حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : بَلَغَنِي عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَزِيدَ الْجَدَرِيِّ , عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ : وَجَدْتُ حَجَرًا مَكْتُوبًا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ : وَكُلُّ مُصِيبَاتِ الزَّمَانِ وَجَدْتُهَا سِوَى فُرْقَةِ الْأَحْبَابِ هَيِّنَةَ الْخَطْبِ
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ , حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ , حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ , حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَبَكَا , فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ : وَاللَّهِ يَا أَبِي مَا كُنْتُ أَخَشِيَ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا صَبَرْتَ عَلَيْهِ , فَقَالَ : يَا بُنَيَّ , إِنَّهُ نَزَلَ بِأَبِيكَ خِصَالٌ ثَلَاثٌ : أَوَّلُهُنَّ : انْقِطَاعُ عَمَلِهِ , وَأَمَّا الثَّانِيَةُ : فَهُوَ الْمَطْلَعُ , وَأَمَّا الثَّالِثَةُ : فَفِرَاقُ الْأَحِبَّةِ , ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَ فَتَوَانَيْتُ , وَنَهَيْتَ فَعَصَيْتُ , اللَّهُمَّ وَمِنْ شِيمَتِكَ الْعَفْوُ وَالتَّجَاوُزُ
أَنْشَدَنِي سَلَامَةُ بْنُ إِسْحَاقَ الْوَرَّاقُ : شَيْئَانِ لَوْ بَكَتِ الدِّمَاءَ عَلَيْهِمَا عَيْنَايَ حَتَّى يُؤْذِنَا بِذَهَابِ لَمْ يَبْلُغِ الْمِعْشَارَ مِنْ حَقَّيْهِمَا فَقَدُ الشَّبَابِ وَفُرْقَةُ الْأَحْبَابِ
حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ : حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : تَزَوَّجَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ نَافِعٍ , فَكَانَ إِذَا غَابَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ يَقُولُ ابْنُ سِيرِينَ : إِذَا سِرْتَ مِيلًا أَوْ تَغِيبْتَ سَاعَةً دَعَتْنِي دَوَاعِي الْحُبِّ مِنْ أُمِّ نَافِعِ
وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ النَّحْوِيُّ : تَقُولُ غَدَاةَ الْبَيْنِ إِحْدَى فَتَاتِهِمْ لِيَ الْكَبِدُ الْحَرَّى فَعِشْ وَلَكَ الصَّبْرُ وَقَدْ سَبَقَتْهَا عَبْرَةٌ فَدُمُوعُهَا عَلَى خَدِّهَا بِيضٌ وَفِي نَحْرِهَا صُفْرُ
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ , حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ , عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ , عَنْ أَبِي شَدَّادٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : خَرَجَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْحَرَّةِ انْفَرَدَ وَأَنَا عَلَى جَمَلٍ لِي , فَكَانَ آخِرُ الْعَهْدِ مِنْهُمْ وَأَنَا أَسْمَعُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَيْ ذَلِكَ السَّمُرِ وَهُوَ يَقُولُ : وَاعَرُوسَاهُ . قَالَتْ : فَوَاللَّهِ إِنِّي لَعَلَى ذَلِكَ إِذْ نَادِي : أَنْ أَلْقِي الْخِطَامَ , فَأَلْقَيْتُهُ , فَأَعْقَلَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ
أَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِيُّ أَيْضًا : ظَلَّ حَادِيهِمْ يَسُوقُ بِرُوحِي وَيَرَى أَنَّهُ يَسُوقُ الرِّكَابَا مَا الْمَنَايَا إِلَّا الْمَطَايَا وَلَا فَرَّ قَ شَيْءٌ تَفْرِيقَهَا الْأَحْبَابَا
وَأَنْشَدَنِي أَبُوجْعَفَرٍ الْعَدَوِي أَيْضًا : لَوْ تَعْلَمُ الْعِيسُ مَا بِي عِنْدَ فُرْقَتِهِمْ نَبَتْ مِنَ السَّائِقِ الْحَادِي فَلَمْ تَسِرِ كَأَنَّ أَيْدِي مَطَايَاهُمْ إِذَا وَخَدَتْ تَطَا عَلَى حُرِّ وَجْهِي أَوْ عَلَى بَصَرِي لَوْ أَنَّ مَا تَبْتَلِينِي الْحَادِثَاتُ بِهِ بِالْمَاءِ مِنْهُنَّ لَمْ نَشْرَبْ مِنَ الْكَدَرِ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ , حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ , عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ خَالِدِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الْحَرَّانِيِّ , عَنْ فُرَاتِ بْنِ سَلْمَانَ , عَنْ لَيْثٍ قَالَ : دَخَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى يُوسُفَ فِي السِّجْنِ , فَعَرَفَهُ فَأَتَاهُ , فَقَالَ لَهُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ الْكَرِيمُ عَلَى رَبِّهِ , الطَّيِّبُ رِيحُهُ , الطَّاهِرَةُ ثِيَابُهُ , هَلْ لَكَ عِلْمُ يَعْقُوبَ . قَالَ : نَعَمْ قَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ , الطَّيِّبُ رِيحُهُ , الطَّاهِرَةُ ثِيَابُهُ , الْكَرِيمُ عَلَى رَبِّهِ , مَا فَعَلَ ؟ قَالَ : ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ . قَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ الْكَرِيمُ عَلَى رَبِّهِ , مَا بَلَغَ مِنْ حُزْنِهُ ؟ قَالَ : حُزْنُ سَبْعِينَ مُثْكَلَةٍ . قَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ الْكَرِيمُ عَلَى رَبِّهِ , فَهَلْ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَجْرٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ , أَجْرُ مِائَةِ شَهِيدٍ
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَزْدِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ قَالَ : وَفَدْنَا عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَنَحْنُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ , فَقَالَ عُمَرُ : إِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ إِخْوَةُ يُوسُفَ عَلَيْهِ احْتَبَسَ أَخَاهُ عَلَيْهِ يُحَدِّثُهُ , فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ : أَكُلُّ هَؤُلَاءِ إِخْوَتِكَ لِأَبِيكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : مَا لَكَ أَخٌ لِأُمِّكَ ؟ قَالَ : لَا , كَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ يُوسُفُ قَالَ : فَمَا فَعَلَ ؟ قَالَ : أَكَلَهُ الذِّئْبُ قَالَ : فَهَلْ حَزِنَ عَلَيْهِ أَبُوهُ يَعْقُوبُ ؟ قَالَ : نَعَمْ , حُزْنًا شَدِيدًا قَالَ : وَمَا بَلَغَ مِنْ حُزْنِهِ ؟ قَالَ : ذَهَبَ بَصَرُهُ , وَهُوَ كَظِيمٌ قَالَ : فَهَلْ حَزِنْتَ أَنْتَ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , حُزْنًا شَدِيدًا قَالَ : فَهَلْ تَزَوَّجْتَ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : وَهَلْ يَتَزَوَّجُ الْمَحْزُونُ ؟ قَالَ : إِنَّ الشَّيْخَ يَعْقُوبَ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمَرَنِي بِذَلِكَ وَقَالَ : يَا بُنَيَّ , تَزَوَّجْ لَعَلَّهُ يُولَدُ لَكَ وَلَدٌ يُثَقِّلُ الْأَرْضَ بِتَسْبِيحِهِ
حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ : حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ , عَنْ سُفْيَانَ الْعُصْفُرِيِّ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : لَمْ تُعْطَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ مِنَ الِاسْتِرْجَاعِ مَا أُعْطِيَتْهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ , وَلَوْ أُعْطِيهَا أَحَدٌ لَأُعْطِيهَا يَعْقُوبُ حِينَ قَالَ : {{ يَا أَسْفَى عَلَى يُوسُفَ }}
أَنْشَدَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّبَرَانِي : كَمِ اسْتَرَاحَ إِلَى حَبَرٍ فَلَمْ يَرُحِ صَبٌّ إِلَيْكَ مِنَ الْأَشْوَاقِ فِي فَرَحِ تَرَكْتُمُ قَلْبَهُ مِنْ حُزْنِ فُرْقَتِكُمْ لَوْ يُرْزَقُ الْوَصْلَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْفَرَحِ أُنْشِدْنَا لِآخَرَ : روعتُ بِالْبَيْنِ حَتَّى لَا أُرَاعَ لَهُ وَبِالْحَوَادِثِ فِي أَهْلِي وَجِيرَانِي لَمْ يَتْرُكِ الدَّهْرُ لِي عِلْقًا أَضِنُّ بِهِ إِلَّا اصْطَفَاهُ بِبَيْنٍ أَوْ بِهِجْرَانِ
حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ : بَلَغَ كُثَيِّرًا أَنَّ عَزَّةَ , مَرِيضَةٌ بِمِصْرَ , وَأَنَّهَا تَسْتَامُهُ , فَخَرَجَ يُرِيدُهَا , فَلَمَّا صَارَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ إِذَا بِغُرَابٍ عَلَى بَانَةٍ يَنْتِفُ رِيشَهُ , فَتَطَيَّرَ مِنْ ذَلِكَ , فَبَيْنَا هُوَ يَسِيرُ لَقِيَ رَجُلًا عَائِفًا زَاجِرًا , فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَصَدَ لَهُ وَمَا رَأَى فِي طَرِيقِهِ , فَقَالَ لَهُ : لَقَدْ مَاتَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ وَاسْتَبْدَلَتْ بَدِيلًا , فَقَدِمَ مِصْرَ وَوَجَدَ النَّاسَ مُنْصَرِفِينَ مِنْ جَنَازَتِهَا , فَأَنْشَأَ يَقُولُ : رَأَيْتُ غُرَابًا وَاقِفًا فَوْقَ بَانَةٍ يَنْتِفُ أَعْلَى رِيشِهِ وَيُطَايِرُهْ فَمَا أَعَيَفَ النَّهْدِيَّ لَا دَرَّ دَرَّهُ وَأَعْلَمَهُ بِالزَّجْرِ لَا عَزَّ نَاصِرُهْ فَأَمَّا غُرَابٌ فَاغْتَرَاتَ مِنَ النَّوَى وَبَانَ فَبَيْنٌ مِنْ حَبِيبٍ تُعَاشِرُهْ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ , وَأَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ , وَأَبُو مَنْصُورٍ الطَّاغَانِيُّ , قَالُوا : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَنْقَرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو وَكِيعٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الِاجْتِمَاعُ رَحْمَةٌ , وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ
أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْهَاشِمِي لِلصِّمَّةِ الْقُشَيْرِيِّ : وَكُنَّا كَزَوْجٍ مِنْ قَطًا فِي مَفَازَةٍ لَدَى خَفْضِ عَيْشٍ مُوفَقٍ مُورِقٍ رَغَدِ أَصَابَهُمَا رَيْبُ الزَّمَانِ فَأُفْرِدَا وَلَمْ تَرَ شَيْئًا قَطُّ أَقْبَحَ مِنْ فَرْدِ
أَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الرَّقِّي قَالَ : أَنْشَدَنِي هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ : وَمَحْزُونَةٍ لَوْ مَرَّ الْفِرَاقُ تَرَكْتُهَا وَفِي الصَّدْرِ مِنْهَا جَمْرَةٌ تَتَسَعَّرُ تَطَيَّرُ أَنْ تَبْكِيَ عَلَيَّ فَدَمْعُهَا لِمَا نَالَهُ فِي جَفْنِهَا مُتَحَيِّرُ فَقُلْتُ : قَضَاءُ اللَّهِ فَرَّقَ بَيْنَنَا فَقَالَتْ : قَضَى اللَّهُ مَا كُنْتُ أَحْذَرُ
حَدَّثَنَا أَخِي قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عُمَيْرٍ النَّحَّاسُ , عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ : يُقَالُ إِنَّ فَرَحَ إِبْلِيسَ إِذَا فَسَدَ بَيْنَ الْمُتَحَابِّينَ كَفَرْحِهِ حِينَ أُخْرِجَ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْإِسْحَاقِيُّ قَالَ : دَعَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ مُحَمَّدَ بنَ طَالُوتَ , وَكَانَ نَدِيمَهُ وَصَاحِبَ أَمْرِهِ , فَقَالَ : مَنْ تَرَى يَكُونُ الْيَوْمَ ثَالِثًا وَلَا يَكُونُ ثَقِيلًا , فَاتَّفَقَا عَلَى مَانِي الْمُوَسْوِسِ , فَأُحْضِرَ , فَلَمَّا أَخَذَ مَجْلِسَهُ وَكَانَتْ مَنُوسَةُ جَارِيَةُ الْمَهْدِيِّ تُغَنِّيهِمْ , فَغَنَّتْ هَذَا الصَّوْتَ : وَلَسْتُ بِنَاسٍ إِذْ غَدَوْا فَتَحَمَّلُوا دُمُوعِي عَلَى الْأَحْبَابِ مِنْ شِدَّةِ الْوَجْدِ وَقُلْتُ : وَقَدْ لَاحَتْ لِعَيْنِي حُمُولُهُمْ بَوَاكِرُ تَجْرِي لَا يَكُنْ آخِرَ الْعَهْدِ فَقَالَ مَانِي : زِيدِي فِيهِ بِرَأْسِ الْأَمِيرِ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ : وَقُمْتُ أُنَاجِي الْفِكْرَ وَالدَّمْعُ حَائِرٌ بِمُقْلَةِ مَوْقُوفٍ عَلَى الطُّرِ وَالْجَهْدِ أَلَا يَعْدُنِي هَذَا الْأَمِيرُ بِعِزِّهِ عَلَى ظَالِمٍ قَدْ لَجَّ فِي الْجَهْدِ وَالصَّدِ فَقَالَ لَهُ الْأَمِيرُ : أَتَعْشَقُ يَا مَانِي ؟ فَاسْتَحْيَا وَقَالَ : أَيُّهَا الْأَمِيرُ , طَرْفٌ هَاجِمٌ , وَشَوْقٌ كَامِنٌ , وَهَلْ بَعْدَ الشَّيْبِ مِنْ صَبْوَةٍ ؟
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ : دَخَلَ عَلَى الْمَأْمُونِ شَيْخٌ مِنَ الْأَعْرَابِ مِنْ فَصَحَائِهِمْ , فَتَغَنَّى عِنْدَهُ وَعُرِضَ عَلَيْهِ الشَّرَابُ , فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , أَبَعْدَ تِسْعِينَ أَصْبُو وَالشَّيْبُ لِلْجَهْلِ حَرْبُ سِنٌّ وَشَيْبٌ وَجَهْلٌ أَمْرٌ لَعَمْرُكَ صَعْبُ يَا ابْنَ الْإِمَامِ فَهَلَّا أَيَّامَ عُودِيَ رَطْبُ وَإِذْ سَهَابِي صِيَابٌ وَمَشْرَبُ الْحُبِّ عَذْبُ وَإِذْ شِفَاءُ الْغَوَانِي مِنِّي حَدِيثٌ وَقُرْبُ فَلَانَ لِمَا رَأَى بِي عَوَاذِلِي مَا أَحَبُّوا وَصِرْتُ كَالطِّفْلِ حَقًّا أَقُومُ لِلْأَمْرِ أَحَبُو آلَيْتُ أَشْرَبُ كَأْسًا مَا حَجَّ لِلَّهِ رَكْبُ
وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ : صِبَا مَا صِبَا حَتَّى عَلَا الشَّيْبُ رَأْسَهُ فَلَمَّا عَلَاهُ قَالَ لِلْبَاطِلِ ابْعِدِ
وَأَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ : أَوَاقِفٌ أَنْتَ مِنْ بَيْنٍ عَلَى ثِقَةٍ فَمُسْتَكِينٌ لِرَيْبِ الدَّهْرِ مُعْتَرِفُ مَا مَنْ دَنَا بِنَوًى مَا كُنْتُ أَعْرِفُهَا مِنْكَ الْفِرَاقُ وَمِنِّي الشَّوْقُ وَالْأَسَفُ
وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ : جِسْمِي مَعِي غَيْرَ أَنَّ الرُّوحَ عِنْدَكُمُ فَالْجِسْمُ فِي غُرْبَةٍ وَالرُّوحُ فِي وَطَنِ فَلْيَعْجَبِ النَّاسُ مِنِّي أَنَّ لِي بَدَنًا لَا رُوحَ فِيهِ وَلِي رُوحٌ بِلَا بَدَنِ
وَأَنْشَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ الْخُزَاعِيُّ : قَامَتْ تُوَدِّعُنِي وَالدَّمْعُ يَغْلِبُهَا كَمَا يَمِيلُ نَسِيمُ الرِّيحِ بِالْغُصْنِ ثُمَّ اسْتَمَرَّتْ وَقَالَتْ وَهْيَ بَاكِيةٌ يَالَيْتَ مَعْرِفَتِي إِيَّاكَ لَمْ تَكُنِ
حَدَّثَنِي أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ : كَانَ سُحَيْمٌ عَبْدًا لِبَنِي الْحَسْحَاسِ مَمْلُوكًا , فَبَاعَهُ مَوْلَاهُ فَأَنْشَأَ يَقُولُ : وَمَا كُنْتُ أَخَشِيَ مَعْبِدًا أَنْ يَبِعَنِي وَلَوْ أَصْبَحَتْ كَفَاهُ مِنْ مَالِهِ صِفْرَا أَخُوكُمْ وَمَوْلَاكُمْ نَعَمْ وَرَبِيبُكُمْ وَمَنْ قَدْ ثَوَى فِيكُمْ وَعَاشَرَكُمْ دَهْرَا أَشَوْقًا وَلَمْ يَمْضِ لِي غَيْرُ لَيْلَةٍ فَكَيْفَ إِذَا سَارَ الْمَطِيُّ بِنَا شَهْرَا
وَأَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ الرَّازِيُّ لِشَبِيبِ ابْنِ بَرْصَاءَ : وَمَا أَنْسَ مِنَ الْأَشْيَاءِ لَا أَنَسَ قَوْلَهَا وَأَدْمُعُهَا تَذْرِينَ حَشْوَ الْمَكَاحِلِ تَمَتَّعْ بِذَا الْيَوْمِ الْقَصِيرِ فَإِنَّهُ رَهِينٌ بِأَيَّامِ الشُّهُورِ الْأَطَاوِلِ
وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ قُرَيْشٍ : فَارَقْتُكُمْ وَحَيِيتُ بَعْدَكُمُ مَا هَكَذَا كَانَ الَّذِي يَجِبُ إِنِّي لَأَلْقَى النَّاسَ مُعْتَذِرًا أَنَّى حَيِيتُ وَأَنْتُمُ غِيَبُ
وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الدَّاوُدِيُّ قَالَ : أَنْشَدَنِي أَزْهَرُ بْنُ عَلِيٍّ الضَّبِّي لِجَرِيرٍ : يَا أُمَّ نَاجَيَةَ السَّلَامُ عَلَيْكُمُ قَبْلَ الرَّحِيلِ وَقَبْلَ يَوْمِ الْعُذَّلِ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ آخِرَ عَهْدِكُمْ يَوْمَ الرَّحِيلِ فَعَلْتُ مَا لَمْ أَفْعَلِ فَقُلْتُ لَهُ : أَتُرَاهُ كَانَ يَفْعَلُ مَاذَا ؟ قَالَ : يَقْلَعُ عَيْنَيْهِ وَلَا يَرَى آثَارَ أَحْبَابِهِ
وَأَنْشَدَنِي دَاوُدُ بْنُ عَليِّ لِلْمَأْمُونِ : وَقَائِلَةٌ لَمَّا اسْتَمَرَّتْ بِنَا النَّوَى وَمَحْجَرُهَا فِيهِ دَمٌ وَنَجِيعُ أَلَمْ يَقْضِ الرَّكْبُ الَّذِينَ تَحَمَّلُوا إِلَى بَلَدٍ فِيهِ الشَّجِيُّ رُجُوعُ فَقُلْتُ وَلَمْ أَمْلِكْ سَوَابِقَ عَبْرَةٍ نَطَقْنَ بِمَا ضَمَّتْ عَلَيْهِ ضُلُوعُ تُبَيِّنُ كَمْ دَارٍ تَفَرَّقَ شَمْلُهَا وَشَمْلُ شَتِيتٍ عَادَ وَهْوَ جَمِيعُ كَذَاكَ اللَّيَالِي صَرْفُهُنَّ كَمَا تَرَى لِكُلِّ أُنَاسٍ جَدْبَةُ وَرَبِيعُ
وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ قُرَيْشٍ الْجُرْجَانِي : وَلَمَّا رَأَيْنَ الْبَيْنَ قَدْ جَدَّ جَدُّهُ وَقَدْ حَاقَ مِنْ لَيْلِ الْفِرَاقِ رُكُودُ قَعَدْنَا فَأَمْطَرْنَا دُمُوعًا سَمَاؤُهَا جُفُونُ عُيُونٍ وَالنِّقَاعُ خُدُودُ
وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرَانِي لِابْنِ أَبِي زُرْعَةَ : عَزْلٌ مُبِينٌ وَتَوْدِيعٌ وَمُرْتَحِلُ أَيُّ الدُّمُوعِ عَلَى ذَا لَيْسَ تَنْهَمِلُ بِاللَّهِ مَا جَلَدِي مِنْ بُعْدِهِمْ فَشَلًا وَلَا اخْتِزَانُ دُمُوعِي بَعْدَهُمْ بَخَلُ بَلَى وَحُرْمَةِ مَا أَضْمَرْتُ مِنْ كَمَدٍ قَلْبِي إِلَيْهِنَّ مُشْتَاقٌ وَقَدْ رَحَلُوا وَدِدْتُ أَنَّ الْبِحَارَ السَّبْعَ لِي مَدَدٌ وَأَنَّ حَسْبِي دُمُوعٌ كُلُّهَا هَمَلُ وَأَنَّ لِي بَدَلًا مِنْ كُلِّ جَائِحَةٍ فِي كُلِّ جَارِحَةٍ يَوْمَ النَّوَى مُقَلُ . وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا : وَجْدَانِ وَجْدُ حَشًى وَوَجْدُ فُؤَادِي هَذَا لِفِرْطِ هَوًى وَذَا لِبِعَادِ أَمَّا الرَّحِيلُ فَيَوْمُ جَدَّ تَرَحَّلَتْ مُهَجُ النُّفُوسِ لَهَا عَنِ الْأَجْسَادِ مَنْ لَمْ يَبِتْ وَالْبَيْنُ يَصْدَعُ قَلْبَهُ لَمْ يَدْرِ كَيْفَ تَفَتُّتُ الْأَكْبَادِ