًا وَتَخَلُفُ هَذَا عَلَى الْأَعْدَاءِ , وَأَنْتَ تَسْأَلُهُ أَنْ يَرْزُقَكَ زِيَادَةً , فَقَالَ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ : نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّمَا أَرَدْنَا بِالْمَسْأَلَةَ تَعَنُّتًا
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى , قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ , يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبِي ، يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدًا , يَقُولُ : سَمِعْتُ خَالِي مُحَمَّدَ بْنَ اللَّيْثِ يَقُولُ : سَمِعْتُ حَاتِمًا , يَقُولُ : اطْلُبْ نَفْسَكَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ : الْعَمَلِ الصَّالِحِ بِغَيْرِ رِيَاءٍ , وَالْأَخْذِ بِغَيْرِ طَمَعٍ , وَالْعَطَاءِ بِغَيْرِ مِنَّةٍ ، وَالْإِمْسَاكِ بِغَيْرِ بُخْلٍ
وَقَالَ رَجُلٌ لِحَاتِمٍ : عِظْنِي قَالَ : إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَعْصِيَ مَوْلَاكَ فَاعْصِهِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَرَاكَ
وَقَالَ رَجُلٌ لِحَاتِمٍ : مَا تَشْتَهِي ؟ قَالَ : أَشْتَهِي عَافِيَةَ يَوْمِي إِلَى اللَّيْلِ فَقِيلَ لَهُ : أَلَيْسَتِ الْأَيَّامُ كُلُّهَا عَافِيَةٌ قَالَ : إِنَّ عَافِيَةَ يَوْمِي أَنْ لَا أَعْصِي اللَّهَ فِيهِ
وَقَالَ حَاتِمٌ : الشَّهْوَةُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْأَكْلِ وَالنَّظَرِ وَاللِّسَانِ فَاحْفَظِ اللِّسَانِ بِالصِّدْقِ , وَالْأَكْلِ بِالثِّقَةَ , وَالنَّظَرِ بِالْعَبْرَةِ قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ : اخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِيهِ , فَقِيلَ حَاتِمُ بْنُ عُنْوَانَ , وَقِيلَ حَاتِمُ بْنُ يُوسُفَ وَقِيلَ : حَاتِمُ بْنُ عُنْوَانَ بْنِ يُوسُفَ وَهُوَ مَوْلَى لِلْمُثَنَّى بْنِ يَحْيَى الْمُحَارِبِيِّ , قَلِيلُ الْحَدِيثِ
حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُؤَذِّنُ بِنَيْسَابُوَرَ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلَوِيَّةَ ، ثنا يَحْيَى بْنُ الْحَارِثِ , ثنا حَاتِمُ بْنُ عُنْوَانَ الْأَصَمُّ , ثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَاهِيَانِيُّ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ ، بِنَيْسَابُوَرَ , ثنا مَالِكٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَنَسٍ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : صَلِّ صَلَاةَ الضُّحَى فَإِنَّهَا صَلَاةٌ الْأَبْرَارِ ، وَسَلِّمْ إِذَا دَخَلْتَ بَيْتَكَ يَكْثُرْ خَيْرُ بَيْتِكَ