عنوان الفتوى : موافقة عادات الناس أو مخالفتها من منظور شرعي
سمعت أن هناك حديثا ينهى عن فعل ما ينكره الناس، ويستغربون منه، وما يخالف عاداتهم وتقاليدهم. فهل هذا صحيح؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فعادات الناس وتقاليدهم ليست سواء، فمنها ما هو مخالف للشرع، ومنها ما لا يخالف الشرع.
والقسم الأول وهو المخالف لما جاء به الشرع، لم يأت حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يمنع من مخالفته، بل الواجب مخالفة الناس فيه؛ لأن طاعة الله تعالى وطاعة رسوله، أحق من مسايرة الناس في الباطل، وهذا معلوم ظاهر، فمثلا جرت عادة الرجال في كثير من المجتمعات بحلق اللحى، وجرت عادة النساء في كثير من بلاد المسلمين بالتبرج والسفور حتى صارت المحجبة شامةً في المجتمع، ومخالِفَةً لما عليه جمهوره نسائه. ومع ذلك فالواجب مخالفة تلك العادات؛ إذ يجب على الرجل أن يعفي لحيته، ويجب على المرأة أن تلبس الحجاب الشرعي ولو تبرجت نساء العالمين.
وأما القسم الثاني وهو العادات والتقاليد التي لا تخالف ما جاء به الشرع، كعاداتهم في اللباس، فينبغي للمسلم أن لا يخالف المجتمع فيه؛ تأليفا للقلوب، وحتى لا يتسبب في غيبة الناس له.
جاء في مطالب أول النهى: لَا يَنْبَغِي الْخُرُوجُ مِنْ عَادَاتِ النَّاسِ؛ مُرَاعَاةً لَهُمْ وَتَأْلِيفًا لِقُلُوبِهِمْ، إلَّا فِي الْحَرَامِ إذَا جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِفِعْلِهِ، أَوْ عَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِهِ، فَتَجِبُ مُخَالَفَتُهُمْ، رَضَوَا بِذَلِكَ أَوْ سَخِطُوا. اهـ.
وفي حاشية النجدي على الروض: ولئلا يحملهم على غيبته، وفي الغنية: الشهرة كالخروج عن عادة أهل بلده وعشيرته .. اهــ.
ومما يدل على عدم مخالفتهم فيه، ما جاء من النهي عن لباس الشهرة كما في حديث: مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ، أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
قال السفاريني الحنبلي في شرح منظومة الآداب: يُكْرَهُ مُخَالَفَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ فِي اللِّبَاسِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْبَسَ مَلَابِسَ بَلَدِهِ؛ لِئَلَّا يُشَارَ إلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ، وَيَكُونَ ذَلِكَ حَامِلًا لَهُمْ عَلَى غَيْبَتِهِ، فَيُشَارِكَهُمْ فِي إثْمِ الْغَيْبَةِ لَهُ. وَفِي كِتَابِ التَّوَاضُعِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا مَرْفُوعًا: «نَهَى عَنْ الشُّهْرَتَيْنِ». اهــ.
ومما يدل عليه أيضا عدول النبي صلى الله عليه وسلم عن بناء الكعبة على أساس إبراهيم، مراعاة لحال الناس، وحتى لا يثير بينهم ما قد يستنكرونه، كما في حديث عائشة -رضي الله عنها-: ... وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ، لَنَظَرْتُ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ، وَأَنْ أُلْزِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ. متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وقد ورد عن الإمام أحمد أنه ترك سنة المغرب القبلية بعد الأذان؛ لأن الناس لا يعرفونها، وقد يستنكرونها.
قال ابن مفلح الحنبلي في الفروع: قال ابن عَقِيلٍ: لَا يَنْبَغِي الْخُرُوجُ عن عَادَاتِ الناس؛ لِتَرْكِهِ عليه السَّلَامُ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ، وَتَرْكِ أَحْمَدَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ المغربِ، وقال: رَأَيْت الناس لَا يَعْرِفُونَهُ. اهـ.
والله تعالى أعلم.