عنوان الفتوى : حقيقة الزهد

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

أنا إنسان عادي لست متدينا أي لست حريصا على النوافل والسنن وأقترف أحيانا ذنوبا صغيرة أدعو الله أن يغفرها لي ولكن أشعر دائما بزهد أراه أحيانا ويراه بعض الناس عدم طموح فمثلا رزقني الله بطفل وطفلة وعندي من المال لآكل وأشرب أن أعيش حياتي اليومية بما يكفيني والحمد الله وقد أساعد الآخرين، وإذا قالت لي زوجتي مثلا إنها تحلم بأن يكون لدينا فيلا ومزرعة أقول لها إن هذا طمع علما بأنها لا تطالبني بأكثر من وسعنا ولكن مجرد أمنيات أو عندما قال لي صديق إنه ذهب ليحج ولم يكن معه مال يكفيه لما بعد الحج فطلب من الله أن يرزقه مالا لأنه آثر أن يحج وبالفعل رزق بالمال الوفير قلت له لماذا لم تطلب الآخرة مع الدنيا وطلبت الدنيا فحسب؟ وأتذكر الحديث القدسي الخاص بركض الوحش في البرية، وليس عندي سيارة ولا أتمنى ذلك برغم أنني قد أحتاج إليها أحيانا. وكل أملي في الدنيا هو ستر الله علي وأن يغنيني عن الحاجة للآخرين خاصة أنني أكره الاستعانة بالناس إلا في أضيق الحدود ، ولا أحب أن أجازف بأموالي في تجارة لأنني لست أحسنها ولكن الكثير يحثونني على ذلك ويقولون إن الرزق الوفير فيها. ولا أفكر كثيرا في المستقبل بل أحاول أن أحسن ما أفعله في حاضري وكل ما أرجوه أن يبارك الله في أولادي وألا يحيدوا عن سبيل الله. وعندما أفرح بأمر أو أرزق بمال أقول لنفسي في حينها لا تفرح كثيرا فإن النعمة لا تدوم وأقول اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه. ودائما ما أحسب حسابا للنتائج السلبية قبل الإيجابية في أي فعل أقدم عليه وكثيرا أيضا عندما أرى مصائب الآخرين أخشى أن تحدث لي مثلها وأدعو الله أن يبعدها عني وأقول إذا وقعت لي مثلها فما بيدي حيلة إلا الرضا بما وقع لي ولكن أقول لنفسي أيضا بشروا ولا تنفروا، ولا أثق في أن كل ما أفعله يرضي الله . وهكذا وأشياء كثيرة من هذا القبيل تدور في خلدي. لا أدعي أنني مثالي فأنا كثيرا ما أخطئ وأظل أعاتب نفسي، وأقرض بعض الشعر بيني وبين نفسي وعندما أعيد قراءته أراه متشائما، فهل هذا زهد بالفعل؟ أم سلبية؟ أم سوداوية؟ أم ماذا؟ وما حكم ذلك ؟ أفيدوني أفادكم الله.

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن حقيقة الزهد كما بينها أهل العلم هي : خلو القلب من التعلق بما لا ينفع العبد في الآخرة ، وقال بعضهم الزهد : إخراج الدنيا من القلب وجعلها في اليد استعدادا لبذلها وإنفاقها فيما يرضي الله تعالى ، وكان بعض السلف الصالح من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم يملكون الأموال الطائلة؛ ولكنهم كانوا أزهد الناس في الدنيا وأكثر إنفاقا لها في السر والعلانية فهذا هو الزهد الحقيقي. ولذلك فلا مانع شرعا أن يسعى المسلم لكسب المال بالوجوه الشرعية لأن ذلك لا ينافي الزهد .

وأما القناعة المحمودة شرعا فإنها لا تعني الكسل وضعف الهمة وعدم الطموح وعدم التطلع إلى الأفضل في أي مجال من مجالات الحياة، ولكنها الرضى بما قسم الله للعبد ولجم النفس عن الطمع فيما عند الناس ، لذلك ينبغي للمسلم أن يكون عالي الهمة يسعى لاكتساب الأفضل دائما وبكل وسيلة مشروعة لنفسه ولمجتمعة ولأمته، كما كان عظماء هذه الأمة ، فقد قال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله : إن لي نفسا تواقة، كلما نالت مرتبة تاقت إلى أعلى منها، حتى نالت الخلافة، وإنني الآن أتوق إلى الجنة وأرجو أن أنالها . كما في البداية والنهاية وحلية الأولياء .

وأما ملاحظتك على صديقك أنه لم يطلب الآخرة فهي واردة وفي مجالها، فقد علمنا الله عز وجل في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن نسأل الله من خيري الدنيا والآخرة، ومن أدعية النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في القرآن الكريم : رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {البقرة: 201 } .

وأما قولك : اللهم إني لا أسألك رد القضاء . فإنه لا ينبغي لما فيه من عدم الرغبة والإلحاح في الدعاء الجزم فيه وهي أمور مطلوبة في الدعاء، فإذا دعوت الله تعالى فليكن دعاؤك برغبة، وهذا الدعاء غير مشروع لما ذكرنا. وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتاوى : 1044 ، 50125 ، 5146 ، 34019 ، 60227 .

والله أعلم .