عنوان الفتوى : من أدب الصديق مع صديقه
بسم الله الرحمن الرحيم وكما قال رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم اثنان تحابا في الله فظلهم الله بظله يوم القيامة كم تمنيت أن نبقى إخوة في الله، وكان أهون علي أن أفارقه من أن أعلم حقيقته المرة وأن أكتشف خبثه وخداعه، فظهر أن صاحبي ممثل بارع أوهمني بطيبته، ولكني تأكدت من مرضه فاعتقدت أن من يمثل على الآخرين ويتظاهر بالكمال ويحاول جاهداً إخفاء عيوبه يحتاج إلى علاج، فماذا أفعل هل أصارحه بما علمت وكيف لي بمساعدته فأنا أحتاج لوقت أتقبل فيه ما حدث، ومن الصعب أن أتخلى عنه بسبب ظروف يمر بها وهو في النهاية رفيقي، فأرجو مساعدته من فضلكم ساعدوني إن استطعتم؟ مع خالص الاحترام والتقدير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمحبة في الله عظيمة جداً لما يترتب عليها من الثواب الجزيل، كما في قوله صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله قال: .... ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه. متفق عليه، قال المناوي في فيض القدير: (رجلان تحابا) بتشديد الموحدة وأصله تحاببا أي أحب كل منهما صاحبه (في الله) أي في طلب رضي الله أو لأجله لا لغرض دنيوي (فاجتمعا على ذلك) أي على الحب المذكور بقلوبهما (وافترقا عليه) أي استمرا على محبتهما لأجله تعالى حتى فرق بينهما الموت ولم يقطع تحابهما عارض دنيوي...
والمحبة في الله هي الباقية وغيرها ينقلب إلى عداوة وبغضاء، كما قال الله تعالى: الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {الزخرف:67}، وقوله تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا {الفرقان:27-28}.
وقد أمر سبحانه وتعالى بصبر النفس مع الأخيار والبعد عن الأشرار أصحاب الأهواء، كما في قوله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف:28}، وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً بليغاً بديعاً للصاحب الصالح والصاحب السوء فقال: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك, وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك, وإما أن تجد ريحا خبيثة. متفق عليه واللفظ لمسلم.
فإن كان ظهر من صديقك ما يدل على خبثه وخداعه وأنه صاحب سوء فننصحك بتجنبه لأن الصاحب ساحب, والمرء على دين خليله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. أخرجه أبو داود والترمذي، وقديما قيل:
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه * فكل قرين بالمقارن يقتدي
وأما إن كان صاحبك جليسا صالحا وصديقا حسنا ولكن تصدر منه بعض الأخطاء فاعذره وتمسك به وبين له خطأه وانصحه فكل الناس يخطئون، وينبغي أن تتثبت قبل نسبة الخطأ إليه فقد تكون واهما أو أنه صاحب عذر ونحو ذلك، واعلم أن من طلب صديقاً مبرءاً من كل عيب بقي ولا صديق له:
تريد مبرءا لا عيب فيه * وهل نار تفوح بلا دخان
ولبشار أبيات جميلة في هذا المعنى حتى أصبحت مثلاً يقول فيها:
إذا كنت في كل الأمور معاتباً * صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
فعش واحداً أو صل أخاك فإنه * مقارف ذنب مرة ومجانبه
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى * ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
أما مسألة مساعدته فلا حرج فيها ولو لم تكن تنوي مصادقته فساعده وفرج كربته ابتغاء وجه الله، ففي الحديث: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه, من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته, ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة, ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. رواه مسلم. وللاستزادة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 42007، 61401، 7119.
والله أعلم.