عنوان الفتوى : مشروعية التبحر في مسائل القضاء والقدر
أريد معرفة مدى صحة الحديث: إذا ذكر القضاء فأمسكوا، وإذا صح هذا الحديث فما تفسيركم لكتب العقيدة القديمة والمعاصرة التي تفسر وتتبحر في مسألة القضاء والقدر تبحرا واسعا. وجزاكم الله خيرا .
خلاصة الفتوى: الحديث صحيح، والإمساك محمول على التكلف في معرفة سر القدر وجدال المخالفين بغير علم، وأما تعلم ما يتعلق بالإيمان بالقدر فهو مشروع مطلوب، ومثله كلام أهل العلم في رد الشبه وأقوال أهل الضلال.
فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا ذكر القدر فأمسكوا. رواه الطبراني وصححه الألباني.
والمراد بالإمساك المذكور في الحديث عدم التكلف في إدراك سر القدر، والإمساك عن محاورة ومجادلة المنكرين له، وعدم الخوض فيه بالعقل لئلا يتأثر المجادل بالقدرية أو الجبرية؛ كذا قال المناوي في فيض القدير.
وقال الإمام الطحاوي: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان ودرج الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا أو فكرا أو وسوسة، فإنه تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه؛ كما قال عز وجل: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. فمن سأل لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين، فهذا جملة ما يحتاج إليه...
لأن العلم علمان: علم في الخلق موجود، وعلم في الخلق مفقود، فإنكار العلم الموجود كفر، وادعاء العلم المفقود كفر لا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود وبرد طلب العلم المفقود... اهـ
وقال ابن عبد البر في الاستذكار: قد أكثر أهل الحديث من تخريج الآثار في هذا الباب وأكثر المتكلمون فيه من الكلام والجدال.
وأما أهل السنة فمجتمعون على الإيمان بالقدر على ما جاء في هذه الآثار وعلى اعتقاد معانيها وترك المجادلة فيها.. اهـ
وأما كلام أهل العلم من أهل السنة فيه فهو أمر مهم لما فيه من إحقاق الحق وبيان المذهب الصحيح في شأنه ورد الشبه التي يوردها أهل الضلال والزيغ، فهذا سائغ لأهل العلم، ولا يسوغ للعوام والخائضين فيه بعقولهم المجردة، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 34841، 97066، 53111.
والله أعلم.