عنوان الفتوى : حكم النياحة والفرق بينها وبين البكاء الجائز وما ينفع الميت وما لا ينفعه
إحدى الأخوات المستمعات بعثت برسالة تقول: أنا أختكم في الله (ع. ن) من المدينة المنورة تقول: توفيت والدتي في رمضان، وبكينا عليها بكاءً كثيراً مدة طويلة وقيل لنا: لا بد من صيام الأيام التي بكينا فيها، وأنه يعذب الميت في قبره على بكاء أهله عليه، وقيل: إنه يأتي ملكان فيرشان على الميت الماء الساخن ويقولان: هذا هدية أهلك لك، فهل الحديث هذا صحيح؟ وهل نحن آثمون على بكائنا؟ وما حكم تذكر الميت بعد وفاته بوقت طويل؟ وما حكم البكاء عليه؟ وهل للميت أضحية؟ play max volume
الجواب: البكاء على الميت فيه تفصيل: فإن كان البكاء بدمع العين من دون نياحة فلا حرج في ذلك، يقول النبي ﷺ لما مات ابنه إبراهيم: العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون، وقال ﷺ ذات يوم لأصحابه: اسمعوا! إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، وإنما يعذب بهذا أو يرحم، وأشار إلى لسانه وقال ﷺ: الميت يعذب في قبره بما نيح عليه.
فالميت إذا نيح عليه بالصوت المرتفع بالصياح، هذا جاء في الحديث أنه يعذب في الحديث الصحيح، عذاب الله أعلم بحقيقته، عذاب الله الذي يعلمه سبحانه وتعالى، وذلك يفيد أنه لا يجوز لأهل الميت أن ينوحوا عليه، أن يرفعوا الصوت بالنياحة عليه، يقول النبي ﷺ: ليس منا من لطم الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية ويقول ﷺ: أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة الصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها، والشاقة: التي تشق ثوبها، هذا كله لا يجوز.
أما الحديث الذي ذكره السائل: أنه يأتي ملكان يرشان على الميت ماء ساخناً فهذا لا نعلم له أصل، هذا الحديث ليس له أصل فيما نعلم، وإنما المحفوظ والمعروف: أن الميت يعذب في قبره بما نيح عليه هذا ثابت عن النبي ﷺ، لكنه عذاب الله أعلم بكيفيته، وفيه تحذير الأقارب والأصدقاء من النياحة على الميت؛ لأنه يضره.
وأما الصيام فلا أصل له، الصيام على الميت بعدد الأيام التي نيح عليه فيها، هذا لا أصل له، ليس عليكن صيام، ليس على أهله صيام، إنما عليهم التوبة إذا كانوا ناحوا، إن رفعوا الصوت عليهم التوبة إلى الله والندم، وعدم العود إلى مثل هذا، هذا هو الواجب، هذا من ناح ... من رفع صوته، يتوب إلى الله ويندم ويعزم أن لا يعود، ويترك ذلك الشيء هذا هو الواجب، التوبة فقط، أما الصيام فلا. والضحية لا بأس بها، إذا ضحى عن الميت إذا تصدق عنه كله طيب، إذا ضحى عن الميت أو عنه وعن ميته ذبيحة واحدة عن الرجل وأهل بيته، فيدخل فيهم الميت من أبيه وأمه، أو المرأة عن زوجها أو عنها وعن زوجها كله طيب، وهكذا الصدقة، الصدقة عن الميت، بالمال بالنقود أو طعام أو ملابس كله طيب، كله ينفع الميت، ثبت عنه ﷺ: أنه جاءه رجل فقال: يا رسول الله! إن أمي ماتت ولم توص، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال النبي ﷺ: نعم يعني: لها أجر، وقال عليه الصلاة والسلام: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له فالدعاء للميت والصدقة عنه ينفعه الله بذلك، وهكذا العلم النافع الذي خلف بين الناس، خلف طلبة يعلمون الناس، وخلف كتب نافعة يتعلم منها الناس، هذا ينفعه بعد الموت، كما أن الدعاء له والاستغفار له والترحم عليه ينفعه، هكذا تعمير المساجد بالنية عنه وقفاً له، مسجد أو مدرسة يعلم فيها القرآن والأحاديث والشريعة المحمدية هذا ينفع الميت، هكذا الأوقاف الطيبة، وقف على الفقراء، من بيوت تؤجر ويتصدق بأجورها على الفقراء، نخيل، بساتين توقف ويتصدق بثمرتها على الفقراء والمساكين وفي وجوه الخير، كل هذا ينفع الميت. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيراً، سماحة الشيخ! فرق بين النياحة والبكاء برفع الصوت إذا غلب الإنسان على ذلك، أو النياحة بالأجرة كما كان يفعل في المجتمع الجاهلي، بم توجهون الناس حول هذا ..... جزاكم الله خيراً؟
الشيخ: النياحة مثل ما تقدم، النياحة رفع الصوت سواء كان بأجرة أو بغير أجرة، كونه يرفع صوته من شدة الألم من شدة الحزن، أو مجاراة لغيره، أو رياء أو إرضاء لأهل الميت كل هذا لا يجوز.
أما البكاء العادي بدمع العين، أو مع صوت يسير خفيف هذا ما يسمى نياحة؛ لأن هذا قد يقع من الإنسان عند شدة المصيبة، أو كلمات قليلة تسمع من ولد الميت أو أخيه، مثل ما وقع لـفاطمة وغيرها بعد موت النبي ﷺ الشيء القليل يعفى عنه أما النياحة هي رفع الصوت والاستمرار في ذلك، هذا هو الممنوع، أما الشيء اليسير أو بدون صوت يعني: دمع العين لكن بدون صوت، بدون صوت يسمع هذا لا حرج، يسمى: بكاء.
المقدم: بارك الله فيكم، إذا غلب الإنسان أثناء البكاء وارتفع صوته سماحة الشيخ ... ؟
الشيخ: نرجو أن لا يضره إذا كان قليل، وبغير اختيار، بل غلبه الأمر من غير اختياره بل من شدة المصيبة، ومن شدة وقعة المصيبة، وقع منه شيء ثم تراجع وحذر لا حرج. نرجو أن لا يضره ذلك فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيراً.