حَاتِمًا الْأَصَمَّ قَدِ اعْتَزَلَ النَّاسَ فِي قُبَّةٍ لَهُ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَا يَحْتَاجُ إِلَى النَّاسِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَلَا يُكَلِّمُهُمْ إِلَّا عِنْدَ مَسْأَلَةٍ لَابدَ لَهُ مِنَ الْجَوَابِ لَعَلَّهُ لُبِّسَ بِهِ , قَدْ وَرَّثَتْهُ إِيَّاهُ الْوَحْدَةُ وَقِيلَ إِنَّهُ عَاقِلٌ فَقَالَ : سَأَمْتَحِنُهُ فَنَدَبَ لَهُ أَرْبَعَةً , مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ وَالْكِسَائِيَّ وَعَمْرَو بْنَ بَحْرٍ وَرَجُلًا آخَرَ أَحْسَبُهُ الْأَصْمَعِيَّ فَجَاؤُوا حَتَّى وَقَفُوا تَحْتَ قُبَّتِهِ , نَادَى أَحَدُهُمْ يَا حَاتِمُ يَا حَاتِمُ فَلَمْ يُجَبْهُمْ حَتَّى قِيلَ بِحَقِّ مَعْبُودِكَ إِلَّا أَجَبْتَنَا فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ , وَقَالَ : " يَا أَهْلَ الْحِيرَةَ هَذِهِ يَمِينُ مُؤْمِنٍ لِكَافِرٍ وَكَافِرٍ لِمُؤْمِنٍ لِمَ خَصَصْتُمُونِي بِالْمَعْبُودِ دُونَكُمْ , وَلَكِنَّ الْحَقَّ جَرَى عَلَى أَلْسِنَتِكُمْ لِأَنَّكُمَ اشْتَغَلْتُمْ بِعِبَادَةِ الرَّشِيدِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ فَقَالَ أَحَدُهُمْ : مَا عِلْمُكَ بِأَنَّا خُدَّامُ الرَّشِيدِ قَالَ : مَنْ لَمْ يَرْضَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا بِمِثْلِ حَالِكُمْ لَا يَزُلُ عَنْ مَطْلَبِهِ إِلَى قَصَدِ مَنْ لَا يُخْبِرُهُ وَلَا يَدَ عَلِيَّ مِنَ الرَّشِيدِ وَأَشْبَاهِهِ . فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ : لِمَ اعْتَزَلْتَ النَّاسَ وَفِيهِمْ مَنْ تَعَلَّمَ , وَفِيهِمْ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ ، قَالَ : صَدَقْتَ وَلَكِنْ بَيْنَهُمْ سَلَاطِينُ الْجَوْرِ , يَفْتِنُونَا عَنْ دِينِنَا فَالتَّخَلِّي مِنْهُمْ أَوْلَى , قَالَ : فَعَلَامَ وَطَّنْتَ نَفْسَكَ فِي الْعُزْلَةِ وَثَبَّتَ عَلَيْهِ أَمْرَكَ قَالَ : عَلِمْتُ أَنَّ الْقَلِيلَ مِنَ الرِّزْقِ يَكْفِينِي , فَأَقْلَلْتُ الْحَرَكَةَ فِي طَلَبِهِ وَأَنْ فَرَضِيَ لَا يُقْبَلُ إِلَّا مِنِّي فَأَنَا مَشْغُولٌ بِأَدَائِهِ وَأَنَّ أَجْلِي لَابدَّ يَأْتِينِي فَأَنَا مُنْتَظِرٌ لَهُ وَأَنَا لَا أَغِيبُ عَنْ عَيْنِ مَنْ خَلَقَنِي فَأَسْتَحِي مِنْهُ أَنْ يَرَانِيَ وَأَنَا مَشْغُولٌ بِغَيْرِ مَا وَجَبَ لَهُ . ثُمَّ رَدَّ بَابَ الْقُبَّةِ وَحَلَفَ أَنْ لَا يكَلِّمَهُمْ فَرَجَعُوا إِلَى الرَّشِيدِ وَقَدْ حَكَمُوا أَنَّهُ أَعْقَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ "
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى , ثنا أَبُو خَلِيفَةَ , ثنا الرِّيَاشِيُّ , قَالَ : قِيلَ للِرَّشِيدِ إِنَّ حَاتِمًا الْأَصَمَّ قَدِ اعْتَزَلَ النَّاسَ فِي قُبَّةٍ لَهُ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَا يَحْتَاجُ إِلَى النَّاسِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَلَا يُكَلِّمُهُمْ إِلَّا عِنْدَ مَسْأَلَةٍ لَابدَ لَهُ مِنَ الْجَوَابِ لَعَلَّهُ لُبِّسَ بِهِ , قَدْ وَرَّثَتْهُ إِيَّاهُ الْوَحْدَةُ وَقِيلَ إِنَّهُ عَاقِلٌ فَقَالَ : سَأَمْتَحِنُهُ فَنَدَبَ لَهُ أَرْبَعَةً , مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ وَالْكِسَائِيَّ وَعَمْرَو بْنَ بَحْرٍ وَرَجُلًا آخَرَ أَحْسَبُهُ الْأَصْمَعِيَّ فَجَاؤُوا حَتَّى وَقَفُوا تَحْتَ قُبَّتِهِ , نَادَى أَحَدُهُمْ يَا حَاتِمُ يَا حَاتِمُ فَلَمْ يُجَبْهُمْ حَتَّى قِيلَ بِحَقِّ مَعْبُودِكَ إِلَّا أَجَبْتَنَا فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ , وَقَالَ : يَا أَهْلَ الْحِيرَةَ هَذِهِ يَمِينُ مُؤْمِنٍ لِكَافِرٍ وَكَافِرٍ لِمُؤْمِنٍ لِمَ خَصَصْتُمُونِي بِالْمَعْبُودِ دُونَكُمْ , وَلَكِنَّ الْحَقَّ جَرَى عَلَى أَلْسِنَتِكُمْ لِأَنَّكُمَ اشْتَغَلْتُمْ بِعِبَادَةِ الرَّشِيدِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ فَقَالَ أَحَدُهُمْ : مَا عِلْمُكَ بِأَنَّا خُدَّامُ الرَّشِيدِ قَالَ : مَنْ لَمْ يَرْضَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا بِمِثْلِ حَالِكُمْ لَا يَزُلُ عَنْ مَطْلَبِهِ إِلَى قَصَدِ مَنْ لَا يُخْبِرُهُ وَلَا يَدَ عَلِيَّ مِنَ الرَّشِيدِ وَأَشْبَاهِهِ . فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ : لِمَ اعْتَزَلْتَ النَّاسَ وَفِيهِمْ مَنْ تَعَلَّمَ , وَفِيهِمْ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ ، قَالَ : صَدَقْتَ وَلَكِنْ بَيْنَهُمْ سَلَاطِينُ الْجَوْرِ , يَفْتِنُونَا عَنْ دِينِنَا فَالتَّخَلِّي مِنْهُمْ أَوْلَى , قَالَ : فَعَلَامَ وَطَّنْتَ نَفْسَكَ فِي الْعُزْلَةِ وَثَبَّتَ عَلَيْهِ أَمْرَكَ قَالَ : عَلِمْتُ أَنَّ الْقَلِيلَ مِنَ الرِّزْقِ يَكْفِينِي , فَأَقْلَلْتُ الْحَرَكَةَ فِي طَلَبِهِ وَأَنْ فَرَضِيَ لَا يُقْبَلُ إِلَّا مِنِّي فَأَنَا مَشْغُولٌ بِأَدَائِهِ وَأَنَّ أَجْلِي لَابدَّ يَأْتِينِي فَأَنَا مُنْتَظِرٌ لَهُ وَأَنَا لَا أَغِيبُ عَنْ عَيْنِ مَنْ خَلَقَنِي فَأَسْتَحِي مِنْهُ أَنْ يَرَانِيَ وَأَنَا مَشْغُولٌ بِغَيْرِ مَا وَجَبَ لَهُ . ثُمَّ رَدَّ بَابَ الْقُبَّةِ وَحَلَفَ أَنْ لَا يكَلِّمَهُمْ فَرَجَعُوا إِلَى الرَّشِيدِ وَقَدْ حَكَمُوا أَنَّهُ أَعْقَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ