عنوان الفتوى : الزواج إن لم يحقق مقصوده وصعب أمر الإصلاح فالأولى هو الطلاق
أنا شاب عمري ٢٥ سنة، خطبت منذ ستة أشهر، وتزوجت منذ شهرين، وأنا أشعر أنني غير مرتاح مع زوجتي إطلاقًا، وهذا الشعور من اليوم الثاني لخطبتنا؛ حيث اكتشفت فيها أنها فتاة طفولية، ولا تتحمل مسؤولية نفسها، وكسولة جدًّا، وحاولت أن أغيّر فيها هذه الصفات، وأنصحها بكل الطرق الممكنة، لكن دون فائدة، وقد صبرت عليها كثيرًا، وحصل بيني وبينها أثناء فترة الخطبة مشاكل كثيرة بسبب عقلها الصغير، واستيعابها البطيء. كانت أثناء فترة الخطبة تهتم بالمكياج، والزينة، ولقاء صديقاتها اللواتي هنّ على نفس شاكلتها، وقد حاولت أن أنصحها وأغيّر فيها كثيرًا، وأبعدها عن صديقات السوء، وأحببها في النقاب الشرعي، وقراءة القرآن، وقيام الليل، والبعد عن المسلسلات، وكانت تظن أني بهذه النصائح عدو لها، ولا أريد مصلحتها، وطلبت مني مرارًا أن يكون لها حسابات على مواقع التواصل، لكنني رفضت؛ لأنني أعلم أنها تفسد الأخلاق، وتضيع الأوقات، وكنت أضغط عليها أحيانًا؛ حتى تغير سلوكها، وتصرفاتها، لكن دون جدوى، وهددتني بالانتحار أكثر من مرة، وأنها لا تطيق العيش معي، وأنها لم تعد تريدني، ومع ذلك تحملت؛ احترامًا لأهلها، وقلت: هذه المشاكل طبيعية، تحصل بين المخطوبين، وهي فترة تعارف، ولا بد للمشاكل أن تقع، ولا أريد أن يتشمت أحد فيَّ، ولم أخبر أحدًا بهذه المشاكل أبدًا، وهذا كله في فترة الخطبة، التي استمرت أربعة شهور، وكنت آمل وأقول في نفسي: هذه المشاكل ستنتهي بمجرد أن نتزوج، وتبتعد عن صديقاتها، وسأحاول عن قرب إصلاحها، وتتبع تصرفاتها. تزوجنا، وزادت المشاكل، وفي صبيحة ليلة الدخلة أخبرت أكثر من صديقة لها عن الذي حصل بيني وبينها ليلة الدخلة، فأزعجني هذا الأمر جدًّا، ولم أبدِ لها ذلك، وكرهتها جدًّا، ولم أعد أرغب فيها زوجة لي، وما أشعرتها بذلك، وكنت أقول: ستتغير، وفي اليوم الثالث من زواجنا خرجت من المنزل للصلاة، وعند عودتي دخلت البيت مهمومًا كأن جبال الأرض على صدري، فسألتني: ما بك؟ لماذا أنت متغير عليّ؟ لماذا تبتعد عني؟ واستفزتني بأسئلتها، وحصل بيني وبينها خلاف، أدّى إلى طلاقها، وأخبرت إخوتها بالذي حصل، ووعدوني أن تتغير، وأن يهذبوها، وذهبت للمفتي، وأرجعتها على ذمتي، واكتشفت مؤخرًا أنها مريضة، وتعاني من تشنجات، وتتعرض لنوبات، وتأخذ مهدئات، وإبرًا، وقد حصل هذا أمام عيني، فأصبحت لا أطيقها نهائيًّا، ولا أشعر تجاهها بأي شعور، ودائمًا أدعو لها بالصلاح، والهداية، وأريد أن أطلقها، وأخاف أن أظلمها، فلو طلقتها، وأعطيتها كل حقوقها، فهل أكون بذلك قد ظلمتها؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج همّك، وينفّس كربك، ويصلح لك زوجك.
والطلاق مباح، وخاصة إن دعت إليه حاجة، ويكره لغير حاجة، كما نص على ذلك أهل العلم، وانظر الفتوى: 93203.
فلا تكون ظالمًا لزوجتك، بمجرد طلاقك لها.
والزواج إن لم يحقق مقصوده، بل استحالت العشرة بين الزوجين، وصعب أمر الإصلاح، فالمصير إلى الطلاق هو الأولى، قال ابن قدامة في المغني: فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة، وضررًا مجردًا، بإلزام الزوج النفقة، والسكنى، وحبس المرأة، مع سوء العشرة، والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح؛ لتزول المفسدة الحاصلة منه. اهـ.
ونرجو أن ينتبه الناس إلى أن من أهم أسباب التوفيق في أمر الزواج التروي، والتحري عند الاختيار، فلا يعجل المرء إلى خطبة الفتاة؛ حتى يسأل عنها الثقات من الناس ممن يعرفونها، فإن أثنوا عليها خيرًا، ولا سيما في جانب دِينها، وخُلُقها، تقدم لخطبتها، واستخار الله عز وجل في ذلك، وراجع الفتوى: 8757.
ومن عوامل النجاح أيضًا أن يتقي الخاطبان ربهما في فترة الخطبة، فالمخطوبة أجنبية عن خاطبها؛ حتى يعقد له عليها العقد الشرعي، ولكن تقع في هذه الفترة مخالفات؛ بسبب التساهل في التعامل بين الخاطبين، فينتج عن ذلك شيء من المشاكل بينهما، وهذا مما يحدث كثيرًا، ونرجو مطالعة الفتوى: 343282.
وننبه في الختام إلى أمرين:
الأمر الأول: أن إفشاء أسرار الحياة الزوجية، ولا سيما أمور الفراش، منكر من المنكرات، وسبق بيان ذلك في الفتوى: 118942.
الأمر الثاني: أن النوبات، والعصبية التي تنتابها، لا يثبت بها خيار الفسخ، إن لم يصل الحال إلى حد الجنون، أو العبث، والإيذاء، وقد أوضحناه في الفتوى: 50782.
والله أعلم.