كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ وَغَيْرُهُمْ يَخْتَلِفُونَ إِلَى ابْنِ هُرْمُزَ ، وَكَانَ إِذَا سَأَلَهُ مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ أَجَابَهُمَا وَإِذَا سَأَلَهُ ابْنُ دِينَارٍ وَذَوُوهُ لَمْ يُجِبْهُمْ ، فَتَعَرَّضَ لَهُ ابْنُ دِينَارٍ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا بَكْرٍ لِمَ تَسْتَحِلُّ مِنِّي مَا لَا يَحِلُّ لَكَ ؟ قَالَ لَهُ : يَا ابْنَ أَخِي وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : يَسْأَلُكَ مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ فَتُجِيبُهُمَا وَأَسْأَلُكَ أَنَا وَذَوِي فَلَا تُجِيبُنَا ؟ فَقَالَ : " أَوَقَعَ ذَلِكَ يَا ابْنَ أَخِي فِي قَلْبِكَ ؟ " قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : إِنِّي قَدْ كَبُرَ سِنِّي وَرَقَّ عَظْمِي ، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَكُونَ خَالَطَنِي فِي عَقْلِي مِثْلُ الَّذِي خَالَطَنِي فِي بَدَنِي "
وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ حَارِثٍ فِي أَخْبَارِ سُحْنُونَ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ سُحْنُونَ ، قَالَ : كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ وَغَيْرُهُمْ يَخْتَلِفُونَ إِلَى ابْنِ هُرْمُزَ ، وَكَانَ إِذَا سَأَلَهُ مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ أَجَابَهُمَا وَإِذَا سَأَلَهُ ابْنُ دِينَارٍ وَذَوُوهُ لَمْ يُجِبْهُمْ ، فَتَعَرَّضَ لَهُ ابْنُ دِينَارٍ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا بَكْرٍ لِمَ تَسْتَحِلُّ مِنِّي مَا لَا يَحِلُّ لَكَ ؟ قَالَ لَهُ : يَا ابْنَ أَخِي وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : يَسْأَلُكَ مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ فَتُجِيبُهُمَا وَأَسْأَلُكَ أَنَا وَذَوِي فَلَا تُجِيبُنَا ؟ فَقَالَ : أَوَقَعَ ذَلِكَ يَا ابْنَ أَخِي فِي قَلْبِكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : إِنِّي قَدْ كَبُرَ سِنِّي وَرَقَّ عَظْمِي ، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَكُونَ خَالَطَنِي فِي عَقْلِي مِثْلُ الَّذِي خَالَطَنِي فِي بَدَنِي وَمَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ عَالِمَانِ فَقِيهَانِ إِذَا سَمِعَا مِنِّي حَقًّا قَبِلَاهُ وَإِذَا سَمِعَا مِنِّي خَطَأً تَرَكَاهُ وَأَنْتَ وَذَوُوكَ مَا أَجَبْتُكُمْ بِهِ قَبِلْتُمُوهُ ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَارِثٍ : هَذَا وَاللَّهِ هُوَ الدِّينُ الْكَامِلُ وَالْعَقْلُ الرَّاجِحُ لَا كَمَنْ يَأْتِي بِالْهَذَيَانِ وَيُرِيدُ أَنْ يَنْزِلَ مِنَ الْقُلُوبِ مَنْزِلَةَ الْقُرْآنِ قَالَ أَبُو عُمَرَ : يُقَالُ لِمَنْ قَالَ بِالتَّقْلِيدِ : لِمَ قُلْتُ بِهِ وَخَالَفْتَ السَّلَفَ فِي ذَلِكَ ؟ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُقَلِّدُوا فَإِنْ قَالَ : قَلَّدْتُ ؛ لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا عِلْمَ لِي بِتَأْوِيلِهِ ، وَسُنَّةَ رَسُولِهِ لَمْ أُحْصِهَا وَالَّذِي قَلَّدْتُهُ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ فَقَلَّدْتُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي قِيلَ لَهُ : أَمَّا الْعُلَمَاءُ إِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْ تَأْوِيلِ الْكِتَابِ أَوْ حِكَايَةِ سُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَوِ اجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ الْحَقُّ لَا شَكَّ فِيهِ ، وَلَكِنْ قَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا قَلَّدَتْ فِيهِ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ ، فَمَا حُجَّتُكَ فِي تَقْلِيدِ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ ، وَكُلُّهُمْ عَالِمٌ وَلَعَلَّ الَّذِي رَغِبْتَ عَنْ قَوْلِهِ أَعْلَمُ مِنَ الَّذِي ذَهَبْتُ إِلَى مَذْهَبِهِ ، فَإِنْ قَالَ : قَلَّدْتُهُ لِأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّهُ صَوَابٌ قِيلَ لَهُ : عَلِمْتَ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ ، فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ ، فَقَدْ أَبْطَلَ التَّقْلِيدَ وَطُولِبَ بِمَا ادَّعَاهُ مِنَ الدَّلِيلِ وَإِنْ قَالَ : قَلَّدْتُهُ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ مِنِّي ، قِيلَ لَهُ : فَقَلِّدْ كُلَّ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ فَإِنَّكَ تَجِدُ مِنْ ذَلِكَ خَلْقًا كَثِيرًا وَلَا يُحصَى مَنْ قَلَّدْتَهُ إِذْ عِلَّتُكَ فِيهِ أَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْكَ وَتَجِدُهُمْ فِي أَكْثَرِ مَا يَنْزِلُ بِهِمْ مِنَ السُّؤَالِ مُخْتَلِفِينَ فَلِمَ قَلَّدْتَ أَحَدَهُمْ ؟ فَإِنْ قَالَ : قَلَّدْتُهُ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ قِيلَ لَهُ : فَهُوَ إِذًا أَعْلَمُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَكَفَى بِقَوْلٍ مِثْلِ هَذَا قُبْحًا وَإِنْ قَالَ : إِنَّمَا قَلَّدْتُ بَعْضَ الصَّحَابَةِ قِيلَ لَهُ : فَمَا حُجَّتُكَ فِي تَرْكِ مَنْ لَمْ تُقَلِّدْ مِنْهُمْ ؟ وَلَعَلَّ مَنْ تَرَكْتَ قَوْلَهُ مِنْهُمْ أَعْلَمُ وَأَفْضَلُ مِمَّنْ أَخَذْتَ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ لَا يَصِحُّ لِفَضْلِ قَائِلِهِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِدَلَالَةِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ