عنوان الفتوى : بين إفشاء السر وإبرار المقسم
إذا تكلم شخص مع آخر وقال له إن هذا سر بينهما ثم جاء شخص آخر وأمن أحدهما على أن يقول له الكلام الذي دار بينهما فهل على هذا الشخص الذي أُمّن أن يفشي السر الذي دار بينه وبين الشخص الأول على الرغم من أنه إذا قيل السر سوف يحصل فتنة بعض الأحيان ؟ وهل قول" أمانة عليك" يعد حلفاً ؟ وجزاكم الله كل الخير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن استؤمن على سر فإنه لا يجوز له إفشاؤه ولو أقسم عليه غيره أن يفشيه إياه إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق لقوله صلى الله عليه وسلم : إنما الطاعة في المعروف . رواه البخاري ، ولا يعارض ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عند البخاري أيضا فيما يجب للمسلم على أخيه : وإبرار المقسم . قال في تحفة الأحوذي ( وإبرار المقسم ) أي الحالف يعني جعله بارا صادقا في قسمه أو جعل يمينه صادقة، والمعنى أنه لو حلف أحد على أمر مستقبل وأنت تقدر على تصديق يمينه ولم يكن فيه معصية كما لو أقسم أن لا يفارقك حتى تفعل كذا وأنت تستطيع فعله فافعل كيلا يحنث . اهـ وإفشاء السر معصية فلا تفشه لأحد ولو أقسم عليك سيما إذا كان خاصا بصاحبه أو يترتب على إفشائه ضرر به أو بغيره، فقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة . وقال : لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له . رواه أحمد بسند حسن ، وقال الحسن البصري : إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك ، وقد أمر المولى جل وعلى بحفظ الأمانة ورعايتها فقال : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا {النساء: 58 } وقال سبحانه : فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ {البقرة: 283 } ومن الأمانة حفظ السر، ويحصل إفشاؤه ولو كان إلى واحد، وقد قيل السر إذا جاوز الاثنين فشا ، ولكن يستثنى من ذلك بعض الحالات التي يجوز فيها إفشاء السر. وقد بيناها مفصلة في الفتوى رقم : 38889 ، والفتوى رقم : 24025 .
وأما قول المرء لغيره : " أمانة عليك " هل يعد حلفا أم لا ؟ فالجواب عنه أنه إذا قصد بذلك الحلف كان حلفا وهو المتبادر هنا إن قال: أمانة عليك لتخبرني بذا لوجود لام القسم وهو محرم لما بينا في الفتوى رقم : 14172 ، وإن لم يقصد به الحلف فلا يعد حلفا ، والمهم هنا أن السر لا يجوز إبداؤه إذا لم يأذن صاحبه أو يكون في كتمانه ضرر على نحو مابينا، ولو أقسم من يريد إفشاءه على حامله فلا يجيبه إلى ذلك ولا يبر قسمه قال النووي في شرحه على صحيح مسلم عند قول أبي بكر للرسول صلى الله عليه وسلم: فوالله يا رسول الله لتحدثني ما الذي أخطأت قال لا تقسم ) هذا الحديث دليل لما قاله العلماء أن إبرار المقسم المأمور به في الأحاديث الصحيحة إنما هو إذا لم تكن في الإبرار مفسدة ولا مشقة ظاهرة، فإن كان لم يؤمر بالإبرار لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبر قسم أبي بكر لما رأى في إبراره من المفسدة .. اهـ .
والله أعلم .