عنوان الفتوى : قرار المرأة في بيتها في ميزان الشرع
تعليقا على سؤال: هل يجوز للأب منع ابنته من العمل تفضل المفتي المسؤول بالقول بأن على الأب أن يمنع ابنته من العمل خاصة إذا كانت غير محتاجة إليه على أن تجلس فى البيت، وأسأل هل من الدين عدم استيعاب الحاجات النفسية للإنسانة التي هي المرأة، مع وجود مشكلة العنوسة هل يحق أن تحرم المرأة فوق ذلك مما يشغل وقتها فى حدود الدين، ولنفرض أن هذا الأب أو الزوج توفيا وأصبحت المرأة وحيدة وهذا يحدث هل من السليم أن تكون راهبة المجتمع جاهلة بكيفية حماية نفسها إن اقتضى الأمر، ألا ترون أن النساء مكثن وحدهن بعدما فقدن الزوج والأب فى فلسطين وجنوب لبنان والبوسنة، هل ما تفتون به إذا معقول أم حتى يجوز اعتباره لصالح المجتمع الإسلامي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب عن أسئلتك هذه وتساؤلاتك نريد أولاً أن ننبهك إلى أن المفتى به عندنا هو أن العمل الذي يلائم فطرة المرأة الخلقية ووظيفتها الجسدية لا حرج فيه إذا ما أمنت الفتنة وروعيت الأحكام الشرعية من خلال امتناع الخلوة وجميع التصرفات غير الشرعية، وكان ذلك بإذن زوجها إن كانت متزوجة، وهذا مثل تدريسها للبنات أو عملها في مستشفى خاص بالنساء فلا حرج على المرأة في مثل هذه الأعمال، ولو لم تكن محتاجة بل قد يكون عملها مندوباً أو واجباً بحسب حالها والحاجة إليها.
وما لم تكن هناك حاجة حقيقية إلى عملها ضمن الشروط السابقة فقرارها في بيتها خير لها، والمصلحة في بقائها متحققة، وخروجها للعمل سيكون على حساب وظائفها المنزلية، والتي هي الأصل والأولى بالرعاية.
ثم اعلمي -أيتها الأخت الكريمة- أن مما لا يخفى على كل ذي لب أن المرأة هي العمود الفقري للأسرة، وكما قيل: وراء كل عظيم امرأة تربى في حجرها.
وعمل المرأة في بيتها إن ظننته أو ظنه البعض صغيراً فهو كبير تلتقي فيه كثير من التخصصات ويحتاج لما تحتاج له دول، يحتاج للعلم والفكر، يحتاج الدقة، يحتاج الإدارة، يحتاج الاقتصاد، يحتاج الرقة والإحساس، يحتاج لسمو المبادئ... وإن المرأة التي تنظر لعمل البيت نظرة استصغار لدليل على أنها لم تفهمه حق الفهم، ومن ثم لن تقوم به، كذلك الذين يرون أنها معطلة في بيتها إما أنهم لا يفهمون هذا العمل أو أنهم يفهمونه ولكن في قلوبهم مرض.
إن الاقتصاديين يعدون العمل المنزلي عملا منتجاً، حيث يقول د/ عبد الرحمن يسري أحمد: إن إهمال تقدير خدمات وأعمال ربات المنازل عند حساب الناتج القومي يؤدي إلى كثير من المغالطات. ويؤكد التقرير الصادر من الأمم المتحدة عن القيمة الاقتصادية لعمل المرأة في البيت فيقول: لو أن نساء العالم تلقين أجوراً نظير القيام بالأعمال المنزلية لبلغ ذلك نصف الدخل القومي لكل بلد، ولو قامت الزوجات بالإضراب عن القيام بأعمال المنزل لعمت الفوضى العالم: سيسير الأطفال في الشوارع، ويرقد الرضع في أسرتهم جياعاً تحت وطأة البرد القارس، وستتراكم جبال من الملابس القذرة دون غسيل، ولن يكون هناك طعام للأكل ولا ماء للشرب. ولو حدث هذا الإضراب فسيقدر العالم أجمع القيمة الهائلة لعمل المرأة في البيت..
والمرأة إذا بقيت في بيتها بقي حياؤها، وصانت عفافها، وحفظت فرجها، فقد ثبت من خلال الدراسات أن النساء العاملات يتعرضن لتحرشات جنسية من عبارات أو لمسات أو نحوها، وقد كشفت الدراسات الحديثة كعلم النفس وعلم الاجتماع وغيرهما من العلوم عن أهمية بقاء المرأة في بيتها وأثره الفاعل في صلاح الذرية، وبقاء المرأة في بيتها يجعلها تحافظ على أنوثتها الحقيقية، فالمرأة التي تكثر من الخروج تفقد أنوثتها تدريجياً كالقسوة في التعامل، والغلظة ورفع الصوت... وكما هو معلوم فإن الرجل يميل إلى المرأة التي يغلب عليها صفات الأنوثة من الرقة والرحمة والحنان ولين الجانب وحسن الكلام، وكل هذه الصفات يجدها في المرأة التي تقر في بيتها ولا تعرف الخروج إلا إذا دعت الحاجة، وكل ما ذكرناه هنا إنما هو غيض من فيض، وقطرة من مطر، فالمصالح المترتبة على بقاء المرأة في البيت لا يعلم قدرها إلا الله خالقها الذي أمرها بذلك، حيث قال جل وعلا: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب:33}.
فندعوك -أيتها الأخت الكريمة- إلى أن تهوني الأمر ولا تطرحيه بطريقة الإنكار، وأن لا تتغطى عنك الجوانب الإيجابية في قرار المرأة بالناحية المادية، وأن تعلمي أن المجتمع كل متكامل، وأي خلل حصل في ناحية من نواحي بنائه فلن تعوضه النواحي الأخرى ولو اجتمعت لذلك.
والله أعلم.