وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ فَقَالَ لِي : يَا عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ : أَلْقِ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ . وَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةٍ حَتَّى أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ {{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ }} قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَمْ نَتَّخِذْهُمْ أَرْبَابًا ، قَالَ : بَلَى ، أَلَيْسَ يُحِلُّونَ لَكُمْ مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ فَتُحِلُّونَهُ ، وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْكُمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ فَتُحَرِّمُونَهُ ؟ فَقُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : تِلْكَ عِبَادَتُهُمْ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ ، ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، ثنا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ ، ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ }} قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ لَوْ أَمَرُوهُمْ أَنْ يَعْبُدُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا أَطَاعُوهُمْ وَلَكِنَّهُمْ أَمَرُوهُمْ فَجَعَلُوا حَلَالَ اللَّهِ حَرَامَهُ وَحَرَامَهُ حَلَالَهُ فَأَطَاعُوهُمْ فَكَانَتْ تِلْكَ الرَّبُوبِيَّةَ
قَالَ : وَنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، نا وَكِيعٌ ، نا سُفْيَانُ ، وَالْأَعْمَشُ ، جَمِيعًا عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ ، قَالَ : قِيلَ لِحُذَيْفَةَ فِي قَوْلِهِ {{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ }} أَكَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ ؟ قَالَ : لَا ، وَلَكِنْ كَانُوا يُحِلُّونَ لَهُمُ الْحَرَامَ فَيُحِلُّونَهُ وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِمُ الْحَلَالَ فَيُحَرِّمُونَهُ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {{ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ }} فَمَنَعَهُمُ الِاقْتِدَاءُ بِآبَائِهِمْ مِنْ قَبُولِ الِاهْتِدَاءِ فَقَالُوا : {{ إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ }} وَفِي هَؤُلَاءِ وَمِثْلِهِمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ }} وَقَالَ : {{ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوَا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهُمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ }} وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَائِبًا لِأَهْلِ الْكُفْرِ وَذَامًّا لَهُمْ : {{ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ }} وَقَالَ {{ إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا }} وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ مِنْ ذَمِّ تَقْلِيدِ الْآبَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ ، قَالَ أَبُو عُمَرَ : وَقَدِ احْتَجَّ الْعُلَمَاءُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ فِي إِبْطَالِ التَّقْلِيدِ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ كُفْرُ أَؤلْئِكَ مِنَ جِهَةِ الِاحْتِجَاجِ بِهَا ؛ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ لَمْ يَقَعْ مِنْ جِهَةِ كُفْرِ أَحَدِهِمَا وَإِيمَانِ الْآخَرِ وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّشْبِيهُ بَيْنَ التَّقْلِيدَيْنِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ لِلْمُقَلِّدِ كَمَا لَوْ قَلَّدَ رَجُلٌ فَكَفَرَ وَقَلَّدَ آخَرُ فَأَذْنَبَ وَقَلَّدَ آخَرَ فِي مَسْأَلَةِ دُنْيَاهُ فَأَخْطَأَ وَجْهَهَا ، كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مَلُومًا عَلَى التَّقْلِيدِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَقْلِيدٌ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْآثَامُ فِيهِ ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ }} وَقَدْ ثَبَتَ الِاحْتِجَاجُ بِمَا قَدَّمْنَا فِي الْبَابِ قَبْلَ هَذَا وَفِي ثُبُوتِهِ إِبْطَالُ التَّقْلِيدِ أَيْضًا ، فَإِذَا بَطَلَ التَّقْلِيدُ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَجَبَ التَّسْلِيمُ لِلْأُصُولِ الَّتِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا وَهِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا بِدَلِيلٍ جَامِعٍ بَيْنَ ذَلِكَ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ ، ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبُغَ ، ثنا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانَيُّ ، بِالْمَدِينَةِ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ ، ثنا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ : إِنِّي لَأَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي أَعْمَالًا ثَلَاثَةً قَالُوا : وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : أَخَافُ عَلَيْهِمْ مِنْ زَلَّةِ الْعَالِمِ ، وَمِنْ حَكَمٍ جَائِزٍ ، وَمِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ ، ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ إِسْرَائِيلَ ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ ، قَالَ : قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ثَلَاثٌ يَهْدِمْنَ الدِّينَ : زَلَّةُ الْعَالِمِ ، وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ ، وَأَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ
وَبِهِ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : إِنَّ مِمَّا أَخْشَى عَلَيْكُمْ زَلَّةَ الْعَالِمِ ، وَجِدَالَ الْمُنَافِقِ بِالْقُرْآنِ ، وَالْقُرْآنُ حَقٌّ ، وَعَلَى الْقُرْآنِ مَنَارٌ كَأَعْلَامِ الطَّرِيقِ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ ، قَالَ : أنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ الْآدَمَيُّ ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ ، قَالَ حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ ، عَنْ عَامِرٍ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ ، قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، ثَلَاثٌ يَهْدِمْنَ الدِّينَ : زَيْغَةُ الْعَالِمِ وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ ، وَأَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ وَذَكَرَ ابْنُ مُزَيْنٍ ، عَنْ أَصْبَغَ ، عَنْ جَرِيرٍ الضَّبِّيِّ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ ، قَالَ : أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَذَكَرَ مَعْنَاهُ
قَالَ : وَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يَقُولُ فِي مَجْلِسِهِ كُلَّ يَوْمٍ ، قَلَّ مَا يُخْطِئُهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ : اللَّهُ حَكَمٌ قِسْطٌ هَلَكَ الْمُرْتَابُونَ إِنَّ وَرَاءَكُمْ فِتَنًا يَكْثُرُ فِيهَا الْمَالُ وَيُفْتَحُ فِيهِ الْقُرْآنُ حَتَّى يَقْرَأَهُ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَالْأَسْوَدُ وَالْأَحْمَرُ فَيُوشِكُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقُولَ : قَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فَمَا أَظُنُّ أَنْ تَتَّبِعُونِي ، حَتَّى ابْتَدَعَ لَهُمْ غَيْرَهُ ، فَإِيَّاكُمْ وَمَا ابْتُدِعَ ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ، وَإِيَّاكَ وَزَيْغَةَ الْحَكِيمِ ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِ الْحَكِيمِ بِكَلِمَةِ الضَّلَالَةِ ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الْحَقِّ فَتَلَقَّوَا الْحَقَّ عَمَّنْ جَاءَ بِهِ ؛ فَإِنَّ عَلَى الْحَقِّ نُورًا قَالُوا : وَكَيْفَ زَيْغَةُ الْحَكِيمِ ؟ قَالَ : هِيَ الْكَلِمَةُ تُرَوِّعُكُمْ وَتُنْكِرُونَهَا وَتَقُولُونَ : مَا هَذِهِ ؟ فَاحْذَرُوا زَيْغَتَهُ وَلَا يَصُدَّنَّكُمْ عَنْهُ ، فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَفِيءَ وَأَنْ يُرَاجِعَ الْحَقَّ ، وَإِنَّ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ مَكَانَهُمَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَمَنِ ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ ، ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ ، قَالَ : قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ كَيْفَ تَصْنَعُونَ بِثَلَاثٍ ؟ دُنْيَا تَقْطَعُ أَعْنَاقَكُمْ ، وَزَلَّةِ عَالِمٍ وَجِدَالِ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ ، فَسَكَتُوا فَقَالَ : أَمَّا الْعَالِمُ فَإِنِ اهْتَدَى فَلَا تُقَلِّدُوهُ دِينَكُمْ ، وَإِنِ افْتُتِنَ فَلَا تَقْطَعُوا مِنْهُ أَنَاتَكُمْ ؛ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يُفْتَتَنُ ثُمَّ يَتُوبُ ، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَلَهُ مَنَارٌ كَمَنَارِ الطَّرِيقِ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ ، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهُ ، وَمَا شَكَكْتُمْ فَكِلُوهُ إِلَى عَالِمِهِ ، وَأَمَّا الدُّنْيَا فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ الْغِنَى فِي قَلْبِهِ فَقَدْ أَفْلَحَ ، وَمَنْ لَا فَلَيْسَ بِنَافِعَتِهِ دُنْيَاهُ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى ، ثنا أَبُو سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ ، ثنا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيُّ ، قَالَ : قَالَ سَلْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ أَنْتُمْ عِنْدَ ثَلَاثٍ ؟ زَلَّةِ عَالِمٍ وَجِدَالِ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ ، وَدُنْيَا تَقْطَعُ أَعْنَاقَكُمْ ، فَأَمَّا زَلَّةُ الْعَالِمِ فَإِنِ اهْتَدَى فَلَا تُقَلِّدُوهُ دِينَكُمْ ، وَأَمَّا مُجَادَلَةُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ لِلْقُرْآنِ مَنَارًا كَمَنَارِ الطَّرِيقِ ، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَخُذُوا وَمَا لَمْ تَعْرِفُوهْ فَكِلُوهُ إِلَى اللَّهِ ، وَأَمَّا دُنْيَا تَقْطَعُ أَعْنَاقَكُمْ فَانْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ دُونَكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ وَشَبَّهَ الْعُلَمَاءُ زَلَّةَ الْعَالِمِ بِانْكِسَارِ السَّفِينَةِ ؛ لِأَنَّهَا إِذَا غَرِقَتْ غَرِقَ مَعَهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ وَإِذَا ثَبَتَ وَصَحَّ أَنَّ الْعَالِمَ يُخْطِئُ وَيَزِلُّ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ وَيَدِينَ بِقَوْلٍ لَا يَعْرِفُ وَجْهَهُ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى ، ثنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ دَوَادَ ، ثنا سُحْنُونُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَاصِمِ ابْنِ بَهْدَلَةَ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : اغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا وَلَا تَغْدُ إِمَّعَةً فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : فَسَأَلْتُ سُفْيَانَ ، عَنِ الْإِمَّعَةِ ، فَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : كُنَّا نَعُدُّ الْإِمَّعَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِي يُدْعَى إِلَى الطَّعَامِ فَيُذْهَبُ مَعَهُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ فِيكُمُ الْيَوْمَ الْمُحْقِبُ دِينَهُ الرِّجَالَ
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَحْمَدَ ، ثنا أَسْلَمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، ثنا يُونُسُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَاصِمِ ابْنِ بَهْدَلَةَ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : اغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا وَلَا تَغْدُوَنَّ إِمَّعَةً فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ
وَبِهِ عَنْ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، قَالَ : وَحَدَّثَنِي أَبُو الزَّعْرَاءِ ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ قَالَ : كُنَّا نَدْعُو الْإِمَّعَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِي يُدْعَى إِلَى الطَّعَامِ فَيُذْهَبُ مَعَهُ بِآخَرَ وَهُوَ فِيكُمُ الْيَوْمَ الْمُحْقِبُ دِينَهُ الرِّجَالَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ ، ثنا سَعِيدٌ ، وَسَعِيدٌ قَالَا : نا يُونُسُ ، فَذَكَرَ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا بِإِسْنَادِهِمَا سَوَاءً
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي ثنا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمٍ ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ الْبَغْدَادِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَسَدِيُّ ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : وَيْلٌ لِلْأَتْبَاعِ مِنْ عَثَرَاتِ الْعَالِمِ ، قِيلَ : كَيْفَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : يَقُولُ الْعَالِمُ شَيْئًا بِرَأْيِهِ ثُمَّ يَجِدُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْهُ فَيَتْرُكُ قَوْلَهُ ذَلِكَ ثُمَّ يَمْضِي الْأَتْبَاعُ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يُسْتَغْنَى عَنِ الْإِسْنَادِ لِشُهْرَتِهِ عِنْدَهُمْ : يَا كُمَيْلُ بْنَ زِيَادٍ ، إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا لِلْخَيْرِ ، وَالنَّاسُ ثَلَاثَةٌ : فَعَالِمٌ رَبَّانِيُّ ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ ، وَهَمَجٌ رِعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ ، وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ هَا هُنَا لَعِلْمًا ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ ، لَوْ أَصَبْتَ لَهُ حَمَلَةً ، بَلَى لَقَدْ أَصَبْتَ لَقِنًا غَيْرَ مَأْمُونٍ يَسْتَعْمِلُ الدُّنْيَا لِلدِّينِ وَيَسْتَظْهِرُ بِحُجَجِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كِتَابِهِ وَبِنِعَمِهِ عَلَى مَعَاصِيهِ أُفٍّ لِحَامِلِ حَقٍّ لَا بَصِيرَةَ لَهُ يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ بِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ ، لَا يَدْرِي أَيْنَ الْحَقُّ ؟ إِنْ قَالَ أَخْطَأَ وَإِنْ أَخْطَأَ لَمْ يَدْرِ مَشْغُوفٌ بِمَا لَا يَدْرِي حَقِيقَتَهُ ، فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ فُتِنَ بِهِ وَإِنَّ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ مَنْ عَرَّفَهُ اللَّهُ دِينَهُ وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَنْ لَا يَعْرِفَ دِينَهُ
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ هَارُونُ بْنُ مُوسَى ، ثنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْقَاسِمِ الْبَغْدَادِيُّ ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَدِينِيُّ ، ثنا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبْعِيُّ الْهَاشِمِيُّ ، ثنا نَهْشَلُ بْنُ دَارِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ ، قَالَ : سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ ، فَدَخَلَ مُبَادِرًا ثُمَّ خَرَجَ فِي حِذَاءٍ وَرِدَاءٍ وَهُوَ مُبْتَسِمٌ ، فَقِيلَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّكَ كُنْتَ إِذَا سُئِلْتَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ تَكُونُ فِيهَا كَالسِّكَّةِ الْمُحْمَاةِ قَالَ : إِنِّي كُنْتُ حَاقِنًا وَلَا رَأْيَ لِحَاقِنٍ وَأَنْشَأَ يَقُولُ : إِذَا الْمُشْكِلَاتُ تَصَدَّيْنُ لِي كَشَفْتُ حَقَائِقَهَا بِالنَّظَرْ فَإِنْ بَرِقَتْ فِي مُخَيَّلِ الصَّوَابِ عَمْيَاءُ لَا يُجَلِّيهَا الْبَصَرْ مُقَنَّعَةٌ بِغُيُوبِ الْأَمُورِ وَضَعْتُ عَلَيْهَا صَحِيحَ الْفِكَرْ لِسَانًا كَشَقْشَقَةِ الْأَرْحَبِيِّ أَوْ كَالْحُسَامِ الْيَمَانِيِّ الذَّكَرْ وَقَلْبًا إِذَا اسْتَنْطَقَتْهُ الْفَنُ ونُ أَبَرَّ عَلَيْهَا بِوَاهٍ دُرَرْ وَلَسْتُ بِإِمَّعَةٍ فِي الرِّجَالِ يُسَائِلُ هَذَا وَذَا مَا الْخَبَرْ وَلَكِنَّنِي مِذْرَبُ الْأَصْغَرَيْنِ أُبَيِّنُ مَعَ مَا مَضَى مَا غَبَرْ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ : الْمُخَيَّلُ السَّحَابُ يُخَالُ فِيهِ الْمَطَرُ ، وَالشَّقَّشْقَةُ مَا يُخْرِجُهُ الْفَحْلُ مِنْ فِيهِ عِنْدَ هَيَاجِهِ ، وَمِنْهُ قِيلَ لِخُطَبَاءِ الرِّجَالِ : شَقَاشِقُ وَأَبَرَّ : زَادَ عَلَى مَا تَسْتَنْطِقُهُ ، والْإِمَّعَةُ : الْأَحْمَقُ الَّذِي لَا يَثْبُتُ عَلَى رَأْيٍ ، وَالْمِذْرَبُ : الْحَادُّ ، وَأَصْغَرَاهُ : قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ : مِنَ الشَّقَاشِقِ مَا : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ ثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ أَبِي تَمَّامٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، ثنا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ ، ثنا حُمَيْدٌ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، رَأَى رَجُلًا يَخْطُبُ فَأَكْثَرَ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُطَبِ مِنْ شَقَاشِقِ الشَّيْطَانِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ ، وَيَعِيشُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَا : نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، ثنا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ ، ثنا بِشْرُ بْنُ حُجْرٍ ، قَالَ : أنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ ، عَنْ عَطَاءٍ يَعْنِي ابْنَ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : إِيَّاكُمْ وَالِاسْتِنَانَ بِالرِّجَالِ ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ يَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ يَنْقَلِبُ لَعِلْمِ اللَّهِ فِيهِ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَمُوتُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَنْقَلِبُ لَعِلْمِ اللَّهِ فِيهِ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَمُوتُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَإِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ فَبِالْأَمْوَاتِ لَا بِالْأَحْيَاءِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَلَا لَا يُقَلِّدَنَّ أَحَدُكُمْ دِينَهُ رَجُلًا إِنْ آمَنَ آمَنَ وَإِنْ كَفَرَ كَفَرَ ، فَإِنَّهُ لَا أُسْوَةَ فِي الشَّرِّ
وَأَنْشَدَ الصُّولِيُّ عَنِ الْمَرَاغِيِّ ، قَالَ : أنشدنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّبَرِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الطَّبَرِيِّ ، قَالَ : أَنْشَدَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِنَفْسِهِ وَكَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَزَمَانِهِ فِي وَقْتِهِ : تُرِيدُ تَنَامُ عَلَى ذِي الشَّبَهْ وَعَلَّكَ إِنْ نِمْتَ لَمْ تَنْتَبِهْ فَجَاهِدْ وَقَلِّدْ كِتَابَ الْإِلَهِ لِتَلْقَى الْإِلَهَ إِذَا مِتَّ بِهْ فَقَدْ قَلَّدَ النَّاسُ رُهْبَانَهُمْ وَكُلٌّ يُجَادِلُ عَنْ رَاهِبِهْ وَلِلْحَقِّ مُسْتَنْبِطٌ وَاحِدٌ وَكُلٌّ يَرَى الْحَقَّ فِي مُذْهَبِهْ فَفِيمَا أَرَى عَجَبٌ غَيْرَ أَنَّ بَيَانَ التَّفَرُّقِ مِنْ أَعْجَبِهْ وَثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِنَا هَذَا أَنَّهُ قَالَ : يَذْهَبُ الْعُلَمَاءُ ثُمَّ يَتَّخِذُ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا يُسْأَلُونَ فَيُفْتُونَ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ وَهَذَا كُلُّهُ نَفْيٌ لِلتَّقْلِيدِ وَإِبْطَالٌ لَهُ لِمَنْ فَهِمَهُ وَهُدِيَ لِرُشْدِهِ
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ ، ثنا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ ، وَسَعِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ ، قَالَا : نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، قَالَ : اضْطَجَعَ رَبِيعَةُ مُقَنِّعًا رَأْسَهُ وَبَكَى فَقِيلَ لَهُ : مَا يُبْكِيكَ ؟ فَقَالَ : رِيَاءٌ ظَاهِرٌ وَشَهْوَةٌ خَفِيَّةٌ وَالنَّاسُ عِنْدَ عُلَمَائِهِمْ كَالصِّبْيَانِ فِي حُجُورِ أُمَّهَاتِهِمْ ، مَا نَهَوْهُمْ عَنْهُ انْتَهَوْا وَمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ ائْتَمَرُوا وَقَالَ أَيُّوبُ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَيْسَ تَعْرِفُ خَطَأَ مُعَلِّمِكَ حَتَّى تُجَالِسَ غَيْرَهُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ : لَا فَرْقَ بَيْنَ بَهِيمَةٍ تُقَادُ وَإِنْسَانٍ يُقَلِّدُ وَهَذَا كُلُّهُ لِغَيْرِ الْعَامَّةِ ؛ فَإِنَّ الْعَامَّةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ تَقْلِيدِ عُلَمَائِهَا عِنْدَ النَّازِلَةِ تَنْزِلُ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَبَيَّنُ مَوْقِعَ الْحُجَّةِ وَلَا تَصِلُ لِعَدَمِ الْفَهْمِ إِلَى عِلْمِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ دَرَجَاتٌ لَا سَبِيلَ مِنْهَا إِلَى أَعْلَاهَا إِلَّا بِنَيْلِ أَسْفَلِهَا ، وَهَذَا هُوَ الْحَائِلُ بَيْنَ الْعَامَّةِ وَبَيْنَ طَلَبِ الْحُجَّةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، وَلَمْ تَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْعَامَّةَ عَلَيْهَا تَقْلِيدَ عُلَمَائِهَا وَأَنَّهُمُ الْمُرَادُونَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {{ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }} وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَعْمَى لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَثِقُ بِمَيْزِهِ بِالْقِبْلَةِ إِذَا أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا بَصَرَ بِمَعْنَى مَا يَدِينُ بِهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَقْلِيدِ عَالِمِهِ ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْعَامَّةَ لَا يَجُوزُ لَهَا الْفُتْيَا ، وَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِجَهْلِهَا بِالْمَعَانِي الَّتِي مِنْهَا يَجُوزُ التَّحْلِيلُ وَالتَّحْرِيمُ وَالْقَوْلُ فِي الْعِلْمِ ، وَقَدْ نَظَمْتُ فِي التَّقْلِيدِ وَمَوْضِعِهِ أَبْيَاتًا رَجَوْتُ فِي ذَلِكَ جَزِيلَ الْأَجْرِ لِمَا عَلِمْتُ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُسْرِعُ إِلَيْهِ حَفْظُ الْمَنْظُومِ وَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْمَنْثُورُ وَهِيَ مِنْ قَصِيدَةٍ لِي : يَا سَائِلِي عَنْ مَوْضِعِ التَّقْلِيدِ خُذْ عَنِّي الْجَوَابَ بِفَهْمِ لُبٍّ حَاضِرِ وَاصْغِ إِلَى قَوْلِي وَدِنْ بِنَصِيحَتِي وَاحْفَظْ عَلَيَّ بَوَادِرِي وَنَوَادِرِي لَا فَرْقَ بَيْنَ مُقَلِّدٍ وَبَهِيمَةٍ تَنْقَادُ بَيْنَ جَنَادِلَ وَدَعَاثِرِ تَبًّا لِقَاضٍ أَوْ لِمُفْتٍ لَا يَرَى عِلَلًا وَمَعْنًى لِلْمَقَالِ السَّائِرِ فَإِذَا اقْتَدَيْتَ فَبِالْكِتَابِ وَسُنَّةِ الْمَبْعُوثِ بِالدِّينِ الْحَنِيفِ الطَّاهِرِ ثُمَّ الصَّحَابَةِ عِنْدَ عُدْمِكَ سُنَّةً فَأُولَاكَ أَهْلُ نَهًى وَأَهْلُ بَصَائِرِ وَكَذَاكَ إِجْمَاعُ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ مِنْ تَابِعِيهِمْ كَابِرًا عَنْ كَابِرِ إِجْمَاعُ أُمَّتِنَا وَقَوْلُ نَبِيِّنَا مِثْلُ النُّصُوصِ لِذِي الْكِتَابِ الزَّاهِرِ وَكَذَا الْمَدِينَةُ حُجَّةٌ إِنْ أَجْمَعُوا مُتَتَابِعِينَ أَوَائِلًا بِأَوَاخِرِ وَإِذَا الْخِلَافُ أَتَى فَدُونَكَ فَاجْتَهِدْ وَمَعَ الدَّلِيلِ فَمِلْ بِهَمٍّ وَافِرِ وَعَلَى الْأُصُولِ فَقِسْ فُرَوعَكَ لَا تَقِسْ فَرْعًا بِفَرْعٍ كَالْجَهُولِ الْحَائِرِ وَالشَّرُّ مَا فِيهِ فَدَيْتُكَ أُسْوَةٌ فَانْظُرْ وَلَا تَحْفِلْ بِزَلَّةِ مَاهِرِ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى ، ثنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ ، ثنا سُحْنُونُ ، ثنا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي نُعَيْمَةَ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ، وَمَنِ اسْتَشَارَ أَخَاهُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رُشْدِهِ فَقَدْ خَانَهُ ، وَمَنْ أُفْتِيَ بِفُتْيَا عَنْ غَيْرِ ثَبَتٍ فَإِنَّمَا إِثْمُهَا عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى مِنْ كِتَابِ الْعِلْمِ فِي جَامِعِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي نُعَيْمَةَ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الطُّنْبُذِيِّ رَضِيعِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَذَكَرَهُ سَوَاءً ، فَمَرَّةً قَالَ : يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ، وَمَرَّةً قَالَ : سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ ، وَخَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ ، وَيَعِيشُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ ، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، قَالَ : أنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي نُعَيْمَةَ الْمَعَافِرِيِّ ، أَنَّ أَبَا عُثْمَانَ الطُّنْبُذِيَّ حَدَّثَهُ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقَلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ، وَمَنْ أُفْتِيَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ وَمَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ وَهُوَ يَرَى أَنَّ غَيْرَهُ أَرْشَدُ مِنْهُ فَقَدْ خَانَهُ وَكَانَ أَبُو عُثْمَانَ رَضِيعَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ ، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ ، ثنا أَسْلَمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، ثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : أنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : مَنْ أَفْتَى بِفُتْيَا وَهُوَ يَعْمَى عَنْهَا كَانَ إِثْمُهَا عَلَيْهِ وَقَدِ احْتَجَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ النَّظَرِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَجَازَ التَّقْلِيدَ بِحُجَجٍ نَظَرِيَّةٍ عَقْلِيَّةٍ بِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَ فَأَحْسَنُ مَا رَأَيْتُ مِنَ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَأَنَا أُورِدُهُ قَالَ : يُقَالُ لِمَنْ حَكَمَ بِالتَّقْلِيدِ : هَلْ لَكَ مِنْ حُجَّةٍ فِيمَا حَكَمْتَ بِهِ ؟ فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ أُبْطِلَ التَّقْلِيدُ ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ عِنْدَهُ لَا التَّقْلِيدُ ، وَإِنْ قَالَ : حَكَمْتُ فِيهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ قِيلَ لَهُ : فَلِمَ أَرَقْتَ الدِّمَاءَ وَأَبَحْتَ الْفُرُوجَ وَأَتْلَفْتَ الْأَمْوَالَ وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِحُجَّةٍ ؟ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا }} أَيْ مِنْ حُجَّةٍ بِهَذَا فَإِنْ قَالَ : أَنَا أَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أَصَبْتُ وَإِنْ لَمْ أَعْرِفِ الْحُجَّةَ ؛ لِأَنِّي قَلَّدْتُ كَبِيرًا مِنَ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ لَا يَقُولُ إِلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَلَيَّ ، قِيلَ لَهُ : إِذَا جَازَ تَقْلِيدُ مُعَلِّمِكَ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ إِلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَلَيْكَ فَتَقْلِيدُ مُعَلِّمِ مُعَلِّمِكَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ إِلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَلَى مُعَلِّمِكَ ، كَمَا لَمْ يَقُلْ مُعَلِّمُكَ إِلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَلَيْكَ ، فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ تَرَكَ تَقْلِيدَ مُعَلِّمِ مُعَلِّمِهِ ، وَكَذَلِكَ مَنْ هُوَ أَعْلَى حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ نَقَضَ قَوْلَهُ وَقِيلَ لَهُ : كَيْفَ يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَنْ هُوَ أَصْغَرُ وَأَقَلُّ عِلْمًا وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ وَأَكْثَرُ عِلْمًا وَهَذَا يَتَنَاقَضُ ، فَإِنْ قَالَ : لِأَنَّ مُعَلِّمِي وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ فَقَدْ جَمَعَ عِلْمَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ إِلَى عِلْمِهِ ، فَهُوَ أَبْصَرُ بِمَا أَخَذَ وَأَعْلَمُ بِمَا تَرَكَ قِيلَ لَهُ : وَكَذَلِكَ مَنْ تَعَلَّمَ مِنْ مُعَلِّمِكَ فَقَدْ جَمَعَ عِلْمَ مُعَلِّمِكَ وَعِلْمَ مَنْ فَوْقَهُ إِلَى عِلْمِهِ ؛ فَيَلْزَمُكَ تَقْلِيدُهُ وَتَرْكُ تَقْلِيدِ مُعَلِّمِكَ ، وَكَذَلِكَ أَنْتَ أَوْلَى أَنْ تُقَلِّدَ نَفْسَكَ مِنْ مُعَلِّمِكَ ؛ لِأَنَّكَ جَمَعْتَ عِلْمَ مُعَلِّمِكَ وَعِلْمَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ إِلَى عِلْمِكَ ، فَإِنْ فَادَ قَوْلَهُ جُعِلَ الْأَصْغَرَ وَمَنْ يُحَدِّثُ مِنْ صِغَارِ الْعُلَمَاءِ أَوْلَى بِالتَّقْلِيدِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَكَذَلِكَ الصَّاحِبُ عِنْدَهُ يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُ التَّابِعِ ، وَالتَّابِعُ مَنْ دُونَهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ والْأَعْلَى الْأَدْنَى أَبَدًا وَكَفَى بِقَوْلٍ يَؤُولُ إِلَى هَذَا قُبْحًا وَفُسَادًا قَالَ أَبُو عُمَرَ : وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالنَّظَرِ : حَدُّ الْعِلْمِ التَّبْيِينُ وَإِدْرَاكُ الْمَعْلُومِ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ ، فَمَنْ بَانَ لَهُ الشَّيْءُ فَقَدْ عَلِمَهُ ، قَالُوا : وَالْمُقَلِّدُ لَا عِلْمَ لَهُ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ وَمِنْ هَا هُنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْبَخْتَرِيُّ فِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتِ : عَرَفَ الْعَالِمُونَ فَضْلَكَ بِالْعِلْـ ـمِ وَقَالَ الْجُهَّالُ بِالتَّقْلِيدِ وَأَرَى النَّاسَ مُجْمِعِينَ عَلَى فَضْلِكَ مِنْ بَيْنِ سَيِّدٍ وَمَسُودِ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ خُوَازٍ مِنْدَادٌ الْبَصْرِيُّ الْمَالِكِيُّ : التَّقْلِيدُ مَعْنَاهُ فِي الشَّرْعِ الرُّجُوعُ إِلَى قَوْلٍ لَا حُجَّةَ لِقَائِلِهِ عَلَيْهِ ، وَهَذَا مَمْنُوعٌ مِنْهُ فِي الشَّرِيعَةِ ، وَالِاتِّبَاعُ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ حُجَّةٌ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ : كُلُّ مَنِ اتَّبَعْتَ قَوْلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْكَ قَبُولُهُ لِدَلِيلٍ يُوجِبُ ذَلِكَ فَأَنْتَ مُقَلِّدُهُ ، وَالتَّقْلِيدُ فِي دِينِ اللَّهِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَكُلُّ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْكَ الدَّلِيلُ اتِّبَاعَ قَوْلِهِ فَأَنْتَ مُتَّبِعُهُ والِاتِّبَاعُ فِي الدِّينِ مَسُوغٌ وَالتَّقْلِيدُ مَمْنُوعٌ
وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ حَارِثٍ فِي أَخْبَارِ سُحْنُونَ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ سُحْنُونَ ، قَالَ : كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ وَغَيْرُهُمْ يَخْتَلِفُونَ إِلَى ابْنِ هُرْمُزَ ، وَكَانَ إِذَا سَأَلَهُ مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ أَجَابَهُمَا وَإِذَا سَأَلَهُ ابْنُ دِينَارٍ وَذَوُوهُ لَمْ يُجِبْهُمْ ، فَتَعَرَّضَ لَهُ ابْنُ دِينَارٍ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا بَكْرٍ لِمَ تَسْتَحِلُّ مِنِّي مَا لَا يَحِلُّ لَكَ ؟ قَالَ لَهُ : يَا ابْنَ أَخِي وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : يَسْأَلُكَ مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ فَتُجِيبُهُمَا وَأَسْأَلُكَ أَنَا وَذَوِي فَلَا تُجِيبُنَا ؟ فَقَالَ : أَوَقَعَ ذَلِكَ يَا ابْنَ أَخِي فِي قَلْبِكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : إِنِّي قَدْ كَبُرَ سِنِّي وَرَقَّ عَظْمِي ، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَكُونَ خَالَطَنِي فِي عَقْلِي مِثْلُ الَّذِي خَالَطَنِي فِي بَدَنِي وَمَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ عَالِمَانِ فَقِيهَانِ إِذَا سَمِعَا مِنِّي حَقًّا قَبِلَاهُ وَإِذَا سَمِعَا مِنِّي خَطَأً تَرَكَاهُ وَأَنْتَ وَذَوُوكَ مَا أَجَبْتُكُمْ بِهِ قَبِلْتُمُوهُ ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَارِثٍ : هَذَا وَاللَّهِ هُوَ الدِّينُ الْكَامِلُ وَالْعَقْلُ الرَّاجِحُ لَا كَمَنْ يَأْتِي بِالْهَذَيَانِ وَيُرِيدُ أَنْ يَنْزِلَ مِنَ الْقُلُوبِ مَنْزِلَةَ الْقُرْآنِ قَالَ أَبُو عُمَرَ : يُقَالُ لِمَنْ قَالَ بِالتَّقْلِيدِ : لِمَ قُلْتُ بِهِ وَخَالَفْتَ السَّلَفَ فِي ذَلِكَ ؟ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُقَلِّدُوا فَإِنْ قَالَ : قَلَّدْتُ ؛ لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا عِلْمَ لِي بِتَأْوِيلِهِ ، وَسُنَّةَ رَسُولِهِ لَمْ أُحْصِهَا وَالَّذِي قَلَّدْتُهُ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ فَقَلَّدْتُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي قِيلَ لَهُ : أَمَّا الْعُلَمَاءُ إِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْ تَأْوِيلِ الْكِتَابِ أَوْ حِكَايَةِ سُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَوِ اجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ الْحَقُّ لَا شَكَّ فِيهِ ، وَلَكِنْ قَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا قَلَّدَتْ فِيهِ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ ، فَمَا حُجَّتُكَ فِي تَقْلِيدِ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ ، وَكُلُّهُمْ عَالِمٌ وَلَعَلَّ الَّذِي رَغِبْتَ عَنْ قَوْلِهِ أَعْلَمُ مِنَ الَّذِي ذَهَبْتُ إِلَى مَذْهَبِهِ ، فَإِنْ قَالَ : قَلَّدْتُهُ لِأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّهُ صَوَابٌ قِيلَ لَهُ : عَلِمْتَ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ ، فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ ، فَقَدْ أَبْطَلَ التَّقْلِيدَ وَطُولِبَ بِمَا ادَّعَاهُ مِنَ الدَّلِيلِ وَإِنْ قَالَ : قَلَّدْتُهُ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ مِنِّي ، قِيلَ لَهُ : فَقَلِّدْ كُلَّ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ فَإِنَّكَ تَجِدُ مِنْ ذَلِكَ خَلْقًا كَثِيرًا وَلَا يُحصَى مَنْ قَلَّدْتَهُ إِذْ عِلَّتُكَ فِيهِ أَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْكَ وَتَجِدُهُمْ فِي أَكْثَرِ مَا يَنْزِلُ بِهِمْ مِنَ السُّؤَالِ مُخْتَلِفِينَ فَلِمَ قَلَّدْتَ أَحَدَهُمْ ؟ فَإِنْ قَالَ : قَلَّدْتُهُ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ قِيلَ لَهُ : فَهُوَ إِذًا أَعْلَمُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَكَفَى بِقَوْلٍ مِثْلِ هَذَا قُبْحًا وَإِنْ قَالَ : إِنَّمَا قَلَّدْتُ بَعْضَ الصَّحَابَةِ قِيلَ لَهُ : فَمَا حُجَّتُكَ فِي تَرْكِ مَنْ لَمْ تُقَلِّدْ مِنْهُمْ ؟ وَلَعَلَّ مَنْ تَرَكْتَ قَوْلَهُ مِنْهُمْ أَعْلَمُ وَأَفْضَلُ مِمَّنْ أَخَذْتَ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ لَا يَصِحُّ لِفَضْلِ قَائِلِهِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِدَلَالَةِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ
وَذَكَرَ ابْنُ مُزَيْنٍ ، عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ مَالِكٍ ، قَالَ : لَيْسَ كُلَّمَا قَالَ رَجُلٌ قَوْلًا وَإِنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ يُتَّبَعُ عَلَيْهِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ }} فَإِنْ قَالَ : قِصَرِي وَقِلَّةُ عِلْمِي يَحْمِلُنِي عَلَى التَّقْلِيدِ ، قِيلَ لَهُ : أَمَّا مَنْ قَلَّدَ فِيمَا يَنْزِلُ بِهِ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ عَالِمًا بِمَا يَتَّفِقُ لَهُ عَلَى عِلْمِهِ فَيُصْدِرُ فِي ذَلِكَ عَمَّا يُخْزِهِ بِهِ فَمَعْذُورٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ وَأَدَّى مَا لَزِمَهُ فِيمَا نَزَلَ بِهِ لِجَهْلِهِ وَلَا بُدُّ لَهُ مِنْ تَقْلِيدِ عَالِمِهِ فِيمَا جَهِلَ ؛ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْمَكْفُوفَ يُقَلِّدُ مَنْ يَثِقُ بِخَبَرِهِ فِي الْقِبْلَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ هَلْ تَجُوزُ لَهُ الْفَتْوَى فِي شَرَائِعِ دِينِ اللَّهِ ؟ فَيَحْمِلُ غَيْرَهُ عَلَى إِبَاحَةِ الْفُرُوجِ وَإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَاسْتِرْقَاقِ الرِّقَابِ وَإِزَالَةِ الْأَمْلَاكِ وَتَصْيِيرِهَا إِلَى غَيْرِ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ بِقَوْلٍ لَا يُعْرَفُ صِحَّتُهُ وَلَا قَامَ لَهُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مُقِرٌّ أَنَّ قَائِلَهُ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَأَنَّ مُخَالِفَهُ فِي ذَلِكَ رُبَّمَا كَانَ الْمُصِيبَ فِيمَا خَالَفَهُ فِيهِ ، فَإِنْ أَجَازَ الْفَتْوَى لِمَنْ جَهِلَ الْأَصْلَ وَالْمَعْنَى لِحِفْظِهِ الْفُرُوعَ لَزِمَهُ أَنْ يُجِيزَهُ لِلْعَامَّةِ وَكَفَى بِهَذَا جَهْلًا وَرَدًّا لِلْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ }} وَقَالَ : {{ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }} وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَا لَمْ يُتَبَيَّنْ وَلَمْ يُسْتَيْقَنْ فَلَيْسَ بِعِلْمٍ وَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ وَالظَّنُّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ، وَقَدْ مَضَى فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِيمَنْ أَفْتَى بِفُتْيَا وَهُوَ يَعْمَى عَنْهَا أَنَّ إِثْمَهَا عَلَيْهِ وَثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ فِي فَسَادِ التَّقْلِيدِ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنِ الْإِكْثَارِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نُعْمَانَ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَرْوَانَ ، ثنا أَبُو حَفْصٍ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو عُثْمَانَ بْنُ سَنَّةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : إِنَّ الْعِلْمَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى يَوْمَئِذٍ لِلْغُرَبَاءِ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَرْوَانَ ، وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ أَبِي زُنْبُرٍ ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ }} قَالَ : بِالْعِلْمِ
أَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ رَشِيقٍ ، نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، نا زَكَرِيَّا بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، نا الْحُنَيْنِيُّ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ؟ وَمَنِ الْغُرَبَاءُ ؟ قَالَ : الَّذِينَ يُحْيُونَ سُنَّتِي وَيُعَلِّمُونَهَا عِبَادَ اللَّهِ وَكَانَ يُقَالُ : الْعُلَمَاءُ غُرَبَاءُ لِكَثْرَةِ الْجُهَّالِ