عنوان الفتوى : هل يشترك الزوج الجديد مع الزوج القديم في اللبن
الموضوع: أخي تزوج من امرأة لها بنت والآن وقد كبرت البنت فأحبتني وابتلينا بمرض الحب المحرم والطامة الكبرى أني ملتزم وأبتعد عن المعاصي قدر المستطاع وآمر بالمعروف أنهى عن المنكر فلذلك أخبرت أخي بالأمر فقال لي ولها الموضوع حرج جدا وكلام الناس وغيره فأنا نسيت الموضوع ولكن الفتاة يصعب عليها التفكير بغيري فنصحتها أن ننسى هذا الأمر لأني لا يمكنني مخالفة أهلي وبعد سنة تقريبا وقد كنت نسيت هذا الأمر أتفاجأ أننا عدنا نتبادل الحب والود ولكن لا أبدي لها أني مهتم حتى تنسى وأنا أخشى على نفسي الفتنة فأرجوكم أن ترشدوني على مخرج من هذا الموضوع لأنه يؤثر على إيماني وعلى صلاتي وأشعر أن كل الذنوب التي عافاني الله منها عوضتها في هذا الذنب. وأرجو منكم المعذرة على الإطالة. وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فكونك تبتعد عن المعاصي قدر المستطاع، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، هي سمات حسنة، ولكنها تجعلك أكبر مسؤولية من غيرك، وبالتالي فلا يليق بك أن تمارس أمرا تعلم أن الله قد حرمه.
وقد ورد الوعيد الشديد فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهو لا يأتمر بما يأمر به ولا ينتهي عما ينهى عنه. قال صلى الله عليه وسلم: يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك؟! ألم تك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه. رواه البخاري ومسلم.
وقال الشاعر الحكيم:
ابدأ بنفسك فانهها عن غيـها * فإذا انتهيت عنه فأنت حكيم
فهناك يسمع ما تقول ويقتدي * بالقول منك وينفع التعلــيم
ثم إذا كنت على ما ذكرته من حب تلك الفتاة وحبها لك، فما المانع من أن تخطبها من ولي أمرها وتتزوجها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لم يُر للمتحابين مثل الزواج. رواه ابن ماجه وصححه الألباني، وقال صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. رواه البخاري ومسلم.
وإذا كان المانع لك من الزواج بتلك البنت هو كونك تظن أن ذلك لا يجوز لأنها ربيبة أخيك، فاعلم أن الذي يحرم عليك هو بنت أخيك لا ربيبته إن لم تكن قد رضعت من لبنه أو لبن من يجعلها أختا لك أو بنت أخت أو نحو ذلك.
وهنا نشير إلى أن أخاك إذا كان قد تزوج بتلك المرأة وابنتها في سن الرضاع، ورضعت منها بعد دخوله بأمها، فإن أهل العلم قد اختلفوا فيما إذا كان ذلك الرضاع ينشر الحرمة بين قرابته أم لا.
فذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا ينشرها. قال السرخسي في المبسوط: وإذا ولدت المرأة من الرجل ثم طلقها وتزوجت بزوج آخر وأرضعت بلبن الأول ولدا وهي تحت الزوج الثاني، فالرضاع من الزوج الأول دون الثاني؛ لأن المعتبر من كان نزول اللبن منه لا من هي تحته، ونزول هذا اللبن كان من الأول.
وقال الشافعي في الأم: ولو تزوجت زوجا بعد انقطاع لبنها أو قبله ثم انقطع لبنها وأصابها الزوج فثاب لبنها ولم يظهر بها حمل فاللبن من الزوج الأول، ومن أرضعت فهو ابنها وابن الزوج الأول، ولا يكون ابن الآخر.
وغير بعيد من هذا ما ذهب إليه الحنابلة. جاء في الفروع لابن مفلح: وإن تزوج امرأة لها لبن من زوج قبله فحملت منه فزاد لبنها في أوانه فأرضعت به طفلا فهو لهما، وإن لم يزد أو زاد قبل أوانه فهو للأول, وإن انقطع من الأول وعاد بحملها من الثاني فهو لهما، وقيل للثاني. وإن لم يزد ولم ينقص حتى ولدت فهو لهما. نص عليه، وذكر الشيخ الثاني كما لو زاد.
وأما المالكية فيرون أن الزوج الثاني يصير شريكا في اللبن. قال الخرشي: ... فلو طلقها زوجها أو مات عنها ولبنه في ثديها ووطئها زوج ثان اشترك الثاني مع الذي قبله...
فقد تبين لك من هذا أن أكثر أهل العلم لا يرون اشتراك الزوج الجديد مع الزوج القديم في اللبن.
وأما إذا لم تكن البنت في سن الرضاع زمن تزوج أخيك بأمها، فإنهم متفقون على أن الحرمة لا تحصل.
وعلى أية حال، فإذا لم يكن في الإمكان أن تتزوج منها، لظروف اجتماعية أو اقتصادية، أو نحو ذلك... فالواجب أن تبتعد عنها، فإن فتنة النساء هي أضر الفتن، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق. فقد جاء في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. وروى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
ونسأل الله أن يعافينا وإياك من سائر الفتن.
والله أعلم.