فَقَالَ حَاتِمٌ : " إِنَّ كَانَ لَكُمْ فَقِيهٌ عَلِيلٌ فَعِيَادَةُ الْفَقِيهِ لَهَا فَضْلٌ وَالنَّظَرُ إِلَى الْفَقِيهِ عِبَادَةٌ وَأَنَا أَيْضًا أَجِيءُ مَعَكَ , وَكَانَ الْعَلِيلُ مُحَمَّدَ بْنَ مُقَاتِلٍ قَاضِي الرِّيِّ فَقَالَ : سِرْ بِنَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَجَاءُوا إِلَى الْبَابِ فَإِذَا بَابٌ مُشْرِفٌ حَسَنٌ فَبَقِيَ حَاتِمٌ مُتَفَكِّرًا , بَابُ عَالِمٍ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَإِذَا دَارُ نُورٍ وَإِذَا فُوَّةٌ وَأَمْتَعَةٌ وَسُتُورٌ وَجَمَعَ فَبَقِيَ حَاتِمٌ مُتَفَكِّرًا , ثُمَّ دَخَلَ إِلَى الْمَجْلِسِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَإِذَا بِفُرُشٍ وَطِيئَةٍ وَإِذَا هُوَ رَاقِدٌ عَلَيْهَا وَعِنْدَ رَأْسِهِ غُلَامٌ وَمُدْيَةٌ , فَقَعَدَ الرَّازِيُّ وَسَأَلَهُ بِهِ وَحَاتِمُ قَائِمٌ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ ابْنُ مُقَاتِلٍ اقْعُدْ , فَقَالَ : لَا أَقْعُدُ , فَقَالَ لَهُ ابْنُ مُقَاتِلٍ : لَعَلَّ لَكَ حَاجَةً قَالَ : نَعَمْ قَالَ : وَمَا هِيَ قَالَ : مَسْأَلَةٌ أَسْأَلُكَ عَنْهَا قَالَ : سَلْنِي , قَالَ : نَعَمْ , فَاسْتَوِ حَتَّى أَسْأَلَكُهَا فَأَمَرَ غِلْمَانَهُ فَأَسْنَدُوهُ , فَقَالَ لَهُ حَاتِمٌ : عِلْمُكَ هَذَا مِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِهِ قَالَ : الثِّقَاتُ حَدِّثُونِي بِهِ ، قَالَ : عَنْ مِنْ ، قَالَ : عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَيْنَ جَاءَ بِهِ قَالَ : عَنْ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ , قَالَ حَاتِمٌ : فَفِيمَ أَدَّاهُ جِبْرِيلُ عَنِ اللَّهِ وَأَدَّاهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَدَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ , وَأَدَّاهُ أَصْحَابُهُ إِلَى الثِّقَاتِ , وَأَدَّاهُ الثِّقَاتُ إِلَيْكَ هَلْ سَمِعْتَ فِيَ الْعِلْمِ مَنْ كَانَ فِي دَارِهِ أَمِيرٌ أَوْ مَنَعَةٌ أَكْثَرُ كَانَتْ لَهُ الْمَنْزِلَةُ عِنْدَ اللَّهِ أَكْثَرُ قَالَ : لَا قَالَ : فَكَيْفَ سَمِعْتَ مَنْ زَهِدِ فِي الدُّنْيَا وَرَغِبَ فِي الْآخِرَةِ وَأَحَبَّ الْمَسَاكِينَ وَقَدَّمَ لِآخَرَتِهِ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ الْمَنْزِلَةُ أَكْثَرُ قَالَ حَاتِمٌ : فَأَنْتَ بِمَنِ اقْتَنَعْتَ ؟ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالصَّالِحِينَ أَمْ بِفِرْعَوْنَ وَنَمْرُوذَ أَوَّلَ مَنْ بَنَى بِالْجَصِّ وَالْآجُرِّ , يَا عُلَمَاءَ السُّوءِ , مِثْلَكُمْ يَرَاهُ الْجَاهِلُ الطَّالِبُ لِلدُّنْيَا الرَّاغِبُ فِيهَا فَيَقُولُ : الْعَالِمُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَا أَكُونُ أَنَا شَرًّا مِنْهُ وَخَرَجَ مِنْ عِنْدَهِ فَازْدَادَ ابْنُ مُقَاتِلٍ مَرَضًا فَبَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ الرِّيِّ مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ مُقَاتِلٍ , فَقَالُوا لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ الطَّنَافِسِيَّ بِقَزْوِينَ أَكْثَرُ شَيْءٍ مِنْ هَذَا قَالَ : فَسَارَ إِلَيْهِ مُتَعَمِّدًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ : رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَا رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ أُحِبُّ أَنْ تُعَلِّمَنِيَ أَوَّلَ مُبْتَدَأَ دِينِي وَمِفْتَاحَ صَلَاتِي وَكَيْفَ أَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ قَالَ : نَعَمْ وَكَرَامَةً , يَا غُلَامُ , إِنَاءً فِيهِ مَاءٌ , فَأَتَى بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ , فَقَعَدَ الطَّنَافِسِيُّ فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ : يَا هَذَا هَكَذَا فَتَوَضَّأَ قَالَ حَاتِمٌ : مَكَانَكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ حَتَّى أَتَوَضَّأَ بَيْنَ يَدَيْكَ فَيَكُونُ أَوْكَدُ لِمَا أُرِيدُ فَقَامَ الطَّنَافِسِيُّ , فَقَعَدَ حَاتِمٌ فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ غَسْلَ الذِّرَاعَيْنِ غَسَلَ أَرْبَعًا فَقَالَ لَهُ الطَّنَافِسِيُّ : يَا هَذَا أَسْرَفْتَ , قَالَ لَهُ حَاتِمٌ : فَلِمَاذَا قَالَ : غَسَلْتَ ذِرَاعَيْكَ أَرْبَعًا قَالَ حَاتِمٌ : يَا سُبْحَانَ اللَّهِ أَنَا فِي ، كَفٍّ مِنْ مَاءٍ أَسْرَفْتُ وَأَنْتَ فِي هَذَا الْجَمْعِ كُلِّهِ لَمْ تُسْرِفْ فَعَلِمَ الطَّنَافِسِيُّ أَنَّهُ أَرَادَهُ بِذَلِكَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْهُ شَيْئًا فَدَخَلَ إِلَى الْبَيْتِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى النَّاسِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَكَتَبَ إِلَى تُجَّارِ الرِّيِّ وَقَزْوِينَ بِمَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ مُقَاتِلٍ وَالطَّنَافِسِيِّ فَلَمَّا دَخَلَ بَغْدَادَ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَهْلُ بَغْدَادَ , فَقَالُوا لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنْتَ رَجُلٌ أَلْكَنُ أَعْجَمِيٌّ لَيْسَ يُكَلِّمُكَ أَحَدٌ إِلَّا قَطَعْتَهُ قَالَ : مَعِي ثَلَاثُ خِصَالٍ بِهِنَّ أَظْهَرُ عَلَى خَصْمِي , قَالُوا : أَيُّ شَيْءٍ هِيَ قَالَ : أَفْرَحُ إِذَا أَصَابَ خَصْمِي , وَأَحْزَنُ إِذَا أَخْطَأَ وَأَحْفَظُ نَفْسِي أَنْ لَا أَتَجَهَّلُ عَلَيْهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ , فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَعْقَلَهُ قُومُوا بِنَا حَتَّى نَسِيرَ إِلَيْهِ فَلَمَّا دَخَلُوا , قَالُوا لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا السَّلَامَةُ مِنَ الدُّنْيَا ؟ قَالَ حَاتِمٌ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَا تَسْلَمُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَكُونَ مَعَكَ أَرْبَعُ خِصَالٍ قَالَ : أَيُّ شَيْءٍ هِيَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ , قَالَ : تَغْفِرُ لِلْقَوْمِ جَهْلَهُمْ وَتَمْنَعُ جَهْلَكَ عَنْهُمْ وَتَبْذُلُ لَهُمْ شَيْئَكَ , وَتَكُونُ مِنْ شَيْئِهِمْ آيَسًا , فَإِذَا كَانَ هَذَا سَلِمْتَ . ثُمَّ سَارَ إِلَى الْمَدِينَةَ فَاسْتَقْبَلَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ , فَقَالَ : يَا قَوْمُ أَيُّ مَدِينَةٍ هَذِهِ قَالُوا : مَدِينَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَأَيْنَ قَصْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ , قَالُوا : مَا كَانَ لَهُ قَصْرٌ , إِنَّمَا كَانَ لَهُ بَيْتٌ لَاطِئٍ , قَالَ : فَأَيْنَ قُصُورِ أَصْحَابِهِ بَعْدَهُ , قَالُوا : مَا كَانَ لَهُمْ قُصُورٌ , إِنَّمَا كَانَ لَهُمْ بُيوتٌ لَاطِئَةٌ قَالَ حَاتِمٌ : يَا قَوْمُ فَهَذِهِ مَدِينَةُ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ , فَذَهَبُوا بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ فَقَالُوا : هَذَا الْعَجَمِيُّ يَقُولُ : هَذِهِ مَدِينَةُ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ , قَالَ الْوَالِي : وَلِمَ ذَاكَ ؟ قَالَ حَاتِمٌ : لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ أَنا رَجُلٌ عَجَمِيٌّ غَرِيبٌ دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ , فَقُلْتُ : مَدِينَةُ مَنْ هَذِهِ , قَالُوا : مَدِينَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وقُلْتُ : فَأَيْنَ قَصْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ قَالُوا : مَا كَانَ لَهُ قَصْرٌ إِنَّمَا كَانَ لَهُ بَيْتٌ لَاطِئٌ , قُلْتُ : فَلِأَصْحَابِهِ بَعْدَهُ , قَالُوا : مَا كَانَ لَهُمْ قُصُورٌ إِنَّمَا كَانَ لَهُمْ بُيوتٌ لَاطِئَةٌ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }} فَأَنْتُمْ بِمَنْ تَأَسَّيْتُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ أَمْ بِفِرْعَوْنَ أَوَّلَ مَنْ بَنَى بِالْجَصِّ وَالْآجُرِ , فَخَلُّوا عَنْهُ وَعَرَفُوهُ فَكَانَ حَاتِمٌ كُلَّمَا دَخَلَ الْمَدِينَةَ يَجْلِسُ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ وَيَدْعُو , فَاجْتَمَعَ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ , فَقَالُوا : تَعَالَوْا حَتَّى نُخْجِلَهُ فِي مَجْلِسِهِ فَجَاؤُوهُ , وَمَجْلِسُهُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ , فَقَالُوا : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ , مَسْأَلَةٌ نَسْأَلُكَ قَالَ : سَلُوا , قَالُوا : مَا تَقُولُ فِي رَجُلٌ يَقُولُ : اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي , قَالَ حَاتِمٌ : مَتَى طَلَبَ هَذَا الرِّزْقَ فِي الْوَقْتِ أَمْ قَبْلَ الرِّزْقِ , قَالُوا : لَيْسَ يُفْهَمُ هَذَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ , قَالَ : إِنْ كَانَ هَذَا الْعَبْدُ طَلَبَ الرِّزْقَ مِنْ رَبِّهِ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ فَنِعْمَ وَإِلَّا فَأَنْتُمْ عِنْدَكُمْ حَرْثٌ وَدَرَاهِمُ فِي أَكْيَاسِكُمْ , وَطَعَامٌ فِي مَنَازِلِكُمْ , وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ : اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا قَدْ رَزْقَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا وَأَطْعِمُوا إِخْوَانَكُمْ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَسَلُوا اللَّهَ حَتَّى يُعْطِيَكُمْ , أَنْتَ عَسَى تَمُوتُ غَدًا وَتَخَلُفُ هَذَا عَلَى الْأَعْدَاءِ , وَأَنْتَ تَسْأَلُهُ أَنْ يَرْزُقَكَ زِيَادَةً , فَقَالَ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ : نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّمَا أَرَدْنَا بِالْمَسْأَلَةَ تَعَنُّتًا "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ , ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّاشِيُّ , ثنا أَبُو عَقِيلٍ الرُّصَافِيُّ ، ثنا أَبُو عَبْدٍ اللَّهِ الْخَوَّاصُ ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ حَاتِمٍ , قَالَ : دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَاتِمٍ الْأَصَمِّ الرِّيَّ وَمَعَنَا ثَلَاثُمائَةٍ وَعِشْرُونَ رَجُلًا نُرِيدُ الْحَجَّ وَعَلَيْهِمُ الصُّوفُ وَالذُّرَنْيَانَقَاتُ لَيْسَ مَعَهُمْ شَرَابٌ وَلَا طَعَامٌ , فَدَخَلْنَا الرِّيَّ فَدَخَلْنَا عَلَى رَجُلٍ مِنَ التُّجَّارِ مُتَنَسِّكٌ يُحِبُّ الْمُتَقَشِّفِينَ فَأَضَافَنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ , قَالَ لِحَاتِمٍ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَكَ حَاجَةٌ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعُودَ فَقِيهًا لَنَا هُوَ عَلِيلٌ , فَقَالَ حَاتِمٌ : إِنَّ كَانَ لَكُمْ فَقِيهٌ عَلِيلٌ فَعِيَادَةُ الْفَقِيهِ لَهَا فَضْلٌ وَالنَّظَرُ إِلَى الْفَقِيهِ عِبَادَةٌ وَأَنَا أَيْضًا أَجِيءُ مَعَكَ , وَكَانَ الْعَلِيلُ مُحَمَّدَ بْنَ مُقَاتِلٍ قَاضِي الرِّيِّ فَقَالَ : سِرْ بِنَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَجَاءُوا إِلَى الْبَابِ فَإِذَا بَابٌ مُشْرِفٌ حَسَنٌ فَبَقِيَ حَاتِمٌ مُتَفَكِّرًا , بَابُ عَالِمٍ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَإِذَا دَارُ نُورٍ وَإِذَا فُوَّةٌ وَأَمْتَعَةٌ وَسُتُورٌ وَجَمَعَ فَبَقِيَ حَاتِمٌ مُتَفَكِّرًا , ثُمَّ دَخَلَ إِلَى الْمَجْلِسِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَإِذَا بِفُرُشٍ وَطِيئَةٍ وَإِذَا هُوَ رَاقِدٌ عَلَيْهَا وَعِنْدَ رَأْسِهِ غُلَامٌ وَمُدْيَةٌ , فَقَعَدَ الرَّازِيُّ وَسَأَلَهُ بِهِ وَحَاتِمُ قَائِمٌ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ ابْنُ مُقَاتِلٍ اقْعُدْ , فَقَالَ : لَا أَقْعُدُ , فَقَالَ لَهُ ابْنُ مُقَاتِلٍ : لَعَلَّ لَكَ حَاجَةً قَالَ : نَعَمْ قَالَ : وَمَا هِيَ قَالَ : مَسْأَلَةٌ أَسْأَلُكَ عَنْهَا قَالَ : سَلْنِي , قَالَ : نَعَمْ , فَاسْتَوِ حَتَّى أَسْأَلَكُهَا فَأَمَرَ غِلْمَانَهُ فَأَسْنَدُوهُ , فَقَالَ لَهُ حَاتِمٌ : عِلْمُكَ هَذَا مِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِهِ قَالَ : الثِّقَاتُ حَدِّثُونِي بِهِ ، قَالَ : عَنْ مِنْ ، قَالَ : عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ أَيْنَ جَاءَ بِهِ قَالَ : عَنْ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ , قَالَ حَاتِمٌ : فَفِيمَ أَدَّاهُ جِبْرِيلُ عَنِ اللَّهِ وَأَدَّاهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَدَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ , وَأَدَّاهُ أَصْحَابُهُ إِلَى الثِّقَاتِ , وَأَدَّاهُ الثِّقَاتُ إِلَيْكَ هَلْ سَمِعْتَ فِيَ الْعِلْمِ مَنْ كَانَ فِي دَارِهِ أَمِيرٌ أَوْ مَنَعَةٌ أَكْثَرُ كَانَتْ لَهُ الْمَنْزِلَةُ عِنْدَ اللَّهِ أَكْثَرُ قَالَ : لَا قَالَ : فَكَيْفَ سَمِعْتَ مَنْ زَهِدِ فِي الدُّنْيَا وَرَغِبَ فِي الْآخِرَةِ وَأَحَبَّ الْمَسَاكِينَ وَقَدَّمَ لِآخَرَتِهِ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ الْمَنْزِلَةُ أَكْثَرُ قَالَ حَاتِمٌ : فَأَنْتَ بِمَنِ اقْتَنَعْتَ ؟ بِالنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالصَّالِحِينَ أَمْ بِفِرْعَوْنَ وَنَمْرُوذَ أَوَّلَ مَنْ بَنَى بِالْجَصِّ وَالْآجُرِّ , يَا عُلَمَاءَ السُّوءِ , مِثْلَكُمْ يَرَاهُ الْجَاهِلُ الطَّالِبُ لِلدُّنْيَا الرَّاغِبُ فِيهَا فَيَقُولُ : الْعَالِمُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَا أَكُونُ أَنَا شَرًّا مِنْهُ وَخَرَجَ مِنْ عِنْدَهِ فَازْدَادَ ابْنُ مُقَاتِلٍ مَرَضًا فَبَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ الرِّيِّ مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ مُقَاتِلٍ , فَقَالُوا لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ الطَّنَافِسِيَّ بِقَزْوِينَ أَكْثَرُ شَيْءٍ مِنْ هَذَا قَالَ : فَسَارَ إِلَيْهِ مُتَعَمِّدًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ : رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَا رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ أُحِبُّ أَنْ تُعَلِّمَنِيَ أَوَّلَ مُبْتَدَأَ دِينِي وَمِفْتَاحَ صَلَاتِي وَكَيْفَ أَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ قَالَ : نَعَمْ وَكَرَامَةً , يَا غُلَامُ , إِنَاءً فِيهِ مَاءٌ , فَأَتَى بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ , فَقَعَدَ الطَّنَافِسِيُّ فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ : يَا هَذَا هَكَذَا فَتَوَضَّأَ قَالَ حَاتِمٌ : مَكَانَكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ حَتَّى أَتَوَضَّأَ بَيْنَ يَدَيْكَ فَيَكُونُ أَوْكَدُ لِمَا أُرِيدُ فَقَامَ الطَّنَافِسِيُّ , فَقَعَدَ حَاتِمٌ فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ غَسْلَ الذِّرَاعَيْنِ غَسَلَ أَرْبَعًا فَقَالَ لَهُ الطَّنَافِسِيُّ : يَا هَذَا أَسْرَفْتَ , قَالَ لَهُ حَاتِمٌ : فَلِمَاذَا قَالَ : غَسَلْتَ ذِرَاعَيْكَ أَرْبَعًا قَالَ حَاتِمٌ : يَا سُبْحَانَ اللَّهِ أَنَا فِي ، كَفٍّ مِنْ مَاءٍ أَسْرَفْتُ وَأَنْتَ فِي هَذَا الْجَمْعِ كُلِّهِ لَمْ تُسْرِفْ فَعَلِمَ الطَّنَافِسِيُّ أَنَّهُ أَرَادَهُ بِذَلِكَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْهُ شَيْئًا فَدَخَلَ إِلَى الْبَيْتِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى النَّاسِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَكَتَبَ إِلَى تُجَّارِ الرِّيِّ وَقَزْوِينَ بِمَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ مُقَاتِلٍ وَالطَّنَافِسِيِّ فَلَمَّا دَخَلَ بَغْدَادَ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَهْلُ بَغْدَادَ , فَقَالُوا لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنْتَ رَجُلٌ أَلْكَنُ أَعْجَمِيٌّ لَيْسَ يُكَلِّمُكَ أَحَدٌ إِلَّا قَطَعْتَهُ قَالَ : مَعِي ثَلَاثُ خِصَالٍ بِهِنَّ أَظْهَرُ عَلَى خَصْمِي , قَالُوا : أَيُّ شَيْءٍ هِيَ قَالَ : أَفْرَحُ إِذَا أَصَابَ خَصْمِي , وَأَحْزَنُ إِذَا أَخْطَأَ وَأَحْفَظُ نَفْسِي أَنْ لَا أَتَجَهَّلُ عَلَيْهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ , فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَعْقَلَهُ قُومُوا بِنَا حَتَّى نَسِيرَ إِلَيْهِ فَلَمَّا دَخَلُوا , قَالُوا لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا السَّلَامَةُ مِنَ الدُّنْيَا ؟ قَالَ حَاتِمٌ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَا تَسْلَمُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَكُونَ مَعَكَ أَرْبَعُ خِصَالٍ قَالَ : أَيُّ شَيْءٍ هِيَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ , قَالَ : تَغْفِرُ لِلْقَوْمِ جَهْلَهُمْ وَتَمْنَعُ جَهْلَكَ عَنْهُمْ وَتَبْذُلُ لَهُمْ شَيْئَكَ , وَتَكُونُ مِنْ شَيْئِهِمْ آيَسًا , فَإِذَا كَانَ هَذَا سَلِمْتَ . ثُمَّ سَارَ إِلَى الْمَدِينَةَ فَاسْتَقْبَلَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ , فَقَالَ : يَا قَوْمُ أَيُّ مَدِينَةٍ هَذِهِ قَالُوا : مَدِينَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : فَأَيْنَ قَصْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَأُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ , قَالُوا : مَا كَانَ لَهُ قَصْرٌ , إِنَّمَا كَانَ لَهُ بَيْتٌ لَاطِئٍ , قَالَ : فَأَيْنَ قُصُورِ أَصْحَابِهِ بَعْدَهُ , قَالُوا : مَا كَانَ لَهُمْ قُصُورٌ , إِنَّمَا كَانَ لَهُمْ بُيوتٌ لَاطِئَةٌ قَالَ حَاتِمٌ : يَا قَوْمُ فَهَذِهِ مَدِينَةُ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ , فَذَهَبُوا بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ فَقَالُوا : هَذَا الْعَجَمِيُّ يَقُولُ : هَذِهِ مَدِينَةُ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ , قَالَ الْوَالِي : وَلِمَ ذَاكَ ؟ قَالَ حَاتِمٌ : لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ أَنا رَجُلٌ عَجَمِيٌّ غَرِيبٌ دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ , فَقُلْتُ : مَدِينَةُ مَنْ هَذِهِ , قَالُوا : مَدِينَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وقُلْتُ : فَأَيْنَ قَصْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَأُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ قَالُوا : مَا كَانَ لَهُ قَصْرٌ إِنَّمَا كَانَ لَهُ بَيْتٌ لَاطِئٌ , قُلْتُ : فَلِأَصْحَابِهِ بَعْدَهُ , قَالُوا : مَا كَانَ لَهُمْ قُصُورٌ إِنَّمَا كَانَ لَهُمْ بُيوتٌ لَاطِئَةٌ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }} فَأَنْتُمْ بِمَنْ تَأَسَّيْتُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ أَمْ بِفِرْعَوْنَ أَوَّلَ مَنْ بَنَى بِالْجَصِّ وَالْآجُرِ , فَخَلُّوا عَنْهُ وَعَرَفُوهُ فَكَانَ حَاتِمٌ كُلَّمَا دَخَلَ الْمَدِينَةَ يَجْلِسُ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُحَدِّثُ وَيَدْعُو , فَاجْتَمَعَ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ , فَقَالُوا : تَعَالَوْا حَتَّى نُخْجِلَهُ فِي مَجْلِسِهِ فَجَاؤُوهُ , وَمَجْلِسُهُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ , فَقَالُوا : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ , مَسْأَلَةٌ نَسْأَلُكَ قَالَ : سَلُوا , قَالُوا : مَا تَقُولُ فِي رَجُلٌ يَقُولُ : اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي , قَالَ حَاتِمٌ : مَتَى طَلَبَ هَذَا الرِّزْقَ فِي الْوَقْتِ أَمْ قَبْلَ الرِّزْقِ , قَالُوا : لَيْسَ يُفْهَمُ هَذَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ , قَالَ : إِنْ كَانَ هَذَا الْعَبْدُ طَلَبَ الرِّزْقَ مِنْ رَبِّهِ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ فَنِعْمَ وَإِلَّا فَأَنْتُمْ عِنْدَكُمْ حَرْثٌ وَدَرَاهِمُ فِي أَكْيَاسِكُمْ , وَطَعَامٌ فِي مَنَازِلِكُمْ , وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ : اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا قَدْ رَزْقَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا وَأَطْعِمُوا إِخْوَانَكُمْ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَسَلُوا اللَّهَ حَتَّى يُعْطِيَكُمْ , أَنْتَ عَسَى تَمُوتُ غَدًا وَتَخَلُفُ هَذَا عَلَى الْأَعْدَاءِ , وَأَنْتَ تَسْأَلُهُ أَنْ يَرْزُقَكَ زِيَادَةً , فَقَالَ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ : نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّمَا أَرَدْنَا بِالْمَسْأَلَةَ تَعَنُّتًا