أرشيف المقالات

حول سورة الأنفال والتعريف بها

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
حول سورة الأنفال والتعريف بها

معنى "السورة" لغة واصطلاحًا:
• المعنى اللغوي: جاء في مختار الصحاح، مادة (س و ر):
السُّور: حائط المدينة، والسُّوَر جمع سورة: وهي كل مَنْزِلة من البناء، ومنه سورة القرآن؛ لأنها مَنْزِلة بعد منزلة، مقطوعة عن الأخرى، والجمع (سُوَر) بفتح الواو، ويجوز أن يجمع على (سُورات) بسكون الواو وفتحها.
 
وقد اختُلِف في أصل مأخذها، فقيل: (هي مأخوذة من سُور المدينة؛ لإحاطتها بآياتها، وإحاطة السُّور بالبنيان، وقيل: لأنها ضمت آياتها بعضًا ببعض، كما أن السُّور تُوضَع لَبِنَاته بعضًا فوق بعضٍ حتى يصل إلى الارتفاع الذي يراد، وقيل: مأخوذة من السورة، وهي الرتبة أو المنزلة...، وقيل: مأخوذة من السُّؤْر، وهو ما بقي من الشراب في الإناء؛ كأنها قطعة من القرآن، وبقية منه، وهي على هذا مهموزة، وحذفت همزتها تخفيفًا...)[1].
 
وفي الاصطلاح: (السورة: الطائفة المترجمة توقيفًا؛ أي: المسماة باسم خاص بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، والسورة: طائفة من آيات القرآن جُمِعَت وضُمَّ بعضُها إلى بعض، بلغت في الطول المقدارَ الذي أراده الله سبحانه وتعالى لها...)[2].
 
حول سورة الأنفال [3]: (وهي مدنية)[4]:
يمكن التعريف بالسورة الكريمة من خلال إلقاء الضوء على الأمور التالية:
• أسماء السورة:
• معنى الأنفال.
• سبب النزول.
• ترتيب النزول وترتيب المصحف.
• مناسبة السورة لسورة البقرة والأعراف والتوبة.
• النداءات.
• السؤال والجواب (يسألونك).
• موضوعات السورة.
 
• أسماء السورة:
أطلق عليها البعض سورة القتال؛ لأنها تتحدث عن أول قتال في الإسلام، وأطلق عليها سورة الفرقان؛ لتسمية الله تعالى لها في السورة: ﴿ يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ﴾ [الأنفال: 41]، أو سورة بدر؛ كما صح عن ابن عباس، ولأنها نزلت في أعقاب غزوة بدر لتصفَ أحداثها[5].
 
• معنى الأنفال: لغة: "نفل": أصاب الغازي نَفَلاً وأَنفََالاً، ونفَّلَه الإمام، وأَنْفَلَهُ، والإمام يُنَفِّل الجند، وتنفَّل المصلي: تطوَّع، تنفَّل على أصحابه: أخذ من النَّفَلِ أكثر مما أخذوا؛ قاله الإمام الزمخشري[6].
 
والقرطبي - رحمه الله تعالى - يقول: الأنفال واحدها: نَفَلٌ بتحريك الفاء.
 
قال لبيد:






إن تقوى رَبِّنا خيرُ نَفَلْ
وبإذن الله رَيْثِي والعَجَلْ






 
أي: خير غنيمة، والنفَل: الزيادة على الواجب، وهو التطوع، والغنيمة نافلة؛ لأنها زيادة فيما أحل الله لهذه الأمة مما كان مُحَرَّمًا على غيرها؛ فقد روى البخاري عن جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أُعطِيتُ خَمْسًا لم يُعْطَهُنَّ أحدٌ قبلي: نُصِرْت بالرعب مسيرةَ شهر، وجُعِلَتْ لي الأرض مسجدًا وطَهُورًا، وأُحِلَّتْ لي الغنائم وَلم تَحِلَّ لأحد قبلي، وأُعْطِيتُ الشفاعةَ، وكان النبي يُبعَثُ إلى قومه خاصةً، وبُعِثْتُ إلى الناس عامةً))[7]؛ يقول ابن كثير: ومعنى الأنفال في كلام العرب: كل إحسان فعله فاعل تفضُّلاً من غير أن يجبَ عليه ذلك؛ فالأنفال: المغانم، وكل نَيْلٍ ناله المسلمون من أموال الحرب[8].
 
• المعنى الاصطلاحي:
يتضح مما سبق أن الأنفال هي: "الغنائم التي ينالها المسلمون من عَدُوِّهم، وتُطْلَق على ما يُنَفِّله الإمام لبعض الأشخاص من سَلَبٍ أو نحوه بعد قَسْمِ أصل الغنائم، وهو المتبادر إلى فهم كثير من الفقهاء من لفظ النفل، والله أعلم"[9].
 
• سبب النزول:
ومما ذكره المفسرون في سبب النزول ما يلي:
• ذكر ابن كثير:..
وقال سعيد بن جبير: قلت لابن عباس رضي الله عنهما: سورة الأنفال؟ قال: نزلت في بدر[10].
 
• روى أبو داود، والنسائي، وابن حبان، والحاكم عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قتل قتيلاً فله كذا وكذا))، فأما المشيخة فثَبَتُوا تحت الرايات، وأما الشُّبَّان فسارعوا إلى القتل والغنائم، فقالت المشيخة للشبان: أشرِكُونا معكم؛ فإنا كنا لكم رِدْءًا، ولو كان منكم شيء للجأتم إلينا، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [الأنفال: 1]، وروى أحمد عن سعد بن أبي وقاص، قال: لما كان يوم بدر قُتِلَ أخي عُمَير، فقَتَلْتُ به سعيد بن العاص، وأخذتُ سيفه فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((اذهَبْ فاطرَحْه في القَبَض))، فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله مِنْ قَتْل أخي، وأخْذِ سَلَبِي، فما جاوزتُ إلا يسيرًا حتى نزلت سورة الأنفال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اذهب فخُذْ سيفك))[11].
 
• ترتيب النزول وترتيب المصحف:
نزلت سورة الأنفال بعد بَدْء نزول سورة البقرة؛ لأن سورة البقرة هي أول ما نزل من الوحي بالمدينة، وذكر ذلك الإمام السيوطي في الإتقان فقال: "وأول ما نزل بالمدينة سورةُ البقرة، ثم سورة الأنفال، ثم آل عمران.." [12].
 
وذكر ما أخرجه البخاري عن ابن عباس قال: آخر آية نزلت في القرآن آية الربا، وعنه أيضًا قال: آخر شيء نزل من القرآن: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾ [البقرة: 281]، وكان بين نزولها وبين موت النبي صلى الله عليه وسلم أحد وثمانون يومًا [13]، ويقول الشيخ عبدالمتعال الصعيدي: نزلت سورة الأنفال بعد سورة البقرة، وكان نزولها بعد غزوة بدر، وكانت غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة، فتكون سورة الأنفال من السور التي نزلت بين غزوة بدر وصُلح الحديبيَة[14].
 
ومن هنا يتضح أن سورة الأنفال نزلت بعد نزول آيات من سورة البقرة، وليس بعد تمام نزولها، وأنها نزلت بعد نصر المسلمين في غزوة بدر، وأنها نزلت جملة واحدة، وهو ما أمِيل إليه، وليست فيها آيات مكية - كما يقول البعض - كما أن ليس فيها آيةٌ تَنْسَخُ أخرى منها.
 
• أما عن ترتيب المصحف، فحسب مصحف عثمان، جاء ترتيبها الثامنة بعد سورة الأعراف، ويليها سورة التوبة.
 
مناسبة السورة الكريمة لما قبلها وما بعدها من حيث ترتيب النزول وترتيب المصحف:
أولاً: من حيث ترتيب النزول، فإن سورة الأنفال نزلت بعد بدء نزول سورة البقرة، وكانت سورة البقرة أول ما نزل بالمدينة، ونزلت سورة الأنفال في العام الثاني من الهجرة، في أعقاب غزوة بدر الكبرى.
 
وإذا كانت سورة البقرة تمثل أول مرحلة من مراحل التشريع، فإن سورة الأنفال تُمَثِّل نفس المرحلة، وخصوصًا في تشريع القتال، وقوانين الحرب والسلام.



[1] المدخل إلى دراسة القرآن الكريم، محمد بن محمد أبو شهبة، الطبعة الأولى - مكتبة السُّنَّة، ص 285.


[2] السابق، ص 285.


[3] آياتها: سبعون وست بالبسملة، كلماتها: ألف وستمائة كلمة وإحدى وثلاثون كلمة في قول ابن كثير.


[4] "مدنية" في تفسير ابن كثير والطبري، أما القرطبي فقال: إنها مدنية إلا سبع آيات، من قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [الأنفال: 30]، إلى آخر السبع آيات، انظر تفسير القرطبي جزء 4، ص 2796.


[5] تفسير سورة الأنفال، د.
علي جريشة، دار الأرقم ط1، 1992م ص 5.


[6] أساس البلاغة، مادة: (ن ف ل)، ص 468.


[7] فتح الباري، جزء 1، ص 346 باب التيمم.


[8] تفسير ابن كثير جزء 2، ص 284، طبعة الحلبي بدون تاريخ.


[9] المرجع السابق.


[10] أسباب النزول - السيوطي، تحقيق: حامد أحمد الطاهر، مكتبة الثقافة الدينية، ص 190، والحديث أخرجه مسلم والترمذي، وقال: حسن صحيح.


[11] السابق، ص 191.


[12] السابق، ص 285.


[13] السابق، ص 285.


[14] النظم الفني في القرآن، مكتبة الآداب ص 121.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن