اضْطَجَعَ رَبِيعَةُ مُقَنِّعًا رَأْسَهُ وَبَكَى فَقِيلَ لَهُ : مَا يُبْكِيكَ ؟ فَقَالَ : " رِيَاءٌ ظَاهِرٌ وَشَهْوَةٌ خَفِيَّةٌ وَالنَّاسُ عِنْدَ عُلَمَائِهِمْ كَالصِّبْيَانِ فِي حُجُورِ أُمَّهَاتِهِمْ ، مَا نَهَوْهُمْ عَنْهُ انْتَهَوْا وَمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ ائْتَمَرُوا "
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ ، ثنا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ ، وَسَعِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ ، قَالَا : نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، قَالَ : اضْطَجَعَ رَبِيعَةُ مُقَنِّعًا رَأْسَهُ وَبَكَى فَقِيلَ لَهُ : مَا يُبْكِيكَ ؟ فَقَالَ : رِيَاءٌ ظَاهِرٌ وَشَهْوَةٌ خَفِيَّةٌ وَالنَّاسُ عِنْدَ عُلَمَائِهِمْ كَالصِّبْيَانِ فِي حُجُورِ أُمَّهَاتِهِمْ ، مَا نَهَوْهُمْ عَنْهُ انْتَهَوْا وَمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ ائْتَمَرُوا وَقَالَ أَيُّوبُ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَيْسَ تَعْرِفُ خَطَأَ مُعَلِّمِكَ حَتَّى تُجَالِسَ غَيْرَهُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ : لَا فَرْقَ بَيْنَ بَهِيمَةٍ تُقَادُ وَإِنْسَانٍ يُقَلِّدُ وَهَذَا كُلُّهُ لِغَيْرِ الْعَامَّةِ ؛ فَإِنَّ الْعَامَّةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ تَقْلِيدِ عُلَمَائِهَا عِنْدَ النَّازِلَةِ تَنْزِلُ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَبَيَّنُ مَوْقِعَ الْحُجَّةِ وَلَا تَصِلُ لِعَدَمِ الْفَهْمِ إِلَى عِلْمِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ دَرَجَاتٌ لَا سَبِيلَ مِنْهَا إِلَى أَعْلَاهَا إِلَّا بِنَيْلِ أَسْفَلِهَا ، وَهَذَا هُوَ الْحَائِلُ بَيْنَ الْعَامَّةِ وَبَيْنَ طَلَبِ الْحُجَّةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، وَلَمْ تَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْعَامَّةَ عَلَيْهَا تَقْلِيدَ عُلَمَائِهَا وَأَنَّهُمُ الْمُرَادُونَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {{ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }} وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَعْمَى لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَثِقُ بِمَيْزِهِ بِالْقِبْلَةِ إِذَا أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا بَصَرَ بِمَعْنَى مَا يَدِينُ بِهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَقْلِيدِ عَالِمِهِ ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْعَامَّةَ لَا يَجُوزُ لَهَا الْفُتْيَا ، وَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِجَهْلِهَا بِالْمَعَانِي الَّتِي مِنْهَا يَجُوزُ التَّحْلِيلُ وَالتَّحْرِيمُ وَالْقَوْلُ فِي الْعِلْمِ ، وَقَدْ نَظَمْتُ فِي التَّقْلِيدِ وَمَوْضِعِهِ أَبْيَاتًا رَجَوْتُ فِي ذَلِكَ جَزِيلَ الْأَجْرِ لِمَا عَلِمْتُ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُسْرِعُ إِلَيْهِ حَفْظُ الْمَنْظُومِ وَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْمَنْثُورُ وَهِيَ مِنْ قَصِيدَةٍ لِي : يَا سَائِلِي عَنْ مَوْضِعِ التَّقْلِيدِ خُذْ عَنِّي الْجَوَابَ بِفَهْمِ لُبٍّ حَاضِرِ وَاصْغِ إِلَى قَوْلِي وَدِنْ بِنَصِيحَتِي وَاحْفَظْ عَلَيَّ بَوَادِرِي وَنَوَادِرِي لَا فَرْقَ بَيْنَ مُقَلِّدٍ وَبَهِيمَةٍ تَنْقَادُ بَيْنَ جَنَادِلَ وَدَعَاثِرِ تَبًّا لِقَاضٍ أَوْ لِمُفْتٍ لَا يَرَى عِلَلًا وَمَعْنًى لِلْمَقَالِ السَّائِرِ فَإِذَا اقْتَدَيْتَ فَبِالْكِتَابِ وَسُنَّةِ الْمَبْعُوثِ بِالدِّينِ الْحَنِيفِ الطَّاهِرِ ثُمَّ الصَّحَابَةِ عِنْدَ عُدْمِكَ سُنَّةً فَأُولَاكَ أَهْلُ نَهًى وَأَهْلُ بَصَائِرِ وَكَذَاكَ إِجْمَاعُ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ مِنْ تَابِعِيهِمْ كَابِرًا عَنْ كَابِرِ إِجْمَاعُ أُمَّتِنَا وَقَوْلُ نَبِيِّنَا مِثْلُ النُّصُوصِ لِذِي الْكِتَابِ الزَّاهِرِ وَكَذَا الْمَدِينَةُ حُجَّةٌ إِنْ أَجْمَعُوا مُتَتَابِعِينَ أَوَائِلًا بِأَوَاخِرِ وَإِذَا الْخِلَافُ أَتَى فَدُونَكَ فَاجْتَهِدْ وَمَعَ الدَّلِيلِ فَمِلْ بِهَمٍّ وَافِرِ وَعَلَى الْأُصُولِ فَقِسْ فُرَوعَكَ لَا تَقِسْ فَرْعًا بِفَرْعٍ كَالْجَهُولِ الْحَائِرِ وَالشَّرُّ مَا فِيهِ فَدَيْتُكَ أُسْوَةٌ فَانْظُرْ وَلَا تَحْفِلْ بِزَلَّةِ مَاهِرِ