عنوان الفتوى : طاعة الوالدين في طلاق الزوجة بلا مسوغ شرعي
بسم الله والصلاة والسلام علي رسول الله, أرجوالإفادة في هذا الأمر فأنا في ضيق شديد وحيرة من أمريأنا شاب في الخامسة والعشرين من عمري, من أسرة ميسورة الحال والحمد لله. بدأت أسعى إلى الزواج بعد تخرجي من الجامعة, علماً بأني أملك كل المقومات التي تؤهلني للزواج والحمد لله. واجهت بعض الصعوبات للعثور علي الزوجة المناسبة لي, فتارة لا أجد في نفسي قبولاً نحو الفتاة وتارة والداي لا يجدان ارتياحاً إلى آخره من الأسباب الشبيهة, وكان عندي أساس ثابت في اختياري لزوجتي وهو أن يكون والداي راضيين عن الزواج ومباركين له. دامت فترة البحث حوالي سنتين, وأخيراً رشح لي أبى وأمي فتاة كانت جارة لنا في منزلنا القديم ويعرفان أسرتها معرفةً جيدة وأخذا يشجعانى ويرغباني في الزواج منها. وبالفعل قابلتها عدة مرات وأعجبت بها ووجدت فيها معظم ما كنت أريده في زوجتي, واستخرت الله وعزمت علي الزواج منها وقد كان حماس والداي لهذا الزواج من أهم الأسباب التي شجعتني علي الزواج من هذه الفتاة. وحيث إننى لم أكن أرغب في إطالة فترة الخطبة منعاً للوقوع في المخالفات الشرعية التي تحدث كثيراً في مجتمعنا في هذه الفترة, وحيث إننى كنت مقتنعاً تماماً بالفتاة, فقد طلبت من والداي أن يكون العقد في أسرع وقت, وقد وافقاني علي ذلك ولم يلاقى الأمر أيضاً معارضة من طرف والدي خطيبتى. وعليه حددنا موعداً قريباً لعقد القران. بدأت المشكلة قبل العقد بيوم واحد فقط, حيث حدث سوء تقاهم بين والدتي ووالدة خطيبتي أثناء شرائهم للشبكة وكاد الزواج أن يلغى إلا أن الله وفقني حينئذ في تهدئة الأمور بعد معاناة ومناقشات طويلة, وتم عقد القران بسلام. ولكن لم تكن أمى قد تناست الموضوع, وظلت تكتم ضيقها وامتنعت عن الاتصال بوالدة زوجتي, وبدأت الأمور تتدهور بين العائلتين مرة أخرى. دون الدخول في تفاصيل المشكلة, وكي لا أطيل عليكم, الخلاصة أن أبى وأمي طلبا منى طلاق زوجتي على الرغم من أنهم لم يكن لديهم أي اعتراض عليها وإنما على والدتها فقط, من وجهة نظرهم فقط, علماً بأن المشكلة تافهة في أصلها ولكنها ضخمت وعظمت من قبل أبى وأمي بشكل عجيب. أحسست بضيق شديد من طلبهم هذا وشعرت بأنه فيه ظلم شديد للفتاة ولي أيضاً حيث إنى قد تعلقت بها وأحسست بأنها الزوجة الصالحة التي كنت أبحث عنها طويلاً, مع العلم بأني كنت أتحرى رضا والدي في اختياري كما ذكرت سابقاً. استشرت عددا من الناس اللذين أثق في رأيهم من الحكماء ورجال الدين وأفتوني بأن هذا الطلاق سيكون فيه ظلم للزوجة ولا تجب طاعة الوالدين في هذا الأمر ولكن يجب علي الإحسان لهما ومحاولة إقناعهم بالحسنى مع التمسك بالزواج, وتتطوع البعض لمقابلة أبى وأمي ومناقشتهما إلا أنهما كانا في غاية القسوة والتعسف وبدءا يتوعداني ويقسمان بأنهما لن يرضيا عني حتى أطلقها وأنى بذلك سأكون عاقاً لهما حتى أن أمى بدأت في الدعاء علي !!!!! متجاهلين تماماً الأضرار التي سوف تنتج عن هذا الطلاق وكانا يريان أيضاً أنه لا يعتبر طلاقا حقيقياً وليس فيه ضرر للفتاة حيث إنها غير مدخول بها !!!!الحقيقة أنى كنت في ضيق شديد منهم, وتركت العمل مع والدي وبدأت العلاقة بيني وبينهم تسوء حتى أحسست أنه من المستحيل استمرار الحياة بهذا الأسلوب وأنى سأكون قد جنيت على زوجتي إذا جعلتها تعيش في هذه الأجواء, وحيث إنني كنت أخشى الوقوع في عقوق الوالدين حيث إننى في بعض الأحيان كنت أثور وأتكلم بطريقة غير لائقة مع والدي متأثراً بالضغوط النفسية الكبيرة, فقد استخرت الله وعزمت على الطلاق درءاً للمفسدة الأكبر التي يمكن أن تعود علي وعلى زوجتي إذا استمر هذا الزواج. مشكلتي الآن أنه بعد الطلاق علاقتي بوالدي لم تتحسن كثيراً, فلا أستطيع أن أتجاهل ما حدث أو أن أنسى القهر والأذى الذي تعرضت إليه من أقرب الناس إلي. أحاول جاهداً مقاومة الشعور السيء الذي ينتابني في الكثير من الأحيان تجاههما ولكني لا أستطيع, مع العلم بأني أحاول أن أعاملهم بالحسنى قدر المستطاع ولكن للأسف فإن المعاملة ينتابها البرود نتيجة لهذا الشعور الذي لا أستطيع أن أقاومه. المشكلة الأخرى التي أواجهها هى أنه علي الرغم من احتياجى للزواج وإلى من يشاركني حياتي, أصبحت خائفاً من تكرار هذه المأساة, كما أن شعوري بالذنب الشديد لطلاق هذه الفتاة وحبي لها يمنعني من البحث عن من يأخذ مكانها, فأنا أشعر بأن في ذلك خيانة لها وعدم مبالاة بما قد لحق بها من أذى. هذا بالإضافة إلى شعوري بالوحدة الشديدة, فأنا الآن لا أجد من أبوح له بما في نفسي أو أشكو إليه همي, فلم أعد أرتاح للحديث مع أهلي وقد فقدت الزوجة, وإن تعاطف معي الناس فإن لكل واحد همه ومشاكله التي تكفيه. أفيدوني بالله عليكم, وجزاكم الله خيراً علي صبركم وحسن استماعكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه لا يلزم الولد أن يطلق زوجته لطلب والديه منه ذلك لغير مسوغ شرعي وسبق بيانه في الفتوى رقم:3651، وإذا أطاعهما وقدم رضاهما، فنرجو أن يكون مأجورا على نيته، ونسأل الله أن يأجر السائل على ذلك، وأما عن مشكلته، فإنه لا يؤاخذ على شعوره بالظلم الذي تعرض له، وما يحس به من القهر والأذى النفسي مما حدث من والديه، فالأمور القلبية التي لا يد للإنسان فيها لا يؤاخذه الله سبحانه عليها، مثل الحب والبغض ونحو ذلك، لكن ينبغي له أن يسأل الله عز وجل ويدعوه أن يذهب عنه هذا الشعور، حتى لا يحمله على الوقوع في ما حرم الله من العقوق.
ويجب عليه أن يحسن إليهما ولا يسمعهما قولاً سيئاً حتى التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيء ولا يصدر منه إليهما فعل قبيح، وأن يقول لهما قولاً ليناً طيباً حسناً بتأدب وتوقير وتعظيم، وأن يتواضع لهما بفعله وأن يقول رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ، فإذا فعل ذلك فلا يضره ما يجد في صدره.
وأما عن مشكلته الأخرى فنقول: ابحث عن ذات الدين، واحصل على رضا والديك عنها، فإذا عقدت عليها، ثم غير والداك رأيهما بغير عذر معتبر شرعا، فلا يلزمك طاعتهما في طلاقها.
وفقك الله لكل خير.
والله أعلم.