عنوان الفتوى : حكم حديث الفتاة مع الشاب بغرض التعرف إلى شخصيته
هل يجوز أن تتحدث الفتاة مع شاب بالهاتف، بغرض تعرف كل منهما إلى شخصية الآخر، ومن ثم اتخاذ قرار بشأن الزواج من عدمه؟ ويكون الحديث في حدود الشرع، والمكالمة بالهاتف فقط، ولا يوجد فيها كلام حب، ولا غزل، أو أي كلام خاص، أو وصف لشكلها، أو غيره، إنما حديث عن مواضيع عامة اقتصادية، أو دينية، أو اجتماعية، ورأي كل من الطرفين فيها، علمًا أن أهل الفتاة على دراية بحديثها مع الشاب، ولا يمانعون، فهم يأمنون الفتنة؛ لصلاح الفتاة، فإذا أمنت الفتاة الفتنة على نفسها، بأنها لا يمكن أبدًا أن تسمح للشاب بأكثر من ذلك مهما كان، ومهما يكن فهل يجوز ذلك؟ وأرجو منكم أن لا تقولوا: إنه لا يمكن أن تأمن الفتنة، بل من الممكن ذلك لمن في نفسها إرادة قوية، وتعرف ما تقوم به، ولا تسمح بأن تنتهك حرمات الله أبدًا. ولا يوجد ضرر أو غش للفتاة، أو استغلال لها إذا لم يحدث زواج بعد هذا التعارف، فلا يوجد وعد بالزواج منذ البداية، وكل شيء على علم ودراية الأهل بذلك، فإذا توافقت شخصياتهما وقررا الزواج يتزوجان، وإذا لم يتفقا، ذهب كل في حاله، وفي بلدي يتم الزواج بهذا الشكل، فهو الشكل المتعارف عليه، وأنا في الحقيقة لا أجد فرقًا بين التعارف بهذه الطريقة، والتعارف الذي يكون بعد الخطبة، فهل يمكن أن تخبروني ما الفرق، فكلاهما رجل أجنبي عنها تحادثه بغرض الزواج، وكلاهما فيه احتمالية أن يتم الزواج أو لا يتم، وفي الخطبة تعلم الفتاة بحالة الشاب المادية، والاجتماعية، والعملية، وكل شيء، وفي هذا التعارف نفس الشيء، حيث يكون هذا هو المنطلق في قبولها الحديث معه أو لا، فلا تتحكم عواطفها في القبول بهذا العريس من عدمه، وبعلم الأهل في كلا الحالتين، فأين الخطأ؟ وأين المشكلة؟ وبالنسبة لجدية الشاب: فيمكن أن يتقدم شاب لفتاة فقط لغرض التحدث معها، ثم يتركها، فلا نستطيع أن نحكم على الشاب الذي لم يخطب فتاة ويحادثها هاتفيًّا بأنه يلعب بمشاعرها، بل أقول لكم: إن الزواج يتم بهذه الطريقة في بلدي، أي إنه شيء يحدث فعلًا، وعلى نطاق واسع، بل إن احتمالية جدية الشاب أقل من احتمالية عدم جديته؛ لأن الزواج يتم على هذا النحو، فالأمثلة كثيرة حولي، ولا يتم عن طريق الصالونات، وأجدها طريقه تحفظ الحقوق، ومحترمة، لكن لا أعرف ما رأي الدين فيها؟ يلجأ الشباب لهذه الطريقة بدون خطبة؛ لما ينتج عن الخطبة التي تكون بدون التعرف أولا إلى شخصية الفتاة من مشاكل، منها أنه يتقدم لفتيات كثيرات لا يعلم هل يوافقن أم لا، ثم يقابل بالرفض، ولكن بهذه الطريقة يطرق الباب موقنًا بالإيجاب، ولأنه إذا فشل التعارف عند إعلان الخطبة يتحدث الناس عن أن فلانًا وفلانة كانا مخطوبين، ثم تم الفسخ، فيبدأ الناس بالإدلاء بآرائهم عن سبب الخطبة، ويؤذون الطرفين بذلك، ويتخرصون بأنها ربما أرادت مهرًا عاليًا، أو أنه فقير لم يستطع، فيكونان تحت ألسنة الناس، وأيضا حينما ترفض الفتاة شابًا بالخطبة، يذاع أن فلانة رفضته، وتبدأ غالبية الفتيات بالرفض، وهكذا، وهذه أسباب الشباب في عدم التقدم بالخطبة إلا بعد التعرف إلى الفتاة أولًا بحدود الشرع.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلدينا في البدء تنبيه عام، وهو أنه لا ينبغي للسائل أن يحاول التأثير على المفتي ليجيبه بجواب معين، والمفترض في السائل أنه يجهل الحكم الشرعي، فيسأل ليبين له هذا الحكم، والمفتي ليس خصمًا له، وإنما المطلوب منه أن يبين الحكم الشرعي من وجهة نظره، فيذكره بغض النظر عن أن يكون ذلك في مصلحة السائل، أو ضد غرضه.
ومحادثة المرأة للرجل الأجنبي، ذريعة إلى ما لا يجوز، وخاصة إن كانت شابة؛ فهذا أدعى للفتنة؛ ومن أجل هذا شدد الفقهاء في المنع من الحديث إلى الأجنبية الشابة، ويمكنك أن تراجعي كلامهم في الفتوى رقم: 21582، فالكلام معها محرم إلا لحاجة، وفي حدود الضوابط الشرعية، والتعارف ثم الخطبة، ليس بالحاجة المعتبرة شرعًا، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: يقول بعض الخاطبين: إنني أحدثها من أجل أن أفهم عن حالها، وأفهمها عن حالي، فيقال: ما دمت قد أقدمت على الخطبة، فإنك لم تقدم إلا وقد عرفت الشيء الكثير من حالها، ولم تقبل هي إلا وقد عرفت الشيء الكثير عن حالك، فلا حاجة إلى المكالمة بالهاتف، والغالب أن المكالمة بالهاتف للخطيبة لا تخلو من شهوةٍ، أو تمتع شهوة، يعني شهوة جنسية، أو تمتع، يعني تلذذ بمخاطبتها، أو مكالمتها، وهي لا تحل له الآن حتى يتمتع بمخاطبتها، أو يتلذذ. اهـ.
والنظر إلى المخطوبة إنما يجوز في حق من عزم على الخطبة، وغلب على ظنه أن يجاب، كما ذكر أهل العلم، وأما قبل ذلك فلا يجوز؛ لأن الأصل فيه المنع، قال البهوتي الحنبلي في الروض المربع: ويباح له: أي لمن أَراد خطبة امرأَة، وغلب على ظنه إِجابته، نظر ما يظهر غالبًا... اهـ. قال ابن قاسم معلقًا في الحاشية: وإلا لم يجز، كمن ينظر إلى امرأة جليلة يخطبها، مع علمه أنه لا يجاب إلى ذلك. اهـ.
وإذا علمت أن الأصل التضييق في هذا الجانب، وأن الإباحة في حدود ضيقة تتحقق بها الحاجة، تدركين عندها الفرق بين هذا القدر الذي أباحه الشرع، وبين ما ذكرت من التعارف من خلال الحديث بين الطرفين، ومناقشة أمور اقتصادية، ودينية، واجتماعية، فهذا توسع غير مرضي، وفيه فتح للباب لأصحاب الأغراض والشهوات، ومن يلعبون بعواطف الفتيات، والشريعة قد جاءت بسد الذرائع، ومنع أسباب الفتنة.
وشأن المؤمن أن لا يزكي نفسه بأنه يأمن الفتنة، ولا يتأثر، بل يخاف أن يفتن، فيطلب السلامة، ويسلك جانب الاحتياط، وفي الحديث المتفق عليه من رواية النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه، وعرضه. وروى الترمذي، والنسائي عن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك، إلى ما لا يريبك.
وفي الختام: نسأل الله أن يوفقك إلى الزوج الصالح الذي تغتبطين به، وتسعدين معه، ويرزقك منه ذرية طيبة، تقر بها عينك في دنياك، وأخراك.
وننبه إلى أن المخطوبة أجنبية عن خاطبها حتى يعقد له عليها العقد الشرعي، فهي كغيرها من الأجنبيات، فما ذكرناه هنا يشملها أيضًا.
والله أعلم.